الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

إطلالة على المعالم التاريخية لشفشاون


 محمد عزلي    

محتويات

·       تقديم
·       ضريح مولاي علي بن راشد
·       أبواب المدينة العتيقة
·       المسجد الأعظم
·       القصبة
·       السيدة الحرة
·       الفندق الفوقي (اشفيشو)
·       رأس الماء
·       الرحى المائية
·       القنطرة البرتغالية
·       ساحة محمد الخامس

تقديم

شفشاون مدينة جبلية ذات تضاريس صعبة حيث الانحدارات المفاجئة والأودية المنخفضة والانكسارات الحادة، مما جعلها محصنة طبيعيا، وقد عرفت تواجد الإنسان منذ العصور القديمة كما عرفت وصول الفاتحين العرب كموسى بن نصير الذي بنى مسجدا له بقبيلة بني حسان شمال غربي شفشاون، وكذا طارق بن زياد الذي لا يزال هناك مسجد يحمل اسمه بقرية الشرفات قيادة باب تازة، فمنذ الفتح الإسلامي للمغرب، أصبحت هذه المنطقة مركزا لتجمع الجيوش، إلى أن تأسست المدينة في 876ه / 1471م على يد مولاي علي بن راشد، لإيقاف الزحف البرتغالي على المنطقة، و إيواء المورسكيين المطرودين من الأندلس، حيث شكلت طوال تاريخها قلعة للمجاهدين المسلمين ضد القوى الإيبيرية التي ذاقت الأهوال على يد أهلها، فعرفت لدى الغزاة حسب المصادر الأجنبية ب (المدينة المحرمة) و (المدينة المقدسة) نظرا لعدم تسامح أهلها من المسيحين.
تمتاز المدينة العتيقة لشفشاون بنمطها العمراني الأندلسي و بمجموعة مهمة من المعالم و المباني التاريخية التي تعكس إلى حد كبير التراث الثقافي الإسلامي الموريسكي الأصيل، إلى درجة جعلت منها قبلة لكل من يعشق حكايات ألف ليلة و ليلة.
و هذه نبذة عن أهم معالمها الشهيرة.

مدينة شفشاون

**********

ضريح مولاي علي بن راشد

يعتبر ضريح مولاي علي بن راشد رمزا لمدينة شفشاون و تاريخها الإسلامي، وهو أحد أهم مزاراتها الشهيرة، يتبرك بقبته أبناء المنطقة و يولونه أهمية و أولوية على اعتباره واحدا من "الأولياء الصالحين"، يشكل فضاء رحبا للعبادة والصلاة و تلاوة الذكر الحكيم، له موسم سنوي يحج إليه كبار شيوخ الحضرة الشفشاونية في لقاح من الذكر والتصوف والتقرب إلى الله، وفي أجواء روحانية تطبعها إيقاعات دينية شجية.
يرقد في هذا الضريح، الشريف العلمي مولاي علي بن يوسف بن راشد بن سعيد بن عبد الوهاب بن علال بن مولاي عبد السلام بن مشيش، يعتبر المؤسس الفعلي لمدينة شفشاون و رمزها الروحي، كان على دراية واسعة بالأندلس و أمورها ما دفعه إلى بناء المدينة على شكل قصبة تضم منزله العامر و تشكيلة المساجد المنتشرة في الأحياء سعيا منه إلى المحافظة على الجانب الإسلامي للمدينة، إلى جانب التحصينات الدفاعية من أسوار وأبراج.
مولاي علي بن راشد هو مؤسس رباط الجهاد بشفشاون في موقعها الحالي، كان أميرا مهاب الجانب سواء من قومه أو من أعداءه خصوصا البرتغاليين الذين لقبوه ب (سيد القوم) و (سيد البلاد).


ضريح مولاي علي بن راشد

**********

أبواب المدينة العتيقة

أبواب المدينة العتيقة بشفشاون سبعة و هي :
1.   باب العين : نسبة إلى العين التي كانت تجري بجانبه، تتواجد وسط المدينة، إذ يجب العبور منها للوصول إلى المدينة القديمة.
2.    باب السوق : نسبة إلى السوق الأسبوعي القديم الذي كان يقام بساحتها، وهو من أكبر وأعلى الأبواب الموجودة بالمدينة.
3.    باب المحروق : نسبة إلى حدث إحراق محكوم عليه وقع تحت قوس هذا الباب.
4.    باب العنصر: العنصر هو العين أو المنبع، وقد أصبح هذا الاسم رمزا للمدينة.
5.   باب الصبانين : نسبة إلى الحرفيين الصبانين و هم المنظفين الذين يقومون بعملية التصبين اليدوي للزرابي و المنتجات الصوفية المحلية و كذا الملبوسات المنزلية من خلال إحداث مجرى فرعي من منبع رأس الماء إلى مكانهم الخاص بالتصبين.
6.   باب الحمار : نسبة إلى سوق أو فندق الحمير الذي كان بجانبه.
7.   باب الملاح : وهو مدخل الحي الذي كان يسكنه اليهود حتى حدود سنة 1924م، يتميز هذا الباب بكونه لا يزال محتفظا بنقائشه الخشبية القديمة إلى الآن.

كما أن للمدينة أبواب أخرى ثانوية تحمل اسم الحي أو الدرب أو تعرف بأسماء العائلات الشفشاونية الشهيرة، و منها :
·       باب الموقف : مكان يجتمع فيه العمال الجاهزون للاشتغال في انتظار من يستأجرهم.
·       باب النقبة : اسم الباب مستوحى من صغر حجمه، هو مدخل حي الأندلس، حيث يروى أنه استخدم قديما من أجل ولوج المورسكيين الفارين من الأندلس إلى داخل المدينة.
·       باب السور : وهو باب داخلي يقع بسور المدينة الداخلي القديم.

باب العين

باب السوق

**********

المسجد الأعظم

أحد أجمل و أهم معالم التراث الثقافي المادي الوطاسي المميز لمدينة شفشاون، شيده حاكم المدينة سيدي محمد بن مولاي علي بن موسي بن راشد العلمي الإدريسي الحسني عام 969 ه، 1561/1562م على الطراز الأندلسي البديع بجوار القصبة، على مساحة تبلغ 1500 متر مربع، له صومعة مزركشة و جميلة بثمانية أضلع، أبوابه أربعة، ويتكون من صحن و ساحة للصلاة بأربع بلاطات عرضية تفصل فيما بينها أربع أقواس بيضاوية اللون تقوم علي مجموعة من الأعمدة المنقوشة، كما تزينه نافورة فريدة من نوعها وسط الساحة الداخلية للمسجد، و محراب رائع مرصع بنقوش الإبداع التقليدي المغربي، و الثريا الخشبية المدهشة المزركشة بالنقوش و الرسوم و الزخارف و التي لا يوجد لها مثيل في كل الأمصار، هذا و يوجد بالمسجد الأعظم مدرسة لتحفيظ القرأن الكريم.

المسجد الاعظم 2016 بعدسة عبد الله ناصر صالح بجنف

**********

القصبة

تؤكد المصادر التاريخية على أن اختطاط المدينة كان في الجهة المعروفة بعدوة وادي شفشاون في حدود 876هـ / 1471م، على يد الشريف الفقيه أبي الحسن المعروف بابن جمعة، وقام من بعده ابن عمه الأمير أبو الحسن علي بن راشد باختطاط المدينة في العدوة الأخرى، فبنى قصبتها وأوطنها بأهله وعشيرته.
تقع القصبة في الجزء الغربي للمدينة، وتعتبر نواتها الأولى، التي اتخذها مولاي علي بن راشد مقرا لقيادته وثكنة عسكرية من أجل الجهاد ضد البرتغاليين.
من الناحية المعمارية، فالقصبة محاطة بسور تتوسطه عشرة أبراج، وتجسد طريقة بنائها النمط الأندلسي في العمارة، يحتوي الفضاء الداخلي للقصبة على حديقة كبيرة مزينة بحوضين، في حين يحتل المتحف الاثنوغرافي الجزء الشمالي الغربي من القصبة، يرجع تاريخ بناء المبنى الذي يأوي المتحف إلى نهاية القرن 11هـ / 17م، وقد بناه علي الريفي والي السلطان مولاي إسماعيل على المنطقة، يتخذ هذا المبنى تصميم المنازل التقليدية المغربية التي تتوفر على ساحة داخلية مفتوحة تتوسطها نافورة مائية، محاطة بأروقة وغرف بالإضافة إلى طابق علوي.

القصبة

**********

السيدة الحرة

ارتبطت مدينة شفشاون باسم أميرة الجهاد (السيدة الحرة)، امرأة جميلة، قوية، ذكية، قلبها بمائة ألف رجل، فقد زرعت الرعب في الإسبان حتى أطلقوا عليها لقب " بربروسا التطوانية "، و كانوا يقولون " نفضل مواجهة مئة ألف جن وجنية ولا الحرة الشفشاوية ".
ولدت بشفشاون سنة 1493، وهناك من المؤرخين الإسبان من يسميها عائشة، والدها هو مؤسس المدينة مولاي علي بن راشد، وأمها إسبانية مسلمة من منطقة قادش.
يقول المؤرخ مولاي علي الريسوني " أطلق أبوها عليها اسم الحرة تيمنا باسم والدة أبو عبد الله الأحمر آخر ملوك غرناطة الذي كان صديقا لمؤسس شفشاون، و توجد لدينا وثيقة زواجها حيث الاسم هو السيدة الحرة " ثم يضيف " تشبعت بالجهاد على يد أستاذها في الصوفية مولاي عبد الله الغزواني ".
تزوجت السيدة الحرة من القائد المنظري حاكم تطوان، فاكتسبت خبرة وتجربة كبيرتين في أمور الحكم والتدبير، إذ كان زوجها ينيبها عنه في تسيير الإمارة أثناء غيابه في معاركه ضد البرتغاليين و الإسبان، الأمر الذي أهلها لتتولى من بعده مقاليد الحكم وتصبح أميرة للجهاد بالشمال المغربي.
لم ينتصر الإيبيريون على السيدة الحرة في مواجهاتهم العسكرية، بل منعتهم من استعمار مناطق شمال المغرب، لكنها وقعت ضحية دسائس التحالفات المحلية الداخلية، لتنسحب أخيرا للعبادة والتصوف.
توفيت في شفشاون و دفنت حيث يوجد ضريحها في الزاوية الريسونية وسط المدينة.


**********

الفندق الفوقي (اشفيشو)

يعد هذا الفندق واحدا من أجمل و أقدم العمائر ذات النمط الأندلسي الأصيل، يشكل أحد رموز التراث الثقافي المادي المؤهل وظيفيا للاستغلال السياحي، يتميز الفندق بجمالية العمارة الأندلسية الأنيقة و علوه البانورامي المطل على ساحة "وطاء حمام" التاريخية و مناظر مدينة شفشاون الطبيعية و العمرانية الساحرة.
بني الفندق على يد أسرة (العاقل) الأندلسية التي كانت تحمل اسم (بن علي) عند دخولها و استقرارها بشفشاون شأنه شأن العديد من المنازل المجاورة للفندق و كذا مسجد (العاقل) بحي ريف الأندلس، و (حمام البلاد) أقدم حمام بالمدينة الموجود أسفل ساحة "وطاء حمام".


**********

رأس الماء

عين رأس الماء هو المكان المفضل لدي أبناء مدينة شفشاون، و المزار السياحي الأكثر رواجا و استهدافا، نظرا لروعة المنظر العام المطل على المدينة أسفلها و الطبيعة الجبلية و البساتين الخضراء المنتشرة على مدى البصر تصحبها موسيقى خرير المياه العذبة النقية.
هناك من يعتبر أن عين رأس الماء هو سبب تأسيس مدينة شفشاون في هذا المكان تحديدا من طرف مولاي علي بن راشد، و ذلك لتأمين الماء من جهة و لوعورة المكان و تحصيناته الجبلية الطبيعية من جهة أخرى.
يتموقع رأس الماء شرق المدينة عند قدم جبل تيسوكا حيث تنبع العين التي تزود بالماء الشروب حاجيات كل الساكنة المحلية، كما تسقي حوالي 600 هكتار من الأراضي الفلاحية، و قد أكدت الدراسات و التحاليل التي أجريت على مياه العين بأنها ذات طبيعة بيكاربوناتية و كلسية تحتوي على مواد معدنية بنسبة متوسطة مما يتيح تصنيفها ضمن المياه الصلبة.
  
منبع رأس الماء

**********


الرحى المائية

كانت مدينة شفشاون تتميز بتوفرها على رحى كثيرة على ضفاف وادي و جداول عين رأس الماء تعمل بقوة الدفع المائي، 27 رحى لطحن دقيق الزرع والذرة والشعير بقي منها اثنتين بينما تعطلت البقية لانقطاع الماء عنها، و 18 أخرى لعصر الزيتون اندثرت جميعها، و الرحى عبارة عن حجرة صغيرة محدبة و مسقفة يكسوها قرميد أحمر، لها ملحقات بسيطة تثير إعجاب الزوار و اندهاشهم.
ينزل ماء الساقية منحدرا في أنبوب خشبي ليندفع نحو كرة الرحى أسفل المطحنة، لتبدأ عملية طحن الحبوب بصبها في "أسْكلْ"، وهو إناء واسع من خشب مثلث الأضلاع، تمر من خلاله الحبوب عبر عملية "الطقطقة" التي تقوم بتوزيعها بين حجري الرحى بدقات بطيئة ومنتظمة حتى يصير الطحين جاهزاً، فيتم جمعه "بشطابة" صغيرة (مكنسة من العْزفْ).
تعتمد عملية الطحن على أدوات محلية بسيطة لكنها فعالة، فهناك "العمارة" وهي الأداة التي تدور عليها عجلة الرحى، و"القلب" الذي يقوم بتحريكها، و"الفجّارة" التي تصرف الماء خارجها، ثم عود "الخيمة" الذي يمكن (الرحوي) و هو العامل الذي يشغل الرحى من توقيفها أو تشغيلها أو الزيادة في سرعتها، حتى يصير الدقيق أكثر نعومة.
  

 نمودج لحجرة الرحى المائية من الداخل

**********

القنطرة البرتغالية

تشير المصادر التاريخية في القرن 16 أن أسرة آل راشد في تطوان و شفشاون و خاصة أميرة الجهاد السيدة الحرة كانت لهم صولات و جولات في الجهاد البحري ضد الأساطيل الأجنبية عموما و الإيبيرية تحديدا، و غنموا من هذه الطلعات الشيء الكثير من المال و المؤن و الأسلحة و الرهائن الذين تشكلوا أساسا من البرتغاليين و الإسبان، و كان الأسرى يبقون في السجون في انتظار أن يتكلف ملكهم أو أسرهم  إذا كانوا ينحدرون من أسر ثرية بشراء حريتهم، أما الفقراء منهم فكانوا يقومون ببعض الأعمال مثل بناء الحصون والقناطر، كما هو الشأن بالنسبة للقنطرة البرتغالية بشفشاون، والتي بناها الأسرى البرتغاليون بمنطقة رأس الماء.



 القنطرة البرتغالية القريبة من نبع رأس الماء بشفشاون

**********

ساحة محمد الخامس

تفنن المهندس المعماري الإسباني الشهير (مانويل لاطوري باستور) في تنفيذ مجال عمراني كولونيالي عصري بمدينة شفشاوان في الفترة المتراوحة بين 1930 و 1956، و تعد ساحة محمد الخامس فاكهة أعماله، هذه الساحة التي تسمى تداولا بين سكان المدينة ب (حديقة الخصة) تجمع بين طبيعة شفشاون السخية بالخضرة و الماء و بين تصاميم الساحات الكلاسيكية بالأندلس عموما و إشبيلية تحديدا.
تتألق الساحة بمحيطها العمراني حيث تمتزج الهندسة الانتقائية مع النيو-عربية في تناغم مع الطابع الشفشاوني التقليدي الإسلامي الأصيل من خلال مبانيها الرسمية أو السكنية أو التجارية، أجملها و أبرزها مبنى البلدية، و كنيسة (سان أنطونيو دي بادُوا) التي فتحت أبوابها عام 1940.

ساحة محمد الخامس "الخصة"

كنيسة سان أنطونيو دي بادُوا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق