الخميس، 4 أغسطس 2022

في ذكرى معركة وادي المخازن المجيدة: حاضرتي لوكوس لُحمة لا تتجزأ

 

 بقلم: عبد الحميد بريري



لازال الغموض يكتنف مجموعة من الجوانب والحقائق التاريخية المرتبطة بواقعة معركة وادي المخازن التي درات في مثل هذا اليوم 4 غشت من سنة 1578م بين الجيوش الصليبية بقيادة الدون شبشتياو (سيبستيان) والجيش المغربي بقيادة عبد المالك السعدي في منطقة تامدة بجماعة السواكن الواقعة بين حاضرتي اللوكوس (العرائش والقصر الكبير)، ومن خلال هذه الإضاءة سأحاول تفادي اجترار ما استهلك تداوله من أخبار وسرديات عن الواقعة التاريخية الشهيرة، مركزا على بعض الدلالات والعبر والدروس التي أعتقد جازما أن علينا الانتباه لها وتثمينها تماما كما انتبه لها أسلافنا من المغاربة والأجانب على السواء، خاصة تلك العلاقة المصيرية الرابطة بين العرائش والقصر الكبير والتي تجيب حقا عن مجموعة من الأسئلة التاريخية محليا، وطنيا وإقليميا.

كان الهدف الحربي من الحملة البرتغالية كما هو مدون في أرشيفات البرتغاليين ومصادرهم المكتوبة هو احتلال مدينة العرائش، نظرا لموقعها الاستراتيجي بالنسبة لأروبا والمغرب على حد سواء، وكانت الخطة تقضي بالهجوم عن طريق البحر  والنزول عند برج الجنويين أسفل منارة رأس الناظور حاليا، ومن ثمّ  مواصلة الهجوم نحو القصر الكبير، لكن الخطة تم تعديلها فوقع نزول الجيش البرتغالي بوادي تهدارت قرب أصيلا، ومن هناك تم التوجه نحو القصر الكبير برا، على أن يتم المرور بعد ذلك إلى العرائش عبر مشرع النجمة كنوع من التحدي بغرض استئصال المقاومة المغربية المتجمعة بالقصر الكبير حتى لا تهدد الوجود البرتغالي بالعرائش عند احتلالها وتأسيس قاعدتهم بها، وهو الأمر الذي نتج عنه ما يعرف في التاريخ بمعركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة أو معركة القصر الكبير. لكن، لماذا القصر الكبير؟

أصبحت مدينة القصر الكبير منذ الاحتلال البرتغالي لأصيلا وطنجة سنة 1471ه أكبر قاعدة جهادية مغربية لمقاومة الوجود البرتغالي خاصة في الثغور المغربية الشمالية، ومركزا لاستقطاب واستقرار النازحين من التجمعات السكانية ببلاد الهبط المستهدفة في العمليات الحربية البرتغالية خاصة تلك الخاضعة لسيطرتهم الفعلية أو بالتبعية، إذ كانت الأهالي ملزمة بأداء الإتاوات، فنشطت المقاومة الرسمية والشعبية انطلاقا من القصر الكبير وكذلك من مدينة شفشاون أيضا، هذه الشرارة المقاومة تسببت في طرد البرتغاليين من أصيلا في إطار إخلاء المراكز الساحلية الأطلسية المستعمرة من طرفهم كآسفي وأزمور بعد أن قام السعديون بتحرير حصن أكادير بالقوة في جنوب المغرب.

هذه الهزائم البرتغالية ستشحذ همة الإيبيريين وتجدد طموحهم بدعم من الكنيسة الكاثوليكية، وبمبادرة متحمسة من الملك البرتغالي الشاب دون سبستيان لتحقيق المجد البرتغالي وتنزيل المشروع التنصيري للكنيسة في المغرب، استكمالا لحروب "الاسترداد" التي أشعلها الكاتوليك بالأندلس، فكانت حملتهم بالمغرب تدخل في هذا السياق، وإن كانت هناك أيضا دوافع أخرى اقتصادية أو حرب مصالح يقودها النبلاء.

وبناء على الدور الذي لعبته مدينة القصر الكبير في المقاومة فإن أي احتلال لمدينة العرائش لن يحقق المشروع التوسعي الإيبيري في المغرب، وهي على الأرجح أهم أسباب تأجيل احتلال العرائش في الفترة التي تم فيها احتلال أغلب المراكز والثغور المغربية بالسواحل الأطلسية.

وإذا كانت الخطة المعدلة التي أشرت إليها سابقا كانت سببا في فشل عملية احتلال العرائش وأحد أهم أسباب الهزيمة المدوية للبرتغاليين في المعركة، فإن الخطة الأولى سيتم تطبيقها في بداية القرن العشرين من طرف الإسبان عند احتلالهم المدينتين (العرائش والقصر الكبير) سنة 1911 حيث نزلت البحرية الإسبانية "Las Navas" في نفس الموقع المذكور (قرب برج الجنويين) على الشاطئ الصخري لمدينة العرائش حيث تتواجد منارة رأس الناظور، ويذكر أنه في العرائش لازال هناك حي كبير مشهور  تدولا بين الساكنة المحلية باسم البحرية الإسبانية "نافاس"، فهناك تمت العسكرة ومن هناك انطلقت القوات العسكرية الإسبانية في اليوم الموالي لاحتلال العرائش في اتجاه مدينة القصر الكبير لإحكام السيطرة عليها منذ 9 من يونيو 1911 وإلى غاية 7 من أبريل 1956 تاريخ استقلال المنطقة الخليفية بالمغرب من يد الاحتلال الإسباني.

وهكذا يمكننا في هذا اليوم المجيد من تاريخ المغرب استخلاص مجموعة من الدروس والاستفادة منها، ولعل إحداها هي تلك اللُّحمة التي شكلتها ساكنتا المدينتين المغربيتين بحكم المصير المشترك والجغرافية والمكونات الإثنية الواحدة، درسها المستعمرون واستوعبوا جدواها في انتظار أن تستوعبها أجيالنا الراهنة والاستثمار فيها.