محمد عزلي
في قراءة لهذه
الوثيقة (الصورة 1) المنقولة من الموقع الإسباني todocoleccion.net، الذي
يملك نسخة ورقية مطروحة للبيع، وهي مقالة باللغة الإسبانية تحت
عنوان "El Puerto De Larache" نشرت سنة 1910 في صحيفة إسبانية كانت تسمى"BLANCO
Y NEGRO" (أبيض وأسود)، والتي تحولت بعد
ذلك إلى ما يعرف اليوم بالجريدة الإسبانية الشهيرة "ABC"، تتضح لنا معالم مرحلة بناء حاجز الأمواج الشمالي على شاطئ
العرائش الذي يبلغ طوله 750م على الضفة اليمنى لمصب وادي لوكوس بالمحيط الأطلسي
والمعروف تداولا عند ساكنة العرائش ب "البلوكيس"، الحاجز الذي وضع في
مقدمته منارة إرشادية للمراكب والمعروفة لدى العرائشيين تداولا باسم
"فارونا"، هذا الحاجز البحري
كان من بين مكونات مشروع بناء ميناء العرائش الذي تكفلت الحكومة الألمانية
ببنائه بواسطة شركة ألمانية متخصصة، مستخدمة خبرتها الكبيرة ومعداتها الجبارة في
مثل هكذا مشاريع كبرى، فوض لهذه الشركة العمل بناءً على ترخيص مباشر من سلطان البلاد آنذاك
مولاي عبد الحفيظ بن الحسن في العام ذاته 1910، بدليل الوثيقة المخزنية
(الصورة 2) والتي استخرجها ذ. هشام الشكدالي من مديرية الوثائق المخزنية
بالرباط، ونشرت في مدونة أرشيف العرائش الإلكترونية تحت عنوان "وثيقة مخزنية
تخص بناء ميناء العرائش" بتاريخ 27/02/2017. وقد جاء ترخيص السلطان في سياق
وفاء المغرب بتنفيذ الاتفاقية الموقعة سنة 1908، وهي من تبعات معاهدة الجزيرة
الخضراء 1906 والتي نسقت فيها القوى الإمبريالية توجهاتها الاستعمارية لاقتسام
الكعكة المغربية، فكان الاتفاق على تقسيم مشاريع الأشغال العمومية الكبرى بالمغرب
وعلى رأسها الموانئ، فاختصت ألمانيا لشركاتها مينائي طنجة والعرائش، بينما
انبرت فرنسا لمينائي الدار البيضاء وآسفي، وهو الأمر الذي تحدث عنه المقال الثاني
(الصورة 3) من نفس الجريدة الصادر في 11 غشت 1913.
يكشف لنا المقال الأول (الصورة 1)
بوضوح أن مرتفع تشمس حيث يوجد موقع ليكسوس الأثري شكل مقلع الصخور التي استعملت في
تشييد حواجز الأمواج ثم الميناء بعد ذلك، والصور المصاحبة للمقال توضح مكان وعملية
اقتلاع الصخور ووسيلة نقلها – باخرة نهرية متخصصة - وكذا عملية تشييد الحاجز،
الشيء الذي يجعلنا نطرح بعض الاستفهامات المقلقة أهمها: ألم يكن الحفر داخل المجال
الأثري لمدينة ليكسوس الضاربة في عمق التاريخ – تاريخ التأسيس 1180 قبل الميلاد -؟
ألم تسفر العملية برمتها إلى إتلاف معالم حضارية وبنيات إنشائية كانت تحتاج
لحفريات علمية أركيولوجية وليس الإضرار بالتراث الإنساني بتهور واستهتار؟ أليس واردا
أن الألمان وجدوا خلال فترة الأشغال لقى أثرية مهمة ولسنا نعلم كمها
وقيمتها التاريخية ومكان وجودها اليوم؟
المقال يشير أيضا إلى أهمية بناء
هذا الحاجز المتمثلة في تأمين عملية الملاحة، خصوصا أن المدينة كانت مستهدفة للاحتلال
من قبل أكثر من دولة أوربية، وهو الأمر الذي سيحدث بالفعل في يونيو 1911 من قبل البحرية العسكرية الإسبانية، ومعروف أن عملية العبور إلى مرسى العرائش
بالبواخر المتوسطة والكبيرة قبل هذا التاريخ كانت شبه مستحيلة، الشيء الذي شكل
تاريخيا نوعا من التحصين الدفاعي الطبيعي لثغر العرائش المحروسة، ومقبرة لعدة غزاة
حاولوا التوغل إلى مرسى العرائش.
أخيرا، وفي سياق الحديث عن
التحصينات الدفاعية لمدينة العرائش، تظهر لنا نفس الوثيقة صورة بطارية سيدي
بوقنادل بست مدافع واضحة، والملاحظ من خلال التعليق على الصورة أن البطارية منسوبة
إلى البرتغاليين، وهو أمر غريب، إذ أنه لم يثبت تاريخيا احتلال البرتغال للمدينة
كما لم يثبت وجود تحصين عسكري برتغالي بثغر العرائش، ناهيك عن أن البطارية استحدثت
في القرن الثامن عشر في وقت كانت فيه العرائش تحت السيادة المغربية، غير أن الأمر
قد يفسر بوجود مدافع برتغالية كانت بالفعل تعزز التحصينات الدفاعية لمدينة
العرائش، وهي مدافع مغنمة من معركة الملوك الثلاثة التي هَزم فيها المغاربة سنة
1578م الدون سباستيان ملك البرتغال وجيشه الصليبي على ضفة وادي المخازن القريبة من مدينة العرائش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق