بقلم : عبد الحميد بريري
من خلال هذا المقال أود أن أعرض
مجموعة من المواد التاريخية عن حياة الرجل التي جمعها عنه المشارقة وهم الذين
عرفوا قيمته العلمية والدينية وعايشوه أكثر من المغاربة . لكن تبقى هذه الأخبار
عنه غير صحيحة ومغلوطة في ما يتعلق بمسقط رأسه وبسلسلة نسبه لبعدها عن مكان من
تولوا بكتابة سيرته . وهو الأمر الذي سأعمل على توضيحه وتحقيقه حسب ما توفر لدي من
معلومات لإنزال سيرة الرجل الحقيقية ، وهو علم من أعلام هذا الوطن الذي يعترف
الشرق به للمغرب الشئ الذي أكده الدكتور عبد الهادي التازي ، ويجب نحن مغاربة هذا
الجيل معرفته . يسمى عند المغاربة بأحمد بن ادريس ويكنى عند المشارقة بأبي العباس
العرائشي والشفاء عند السنوسيين بليبيا .
مولده ونشأته ونسبه :
ولد ابوالعباس احمد بن ادريس
العرائشي الإدريسي الحسني سنة 1173 هجرية وقيل 1163 هجرية بقرية "ميسور التي
تبعد عن فاس حوالي 200 كلم بمحاذاة جبال الأطلس" وقيل " التابعة لمقاطعة
العرائش "
نشأ في بيت معروف بالورع والتقوى
حفظ كتاب الله على عمه محمد الذي جد في تحفيظه له حتى أنه يحكي عنه كلما كشف راسه
يبرز شجاج في رأسه بسبب عدم حفظه لأيات من القرآن إلى الليل فضربه عمه باللوح على
رأسه فيقول للحاضرين في مجلسه " جزاه الله خيرا نفعني " . وحفظ أيضا بهذه
القرية بعض المتون ومبادئ العلوم .
فهو من ذرية سيدي يملح بن مشيش .
يقال أن " أسلافه كلهم بالعرائش خرجوا منها على فتنة بن منصور التي على إثرها
احتلت اسبانيا العرائش فهاجر منها اكثر المسلمين من بينهم اسلاف السيد احمد بن
ادريس فنزلوا بميسور وهي بلدة عظيمة وأول من نزل بها السيد علي الجد الثاني للسيد
احمد بن ادريس " . ويستند المشارقة في عمود نسبه إلى وثائق عربية وانجليزية
كالذي خطه السيد الشريف السنوسي في كتابه " مختصر الشموس المشارقة
والمغاربة" وما نقله عن جده النسابة محمد بن علي السنوسي الإدريسي ، المتتلمذ
على عالمنا ومؤسس الحركة السنوسية بليبيا وجد ملوكها ،تحت عنوان "الشموس
الشارقة في اثبات ساداتنا المغاربة والمشارقة " وهو على الشكل التالي : احمد
بن ادريس بن محمد بن علي بن احمد بن محمد بن عبدالله (الشريف الوزاني) بن ابراهيم
بن موسى بن الحسن بن موسى بن ابراهيم بن عمر بن احمد بن عبدالجبار بن محمد بن يملح
بن مشيش بن أبي بكر بن علي بن حرمةبن عيسى بن بن سلام الملقب بعروس بن احمد الملقب
بمزوار بن علي الملقب بحيدرة بن محمد بن ادريس الثاني الملقب بالأصغر بن ادريس
الأول بن عبدالله الملقب بالكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي
طالب زوج السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
رحلاته التعلمية والعلمية :
حصل على علوم الشرع (التوحيد ،
التفسير ، الحديث ، الفقه ، النحو ...) والتصوف من القرويين . الأولى اخذها عن
علماء اجلاء امثال محمد التاودي بن سودة المري المتوفى سنة 1209 هجرية وعنه اخذ
كثير من الأسانيد ، ومحمد بن عبد الكريم المشهور باليازقي المتوفى سنة 1199 هجرية
وابو محمد عبدالقادر بن شقرون المتوفى سنة 1219 هجرية . أما الثانية فسنده فيها
محمد المجيدري الشنقيطي وعبدالوهاب التازي الحسني وابوالقاسم الفاسي الملقب
بالوزير. وبعد اكتمال مرحلة التلقي رحل إلى الشرق مارا بالجزائر وتونس فليبيا في
بني غازي ثم مصر فمكة ومنها إلى المدينة وانتهى به المطاف في اليمن بصيبيا . ألقى
دروس ومواعظ في كل محطة مر منها ولقي إعجابا من طرف من سمعه وشهدوا له بالعلم
الكسبي وبالعلم اللدني .
قال فيه القاضي حسن الشوكاني :
"صفاء قلبه على وجهه يلوح ونوافح مسك الحكمة من فيه تفوح " وقال محمد بن
علي السنوسي :" ماتخذناه شيخا وإماما أياما معلومة مقيدة بالحياة وإنما
اتخذناه شيخا وإماما وحجة فيما بيننا وبين الله دنيا وآخرة " وقال فيه أيضا
الشيخ ابراهيم الرشيدي : " اللهم لا تجعل لي مع سيدي احمد اسما ولا رسما
" كما شهد فيه القاضي حسن بن عاكش بقوله : " إنه ملك العلم بأزمته
والعرفان بكليته وجزئيته وإن الله الذي خلقه في أحسن تقويم وحباه بالفضل العظيم "
وفي الأخير السيد الشريف عبد الرحمان الأهدل يقول فيه : " تتلمذ له كل عالم
نحرير وكانت كفه للفتوى عوضا عن التحرير "
آثاره :
له عدة رسائل علمية إلى اصحابه
ومريديه . وطريقته تعرف بالأحمدية والسنوسي يقول بالمحمدية سنده فيها عبد الوهاب
التازي الذي أخذها عن شيخه عبد العزيز التباع وله نفس أوراد الطريقة الشادلية التي
تبتدأ بالتهليل والصلاة على النبي وعلى آله والإستغفار والأدعية والأحزاب التي
تحتوي على الإلتجاء والإفتقار إلى الله والتضرع والإضطرار إليه . بنى مسجد الشوشان
ومسجد الجعفرية وزاوية جبل أبي قيس بمكة المكرمة ودار لإقامة الحجاج بجدة وفي
صيبيا باليمن مسجد حيث كان يسكن ، ومسجد بقرية الزينية ومسجد بقرية ديراسنا ومصلى
بشارع الأمة بالقاهرة بمصر .
ترك عدة مؤلفات ضاع منها وبقي منها على شكل مخطوط
ومنها مطبوع :
- تفسير
البسملة وسورة الفاتحة وتفسير ربع الحزب الأول من سورة البقرة وبعض سور القرآن
الكريم : الأحزاب ، التين ، الضحى ، الانشراح ، الكوثر .
- كتاب
النفحات الكبرى
- رسائل كيمياء اليقين
- شرح عقيدة الإمام الشافعي
- رسائل الأساس
- مناظرة السيد احمد بن إدريس و فقهاء النجدية
- نبذة
في الخلوة
- العقد
النفيس في نظم جواهر التدريس
- رسالة
في الذكر
- رسالة
(الرد على أهل الرأي)
- خطبة في النكاح وخطبة للعيدين والاستسقاء
- التصوف
والسلوك
- شرح حصول الحقيقة بنظم أصول الطريقة للعارف بالله السيد سلمان
بن قاسم الأهدل
- النفحات
الربانية في شرح حديث السنة المحمدية
وهناك مؤلفات أخرى لا زالت عند تلاميذه
كما له أوراد صوفية خاصة به .
توفي بعد مرض ألزمه الفراش يوم السبت بين
العشائين 21 رجب 1253 هجرية بصيبيا بتهامة عسير (اليمن) ودفن بها . خلف وراءه 5
ذكور و 3 بنات انحصرت ذريته في اثنين من ابنيه هما الملقب بالغوث الإمام محمد
والإمام عبدالعالي .
وبالرجوع إلى بعض المواد التاريخية التي جاءت في
سيرته والمتعلقة بمسقط رأسه وبنسبه إلى جده عبدالله الشريف الوزاني ، فإن ذلك لا
يتطابق مع ما جاء به بعض المؤرخين والمراجع التاريخية خاصة أن حياة الرجل مرتبطة
بحدث بارز ومعروف في تاريخ المغرب حيث أفاض فيه المؤرخون وغيرهم واستوفوا الحديث
عنه .، وكتبوا الشيء الكثير ألا وهو تسليم مدينة العرائش للأسبان , فعن مسقط رأسه
ذكر المشارقة أن السيد احمد ولد " بقرية ميسور" أو "ميسورا"
" التي تبعد عن فاس ب200 كلم " في " جبال الأطلس " حيث يذهب
الذهن إلى مدينة ميسور الحالية والتي توجد شرق مدينة فاس . وهو أمر مستعبد أن يرحل
أسلاف عالمنا إلى هناك مسافة أكثر من 400كلم ويتركون اقرب التجمعات السكانية
الأقرب إلى مكان الحدث مع إن إحدى التعاريف تشير إلى مسقط الرأس هذا تابع
ل"مقاطعة العرائش" الشيء الذي يخلق نوعا من الاضطراب في صحة ما جئ
به . الأمر الذي حسم فيه الدكتور عبد الهادي التازي السفير والدبلوماسي في
كتابه التاريخ الدبلوماسي للمغرب في إحدى أجزائه ، بعدما أشار إلى أهمية الرجل عند
المشارقة قام بتصحيح الخطأ بتحديد الموقع الجغرافي لميلاد احمد بن ادريس وأن
المقصود ب "ميسور" أو "ميسورا" هو قرية مزورة التي تعرف بهذا
الاسم تنتمي إلى إقليم العرائش . وحيث يشير تعريف حول الرجل بأن القرية
"عظيمة " وعظمتها أقول ، تتجلى بوجود موقع أثري بها يتمثل في مقبرة
جنائزية لا يوجد لها نظير في كل شمال إفريقيا مما يدل أن القرية كان لها شأن
تاريخي فيما سبق . فيكون بذلك المرحوم عبد الهادي التازي قد أصاب خاصة وأن المكان
يقرب مدينة العرائش بحوالي 35 كلم موضع الحدث ويبعد عن فاس كدلك بحوالي 240 كلم أي
يقارب المسافة التي حددت في التعريفات ما بين القرية و فاس . مسقط راس العلامة
احمد إذن يوجد في قرية مزورة بإقليم العرائش وليس ميسور الموجودة في الأطلس
المتوسط بإقليم بولمان .
أما عن نسبه فإن انتسابه إلى السيد عبد الله الشريف
الوزاني يبقى مشكوك فيه لأن حياة جده الثاني : علي ، المهجر قسرا من العرائش أثناء
نكبة طرد المسلمين من المدينة ، حسبما جاءت به التعاريف ، تبقى خارج الخط الزمني
للحدث الذي هو رمضان 1019 هجرية / نونبر 1610 خاصة وأن وفاة عبد الله الشريف كانت
سنة 1089 هجرية . وبذلك يكون الذي زامن الحدث هو الجد الخامس الشريف الوزاني وهو
أمر مستبعد لأن أصحاب من كتب في سيرته لم يشيروا إلى ارتباطه بحدث العرائش . لذا
يبقى نسب احمد لعبد الله أمر مستبعد . وهذا لن يرفع عنه النسب إلى يملح بن مشيش
الذي يجتمع فيه الرجلين . فذلك ممكن لأن فروع اليملاحيين عديدة وفرع عبد الله
الشريف واحد منها . فما يتواتر عنه لدى بعض الأسر اليملاحية أنهم نزحوا فيما نزح
من سكان الجبال إلى القرب من العرائش كان عقب معركة وادي المخازن وإزالة التهديد
البرتغالي له ، الذي كان سببا في إخلاء المنطقة الموجودة بين العرائش و طنجة حيث
أصبحت هذه المنطقة لها جاذبية بحكم خصوبة أراضيها والرغبة في تعميرها للدفاع عن
الثغور المهددة دائما ، ومن تم إلى مدينة العرائش تصل إحدى هذه الفروع يكون العالم
احمد أحد أعقابها . أما ذكر إحدى التعاريف بأن "كل أسلافه من العرائش"
قد يقصد بها الإقليم الذي يسمى باسمها أي بتواجد جبل العلم به ، الذي هو معقل
الشرفاء العلميين الذين ينتمون إليهم اليملاحيين .
إذن بذلك ، نتمنى أن نكون قد وفقنا لرفع الغرابة
شيئا ما وإزالة الغموض الذي اكتنفت سيرته الذاتية وتوضيحها حسبما عرضناه في
الأول . والله ولي التوفيق
المراجع :
- نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن
الحادي ص : 168 / 169 المطبعة الحجرية
- تاريخ الدولة السعدية المؤرخ
المجهول ص : 85
- التاريخ الدبلوماسي للمغرب د/
عبد الهادي التازي
1 – موقع د/
محمود صبيح https : / /
www ….%8A%D8%AD
2 – ويكيبديا https : //ar.m.w…%B3%D9%8A
3 – المنتقى النفيس لسيدي احمد بن
ادريس https : //
m.Face
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق