الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

حصن الفتح السعدي بالعرائش



بقلم : محمد شكيب الفليلاح الأنجري
يقع حصن الفتح على حافة الجرف الصخري لمدخل مرسى ثغر العرائش قبالة المحيط الأطلسي، تم تأسيسه على أنقاض قلعة تعود لعهد السلطان مولاي ناصر الوطاسي في إطار الاهتمام الذي أولاه ملوك الدولة الوطاسية بتحصين الثغور الشمالية إثر تزايد الطماع الأيبيرية لاحتلالها خاصة بعد إقدام القوات البرتغالية على التوغل في أعلى مصب نهر اللوكوس والشروع في بناء قلعة بموقع جزيرة المليحة في أواخر فبراير أوائل مارس من سنة 1489 م، هذه المحاولة التي باءت بالفشل بعد تدخل القوات المغربية بقيادة مولاي الشيخ الوطاسي (مؤسس الدولة الوطاسية).
بعد معركة وادي المخازن والمعروفة أيضا في المصادر والربائد التاريخية بموقعة الملوك الثلاثة التي دارت وقائعها العسكرية في 4 غشت 1578 م، وأسفرت كما هو معروف عن انهزام القوات البرتغالية أمام الجيوش السعدية بقيادة السلطان أحمد المنصور الذهبي، اهتم هذا الأخير بثغر العرائش وأولاه عناية خاصة فيما يتعلق بتحصينه، وهكذا أعطى أوامره بالزيادة في بنيان القلعة الوطاسية وإطلاق اسم حصن الفتح عليها تيمنا بالفتح الذي من الله به على المسلمين المغاربة في معركة وادي المخازن. وقد تم استخدام أسرى المعركة الأخيرة في بنائه واعتمدت هندسته على الأساليب المعمارية العسكرية المستخدمة في إيطاليا وتركيا خلال عصر النهضة الأوربية المتميزة بالقوة والضخامة والمناعة الدفاعية. الغرض الأساسي لبناء حصن الفتح بهذا الموقع هو بالدرجة الأولى حماية مدخل مرسى ثغر العرائش الذي كان آنذاك من أكثر مراسي العالم شهرة ومناعة من جهة ولدوره الاقتصادي في تسهيل تجارة جنوب الصحراء في علاقتها التبادلية مع أوربا، فضلا عن كونه من أنشط نقاط ارتكاز عمليات حركة الجهاد البحري التي شكلت خطرا كبيرا على التجارة البحرية الأوربية. وقد زود حصن الفتح بعدد مهم من المدافع وآلة الحرب من بينها 04 مدافع من البرونز تم الاستيلاء عليها في معركة وادي المخازن وقطع أخرى تم جلبها من معامل السلاح بالمغرب وما كان يغنمه قراصنة البحر من المغاربة من قطع مدفعية تابعة للسفن المستولى عليها في عرض البحر.
في 20 من نونبر سنة 1610 م، وعلى إثر الاتفاق الذي تم بين مولاي الشيخ المأمون السعدي والملك الاسباني فليب الثالث الرامي إلى تسليم مدينة العرائش لهذا الأخير مقابل مساعدته على السيطرة على عرش المغرب ضد آخيه مولاي زيدان السعدي في إطار صراع أبناء أحمد المنصور الذهبي على الحكم في فترة بداية تدهور الدولة السعدية ، أصبح حصن الفتح خاضعا للقوات الإسبانية وتم تغيير اسمه؛ حيث أصبح يعرف بحصن القديس أنطونيو (SAN ANTONIO) خلال هذا الفترة سيتم دمج الحصن في المدار الحضري المسور لمدينة العرائش بعدما كان خارجا عنها لما كان المدار منحصرا في حي القصبة (النواة الحضرية الأولى لمدينة العرائش)؛ إذ سيدخل ضمن التحصينات العسكرية التي أضافها الإسبان باعتماد تصميم المهندس أنطونوللي باوتيستا، كما سيتم تعزيزه دفاعيا بحصن سان تياغو (REDUCTO DE SAN TIAGO ) – دار الغرباوي حاليا – وبطارية حصن الفتح المجاورة لبرجه الشمالي الغربي المطل على الحصن الأخير، لإحكام الدفاع عن مرسى العرائش الذي يعد الغرض الأساسي من إصرار الملك فليب الثالث على السيطرة على العرائش.
بقي حصن الفتح تحت السيطرة الإسبانية حتى تم تحرير المدينة في الفاتح من شهر نونبر سنة 1689 م على عهد السلطان العلوي مولاي إسماعيل بعد حصارها لمدة قاربت الثلاثة أشهر لمناعتها وقوة التحصينات التي زودها الإسبان بها من منطلق حرصهم الشديد على المحافظة على هذه المدينة الإستراتيجية في قبضتهم. وقد عمل المولى إسماعيل على ترميم الضرر الذي لحق بالحصن جراء القصف الذي تعرض له طيلة مدة الحصار.
وعلى إثر الحملة الفرنسية التي استهدفت مرسى العرائش في27 يونيو 1765 م بعد استيلاء قراصنة الجهاد البحري على سفينة تجارية فرنسية وسوقها إليه، الحملة التي تعرضت للفشل التام بفضل المقاومة التي جوبهت بها من قبل حامية المدينة والمجاهدين من أبناء القبائل المجاورة، حل السلطان سيدي محمد بن عبد الله بثغر العرائش حيث أشرف على تهيئته وتقوية دفاعاته، وفي خضم ذلك أعطى لحصن الفتح أهمية بالغة؛ إذ عمل على ترميمه بعدما وجده خرابا في زيارته الأولى للمدينة عقب توليه عرش الدولة العلوية سنة 1757 م، والزيادة في بنائه حيث سيعرف في هذه الفترة بناء القباب التي تغطي أبراجه المسهمة متخذا بذلك اسم حصن القبيبات أو كما يعرف في العامية المحلية بحصن الكبيبات بكاف معجمة نسبة للقباب الإثنا عشرة التي تغطي أبراجه .
في عهد الحماية الإسبانية على المغرب  سيتم تحويل الدور الوظيفي لحصن الفتح من دور عسكري دفاعي محض إلى دور صحي – اجتماعي ؛ حيث سيعرف بالمستشفى العسكري (HOSPITAL MILITAR). خلال هذه الفترة تم تغيير المعالم المعمارية لحصن الفتح بصفة كلية؛ إذ تمت إضافة مجموعة من الأشكال الهندسية المعمارية مما يتماشى وطبيعة وظيفته الجديدة ، كما أحدثت به مجموعة من الغرف وحول السطح الذي كان يضم قطع المدفعية إلى قاعات كبرى للمرضى. والملاحظة الأساسية خلال هذه الفترة أنه – ولأول مرة – تم تغيير الباب الرئيسي للحصن من جهة حي الصدر الأعظم إلى الجهة المقابلة للقنصلية الإسبانية لفتحه على المجال العمراني الجديد للمدينة الاستعمارية، فضلا عن تهديم جميع أسوار القرن 17 م الملاصقة للحصن وإتلاف المدافع التي كانت متواجدة به. بقي حصن الفتح كمستشفى عسكري إلى حدود فترة الاستقلال؛ حيث تم التخلي عن استخدامه في أي وظيفة كانت ليتعرض لمجموعة من أشكال الاستغلال الغير مسؤول من قبل الساكنة وتحت أنظار السلطات العمومية والقطاع الوصي على التراث، هذا الأخير صنفه مؤخرا تراثا وطنيا يجب العناية به والمحافظة عليه عبر ترميمه وتأهيله وإعادة إدماجه، دون أن تؤخذ لتحقيق هذه الغاية التدابير اللازمة لها.
حصن الفتح اليوم في حالة جد خطيرة ويستدعي تدخلا أكاديميا مطبوعا بالاستعجالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المكونات المعمارية التي تشكل الدليل المادي على طبيعة ونمط التحصينات العسكرية المغربية خلال القرن 16 م. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك ثلاثة نماذج من هذه الحصون بالمغرب وربما بإفريقيا كلها هي :
1.     حصن الفتح بمدينة العرائش
2.     حصن النصر بمدينة العرائش
3.     حصن برج النار بمدينة فاس





رسم يوضح أن حصن الفتح السعدي بني في القرن 16 على نواة برج ناصر الوطاسي الدي شيد بالقرن 15
































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق