السبت، 26 نوفمبر 2016

باخرة التركي في مرسى العرائش

باخرة سيدي التركي في مرسى العرائش سنة 1900م


    محمد عزلي

تشكل الأسطول المغربي في الفترة التي سبقت حقبة الحماية من أربعة بواخر «بابورات» استعملت لوظائف عسكرية وتجارية، ويتعلق الأمر ب: -الحساني، -بشير الإسلام، -سيدي التركي، -التريتكي؛ بالإضافة إلى وحدات الخفر والقوارب الساحلية من نوع (TARTANES) و (BRICK) الشراعية.


السفينة الحربية "بشير الإسلام"


سفينة مغربية من نوع بريك BRICK



نموذج لمركب من نوع تارتانا TARTANES


وقد جابت هذه السفن السواحل المغربية بفضل إرادة السلطان مولاي الحسن الأول رغم الضغوط الرهيبة التي مارستها القوى الإمبريالية على المغرب، والتي تسببت في إضعاف الأسطول العسكري المغربي، بل و الإجهاز عليه في القرن التاسع عشر؛ فبعد مؤتمر مدريد 1880، لم تكن بحوزة المغرب سوى هذه القطع التي أراد من خلالها مولاي الحسن تشكيل نواة لأسطول بحري عصري يمكنه من جهة، الدود عن السواحل المغربية التي كانت تتعرض للاعتداءات والهجمات من قبل الأساطيل الأجنبية، وكذا مساعدة السلطات المخزنية على استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار، ثم خلق خطوط بحرية تربط بين سواحل البلاد المتوسطية بالأطلسية، ومن ثَمَّ تأسيس مشاريع تجارية لإنعاش خزينة الدولة المنهكة اقتصاديا جراء تبعات حرب تطوان من جهة أخرى[1].



إن مسألة امتلاك أسطول بحري عصري في هذه الفترة الزمنية كانت ضرورة لازمة، خصوصا بعد الهجوم النمساوي على مرسى العرائش سنة 1829، واستعمار الجزائر 1830، ثم هزيمة إسلي 1844، وحرب تطوان 1860، ومن أجل هذا الهدف حاول المولى الحسن الأول سنة 1870 الاستفادة من الهزيمة الفرنسية بروسيا للتقدم بطلبيات إلى ألمانيا وإيطاليا، لكن إنشاء أسطول بحري عصري لم يكن سهلا، إنه مشروع دولة، تتداخل فيه المصالح الدولية والتوازنات الإقليمية، ويتطلب وقتا وعناية وتمويلا وتكوينا، وقد عين السلطان لهذا الغرض البحار الفرنسي "نيكولا باكي" المقيم في المغرب منذ 1862 على رأس البحرية المغربية للاستفادة من خبرته العالية خاصة في المجال التجاري[2]؛ وبصرف النظر عن مشاكل التمويل التي واجهت المشروع، كان يتعين على الدولة تكوين أطر مغربية مؤهلة للإبحار العصري، وفي غياب قدرة محلية ذاتية لتكوين بحارة مؤهلين لخوض التحدي، قام السلطان مولاي الحسن بإرسال بعثات مغربية إلى كل من ألمانيا وإيطاليا وإنجلترا لهذا الغرض[3].

وفيما يخص القطعة البحرية "سيدي التركي" التي اخترناها أنموذجا للأسطول المغربي الحسني، فإنها أخذت اسمها كتكريم للحاج سليمان التركي، رئيس فرقة المدفعية الذي كان وراء إنشاء مدافع الرباط التي استرجع بفضلها مدينة الجديدة من البرتغال عام 1768، والباخرة سيدي التركي، هي ثاني قطعة عسكرية مغربية مزودة برشاشات للتدخل العسكري ومدفعين من نوع «كروب»، تم اقتناؤها من ألمانيا سنة 1891 حيث صنعت بحوض "فيسير" بمدينة "بريمن" على يد شركة «كروب» في "إيسن" الألمانية، كانت تزن حوالي 460 طن، وطاقة حمولة بمعدل 500 طن، طولها 48م وعرضها 8 أمتار، وقد عمل على متنها طاقم مغربي من 20 فردا، إضافة إلى 6 أو 7 تقنيين ألمان تحت قيادة "ميتزنر" الذي أبحر بها في البداية، ثم جاء بعده مواطنه "كيروي"[4]، وقد دون هذا القائد الألماني المتمرس مذكرات بخصوص مسيرته وحياته العملية في البحرية المغربية الشريفية، هذه الأخيرة التي ارتبطت بنظيرتها الألمانية بموجب اتفاقية بين حكومتي البلدين تخص المجال العسكري تؤكده الحماية التي كانت توفرها الغواصات الألمانية للقطع المغربية خلال إبحارها بالمياه الإقليمية[5]، كما يؤكده التواجد المهم للألمان بمرسى العرائش، حيث أقامت الشركات الألمانية أهم مشاريع البنية التحتية والأشغال الكبرى بالمنطقة خلال مستهل القرن العشرين مثل السكة الحديدية الرابطة بين العرائش والقصر الكبير،  وبناء الميناء الجديد الذي كانت ترسو فيه الباخرة سيدي التركي بكل أرصفته العصرية ومعداته الحديثة، والحواجز البحرية العملاقة، وكذا إنشاء مصانع لتوليد الطاقة الكهربائية و صناعة الذخائر والأسلحة، الشيء الذي يفسر تواجد القنصلية الألمانية بالعرائش وكذا المجمع المدني والعسكري بمنطقة "عقبة د أليمان" خلال مرحلة شهدت نزاعا متعدد الأطراف على المغرب عموما وعلى مرسى العرائش تحديدا بين ألمانيا وفرنسا وإسبانيا خلال العقد الأول من القرن 20 حسمه الجنرال سلفيستري لصالح إسبانيا بعد عملية الإنزال العسكري البحري واحتلال حاضرتي لوكوس (العرائش والقصر الكبير) في يونيو 1911[6].

لعبت الباخرة سيدي التركي أدوارا عسكرية هامة، سواء في المحيط الأطلسي من خلال دعم الحامية العسكرية المغربية بطرفاية (كاسامار) في الصحراء المغربية، أو في البحر المتوسط، حيث عملت على نقل الجنود والأسلحة والذخيرة، خاصة في الفترة ما بين 1901 و1908، ولعل أشهر عملياتها ارتبطت بقصف مواقع المتمردين التابعين للجيلالي الزرهوني "بوحمارة"، هذا الأخير الذي أقام مصنعا على ضفاف بحيرة مارشيكا بمساعدة الفرنسيين، وشرع في  المتاجرة والتهريب مع السفن الفرنسية القادمة من الجزائر[7]، وبعد مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي شدد على ضرورة محاربة التهريب، بدأ المغرب في حملته على المهربين والمتمردين، وفي 18 فبراير 1906 قامت الباخرة سيدي التركي بقصف وتدمير مصنع بوحمارة، كما قامت بمطاردة السفينة الفرنسية "زينث" وأطلقت عليها النيران في المياه المغربية قبل أن  تلجأ إلى الجزر الجعفرية وتتلقى بعدها دعم البارجة الفرنسية العسكرية "لالند" التي طالب قائدها من قائد الباخرة المغربية "سيدي التركي" وقف القصف حماية لأرواح المواطنين الفرنسيين، ليتم الاتفاق في النهاية على انسحاب السفينتن الفرنسيتين صوب ميناء وهران التابع لفرنسا آنذاك[8].


[1] محمد عزلي، "حرب تطوان وقصف العرائش 1860"، larachearchives.blogspot.com، نشر بتاريخ: 15 غشت 2018.

[2] "نكبات طنجة.. وقائع محزنة وحوادث مفجعة في مدينة عاشت الوصاية الدولية" نشر في جريدة الأخبار alakhbar.press.ma بتاريخ 16 فبراير 2021.

[3] نبيلة ضريف، "لهذه الأسباب قرر المغرب في عهد الحسن الأول امتلاك أسطول بحري"، نشر في المساء بتاريخ: 07 مارس 2011.

[4][5] El Puerto de Larache", larache-historia.blogspot.com" نشر بتاريخ 3 دجنبر 2009.

[6] محمد عزلي، "الجنرال سلفستري.. القائد الذي احتل بلاد الهبط واندحر في ملحمة أنوال"، larachearchives.blogspot.com، نشر بتاريخ: 09 نونبر 2016.

[7][8] "الحسني.. سيدي التركي وبشير الإسلام أعمدة البحرية المغربية قبل الاستعمار"، المنتدى العربي للدفاع والتسلح، defense-arab.com، نشر بتاريخ 08 أبريل 2016.


جنود مغاربة بالزي العسكري على متن سفينة سيدي التركي يتم نقلهم إلى الجبهة الشمالية الشرقية في الفترة بين 1904 و1908


صورة أخرى لباخرة سيدي التركي

صورة جوية لمدينة العرائش توضح المرسى الجديد والحاجز البحري المنجزين على يد الألمان وبعض القطع البحرية

ميناء العرائش بعد بنائه وتجهيزه من قبل شركة ألمانية



مصنع توليد وتوزيع الكهرباء بالعرائش الذي شيدته شركة ألمانية


المصنع الألماني للأسلحة الكيماوية الذي تحول في مرحلة لاحقة إلى (دار الدباغ) بعقبة أليمان بالعرائش، يعتليه الأسد الرخامي الألماني الذي ضاع أثره عقب هدم البناية



الخميس، 24 نوفمبر 2016

عبد السلام بن مشيش


ضريح الشيخ عبد السلام بن مشيش

الشيخ عبد السلام بن مشيش : الرجل الصالح في عهد الدولة الموحدية

    بقلم : عبد الحميد بريري

يعتبر الشيخ عبد السلام بن مشيش نموذج للرجل الصالح في التاريخ المغربي ومثال يحتدى به في يومنا هذا . فهو ينتمي إلى جيل صنع حضارة الموحدين ومثل أخلاق الإسلام في الزهد والبعد عن الملاهي والمغريات التي تلهي الأمة على بناء القوة والمحافظة على الهوية الإسلامية والدفاع عنها مما يهدد بنيتها ووحدتها ويفتت لحمتها.  سأحاول من خلال هذا المقال إبراز شخصية الرجل الخلقية والظروف سوسيو- سياسة التي أحاطت بحياته التي غابت في التعاريف التي عرفت به ، غير مجتر للمواضيع التي كتبت حوله ، بالتأريخ له  وتسليط الضوء على الفترة التي عاصرها من تاريخ المغرب  وربطه بالمحيط الذي تواجد فيه لفهم الطريق الذي نهجه .


الظرف السياسي لحياته وموطنه :

عاش الشيخ عبد السلام بن مشيش المتوفى حوالي 623 هجرية / 1228 ميلادية وقيل 625    في العهد الموحدي (541 ه / 1146 م -  668ه / 1273 ) الذي يعتبر من أزهى العصور التي شهدها المغرب ، قيما ودولة وقوة ومنعة وثقافة وحضارة ، لا زالت تشهد على ذلك المعالم الأثرية والإنتاجات الفكرية في المغرب والأندلس ، وعاصر انتصار الأرك سنة 591 هجرية / 1195 أو 1196 ميلادية وهزيمة العقاب حوالي 608هجرية / 16 يوليوز 1212 ، وقد وصلته أصداء الأندلس التي بدأت تتداعى فيها منعة وقوة الدولة الإسلامية حيث كانت تتعرض لهجمات المماليك النصرانية رغم محاولات الموحدين إعادة هيبة المسلمين بها بسبب حياة المجون واللهو التي أضحت عليها وحرص الكنيسة الكاثوليكية على طرد المسلمين والقضاء على الإسلام بالأندلس .
ولد الشيخ عبد السلام حوالي  سنة 543 هجرية موافق 1148 ميلادية وقيل بين 559 و563  في جبل العلم بقبيلة بني عروس ، بالهبط الذي كان تنتمي إليه مدن عريقة كأصيلا وتشميس والعرائش وقصر عبد الكريم والبصرة وهي مدن عمرها الأدارسة أجداده وحكمها يحي الأول بن إدريس الثاني بعدما قسم أخوه محمد المغرب بين إخوته ، وبقيت ملجأ ومسكنا لهم احتموا به من اضطهاد موسى بن أبي العافية قائد العبيديين بالمغرب . و قد لا يخلو اليوم بيت من بيوت هذا الإقليم لا ينتمي  أحد أفراده إلى النسب الإدريسي . وقبيلة بني عروس هذه ، سميت باسم جده سلام الذي كان عروسا يوم جاء السكان الأولون وبالخصوص أولاد الرواس وأولاد العافية وأولاد بوحراث ... يطلبون من مزوار جدهم الأكبر الذي استقر في قبيلة سماتة استقدامه أحد أبنائه للعيش معهم تيمنا بشرفهم وبأنهم من أحفاد الأدارسة ، فاختار لهم إياه دون باقي أبنائه وبذلك أصبحت تسمى القبيلة بحالته التي كان عليها :عروس . كما أن برابرة بني عروس كما ذكر ابو القاسم الزياني هم الذين أسسوا مدينة على الضفة اليسرى لنهر اللوكوس وهي التي ستحمل اسم العرائش فيما بعد ، واتخذها إدريس الثاني منطلقا لأسطوله البحري الناشئ في المحيط الأطلسي .(1)
حكم المغرب خلال فترة حياته سلاطين عظام يحبون العلم والعلماء والأتقياء والصالحين بدءا من المهدي بن تومرت القائم بدعوة الموحدين الذي درس علم الحديث وعلم الكلام في الشرق متخلقا بقول الحق لا يخاف لومة لائم ، ناهيا عن كل منكر شاهده ، وعاد إلى المغرب هو وتلميذه عبد المومن بن علي من المغرب الأوسط حيث تأثر بمذهبه ، ويوسف بن علي الفيلسوف والمجالس للفلاسفة كابن طفيل وابن رشد  . وأبرزهم على الإطلاق يعقوب المنصور السلطان الصالح والعادل الذي كانت له علاقة ود ومحبة مع الأولياء والمتصوفة والفقهاء وعلماء الحديث  الذين تكاثروا فيغدق عليهم بالعطاء ويكرمهم ويطلب منهم الدعاء له ويدعوهم لمجلسه ويتبرك بهم ويزورهم ويشهد جنائزهم. وذكر ذلك محمد الشريف (2)  في كتابه ناقلا لشهادة عبد الواحد المراكشي حيث يقول  : " وانتشر في أيامه الصالحين والمتبتلين وأهل علم الحديث صيت ، وقامت لهم سوق ، وعظمت مكانتهم ومن الناس ، ولم يزل يستدعي الصالحين من البلاد ويكتب إليهم يسألهم الدعاء ، ويصل من يقبل صلته منهم بالصلات الجزيلة وأضاف أيضا عن صاحب روض القرطاس أن المنصور : " كان يشهد جنائز الفقهاء والصلحاء والفضلاء وأجرى على أكثرهم الإنفاق من بيت المال " . وفي حياته وقعت معركة الأرك التي كانت حدثا بارزا في الغرب الإسلامي وانتصارا مذويا على ما كان يخطط له النصارى من طرد المسلمين من الأندلس مبكرا . و يصف ابن عذرى أصداء هذه المعركة في الأوساط الشعبية قائلا : " جاءت هذه الوقعة هنيئة الموقع ، عامة المسرة كأكلة جائع وشربة عاطش ، فأنست كل فتح بالأندلس تقدمها وبقي بأفواه المسلمين إلى الممات ذكرها " وأشرك المنصور في هذه المعركة فقهاء المغرب وصلحاؤه حسب ما ذكره ابن أبي زرع (3) . لكن بموت هذا السلطان سيدخل الغرب الإسلامي عهد جديد عهد اضمحلال  الدولة الإسلامية به وأفول نجمها حيث كانت معركة العقاب  ،التي تحالفت فيها المماليك النصرانية باستثناء ليون بدعوة من البابا وشارك فيها متطوعين فيهم الفرسان والمغامرين في الوقت ذاته كان الموحدون منشغلين بمتابعة فلول المرابطين في افريقية تحت قيادة أبرز قوادهم أبو سعيد الحفصي الذي غاب وهو الذي كان حاضرا في معركة الأرك ،حسب المؤرخين  بداية العد التنازلي للتواجد الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية وتوالت النكسات تلوى النكسات وسقوط قرطبة إحدى أكبر معاقل العلم بالأندلس . نكسة كانت لها وقع كبير على نفوس المغاربة والأندلسيين خاصة ولم يمر على الانتصار الكبير في الأرك إلا 17 سنة ، الشيء الذي انعكس ذلك على سلوك الناس وأبرز مظاهره ظهور النساك والعباد والمتصوفة وانزواء منهم للتبتل والخلوة .... وهو الأمر الذي استنتجه أحد المفكرين أن إيديولوجية التصوف نتاج أزمة . وبما أن الإنسان ابن بيئته كما هو معروف فلن يكون شيخنا بعيد من هذا ومنفصل تمام الانفصال عن مجتمعه الإسلامي حاملا لهمه ومتبنيا لمشاكله . فلا غرابة أن نجده يتأثر بذلك وينزوي إلى العبادة في كهف مختتما حياته بعدما قسمها إلى مراحل  بين طلب العلم في الصغر والشباب وتربية الأبناء والجهاد في كهولته والتفرغ للعبادة في شيخوخته مختليا لظروف تكون هزيمة العقاب وتصدع الدولة بالأندلس وحال المسلمين بها إحدى أسبابها .
وقد اعتمد الطاهر اللهيوي في كتابه حصن السلام في إثبات جهاد الشيخ عبد السلام بسبتة نقلا عن عبد الحي الكتاني بوثائق عند هذا الأخير . فمن غير المستبعد إذن أن يكون الشيخ قد تأثر بهذه الهزيمة وهو الذي جاهد بالأمس وحقق النصر أو عاشه وفرح به للمسلمين فانزوى للتعبد (4). هذا لا يعني أن الشيخ لم يعد يحتك بمحيطه وإنما كان حاضرا في مواجهة ابن أبي الطواجين الكتامي الذي أتى بمنكر عظيم وجلل وادعى النبوة فما كان من الشيخ إلا نهاه عما يفعل بالدليل والحجة الشيء الذي كان سببا في استشهاده دفاعا عن الحق من طرف أعوان الداعي . وبسبب هذا والطموح إلى الحكم يقول ابن خلدون وصلت إليه جنود من سبتة لمحاربته وقد " استفحل أمره لضعف الدولة إلى أن وصل إلى واد لو حيث قضي عليه " . ودفن الشيخ عبد السلام في قمة جبل العلم والذي عثر على قبره الشيخ عبد الله الغزواني حين كان يقيم في قبيلة الأخماس قرب شفشان في بداية القرن العاشر الهجري


مذهبه العقدي والأخلاقي  :

تربى هذا الجيل من المغاربة على العقيدة الأشعرية  وهي في العموم ومن حيث المبدأ العقيدة الإسلامية التي جاء بها القرآن والسنة التي تبتعد عن تجسيم الذات الإلهية وتنزيهها عن كل وصف مادي وهو ما عليها أغلب علماء الأمة  . وقد أعطاها زخما وقوة بالمغرب مِؤسس الدولة الموحدية والقائم بأمرها المهدي بن تومرت  . ويجمع بعض المؤرخين أن المهدي بن تومرت بمذهبه القائم على التوحيد والنهي على المنكر هو الذي رسخ العقيدة الإسلامية في نفوس المغاربة ولا زال أثارها إلى اليوم .
دخل المغرب قادما من الشرق و هو ينهى الناس عن المنكر كلما مر على قرية من قرى المغرب الأقصى . ولقيت دعوته استجابة واسعة خاصة في سكان الجبال وعليها قامت الدولة الموحدية . كانت له طريقة خاصة لتحفيظ مبادئ مذهبه باللغة الأمازيغية التي كانت لسان أغلب سكان المغرب " أنه كان يسند إلى كل فرد من مجموعة ما كلمة في جملة تكون بمثابة الاسم له ويطالب بحفظها ، وفي كل يوم تقع مناداة جميع الأفراد فيفوه كل واحد منهم باسمه في ترتيب لا يتغير حسب نظام الكلمات في تلك الجملة لا تمضي أيام قلائل حتى تكون الجملة محفوظة عن ظهر قلب " (4) . و بفرض الموحدين هذا المذهب  قطع الطريق على انتشار الملل والنحل التي عرفها الشرق الإسلامي ولا يزال المغرب اليوم يتبنى مذهب اهل السنة والجماعة عقيدة وشريعة . " والواقع ان فرض العقيدة التومرتية بنزعتها العقلية الجافة داخل المجتمع المغربي ، حيث أفرز ذلك التيار تطورا على مستوى السلوك والممارسة ..." (5)
في هذه الظروف ، وبعد ترسخ هذه القيم في المجتمع المغربي  وتمثلها في السلوك والأفعال  حتى قال المؤرخون " ... وقد بلغوا في الرقي الخلقي إلى درجة عظيمة " حيث  " إن الرجل كان يسقط منه الدينار فلا يأخذه أحد، ويبقى في مكانه إلى أن يرجع إليه صاحبه. وكان القضاة يجلسون للحكم الشهر وأكثر فلا يأتي إليهم أحد " (6).
اتخذ الشيخ عبد السلام بن مشيش لنفسه طريقا ولم يسلك طريقة ولا تركها ولم يلزم بها أحدا (7)، رغم وجود طرق التصوف  المنتشرة بالمشرق التصوف الفلسفي والنظريات الإشراقية  وإنما اختار لنفسه طريق الزهد السني الذي يستند على الكتاب والسنة كالجنيد والفضيل ابن عياض وعبد القادر الجيلالي .
يحكي أبو الحسن الشاذلي تلميذ الشيخ عبد السلام بن مشيش  :
" دخل رجل على أستاذي فقال له : وظف لي وظائف وأورادا. فغضب الشيخ منه وقال له :
رسول أنا. اوجب الواجبات ؟
الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة ، فكن للفرائض حافظا ، وللمعاصي رافضا ، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا ، وحب النساء ، وحب الجاه ، وإيثار الشهوات ، واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك . إذا خرج لك مخرج الرضا ، فكن لله فيه شاكرا ، إذا خرج لك مخرج السخط ، فكن عنه صابرا ، وحب الله قطب تدور عليه جميع الخيرات ، وأصل جامع للأنوار والكرامات . " (8)
من خلال هذا النص يمكن إثبات تأثير مذهب المهدي في المجتمع المغربي آنذاك وشيخنا أحد أفراده والحرص الذي كان عند المهدي لتعليم العقيدة الأشعرية للمغاربة وترسيخها في قلوبهم في إطار الإصلاح الديني الذي جاء به وبانتقاد الفقهاء وتعصبهم للفروع دون الرجوع إلى  المصادر الأولى للتشريع الإسلامي التي هي الكتاب والسنة والإجماع .
مذهب المهدي قبل أن يتبلور إلى مذهب سياسي كان يتكون من شقين شق عقائدي وشق أخلاقي. العقيدة عنده تنبني على توحيد الله في الذات والصفات وعدم تجسيمها وأخلاقي يقوم بالأساس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (9).
الشيخ عبد السلام من خلال مأثوراته هاته ، نستنبط توحيده الخالص بأن الإله هو الله أرسل رسول يبلغ عنه الأوامر والنواهي لتحقيق الألوهية والربوبية له ، فالله هو الحاكم وهو الذي يضع الشرائع والأحكام وعلى المسلم الامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه ثم ينتقل بوصاياه إلى الرجل الذي سأله وظائف وأوراد بالتزهد في الدنيا وخص بالذكر جانب النساء والجاه وحبهما وكل ما يثير الشهوات ، والرضا بقدر الله بالشكر إن كنت عنه راضيا وبالصبر إن كان شرا ، وبمحبة الله التي تجلب الخير وأساس لكل نور يقذفه الله في قلب المؤمن وكل كرامة يجريها على يديه . فهو هنا قد نهى عن منكر وأمر بمعروف أي استنكر على السائل أن يوظف له وظائفا وأورادا لأنه ليس برسول بأن يلزمه بواجبات مبرزا له الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه وكل ما وصاه به له أصل في كتاب الله وسنة نبيه . وقد عمل الشيخ عبد السلام على تطبيق مبدأ النهي عن المنكر والأمر بالمعروف في حياته حتى أودى بها عندما قام إلى الدعي ابن أبي الطواجن ينهاه عن بدعته في الدين بالحجة والبرهان وهذا ليس ببعيد عن هذا الجيل الذي عرف بالصلاح والإصلاح وهو الذي عرف مستوى علميا ومعرفيا متفوقا .
إذن هذا هو الشيخ عبد السلام بن مشيش الرجل الصالح المصلح الذي نهج لنفسه طريق توحيد الله  وتخلقه بأخلاق الزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط راق متحضر صنع أمجاد الأمة الإسلامية في غربها.رحمه الله وأكرم مثواه .

1)    مجلة المليحة العدد الأول سنة  1997 مقال للدكتور جعفر بن الحاج السلمي تحت عنوان البحرية الإدريسية ومرسى العرائش ص 34
2)    أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب مرتيل
3)    نصوص جديدة ودراسات في تاريخ الغرب الإسلامي لمحمد الشريف مجموعة البحث في تاريخ المغرب الأندلسي جامعة عبد المالك السعدي مطبعة الحداد يوسف إخوان تطوان  الطبعة الأولى سنة 1996 . ص: 14
4)    حصن السلام بين أولاد مولاي عبد السلام للطاهر اللهيوي ط / 1 سنة 1398 – 1978 دار الثقافة  ص : 301 فما فوق
5)    نصوص جديدة ودراسات في تاريخ الغرب الإسلامي مرجع سابق ص :12
6)    تاريخ المغرب لمحمد بن عبد السلام ابن عبود  ص 147 :  الجزء الأول
7)    القطب الشهيد سيدي عبد السلام بن بشيش للدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر صدر سنة 1394 / 1974 ص : 28
8)    القطب الشهيد سيدي عبد السلام بن بشيش  مرجع سابق ص :58  .
9)    الفلسفة الإلهية عند محمد بن تومرت  تأليف الدكتور عبد الحميد درويش النساج  مكتبة الثقافة الدينية  ط 1 القاهرة سنة 2010  ص 320

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

أسوار مدينة العرائش




تصميم لثغر العرائش أواخر القرن 17 يوضح كيف أصبح شكل المدينة بأسوارها وأبوابها وحصونها ومكوناتها العمرانية الرئيسية المدنية والعسكرية بعد الاحتلال الإسباني

أسوار ثغر العرائش بين المجد و اللحد

    محمد عزلي

تختلف الروايات عن الزمن الحقيقي لبناء أسوار مدينة العرائش أول مرة، فهناك من يذهب إلى أن من أسس لها هو السلطان عبد الحق المريني (1195–1217م) عند تشييد القصبة المرينية، وهناك من يربطها بالتحصينات الوطاسية في القرن 15 لأهم الثغور المغربية وعلى رأسها العرائش، وفي غياب أبحاث أركيولوجية تحسم الأمر بشكل قاطع، فالراجح أن تسوير القصبة وتشييد برج اليهودي بشكله الدائري الأول تزامن مع فترة بناء القصبة نفسها بغرض تحصين ثغر العرائش في عهد الدولة المرينية على يد السلطان يعقوب بن عبد الحق (1258/1286م) ثم أضيفت تعديلات وتحصينات دفاعية جديدة وبالتالي أسوار جديدة في القرن 15 على يد الوطاسيين الذين أعادوا تعمير المدينة وتحصينها سنة 1491 بعد أن أخليت من سكانها عام 1471م، ثم السعديين في القرن 16 الذين أسسوا نظاما دفاعيا قويا تمثل في بناء حصن البحر وحصن البر (الفتح والنصر) بعد نصر معركة وادي المخازن الكبرى، وفي مستهل القرن السابع عشر و تحديدا في العام 1610م، تنازل السلطان السعدي محمد الشيخ المأمون عن ثغر العرائش إلى الملك فيليب الثالث بموجب اتفاقية ثنائية، فأخذت قوات الاحتلال الإسباني على عاتقها مهمة تقوية وتوسيع دفاعات المدينة، وعليه تم إيفاد مهندسين عسكريين من المملكة الإسبانية، (بوتيستا أنطونيللي، وخوان دي ميدثيا). صمم أنطونيلي نظما للتحصين يستند في أطرافه على أبراج القرن 16 بما فيها القصبة، أما من الواجهة البرية فقد أكمل بناء أسوار أخرى على الضفة الجنوبية لمصب وادي لوكوس، محددا بذلك مجالا داخليا واسعا. أما ميدثيا فقد حاول تنفيذ تصميم حضري سطحي يلاءم حاجة المعمرين بأقل تكلفة ممكنة، كما ساعد على إيجاد مقر للقيادة العسكرية بين القصبة وباب المدينة، ثم عمل على تمركز مختلف المباني العسكرية بالمنطقة، مما أدى إلى تسهيل سبل تنمية حي البحارة ومنطقة باب البحر، لتصبح المدينة متحصنة وراء أسوارها المحكمة والتي كان لها أبواب سبعة وهي، 1 باب المدينة 2 باب البحر 3 باب سان أنطونيو (البطيوي) 4 باب المرسى 5 باب القصبة 6 باب الروى 7 باب الغريسة. كما كان لها أبراج وحصون منيعة نذكر منها أهمها، "الفتح، النصر، اليهودي، بو القنادل، سيدي ميمون، لالة زوينة" وقد أخذت هذه الأبراج أهميتها بشكل أكبر في زمن السلطان مولاي إسماعيل والسلطان سيدي محمد بن عبد الله اللذان عملا على تطوير المدينة وزيادة مناعتها بوصفها أحد أهم ثغور المملكة، كما عرفت أيضا أبراجا أخرى أصغر سميت على أسماء القادة العسكريين المسؤولين عنها من رجالات العرائش الأبطال مثل "اكزناي، الرزامي، البطيوي، خنخور، حجاج، بوحسينة" والتي أزالها المستعمر الإسباني في فترة الاحتلال الثانية خلال القرن العشرين واستولى على معداتها ومدافعها.
كل هذه دلالات على أهمية ثغر العرائش وطنيا وإقليميا بل وعالميا، ومدى استماتة الدولة المغربية على اختلاف الأسر التي حكمتها في الدفاع عنها من الأطماع الخارجية "عثمانيين، برتغال، إسبان، فرنسيين، هولنديين، نمساويين، ألمان.."  وبطولات المجاهدين البواسل الذين دحروا الغزاة في صولات وجولات مجيدة من تاريخنا التليد.
لكن للأسف تكالبت الأسباب والتبريرات لطمس تراث هذه المدينة واختفت أغلب أسورها المنيعة بين هدم ودفن، أو بين إهمال وتشييد عمران فوق بنيتها الإنشائية حتى أصبح في أماكن معينة جاثما داخل المنازل المأهولة بالسكان، وذلك بداية من القرن العشرين على يد الاحتلال الإسباني من خلال مشروع التوسعة وإلى غاية يوم كتابة هذه السطور.

باب المدينة القديم قبل عهد الحماية والسور الذي اختفى بين المنازل الجديدة التي بناها المستعمر في إطار مشروع التوسعة







أحمد الخضر غيلان



تصفه الروايات الإنجليزية باسم « Guyland » و « Gayland »،[1] و " أمير الغرب البربري ومغتصب مملكة فاس ".[2]
إنه أبو العباس أحمد الخضر المشهور ب الخضر غيلان (توفي سنة 1084 هـ /1673م) تزعّم حركة الجهاد ببلاد الهبط بعد وفاة محمد العياشي، فدخل مدينة القصر الكبير و انتزعها من الدلائيين، وجعلها حاضرته، وانطلق منها لقتال البرتغاليين ثم الإنكليز بطنجة.[3] و وصفته المصادر المسيحية « ذو شخصية شجاعة ونظر حاد وقسوة في الطبع، شديد الكتمان لا يكشف عن مواقفه ». وامتد نفوذه إلى الأراضي بين طنجة وسبتة وبين تطوان وشفشاون و تازة.


مسيرته
ينحدر الخضر من أسرة غيلان، وهم من الأندلسيين الذين نزحوا من غرناطة واستقروا بين قبيلة بني كرفط في بِلاَدِ جْبَالَة،[4] وكانت مواطنهم في هذه القبيلة هي قُرى الصخرة، والخطوط، ودار القرمود وغيرها، كما كان لأسرة غيلان بُيوتات عديدة في طنجة وتطوان وأصيلا و تازة. وتعتبر هذه الأسرة من الشُرفاء وهم أصحاب زاوية أولاد غيلان.[5] فولد الخضر بمدشر الزراق.

القصر الكبير
كانت طنجة بعد عودتها لسلطة البرتغاليين هدفا للمقاومة الشعبية التي تزعمها المجاهد العياشي، وسقط في معاركها علي غيلان و أحمد غيلان. وكان العياشي قد عين الخضر غيلان على قيادة الحركة الجهادية في منطقة الهبط، واستقل الخضر بعد وفاة العياشي، وتزعم الحركة بنفسه.
تسببت القيادة الجديدة للخضر غيلان للمقاومة في شمال المغرب في إرباك خصومه فسهل عليه استيلاء جنوده على مدينة القصر الكبير سنة 1063هـ باعتبارها عاصمة الهبط، وقتل فيها علي بن أحمد، وهو منفذ اغتيال العياشي. ومات فيها جماعة من أعيانهم، وأَجْلَى عدد كبيرا من أولاد القنطري، وغيرهم.[6] وكان القنطريون من الأندلسيين الذين استوطنوا القصر الكبير. وبذلك تمكن من ضم المنطقة الشمالية الغربية بكاملها ليتفرغ بعد ذلك لتطويق طنجة ومحاصرتها.
محاولة استرجاع العرائش

بعد أن خضعت قبائل الغرب لنفوذه، جعل من أهدافه الاستيلاء على القواعد المسيحية، خصوصا العرائش.
فتكتلت القبائل وهاجمت قاعدة العرائش تحت قيادته بتاريخ 28 ماي 1655م، وحاصروها واتجهت محاولاتهم لفتح ثغرات في سورها، فأمر حاكم العرائش الإسباني بنصب سائر المدفعية أمام تلك النقطة، بينما يقوم هو بهجوم خارجي مفاجئ.
وكرر الخضر في 9 ماي 1657م هجوما آخر على العرائش، وكان عنيفا هذه المرة، حيث لم تنج القاعدة من هذا الحادث إلا بمعجزة، حسب وصف المؤرخين الإسبان.[7]
وحين امتد نفوذ الخضر غيلان إلى سائر قبائل جبالة و الهبط بإضافة أصيلا والقصر الكبير وتطوان؛ هاجم العرائش سنة 1666م. وبدأ في صنع سلالم للهجوم بها على أسوار العرائش، لكن الخبر نقله أحد الأسرى الإسبان؛ ففشلت المحاولة. و قام الخضر بمحاولة أخرى لاقتحام المدينة بواسطة قوارب إلا أن باخرة كبيرة تعرضت لهم، ولم يتمكنوا من اجتياز باب البحرية. فانهزم غيلان أمام العراش وسقط أخوه.

حصن النصر بمدينة العرائش

حصار طنجة

قام الخضر بتنظيم المقاومة المحلية بطنجة، مما جعل حاكمها البرتغالي فرنان دو ذي ميدشيس يطلب سنة 1656 عقد هدنة، التي قبلها الخضر ودامت مدة سنة واحدة، لينظم بعد نهايتها هجوما قويا طوق به مدينة طنجة ب25.000 من المجاهدين، فقطع عنها إمدادات الماء التي كانت تتزود منها عبر طريق القناة الرومانية المتصلة بواد اليهود. أرسلت لشبونة الامدادات لإنقاذ مستوطنتها، إلا أنها سقطت في كمين نصبه أسطول بحري تابع للخضر غيلان، بعد أن انطلقت من سواحل أصيلة.[8]
اضطرت مملكة البرتغال سنة 1662م للانسحاب من طنجة وتسليمها إلى شارل الثاني ملك انجلترا. فاستمر رجال الخضر غيلان في شن الهجمات المتكررة. الأمر الذي أجبر الإنجليز على عقد هدنة مع الخضر غيلان، الهدنة التي استغلها الإنجليز لتعزيز تحصينات قوية حول مدينة بطنجة التي لا تزال موجودة ليومنا هذا بالقصبة. كما أنشأ الخضر غيلان قلعة (قصبة غيلان) بتحصيناتها بالمنطقة المعروفة اليوم بملاباطا. وكانت مهمتها الدفاع عن حوزة المدينة من غزو الأوروبيين وتضييق الخناق عليهم بواسطة عمليات مسلحة متكررة.[9]
وكان الترجمان أحمد بن الحاج محمد لوكس، الذي ينحدر من عائلة موريسكية، يعمل في الحامية الإنجليزية بطنجة، ففر منها واعتنق الإسلام واشتغل كاتبا عند الخضر غيلان.[10]

جزء مما تبقى من قصبة غيلان بطنجة

مواجهة الدلائيين

وفي سنة 1664م توجه الخضر غيلان برجاله إلى قتال الإسبان بالعرائش. ليعاود الهجوم مرة أخرى على طنجة. غير أنه اصطدم بالزحف الدلائي تحت قيادة محمد الحاج الدلائي والزحف العلوي نحو الشمال.
وسع الخضر غيلان نشاطاته الحربية مستهدفا المدن والقبائل التي كانت تحت إمرة الدلائيين. فحاول محمد الحاج الدلائي التصدي له، فوجه له جيشا كبيرا، وقد التقى الجيشان في مولاي بوسلهام، فمني جيش الحاج الدلائي بالهزيمة. حصل الخضر غيلان على دعم القبائل المجاورة لمدينة تطوان مكنته من الاستيلاء عليها ، لكنه واجه مقاومة عنيفة من طرف الأهالي الذين ظلوا موالين للدلائيين ، فتمكن من المدينة وأعادها إلى أحمد بن عبد الكريم النقسيس وبذلك حصل غيلان على ولاء آل النقسيس.[11]


مواجهة العلويين

بعد أن استقام أمر فاس للمولى الرشيد في ذي الحجة 1076 هـ، خرج إلى بلاد الغرب يقصد الخضر غيلان فزحف إليه المولى الرشيد فانهزم في سنة 1077 هـ / 1667م وأخضع المولى الرشيد قبيلة بني زروال ثم مضى إلى تطوان، ففر منها غيلان،[12] الذي توجه إلى أصيلا ورجع المولى الرشيد عنه إلى فاس حيث كتبت له البيعة.[13]
فتوجه غيلان إلى الجزائر طلبا لدعم الأتراك. فاستغل الخضر غيلان اضطراب أحوال المغرب بعد الوفاة المفاجئة للمولى الرشيد سنة 1672م، فقام بإحياء مشروعه السياسي ببلاد الهبط، بفضل المساعدات العسكرية التي حصل عليها من الأتراك من أجل عرقلة تقدم الدولة العلوية الناشئة بقيادة المولى إسماعيل، الذي واجه كيانات سياسية متعددة في جهات مختلفة من البلاد كأل النقسيس بتطوان وابن محرز بتافيلالت. لكن المولى إسماعيل اعتبر القضاء على الخضر غيلان من أولوياته. بعد فشل حصار السلطان إسماعيل على مدينة تازة سنة 1673م،[14] اضطر إلى رفع هذا الحصار ليتوجه نحو بلاد الهبط بعد أن تلقى جيشه الهزيمة على يد الخضر غيلان.[15] فتمكن بعدها المولى إسماعيل من القضاء على حركته، ودخل مدينة القصر الكبير. وأعطى أوامره بقتل الخضر غيلان سنة 1084هـ / 1673م. وتعرضت أجزاء كبيرة من المدينة للتخريب خلال هذه الفترة من جراء الحصار العسكري المدمر الذي فرض على المدينة.[16] ودفن الخضر بها، وبقي ضريحه معروفا لدى سكان المدينة إلى ان هدم وشيد مكانه مسجد سنة 1984م.
مراجع

2. Raïs El Jadir Ghaïlan > TANGER, Realidades de un Mito,
3. Archives Marocaines, vol.18, Paris.1912, pp.1-186
4. الأَنْدَلُسِيُّونَ فِي بِلاَدِ جْبَالَة وَالهَبْط رشيد العفاقي، باحث في تاريخ المغرب والأندلس - طنجة
5. عبد السلام غيلان، لمحات من تاريخ زاوية أولاد غيلان، مطبعة معمورة، القنيطرة، 1987 م.
6. محمد بن الطيب القادري، التقاط الدرر، تحقيق: هاشم العلوي القاسمي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1983، ص. 134.
7. قضية العرائش، العدد 28، ص 204 – 205
8. لماذا إذن الخضر غيلان ؟ وما دوره في تاريخ بطنجة ؟ طنجة بريس، تاريخ الولوج 5 مارس 2014
11. أسرة آل النقسيس : بين مهمة المقدمية والإستيلاء على السلطة بتطاون نضار الأندلسي، نشر في تطوان نيوز يوم 30 - 09 - 2013
14. المغرب الكبير – العصور الحديثة ” جلال يحيى ص 68 /69
16. أضواء على تاريخ القصر الكبير في الفترة الحديثة عزيز الحساني، نشر في بوابة القصر الكبير يوم 10 - 03 - 2012