السبت، 27 أكتوبر 2018

كارميلو


مبنى الحاج احميدة


   محمد عزلي


رحمك الله يا عمي احميدة، المالك الأصلي لهذا المبنى قبل أن يبيعه ورثته، هو عم والدي وكان من الطبيعي أن أناديه بعمي، لكن الحاج احميدة كان في حقيقة الأمر عماً للجميع، كان عنوانا للكرم والصدق والأمانة وإصلاح ذات البين وصلة الرحم، لا يخيب من يدق بابه أبدا، حتى أن باب داره كانت تفتح بخيط طويل يصل إلى الصالون الكبير الذي لا ينضب من مائدته شاي ولا قهوة مع كل ما يلذ للأكل ويبهج للنظر. كان مسموحا لي التحرك بحرية في المنزل البهيج دون حسيب ولا رقيب، لم أكن أفضل الصالون الأول ولا حتى الثاني المقابل له رغم الفخامة وإغراء الحلويات وشاشات التلفاز الملون والمزود بجهاز الفيديو، كنت أقصد الحاجة رقية رحمة الله عليها أينما وجدت سواء بمجلسها النسوي في صالونها الخاص، أو في مطبخها ذو الشرفة البهية، أقصدها لأنها تشعرني بالمحبة وتكرمني بشتى أنواع الأكل المغربي "الحقيقي" (المسمن، الشباكية، رغايف الزرع، الملوي، الرزيزة، السفوف...) أما الحريرة فهي 24/24 7/7، حتى أني في فصل الصيف وبعد العودة من الشاطئ كنت أتوقف إما عندهم أو عند جدتي الحاجة فطوم رحمة الله عليها أو عند خال والدتي المرحوم عبد الكريم لشحن البطارية وطرد الجوع العدو، هذه المحاور الثلاث كانت قارة ومضمونة ليس في الصيف فقط وإنما على طول الحول.
هذه البناية جزء من ذاكرة صباي ومراهقتي، إنها آخر مراكز الحظوة والعصبة واللمة العائلية، تلاشت يوم مات عمي وبعده زوجته ثم ابنتهم الوحيدة، وكأن الجميع اتفق على الرحيل عنوة، توقفت التجارة المباركة المربحة في واحد من أكبر مستودعات الحبوب والقطاني بمدينة العرائش فجأة وهي التي كانت بابا للرزق لأناس كثر، أناس رغم تلونهم وغرائب طباعهم وجشع بعضهم لم يتعرضوا يوما للسب والطرد والاحتقار وإنما لتأديب الحليم وحكمة الكريم، أذكر جيدا تلك الجلسات في صالون عمي حيث كانت أشبه بما تصدره لنا مسلسلات المصريين عن العمدة في الأرياف، فقد كان الحاج يسمع من الجميع حتى يتحصحص له البيان، فيلقي كلمة لا يردها عليه شيوخ ولا شُبًّان.
وبعد سنين من القيل والقال بين المكاتب وردهات المحاكم، اتفق الجمعان على البيع، وسيصير المكان في خبر كان، لكن الذكرى لا تخصني وحدي بل تخص كل عرائشي يملك حق الاحتفاظ بذاكرته، ففيها كان كارميلو وسفري وفيها كان الدكتور البدري.. أنا صورتها للتوثيق والأرشيف، وسأعيد تصويرها بعد حين إن كتب لي الله مزيدا من العمر لأرى هل سيحافظ المقاول على نمط البناية الهندسي ويراعي خصوصيتها المعمارية كتراث ثقافي مادي، أم ستطمس الصورة وتمحى الذاكرة وتطوى صفحة أخرى من مجلد الخذلان.


مقهى مرحبا (كارميلو) وفوقه مباشرة عيادة الدكتور بدري

الباشا علي بن محمد أزطوط

 الباشا علي بن محمد أزطوط العرائشي (سلطته ونفوذه)




   بقلم : عبد الحميد بريري

النص الأول

الحمد لله وحده              وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وصحبه وسلم

محبنا القائد المختار بن عمر اعانك الله وسلام عليك ورحمت الله عن خير مولانا المنصور بالله وبعد فقد وصلنا كتابك مخبرا فيه بوصولك لمصمودة ووجدتَها مروَّعة جلها راحل وليست على الحالة التي كتب لنا الشيخ بها بل ذلك منهم غُوغةً عليه ووقع بينهم فتنة ومات من مات واجتمع ءال زوايا القبيلة واصلحوا ما بينهم وتصالحوا واتفقوا على تولية رجل منهم من بني عاصم واذعنوا لإعطاء الحُرّاك الهدية وهم على سبيل الطاعة وقد كتب لنا بهذا ءال زواياهم وحيث أمرهم كما ذكرتم فحضوهم على تقويم حرّاكهم وتوجيههم إلينا لننظر حزمهم واستعدادهم ثم يشرعوا في فرض هديتهم وقبضها وليشدوا عضدهم الخيل التي وجهنا لهم قبلك على قبضها وإذا قبضوها فليصحبوها بأيديهم وليقدموا إلينا ليتم الله أمرهم بخير إن شاء الله وبوصول كتابنا هذا إليك أقدم إلينا مع الخيل التي توجَّهت معك والله يعينكم والسلام وفي 22 رمضان 1278 .

[الخاتم]         
خديم المقام العالي بالله
الحاج علي بن محمد 
وفقه الله       

النص الثاني

الحمد لله وحده        وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى ءاله
محبنا الشيخ السيد محمد المزوري وفقك الله وسلام علينا و (جزء مبتور) تعالى وبركاته عن خير مولانا أيده الله ونصره وبعد فقد وصلنا كتاب (جزء مبتور) ووصلت الأربعون مثقالا التي وجهتها من قبل هدية ربيع النبوي الشريف الأتي أعانك الله والسلام في 28 صفر الخير عام 1281 .

[الخاتم]         
خديم المقام العالي بالله
الحاج علي بن محمد 
وفقه الله       
      

[الوثيقتان في ملكية السيد عبد اللطيف المزوري وهما عبارة عن رسالتين جوابيتين من الحاج علي بن محمد إلى كل من القائد المختار بن عمر سنة 1278ه، والشيخ مقدم مقدمي الزوايا بالعرائش السيد محمد المزوري سنة 1281ه]

الاسم
ذكر السيد علي بن محمد ازطوط بأسماء مختلفة في نفس الفترة من خلال المصادر والمراجع التاريخية المتاحة، ففي ظهير توقير للشرفاء العسريين بالعرائش والقصر الكبير وآل سريف يرجع إلى سنة 1875ه (في ملك عبد اللطيف المزوري) ذكر بعلي العرائشي وذكر باسم علي بن محمد ازطوط في اللوحة التعريفية بضريح سيدي عبد الكريم باعتباره بانيه، وذكره أيضا الدكتور إدريس شهبون بصفته عامل العرائش تحت اسم علي ازطوط، وتطابقت بعض المصادر بذكره باسم علي بن محمد كتاريخ تطوان بصفته عامل على العرائش وأصيلا سنتي 1876 و 1877 ج/5 ص: 51 ونسخة من عقد البيعة للسلطان مولاي الحسن الأول سنة 1290ه بصفته عامل على منطقة العرائش وتحت إشرافه بيعة أهل العرائش وجيشها وأعيان القصر الكبير وأهل بني جرفط وأهل أصيلا وأهل الساحل [أصل البيعة محفوظ لدى مديرية الوثائق الملكية تحت عدد 370]، كما جاء باسم جامع وشامل وكامل (الفقيه الباشا سيدي الحاج علي أزطوط القموري الحسني العرائشي) في نسخة من عقد نكاح ابنه السعيد بكنزة بنت احمد بن التهامي التالوني، بتاريخ 19 صفر الخير 1319 ه [الوثيقة في ملكية السيدة حنان القموري].


مصطلحات
غوغة : يقصد بها الغوغاة  لغة، هو صوت القوم، ومنها الغوغاء سفلة الناس وتعني كذلك الضجة والضوضاء والصياح. والمعنى في النص هو منعه وثنيه على إبلاغ الحاكم بما وقع خوفا من عقابه.
مصمودة : إحدى القبائل الجبلية والقريبة من مدينة وزان احتفظت باسم مصمودة لأنها القبيلة الأمازيغية التي سكنت المنطقة الساحلية للمحيط الأطلسي وتعتبر غمارة إحدى فروعها وبني حسن فخدة منها وهي التي تستوطن الضفة اليسرى لنهر سبو حاضرتها سيدي سليمان القبائل الثلاث تنتمي إلى القبيلة الأم .  
بنو عاصم : فرقة من مصمودة الحالية.
الحرّاك : نسبة إلى الحركة وهم عناصر جندها والتي هي العملية التي  كان المخزن المغربي يقوم بها لتأديب القبائل. يتكون جيش الحركة من الجيش المخزني ومن العناصر التي تساهم بها قبائل النايبة، فرسان كانوا أم مشاة، وهذا ما يظهر من خلال النص الأول(les tribus arabes de la vallee du lekkous p141 Edward Michaux Bellaire et George Salmon)
الهدية : هي عطاء شكر للسلطان تمنحه المدن والقبائل والزوايا عند كل العيدين وعند ذكرى المولد النبوي وهو ما يفصح عنه صراحة عبارة "هدية ربيع النبوي" وتاريخ تقديمها  28 صفر الخير في النص الثاني (Les tribus arabes de la vallee de lekkous op cit p140)
المثقال :   كان يزن في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان حوالي 5 غرامات من الذهب لينتقل إلى حوالي 29 غرام في عهد الحسن الأول.

ظروف النصين :
تنتمي الفترة التي كتب فيها النصين إلى عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان ، والتي أعقبت هزيمة حرب تطوان (1859/1860) ومن قبلها هزيمة إيسلي مما حدا بالدولة المغربية إلى الإنشغال بالإصلاحات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والإدارية والمالية؛ خاصة النقص المالي في الخزينة بسبب الديون التي ترتبت عن الهزيمتين أمام فرنسا وإسبانيا، اللتان زادتا من أطماعهما في المغرب بسبب انكشاف ضعفه بعدما كان مهاب الجانب منذ معركة وادي المخازن. كما تميزت هذه الفترة بنوع من الاستقلال في اتخاذ القرار على الصعيد الجهوي واتساع رقعة المجال الترابي لهذه الوحدات الإدارية، وكان فيها السلطة لحكام الجهات؛ لتعرف بعد التعديلات في تقليص الرقعة الترابية لهؤلاء الحكام لكي لا يتغولوا أمام السلطة المركزية وذلك في عهد السلطان محمد الرابع وبالفعل هذا ما أدى إلى تقليص الرقعة الجغرافية لجهة العرائش بإلحاق بعض القبائل الجبلية القريبة من طنجة وتطوان إلى هاتين الحاضرتين .( ميشوبلير Michaux Bellaire Quelques tribus des montagnes de habt) والتي كانت من قبل  في عهد السلطان المولى عبد الرحمان تحت حكم الباشا أبي سلهام بن علي أزطوط بما فيها طنجة. [Le GHARB/ MICHAUX BELLAIRE) )] كما كانت سياسة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان تهدف إلى تقوية الجهاز العسكري ودعمه خاصة في الثغور الإستراتيجية كالعرائش [متنوعات محمد حجي  - الجيش المغربي في القرن 19 ملاحظات أولية ذ/ مصطفى الشابي ص : 386 كلية الآداب الرباط] لدرء المخاطر الأجنبية عن المغرب وتعزيز الجبهة الداخلية بفرض هيبة الدولة داخل المناطق النائية؛ وخاصة الجبلية منها  التي كانت دائما تروم إلى نوع من الاستقلال عن السلطة المركزية وفي ظل تزايد الانتقادات الأجنبية، وفق تصور مصلحي، لضعف سلطة الدولة المغربية على كافة ترابها مما يصعب عليها استيفاء الضرائب للقيام بإصلاحات لتحديث الدولة ومن الجهة الرسمية توفير المداخيل الكافية للقيام بدعم القدرات الدفاعية للبلاد أمام الأطماع المتزايدة.

تحليل النصين
النص الأول
 بعد الحمد والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ جواب محمد بن علي بصفته ذي سلطة ونفوذ على المنطقة  التي أرسل إليها  القائد المختار بن عمر بعدما أخبر هذا الأخير بوصوله إلى مصمودة ، ومذكرا بما جاء في رسالته واصفا الحالة التي وجد عليها القبيلة ووصفها ب "المروعة" وقد رحل أغلب سكانها ومات منها من مات وهذا الوصف، يقول المجيب،  يخالف ما أخبر به الشيخ  من قبل، وقد كان تستر الشيخ عن هذا الواقع بعدما منعه وثنيه بالضغط الذي مورس عليه، وهو ما عبر عنه غوغاة أي سلوك من طرف سكان القبيلة حتى لا يصل الخبر إليه. ويضيف علي بن محمد في جوابه هذا عن الإجراءات التي اتخذها أهل زوايا القبيلة بإصلاح ذات البين بينهم فتصالحوا فعلا واتفقوا على جعل رئيس عليهم من بني عاصم، كما وافقوا على إعطاء الهدية لجند الحركة طائعين. وهي النتيجة نفسها التي أخبر بها أهل زوايا مصمودة. وبما أن الوضع قد استقر أمره، أي الأمر موجه للقائد، بتعويض عناصر الجند الذي عبر عنهم بالحرّاك  ثم بعثهم إليه ليرى مدى جديتهم واستعدادهم لتوفير الأمن بالقبيلة مستقبلا. ومن بعد هذا أوجب عليهم في فرض هديتهم واستلامها والاستعانة على ذلك بالخيل التي كان علي بن محمد قد أرسلها إلى حرّاك القبيلة قبل إرسال القائد المذكور، وعند قبض الهدية  أن يأتوا بها إليه ليكمل الله الهدف الذي وجههم إليه إن شاء الله وهو استتباب الأمن؛ كما يأمر علي بن محمد القائد بالعودة إليه مع الخيل التي توجهت معه فور وصول هذا الكتاب داعيا له الله أن يعينه ومسلما عليه . وأرخ لهذا الرسالة بتاريخ 22 رمضان 1278 هجرية موافق سنة. وتحت الرسالة خاتم كتب وسطه خديم المقام العالي بالله علي بن محمد وفقه الله.

النص الثاني
 بعد الحمد والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ جواب علي بن محمد على الشيخ محمد المزوري يخبره فيها بتوصله بهدية ذكرى المولد النبوي التي كان مقدارها 40 مثقالا مع الدعاء له بأن يعينه الله والسلام عليه والرسالة مؤرخة في 28 صفر الخير عام 1281.
وتحت الرسالة خاتم كتب وسطه خادم المقام العالي بالله علي بن محمد وفقه الله


دار الباشا بمدينة العرائش مستندة على جامع الأنوار قبل هدمهما من طرف سلطات الحماية، المبنى كان يحتل وسط ساحة دار المخزن حاليا

سلطة ونفوذ باشا العرائش علي بن محمد أزطوط
علي بن محمد أزطوط  الإدريسي الريفي العرائشي من عائلة أزطوط العرائشية التي كانت لها السلطة والنفوذ في المنطقة الممتدة شمال سبو، منذ عهد السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام إلى عهد السلطان المولى الحسن الاول، وقد كان أشهرهم الفقيه الدبلوماسي والحاكم بوسلهام بن علي أزطوط، الذي لعب دورا مهما في إرجاع العلاقات المغربية الفرنسية إلى سابق عهدها قبل احتلال الجزائر؛ من خلال مفاوضاته الجريئة مع فرنسا ودهائه السياسي لطي صفحة من توتر العلاقات إلى صفحة عاد فيها الهدوء والنظر إلى مستقبل من التفاؤل، كما قام بسياسته الداخلية إلى النفوذ داخل القبائل التي غالبا تكون خارج السلطة المركزية بفعل ثوراتها من حين لآخر؛ مستعملا الحزم والقوة من جهة والعدل بين أفراد القبيلة الواحدة وبين القبائل من جهة ثانية؛ إلى هذه المدرسة انتمى باشا العرائش علي بن محمد أزطوط حيث تشهد الوثيقتان المؤرختان عامي 1278 و1281 هجرية موافق 1861 و 1864م على هذا النفوذ والسلطة على المنطقة التي كان يحكمها وعلى العلاقة الطيبة التي تجمعه مع الزوايا باعتبارها إحدى المؤثرات داخل المجتمع المغربي آنذاك بنفوذها ودورها الاجتماعي .  
تتجلى هذه السلطة والنفوذ من خلال حدثين عرفتهما منطقة العرائش إبان توليته باشا على العرائش من طرف السلطان سيد محمد بن عبد الرحمان، وهما ما يعبر عنه اليوم تنازل السلطة المركزية عن بعض اختصاصاتها للسلطات المحلية عبر نظام اللاتركيز الإداري :
حدث أن وقع اقتتال بين أفراد قبيلة مصمودة بتاريخ 22 رمضان 1278 موافق سنة 1861 أودت بحياة بعض سكان القبيلة ورحل أغلبهم، فجهز الباشا علي بن محمد أزطوط حركة بالخيل لإخماد نار الفتنة بينهم لكن الحركة من الراجح أنها فشلت، فحاول شيخ القبيلة الذي كان يترأسها إخفاء حقيقة الوضع الأمني هناك بضغط ومنع من بعض سكان القبيلة. فلم يلبث الباشا أن أرسل القائد  المختار بن عمر بجيش لاستتباب الأمن وإرجاع الحالة لما كانت عليها من قبل وقبل وصول قائده إلى هناك، وصله كتاب من أهل زوايا مصمودة يخبرونه : أن قاموا بعملية المصالحة بين المتخاصمين وعينوا عليهم رئيسا؛ رجل من بني عاصم إحدى فرقهم ووافقوا على إعطاء الحرّاك العطاء طائعين مستسلمين. وقد أكد هذا الوضع الجديد القائد المختار في رسالة إلى الباشا، هذا الأخير أمره في رسالته الجوابية إليه بأن يحض سكان القبيلة على العطاء للحرّاك مع أمر هؤلاء بالتوجه للباشا لينظر مدى استعدادهم وجديتهم في فرض الأمن مستقبلا في القبيلة. كما أمر الحرّاك بالشروع في قبض الهدية باستعمال الخيل الذي وجهها إليهم قبل وصول القائد. وبعد الانتهاء من عملية أخذ الهدية، أن يأتوا إليه حاملين إياها. ثم طلب من القائد المختار بن عمر كذلك العودة بدوره مع الخيل التي وجهها معه.
هذا على مستوى القبائل وكيف أذعنت مصمودة للباشا واستسلم أهلها، أما الزوايا كمستوى ثاني فسارعوا إلى التدخل للقيام بالمصالحة بين السكان ومكاتبة الباشا فورا قبل وصول القائد المرسول بالجنود لاسترجاع الأمن المفقود، وفي النص الثاني حول هدية الزوايا كيف كان أهل الزوايا؛ مواظبين على إعطاء الهدية للباشا عند حلول شهر ربيع الأول مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ما توثقه الرسالة الجوابية من الباشا علي بن محمد أزطوط؛ مخبرا فيها مقدم مقدمي الزوايا بالعرائش آنذاك وهو محمد المزوري يوم 28 صفر الخير 1281 بالتوصل بالهدية وكان مقدارها أربعين مثقالا (عملة ذهبية).   
يتبين من خلال النصين أنه كانت هناك سلطة فعلية على قبيلة مصمودة وسلطة تراتبية تفصح عنها ذلك التواصل بين شيخ القبيلة الذي لم يتوان على إخبار رئيس السلطة الإدارية بمركز جهة العرائش؛ ولو أنه حاول إخفاء حقيقة الفتنة التي وقعت في القبيلة فالباشا هنا لم يطمئن لتقرير الشيخ؛ إما أن الفتنة لازالت قائمة أو خمدت نارها دون ذكر نتائجها عبر مصادر خاصة أخبر بها الشيء الذي يبرز النفوذ الذي كان يتمتع به الباشا داخل المنطقة. هنا الباشا سيستمر في ممارسة اختصاصاته في تحقيق الأمن، فيرسل القائد المختار بن عمر وهو بلا شك قائد جند لدى الباشا وقبل وصوله إلى مصمودة جاءه مرسول من أهل زوايا القبيلة يخبر فيه أن مصالحة واتفاق بين سكان القبيلة قد وقع، وهذا يبرز كذلك نفوذ الباشا على الزوايا ويزداد تأكيد هذا النفوذ في النص الثاني، وهو الجواب على وصول هدية زوايا العرائش بمناسبة المولد النبوي. كما أن تدخل الباشا في استرجاع الأمن المفقود يؤكد حزم الباشا في ممارسة سلطته على القبيلة ولكن بنوع من المرونة دون البطش واستعمال القوة بعد التي أرسلها إلى هناك، وإنما اكتفى بمطالبته بتعويض الحرّاك وقبض الهدية كحل وسط عوض معاقبة مثيري الفتنة؛ والإبقاء على الاتفاق والمصالحة التي أشرف عليها أصحاب الزوايا؛ وهو في نفس الوقت اعتراف من السلطة المركزية بدور الزوايا الاجتماعي في استتباب الأمن الذي هو الهدف الأسمى للدولة والغرض من السلطة.


الاثنين، 22 أكتوبر 2018

الزاوية القادرية

الزاوية القادرية ودورها الديني والاجتماعي 

مجلة دعوة الحق، العدد: 202

الزاوية القادرية بمدينة العرائش



تعتبر الطريقة القادرية (أو الزاوية القادرية) لمؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني المزداد 471 هـ - 1078 م بمدينة راشت الإيرانية بإقليم جيلان إحدى أقاليم بلاد إيران والمنسوب إلى جيلان والمتوفى ببغداد سنة 561هـ - 1066 م من أكبر وأشهر الطرق الصوفية في العالم الإسلامي. وتوجد الطريقة القادرية في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وإثيوبيا والصومال وغانا ومالي وغينيا والتشاد والكمرون ونيجيريا وموزامبيق وسيراليون والأردن وفلسطين وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان وتركيا والباكستان والهند وبورما والطايلاند وماليزيا وأندونيسيا والصين والاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وألبانبا.

دورها الديني
وتعد الطريقة القادرية -يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن فيما كتبه بعنوان: "انتشار الإسلام في القارة الإفريقية"، (مجلة البيئة – السنة الأولى)- أوسع الفرق الدينية انتشارا، وقد دخلت إفريقيا الغربية في القرن الخامس عشر على يد المهاجرين من توات واتخذوا لواتة (بفتح اللام) أول مركز لطريقتهم ثم لجأوا إلى تمبكتو.
وفي مستهل القرن التاسع عشر نجد النهضة الروحية الكبيرة التي كانت تؤثر في العالم الإسلامي تأثيرا عميقا تدفع بالقادرية الذين كانوا يقيمون في الصحراء الكبرى وفي السودان الغربي إلى حياة ونشاط جديدين، وتقوم المراكز الرئيسية لتنظيم دعوة الفرقة القادرية في كنكا ويمبو بجبال فوتاجالون ومسردو ببلاد الماندنجو وموطنهم على نهر الجمبيا.
وكانت هذه المدن تؤلف مراكز النفوذ الإسلامي وسط شعب وثني رحب بالقادرية باعتبارهم كتابا وفقهاء ومعلمين. ولم يمض زمن طويل حتى وجدنا ?فقهاء مثقفين وجماعات من المريدين قد انتشروا في أرجاء السودان الغربي من السينغال إلى مصب نهر النيجر، وكان بعض هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام يوفدون لإتمام دراستهم بمدارس القيروان والزيتونة وطرابلس وبجامعتي القرويين والأزهر حتى إذا ما أتموا دراستهم الدينية عادوا إلى أوطانهم مزودين للعمل على نشر العقيدة الإسلامية بين مواطنيهم. وكان المعلمون الذين تربوا في سلك نظام الفرق الصوفية التي كانت تقوم على حب الجار والتسامح يؤسسون ويقومون بالإنفاق عليها، وكان نشاط هذه الجماعة -يقول "سير توماس أرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام"، ترجمه عن الإنجليزية حسن إبراهيم حسن وعبد المجيد عابدين وإسماعيل النحراوي- ذا طابع سلمي للغاية، تعتمد كل الاعتماد على الإرشاد.. كما كان يعتمد على مبلغ تأثير المعلم في تلاميذه، وكما كان يعتمد على انتشار التعليم في الوقت نفسه.
وبذلك برهن دعاة القادرية في السودان على أنهم أوفياء لأهم المبادئ التي كانت تسيطر على مؤسس هذه الجماعة وهي حب الجار والتسامح وغيرهما من الصفات الكريمة. وكان المعلم المسلم كلما تكلم عن أهل الكتاب عبر عن أسفه عما كانوا عليه من باطل ودعا الله أن يهديهم سواء السبيل".
وقد دخلت الطريقة القادرية إلى إفريقيا السوداء في القرن الخامس عشر الميلادي حسب ما ذكرته الموسوعة الإسلامية باللغة الفرنسية ومجلة غدا إفريقيا في عددها 20 وتاريخ 12 يبراير 1979 الخاص بنهضة الإسلام. وتقول المؤلفات التاريخية إن الطريقة القادرية انتشرت في اسبانيا قبل سقوط غرناطة عام 897هـ.
ويقول المؤرخ الفرنسي دولانوس: إن أبرز نشاط للطريقة القادرية كان في إفريقيا السوداء عندما تولت جماعات من القادرية العمل على نشر الإسلام في صفوف القبائل السود الوثنية في إفريقيا السوداء.
ويقول الدكتور عبد الرحمن زكي في كتابه "المسلمون في العالم اليوم": انتشرت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري الطريقة القادرية بإرشاد الشيخ عمر البكاي، وتفرعت القادرية البكائية التي يتبعها كثيرون في السودان وموريتانيا والسينغال وغينيا ونشأت الطريقة الفاضلية المنسوبة إلى محمد فضل ثم ماء العينين ثم السيدية بالصحراء الكبرى.
وتقول مجلة "الإسلام والتصوف" في عددها التاسع الصادر في فاتح يناير 1961 أن أول طريقة دخلت الصومال هي الطريقة القادرية وذلك على يد اليمنيين والحضارمة الذين استقروا في مقديشو وزيلع وغيرها من المناطق الساحلية ولم تتوغل هذه الطريقة في الداخل إلا في عام 1819م عندما أسس الشيخ إبراهيم حسن جبرو مركزا لها مكان بلدة برديرة الحالية على نهر جوبا، وفي هذه المنطقة أيضا تأسس أول مركز من مراكز استيطان الجماعات الصوفية لزراعة الأرض واستغلالها، ولذلك يطلق الصوماليون عليها جماعة أو جماهة نظرا لقدمها وبدء هذا النظام فيها. ونشر الشيخ عويس بن محمد البراوي هذه الطريقة في جوبا العليا وأسس مسجدا وزاوية في قرية توججلة وتوفي عام 1909 ودفن في بيولي بالقرب من توججلة،  وفي مولده يقام احتفال كبير حول ضريحه يستمر ثلاثة أيام.
ومن مشايخ القادرية البارزين في الصومال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الشاي الشهير بالشيخ صوفي المتوفى سنة 1919 م، وقد أسس زاوية قادرية في مقديشو حيث يوجد ضريحه، وقد زار الأستاذ أبو بكر القادري صاحب مجلة الإيمان هذه الزاوية أثناء إحدى المؤتمرات التي انعقدت هناك. وقد أخذ الشيخ عبد الرحمن بن يوسف القلنقوني على عاتقه نشر الطريقة القادرية في الشمال وخاصة في مديرية مجرتين. وقد ذكر المستشرق الفرنسي فانسان مونطاي، في محاضرته عن الإسلام بالصين وروسيا ويوغوسلافيا التي ألقاها يوم الخميس 31 يناير 1957 بما كان يسمى بمعهد الدروس العليا المغربية بالرباط والذي أصبح اليوم كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أنه وجد بمقاطعة ينان بالصين قبرا مكتوبا عليه اسم عبد الرزاق البغدادي يرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، ويعتقد مسلمو تلك المقاطعة الصينية أنه هو الذي أدخل الإسلام إليها وأنه من حفدة الشيخ عبد القادر الجيلاني.
ويقول المرحوم علال الفاسي في جريدته "صحراء المغرب" إن الطريقة الفضلية التي أسسها الشيخ محمد فضل والد الشيخ ماء العينين من فروع الطريقة القادرية هي التي كان لها دور في نشر الدعوة الإسلامية في إفريقيا السوداء خصوصا بعد أن نجب عليها الشيخ ماء العينين الذي عمل على توحيد مختلف الطرق وتوجيهها لمقاومة الأجنبي".
ويقول الأستاذ ا. ي. م. لويس في كتابه "تراث الإسلام" إن الطريقة القادرية هي أول طريقة أدخلت إلى جميع المناطق الإفريقية ولها أكبر عدد من الأتباع. وفي القرن السادس عشر أدخلت هذه الطريقة في السودان الغربي بواسطة مركز النيجر العلمي العظيم في تمبكتو، وفي الفترة نفسها نقلت إلى (لاهور) التي كانت تحتل مكانا مماثلا في شمال إفريقيا. وكان أروع تحقق لهذه الطريقة هو جهاد الهوسا في القرن التاسع عشر بوحي من عثمان دان فوديو (1754- 1817).
وفي العقود الأولى من القرن العشرين كان أتباع الطريقة القادرية نشطين أيضا في تنظيم المقاومة ضد المستعمرين الألمان في تنجانيقا في ظل القيادة الملهمة للشيخ الصومالي عويسر بن محمد البراوي (1846-1909).
ويقول الدكتور عبد الرحمن زكي: وانبثق نور الإسلام في بلاد (داهومي) ولاسيما في مناطقها الساحلية فيما بين عامي 1700-1720م بواسطة التجار القادمين من (كانو) شمال نيجيريا الذين عرفوا باسم المعلمين، وقد وفدت هجرة إسلامية قوية بزعامة مشايخ القادرية من الشمال الشرقي منذ القرن السابع عشر.
ويقول الدكتور أحمد الشرباصي بمصر في مجلة (الهلال) عدد يبراير1977: "إن الطريقة القادرية من أنشط الطرق الصوفية في نشر الدين الإسلامي في غرب إفريقيا وأتباعها، وكانوا ينشرون الإسلام عن طريق التجارة والتعليم، ونحن نجد التجار غالبا هناك من مريدي الطريقة القادرية
ويذكر الأمير شكيب أرسلان رحمه الله إن منهم الذين كانوا يفتحون كتاتيب في كل القرى ويلقنون صغار الزنوج الدين الإسلامي أثناء التعليم".
ويقول أستاذنا الجليل عبد الله الجراري في مقاله "الصوفية وحركاتها في الإسلام" المنشور بمجلة البحث العلمي، العدد 26 سنة 1976: "ولم تظهر بعد ذلك طريقة بالمعنى الكامل إلا الطريقة الجيلانية القادرية، فإن الشيخ المولى عبد القادر الجيلاني كان أحد كبار علماء الحنابلة وكان واعظا ومؤلفا وطبع من مؤلفاته العنبة ومجالس وعظه. وقد ترك عدة أولاد في المشرق والمغرب قاموا بتنظيم طريقته ونشرها كما يعلم ذلك من كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير، وطريقتها منتشرة في العالم الإسلامي، وتوجد في إفريقيا السوداء، والذي نشرها هم أنصار الشيخ المختار الكونتي".
وجاء في كتاب (الماضي المغربي لموريطانيا) تأليف السيدة أوديت دويو يكودو طبع وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية التي كان يشرف عليها المرحوم علال الفاسي عام 1962: "أن المورسكيين حسب ما جاء في كتاب (أولياء الإسلام) المطبوع في باريس عام 1881 م لمؤلفه الأستاذ طرومولي: لما طردوا من اسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492م نزحوا إلى الساقية الحمراء واستقروا فيها وانخرطوا في الطريقة القادرية. وتقول الكاتبة المذكورة إن الطريقة القادرية أدخلها إلى الساقية الحمراء الكونتيون الذين جاؤوا من مدينة سبتة في القرن الخامس عشر. وإن الشيخ أحمد البكاي كان أول داع لها في القبائل الصحراوية، وإن الطريقة القادرية بلغت أوجها على يد الشيخ سيد المختار الكبير الكونتي الذي عاش في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ما بين ولاطة وتمبكتو وتوات.
وذكرت السيدة هيلي كاربر دانكوس في كتابها القيم: "الإمبراطورية المتصدعة" أن أهل القوقاز بالاتحاد السوفياتي ما زالوا متمسكين بالسنة النبوية وبالطريقة القادرية –رغم الشيوعية- ويتلون الورد القادري في منازلهم.

دورها الاجتماعي
ومن الناحية الاجتماعية فالزاوية القادرية ساهمت في فترات تاريخية في توعية المجتمع الإفريقي في القارة السوداء عن طريق تعليمه الكتابة والقراءة وترك عبادة الأوثان والدخول في الإسلام ونشر الثقافة الإسلامية في السينغال ومالي وغانا والنيجر وتشاد وساحل العاج وغينيا وموزامبيق والكامرون.
وعن الطريقة الجيلالية يقول الأستاذ راجي عنايت في مجلة (المصور) عدد 5271 تاريخ 18 يناير 1974: ومن النطق المغربي للطريقة الجيلانية القادرية التي نعرها في مصر والتي أسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني استمدت فرقة جيل جيلالة أغانيها واسمها عام 1972"، وفي سهرة المغربية لمساء يوم السبت 14 أبريل 1979 ظهرت على الشاشة الصغيرة فرقة جديدة تابعة لمجمع الصناعة التقليدية فرقة بمراكش وهي تغني أغاني الحضرة الجيلالية.

الوِرد القادري
وقد لعب الورد القادري دورا مهما في تهذيب أتباع الطريقة القادرية وجمعهم على الكتاب والسنة، وقد ذكرت الكاتبة هيلي كارير دانوكس في كتابها الآنف الذكر أن أهل بلاد القوقاز بالاتحاد السوفياتي مازالوا يتلون الورد القادري في منازلهم كل أسبوع.
وذكر الشيخ ماء العينين بن الشيخ سيدي محمد فاضل بن مامين وكانا من أتباع الطريقة القادرية: "أن الورد القادري من أجل الأوراد قدرا وأوفرها ذخرا وأعلاها ذكرا"، وأجاز سيدي محمد الإمام بن الشيخ العارف بالله سيدي ماء العينين السيد عبد الحي القادري رئيس الطريقة القادرية بتطوان ومؤلف كتاب "بستان الأصاغر والأكابر في ترجمة الشيخ عبد القادر الجيلاني" -أقول أجازه في ورد السلسلة القادرية (انظر الصورة المثبتة ببحثنا هذا)، وقد نظم الإمام محمد حبيب الله الشنقيطي مؤلف كتاب الباطني والظاهري منظومة للقادري في 48 بيتا.
ويقول الأستاذ الحسن السايح في مقال له بمجلة دعوة الحق العدد 2/3 السنة 19 تاريخ مارس 1978 تحت عنوان: (الجوانب الإنسانية في الشخصية التاريخية المغربية): "لقد كان التصوف المغربي يهدف إلى تكوين الإنسانية المغربية بواسطة تربية روحية، وقد امتازت الصوفية المغربية بقدرتها على خلق زعامة مربية في العالم الإسلامي. فالإمام الشاذلي مغربي من غمارة استقر في مصر، والإمام البدوي كذلك. وإذ اقتفى المغاربة طرقا صوفية أخرى خارجة عن المغرب مثل القادرية لمؤسسها عبد القادر الجيلاني فإن المغرب أحدث لها زوايا خاصة ذات أوراد مغربية، وتعدد الزوايا في المغرب تعدد في الأسلوب والمذهب، لا تعدد في الهدف، فالقادرية تتسم إنسيتها بالجبرية بينما الشاذلية تتسم بالقدرية.
ويقول الأستاذ عبد الرحمن زكي: إن الطريقة البدوية من فروع الطريقة القادرية.

دورها السياسي والعسكري
لعبت الطريقة القادرية في العالم الإسلامي دورا سياسيا وعسكريا لا سبيل إلى إنكاره، فقد شهد بدورها السياسي والعسكري كثير من المستشرقين والمؤرخين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المستشرقين الإنجليزي مرجيلوت، والمستشرق الألماني شاخت، والمؤرخ الفرنسي هنري طيراس،والمؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان، والكاتب الفرنسي ريشيه، والأستاذ ديبون، والضابط الفرنسي كويولاني الذي قتله الصحراويون في الصحراء عام 1906، والجنرال كورو الفرنسي، والأستاذ مارتان، والأمير شكيب أرسلان في تعليقاته على حاضر العالم الإسلامي، والمرحوم علال الفاسي في جريدته صحراء المغرب، والدكتور عبد الرحمن زكي المصري، والدكتور أحمد الشرباصي المصري، والمستشرق الفرنسي فانسان مونطاى الذي أسلم أخيرا وتسمى باسم المنصور بالله الشافعي، والمستشرق الإنجليزي سير توماس أرنولد، والسيد محمد عيني الشركي الأستاذ بجامعة استانبول بتركيا، والمؤرخة الفرنسية السيدة أوديت دو بوبكودو. وغيرهم وغيرهم كثير.
وممن نبغ من أتباع الطريقة القادرية الأمير عبد القادر الجزائري بطل الجزائر، وكان أبوه أيضا من أتباعها وزارا معا ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد. (انظر مجلة البحث العلمي العدد الثالث السنة الأولى)، ومحمد أحمد المهدي بطل الثورة السودانية أعوام 1882-1885، وساهوري توري بطل غينيا، والشيخ محمد علي السنوسي الذي كان قادريا ثم أسس بعد ذلك الطريقة السنوسية.
ومن شيوخ الطريقة القادرية السيد أحمد بن إدريس الفاسي الذي أسس الطريقة الأحمدية المنتشرة في السودان والشيخ سيدنا الكبير بالصحراء المغربية وموريطانيا والشيخ محمد الأغضف دفين طانطان والشيخ مصطفى محمد ماء العينين الذي كان من أخلص المخلصين للسلاطين المولى عبد الرحمن والمولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز، ومات سنة 1910، ودفن في زاويته التي بناها بمدينة سمارة بالصحراء المغربية، وأحمد الهيبة، ومصطفى مربيه ربه.
ويجمع كتاب التاريخ ونقاد الحركات المناهضة للاستعمار أن الذي أخر دخول الاستعمار إلى الأقاليم الجنوبية المغربية من سنة 1912 إلى سنة 1934 هو الكفاح المرير الذي قاده أحمد الهيبة وأخوه الشيخ مصطفى مربيه ربه .. (انظر ما كتبته عنهما جريدة العلم في فاتح أبريل 1979). وقد ذاق الاستعمار الإيطالي والفرنسي والإنجليزي والاسباني والهولاندي والبرتغالي على أيدي أتباع الطريقة القادرية الأمرين.

فروع الطريقة القادرية
وقد تفرعت عن الطريقة القادرية فروع كثيرة هي
1-   العمارية في الجزائر وتونس.
2-    العروسية في طرابلس الغرب.
3-    الإشرفية في تركيا، أسسها أشرفي أوغلو 1493م.
4-    البكائية في السودان.
5-    السمانية في السودان.
6-   بيناوة في دقان.
7-    بوعلية في الجزائر وتونس.
8-    كورزمار في الهند.
9-   المشرفية في اليمن.
10- العرابية في مصر.
11- الهندية في تركيا.
12- الخلوصية بتركيا.
13- النابلسية في تركيا.
14- الرومية بتركيا.
15- الوسلاتية بتركيا.
16- القاسمية بمصر.
17- الفرضية.
18- اليافعية باليمن والصومال.
19- الهالسية بالكردستان أسسها ضياء الدين الطالباني.
20- الزنجية في ألبانيا أسسها علي بابا من جزيرة كريت.
21- البكطاشية في ألبانيا.
22- الأهدلية أسسها الأهدل اليمني.
23- البدوية أسسها الشيخ أحمد البدوي بمصر.
24- الدسوقية.
25- البيومية بمصر.
26- الكاباشية بالسودان أسسها الشيخ الكاباشي.
27- الفضلية أسسها الشيخ محمد فضل بالصحراء.
28- بيناوة أو القادرية الأكبرية في أندونيسيا
29- بينيوة في الصين.

 المدى الجغرافي للطريقة القادرية
يذكر المؤرخ الفرنسي ديبون والضابط الفرنسي كوبولاني في كتابهما (الطرق الصوفية): أن الطريقة القادرية منتشرة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وإيثيوبيا والصومال وغانا والنيجر والتشاد والكامرون وموزامبيق وسيراليون وموريطانيا والسينغال والصومال ومالي وتنجانيقا وزنجبار (تانزانيا الحالية) وأوغندة وكينيا وفلسطين وسوريا والأردن والعراق وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والهند وبورما والطايلاند وماليزيا وأندونيسيا والصين والاتحاد السوفياتي وألبانيا ويوغوسلافيا.
ولا تخلو مدينة من المدن الإسلامية من زاوية قادرية أو دار للقادرية تذكر فيها الأوراد القادرية الأسبوعية: ورد يوم الأحد وورد يوم الاثنين وورد يوم الثلاثاء وورد يوم الأربعاء وورد يوم الخميس وورد يوم الجمعة وورد يوم السبت. وأحصى عدد الزوايا القادرية في العالم الإسلامي حيث بلغت في أول القرن العشرين ألفي زاوية

المكتبة القادرية ببغداد
في عام 1354 هـ نظمت المكتبة القادرية بضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد، وهي تحتوي على آلاف الكتب المخطوطة والمطبوعة، ويشرف عليها يوسف الكيلاني متولي الأوقاف القادرية بالعراق.
هذا وقد كان للدعوة القادرية وانتصاراتها الروحية والدينية ثم العسكرية ثم السياسية ثم العمرانية أثرها الكبير في العالم الإسلامي.
وذكر الدكتور عبد الهادي التازي مدير المعهد الجامعي للبحث العلمي في كتابه رسائل مخزنية على عهد السلطان مولاي الحسن وابنه السلطان مولاي عبد العزيز تتعلق بأمير الأمناء محمد (مخا) التازي وشقيقه عبد السلام -الذي هو جدي من الأم- هذا الكتاب الذي أهداه إلي الدكتور التازي مشكورا.. "أن الدولة المغربية منحت للزاوية القادرية حصانة تحمي الملتجئ إليها من أن يناله عقاب، وكانت النقابة على الزوايا القادرية تمنح أيام السلطان محمد الثالث بمرسوم ملكي يتجدد". 
ولا خفاء أنه كان لسلاطين تركيا مثل السلطان سليم والسلطان سليمان القانوني والسلطان مراد الرابع والسلطان مراد الثالث الذي عمر جامع الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد والسلطان سليمان القانوني الذي عمر قبة الشيخ عبد القادر الجيلاني جامعا وتكية وعمادة حرمة للزاوية القادرية. وقد أخبرني الدكتور محمد حجي صاحب كتاب الزاوية الدلائية أنه وجد في رسائل سعدية أن الأتراك العثمانيين أرادوا عند غزوهم المغرب أيام السعديين استمالة أتباع الطريقة القادرية إلى جانبهم بصفة أن هذه الطريقة شرقية غير أن أتباع القادرية لم يلبوا طلبهم.
والخلاصة أن الطريقة القادرية هي أقدم الطرق الصوفية في الإسلام حيث أسست قبل الطريقة الشاذلية التي منها أغلب الطرق الصوفية بالمغرب بعصر كامل أي مائة سنة، لأن الشيخ عبد القادر الجيلاني توفي عام 561 هـ والشيخ أبا الحسن الشاذلي توفي اعم 656هـ. والطريقة القادرية كانت وما زالت تدافع عن يقظة الإسلام ونشر الدين الإسلامي ولها حظ وافر من الناحية الايكولوجية والدينية والاجتماعية.

 صور حصرية من داخل الزاوية القادرية بالعرائش