الاثنين، 7 نوفمبر 2016

الأسود الألمانية بالعرائش

الأسدين الرخاميين بمدخل حديقة الهيسبيريديس أو ما يعرف حاليا بحديقة الأسود
  محمد عزلي

تكالبت القوى الإمبريالية على المغرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين طامعة في احتلاله، وبلغ الأمر أوجه عندما قام قيصر ألمانيا " Wilhelm IIفلهلم الثاني أو وليام الثاني أو غيوم الثاني" (1859/1941) بزيارته الشهيرة لمدينة طنجة بتاريخ 31 مارس 1905 حيث ألقى خطابا مدويا طالب فيه المغرب بالحفاظ على استقلاله مهددا بذلك كل القوى الإمبريالية الطامعة في أراضيه، الشيء الذي أرغم كل الأطراف المتنازعة في "المسألة المغربية" على الجلوس إلى طاولة المفاوضات المباشرة في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906.
وفي إطار استعدادات تمثيلية الدولة الألمانية بمدينة العرائش لاستقبال القيصر الألماني، قام الماريشال "ريشاوشن" المقيم في المدينة بإحضار تماثيل الأسود، وهي عبارة عن منحوتات رخامية ألمانية الصنع، كان عددها على الأرجح أربعة حسب روايات شهود عيان، يعود تاريخ نحتهم إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدا سنة 1892 بمدينة درسدن عاصمة ولاية سكسونيا شرق ألمانيا، تم إحضارهم لمدينة العرائش عبر القطار من ألمانيا إلى إسبانيا، ثم نقلوا بعدها بحرا إلى مرسى العرائش، نحتت التماثيل من رخام تم جلبه من منطقة "Bohemia بوهيميا" غرب جمهورية التشيك حاليا خصيصا لوضعهم بمدينة العرائش، اثنين من أصل الأربعة، هما الأسدين المتواجدين اليوم بمدخل حديقة الأسود وهي تسمية حديثة فرضتها دواعي التداول المحلي، أما الاسم الأصلي للحديقة التي أنشأها المعمر الإسباني زمن الحماية في الثلث الأول للقرن العشرين هو " Hespéridesالهيسبيريديس" نسبة إلى بساتين التفاح الذهبي بمدينة ليكسوس - موقع أثري بمدخل مدينة العرائش - حسب الميثولوجيا اليونانية في التاريخ القديم، أما الأسد الرخامي الثالث فقد اختفى من مكان انتصابه فوق  بوابة مصنع ألماني سابق للمواد الكيماوية ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية، والذي عرف لاحقا عند عموم العرائشيين باسم "دار الدباغة" الذي كان متواجدا في الشارع المعروف ب "العقبة د اليمان" نسبة إلى ألمانيا وهو شارع الإمام علي بن أبي طالب على الطريق الوطنية رقم 1، بينما التمثال الرابع فلا علم لنا بمصيره أو المكان الحقيقي لتواجده في ظل تناقض شهادات الذاكرة الشعبية وتضارب الروايات والأحجيات.
تجدر الإشارة إلى أن هناك رواية  تحكيها الذاكرة الشعبية المحلية لا يمكننا تجاهلها وفي الوقت ذاته لا نملك ما يؤكدها من وثائق، مفادها أن التماثيل أعدوا ليكونوا هدايا من قيصر ألمانيا (وليام الثاني) إلى سلطان المغرب آنذاك مولاي عبد العزيز بن الحسن، وسبب بقائهم بمدينة العرائش له روايتين أيضا، الأولى تحكي عن عدم اتفاق بين الزعيمين، حيث أن القيصر لم يتمكن من بلوغ أهدافه من هذه الزيارة، فأمر بترك التماثيل بالعرائش على أساس أن المدينة ستصبح عاجلا أم آجلا تحت السيطرة التامة والسيادة الفعلية لألمانيا القيصرية، أما الرواية الثانية، فمفادها أن القيصر الألماني استقدم 12 أسدا رخاميا، تعذر ترحيل جميعها برا إلى بلاط السلطان بفاس فتركت 4 منها بالعرائش لتأثث فضاءات المدينة كذكرى مخلدة لقيصر الألمان.
لكن الأكيد اليوم هو أن الأسدين الرخاميين الألمانيين الموجودين ببوابة حديقة الهيسبيريديس، شاهدين ماديين على مرحلة تهافتت فيه اثنتي عشرة دولة إمبريالية على احتلال المغرب واستغلال موقعه وخيراته وممارسة أفظع أوجه الرأسمالية المتوحشة.


الأسد المختفي من مكانه فوق مصنع الأسلحة الألماني سابقا ( دار الدباغ ) بعقبة ألمان





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق