الأربعاء، 29 يوليو 2020

المغرب: التاريخ البحري (مرسى العرائش)


[صورة المنشور بعدسة: محمد الرزاني 2020]

دة. حفيظة الدازي
جامعة ابن طفيل/كليــة الآداب والعلوم الإنسانية القنيطرة/شعبة التاريخ والحضارة/2019-2020.

إن التحولات التي شهدها القرن 15 م جعلت النشاط التجاري والملاحي ينتقل من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي مما أدى إلى ازدياد أهمية مرسى العرائش الذي أصبح له حضور في الملاحة المغربية. معظم المصادر تتحدث عن أهمية هذا المرسى وخاصيته، فهو يتميز بموقعه الاستراتيجي ووفرة مواده الطبيعية الفلاحية والملاحية، كما يتوفر على حوض داخلي وله قدرة على إيواء العديد من السفن التي تحتمي به من الرياح والعواصف، مما أهله للاضطلاع بأدوار اقتصادية وعسكرية وجهادية عبر مختلف العصور.
مع بداية القرن 16 م أصبح مرسى العرائش نقطة جذب للتجار الأوروبيين مثل التاجر لويس دي بريسيندا الذي استقر بفاس فيما بين 1510 و1515 م وفتح محلا تجاريا بها، ثم أصبحت سفنه تنتقل بين مراسي جنوة وقادس وسبتة وأصيلا والعرائش وسلا، وكانت له بكل واحد من هذه المراسي وكالة تجارية (ادريس شهبون، مرسى العرائش النشأة والتطور، ندوة المن المراسي في تاريخ المغرب، 2010، ص 149). تفيد كثير من الوثائق البرتغالية والإسبانية أن ثغر العرائش كان الهدف الاستراتيجي الأول الذي سعى الملك البرتغالي دون سبستيان (1554- 1578م) هو الاستيلاء عليه حسب ما جاء في إحدى رسائله إلى الملك الإسباني فليب الثاني " إن أفضل وسيلة لمنع الأتراك من الاستيلاء على مراسي مملكة فاس، هي احتلال العرائش، التي تتوفر على مرسى استراتيجي وموقع جيد" sources inédites de l'histoire du Maroc ,dynastie saadienne  نقلا عن ادريس شهبون، مرجع سابق.
كما أولى السعديون اهتماما لمرسى العرائش، فعبد الملك أمر بإنشاء السفن بها لممارسة الجهاد بتعاون مع الأندلسيين. بعد معركة واد المخازن حصنها أحمد المنصور وجعل منها قاعدة حربية وجمع بها الأسطول.
تظهر أهمية مرسى العرائش من خلال المحاولات الكثيرة للإسبان للسيطرة عليها، وقد قام فليب الثاني 1527- 1598م بعدة مناورات دبلوماسية وعسكرية للسيطرة عليها وقال عنها:" العرائش وحدها تساوي إفريقيا كلها" لأن موقعها الاستراتيجي كان يسمح بمواجهة الخطر التركي ومنافسة بعض الدول الأوروبية وحماية السفن الإسبانية العابرة للمحيط الأطلسي من خطر القرصنة. لهذه الأسباب طلبت دول أخرى مثل تركيا وهولندا وانجلترا من أحمد المنصور أن تقيم بها قاعدة بحرية عسكرية.
تمكنت إسبانيا من الاستيلاء على هذه المدينة خلال الأزمة التي عرفها المغرب بعد وفاة أحمد المنصور سنة 1603م، عندما عرضوا مساعدتهم على محمد الشيخ المامون مقابل تسليمهم ثغر العرائش وذلك سنة1610م، وقد كان لهذا الحدث وقع كبير على نفوس المغاربة الذين لم يستسيغوا تسليم ثغر مسلم للكفار.
أما اسبانيا فاستغلت هذا الثغر وحولته إلى قلعة عسكرية ضد هجومات المجاهدين وحماية سفنها. كما قامت في القرن 17 م بمجموعة من التصاميم لإصلاح هذا المرسى. لكن رغم كل هذا فإن المدينة عاشت حالة حرب طيلة فترة احتلالها لمقاومة المغاربة للإسبان. لم يتم تحريرها إلا في عهد المولى إسماعيل سنة 1689م واتخذها مرسى عسكري بدل طنجة التي خربها الإنجليز قبل مغادرتهم لها سنة 1684م. هكذا استعادت العرائش نشاطها الملاحي الذي ازداد مع فترة حكم سيدي محمد بن عبد الله الذي تبنى سياسة الانفتاح على البحر. تمثلت عنايته بهذا المرسى في عدة إصلاحات من تحصين وتعمير، كما أقام قواعد مدفعية لحماية مدخل المرسى وترسانات لصناعة وإصلاح السفن والقوارب. إلى جانب الأدوار الجهادية لمرسى العرائش كان لها أيضا حضور على المستوى الجاري.

[المغرب: التاريخ البحري ص: 22-24]




الجمعة، 24 يوليو 2020

كتاب صورة الأرض لابن حوقل



عنوان الكتاب: صورة الأرض.
المؤلف: أبي القاسم محمد بن علي الموصلي الحوقلي البغدادي المعروف بابن حوقل النصيبي.
الناشر: دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر -بيروت، 1992.
عدد الصفحات: 432.

أبو القاسم محمد بن حوقل أو محمد بن علي النصيبي أو النصيبيني. تاجر، رحالة وجغرافي معروف في القرن الرابع الهجري. بدأت رحلاته في البلدان الإسلامية منذ عام 331 هـ واستمرت حتى سنة 359 هـ (943-970م)، ولد في نصيبين الواقعة بين النهرين ولا يُعلم عن تاريخ ازدياده سوى أنه كان قبل سنة 320 هـ بكثير. كما أن تاريخ وفاته أيضاً غير معلوم لكنه بعد سنة 367 هـ.
بدأت رحلته التاريخية من بغداد في اتجاه البلدان الإسلامية وبقية الأمم المختلفة باحثا عن المعرفة، ممارسا للتجارة والتبليغ الديني، وداعياً سياسياً للدولة الفاطمية بشمال إفريقيا، حتى أن كراتشكوفسكي, اعتبره جاسوساً للفاطميين، استمرت رحلته ثلث قرن جاب خلالها الأمصار من الهند إلى إسبانيا ونابولي وبالرمو وبلدان أخرى حتى وصل إلى نهر ولغا. فكثرت مطالعاته ومشاهداته وجمع كل ما حصل عليه من تجارب في كتابه صورة الأرض.

أهم الطواعين والأوبئة بشمال المغرب خلال العهد العلوي



     د. خالد طحطح

1.     أوبئة الطاعون:
أول طاعون عرفه المغرب في العهد العلوي كان خلال فترة حكم السلطان إسماعيل، وقد بدأ ظهوره بتطوان ونواحيها كما تؤكد المصادر، ومنها انتشر إلى باقي مناطق المغرب، وذلك عام 1678، ومن أهم الاجراءات التي اتخذت آنذاك لمواجهته منع جيش عبيد البخاري الوافدين من الآفاق على العاصمة مكناسة الزيتون، وقد تحدث ابن ناصر الدرعي  في كتابه الدرر المرصعة بإسهاب عن هذا  الوباء، كما أشار المؤرخ الضعيف إلى أنه استمر إلى سنة 1689، وبعد هذا الطاعون استراح المغرب لمدة تزيد عن نصف قرن، لكنه ظل مهددا بعودة الوباء في أي لحظة، وهو ما حصل، فقد دخل الطاعون ثانية إلى المغرب في مارس نت عام 1742 عبر الطريق البري الجزائري، حملته من هناك قافلة تجارية إلى قرية قرب فاس، ومنها انتقل  إلى باقي مناطق البلاد، وقد تزامن هذا الطاعون مع ظروف الحرب الأهلية والصراعات السياسية بين أبناء السلطان إسماعيل حول الحكم، حيث ساعد عدم الاستقرار على استفحال الصعوبات الاقتصادية، خصوصا وأن البلاد لم تتحرر من آثار المجاعة وجراحاتها، الشيء الذي يسر السبل لانتشار هذا الطاعون بشكل أسرع وأخطر وبحدة أكبر، خصوصا بين أفراد الوحدات المتحاربة، ومنها القوات التي عبأها القائد أحمد الريفي باشا تطوان لمناصرة المستضيء ضد أخيه عبد الله، وقد ضمت هذه القوات أهل الريف وجبالة والانجرة والفحص والخلط، وكان هذا الجيش يخسر ما بين 25 و 30 ضحية نتيجة الوباء يوميا،  وقد امتدت الجائحة إلى كل أطراف المغرب، واكتسح المنطقة الشمالية خلال فصل الربيع، وكان وباءا مدمرا خاصة بمدينتي القصر الكبير ووزان، حيث ارتفعت نسب القتلى، ومن بقي حيا لاذ بالفرار نحو جهة المعمورة، إلى حد أنهما خلتا من السكان، ويزكي الضعيف دائما هذه الرواية بقوله “كثر الموت وضاع من الخلائق ما لا يحصى عددها، حتى  قيل مات من أهل  القصر أربعة عشر ألف  بالطاعون”. أما بطنجة فكان عدد الضحايا ما بين 30 إلى 40 في اليوم، وبتطوان من 10 إلى 12 ضحية، وواصل الطاعون زحفه سنة 1743 مخلفا مزيدا من القتلى بتطوان وطنجة وسبتة، ولم يكد هذا الوباء يختفي حتى عاد بشكل أكثر فتكا سنة  1750،  ليمتد من فاس ومكناس إلى المدن الشمالية: وزان والقصر الكبير والعراش وتطوان وطنجة وأصيلا، وبلغ الموت في اليوم الواحد بفاس ما يزيد عن ثلاثمائة، وذكر المؤرخ الناصري أن هذا الوباء تزامن مع انحباس المطر فزاد من شدته، وفي نهاية القرن الثامن عشر عرف المغرب الطاعون أيضا حسب ما أكدت الدراستين التين قام بهما الدكتور رونو، والمنشورتان بمجلة هيسبريس تمودا، ويتأكد لنا أن هذا الطاعون حدث منذ شهر فبراير من عام 1799، ويبدو أن هذا الوباء دخل إلى المغرب من الجزائر أيضا، وعم سائر البلاد بسرعة كبيرة، بسبب الحركات التي كان يقوم بها السلطان المولى سليمان ضد القبائل الثائرة، ولم يشمل طنجة إلا في شهر نونبر من نفس السنة، وخلف أعدادا كبيرة من القتلى، وحسب شهادة محمد افيلال كان يموت في تطوان كل يوم 130 يزيدون بحوالي 10 أو ينقصون بنحوها.
            وفي سنة 1817 تتفق المصادر المغربية والوثائق الأجنبية أن وباءا خطيرا دخل إلى المغرب عبر مدينة طنجة بعد وصول باخرة على متنها حجاج قادمين من الديار المقدسة، ومن بين ركابها كان يوجد المولى علي والمولى عمر ولدا السلطان، ونزلوا بطنجة، فتحدث الناس أن ذلك كان بسببهم، فانتشر أولا بتلك السواحل ومنها شاع في الحواضر والبوادي، وتركت بعض الشهادات تفاصيل عن هذا الوباء منها ما سجله القنصل الدانماركي كرافردي همسو من بيانات للمراحل التي مر بها الوباء بمدينة طنجة، من مرحلة الاكتساح والاحتداد إلى مرحلة الانحصار والتراجع، وقد استمر ذيل هذا الوباء إلى صيف سنة 1819م، ويؤكد جون لوي مييج أن هذا الطاعون خلف أكثر من 2000 ضحية بطنجة، وفي شهر أبريل وحده فقدت العرائش 566 ضحية، أما تطوان فزاد عدد الضحايا عن1062، وبخصوص تطوان دائما وقف المؤرخ محمد داود على رسالة كتبها الحاج عبد الرحمان من مدينة تطوان إلى التاجر الحاج عبد الكريم بن الطالب بتاريخ  21 أبريل 1819، وكان ابن الطالب إذ ذاك بفاس، وقد أخبره فيها بأن الموتى يوميا بالوباء في تطوان كان يبلغ ثمانين شخصا، وتشير رسالة للقنصل الفرنسي سوردو المؤرخة بيوم 4 ماي 1819 بأن الوفيات وصلت بالقصر الكبير في ربيع 1819م إلى ما بين 40 و50 ضحية في اليوم، وبالعرائش كان عدد الموتى في أبريل 566 أي بمعدل 20 ضحية في اليوم كما وردت تفاصيل ذلك في كتاب البزاز المخصص للأوبئة والمجاعات في تاريخ المغرب.

2.     الكوليرا (بوكليب)
   الكوليرا وباء شديد الانتشار ضرب العالم في خمس موجات خلال القرن التاسع عشر، كانت تنطلق غالبا من البنغال (قرب الصين)، وتنتشر عبر العلاقات التجارية وتحركات الجيوش وحركية الحج، وكان المغرب من أكثر البلدان المعرضة لهذا الوباء بسبب انفتاحه على العالم من خلال موانئه، وأول كوليرا عرفها المغرب كانت سنة 1834، ويبدو أن هذا الوباء انتقل من الجزائر إلى المناطق الداخلية كفاس، قبل أن ينتقل منها إلى المناطق الشمالية الساحلية، فمن فاس انتقل إلى وزان والقصر الكبير وطنجة وتطوان والعرائش، وعموما تميزت الكوليرا بزحفها البطيء، كما أنها لم تُطل المقام هناك، فلم تمكث بطنجة سوى ثلاث أسابيع، أما بالنسبة للخسائر فكانت محدودة نسبيا مقارنة بالطواعين السابقة الذكر، إذ بلغ عدد ضحايا هذا الوباء في ذروته ما بين 47 و 50 ضحية في اليوم، أما الضربة الثانية من الكوليرا فقد شهدها المغرب ثانية سنة  1854،  فقد انتشر هذا الوباء انطلاقا من فاس وعم البلاد قاطبة، فضرب طنجة التي قدر عدد ضحايا الأوربيين بها بحوالي 35 ضحية أي 10 في المائة من نسبة هذه الجالية، وبالطبع فقد أحدث هذا الوباء خسائر أكبر بالسكان الأصليين، أما بتطوان فيؤكد المؤرخ محمد داود أن الوباء ضربها سنة 1855، حيث تجاوز عدد القتلى بها 70 ضحية في اليوم الواحد، ويذكر المؤرخ الناصري أن هذا الوباء تميز بإسهال مفرط يعتري الشخص المصاب، ويصحبه وجع حاد في البطن والساقين، ويعقبه تشنج وبرودة واسوداد لون، فإذا تمادى في الشخص حتى جاوز24 ساعة، فالغالب السلامة، وإلا فهو الحتف المحتوم، وفي هذا الوباء مات شيخ الطريقة أبا عبد الله سيدي محمد الحراق التطاوني، وبعد سنتين منها تسربت إلى المغرب عدوى الكوليرا مجددا، وهذه المرة انتقلت مع الجيش الاسباني والفرنسي أثناء حملتهما على تطوان وبني يزناسن، وبذلك تكون هذه الكوليرا قد تسربت إلى المغرب انطلاقا من الشمال والشرق، فقد تفشى أولا في النواحي الشرقية وسبتة وتطوان ومنطقة الريف، ثم انتقل في بداية 1860 إلى طنجة والرباط والدار البيضاء.
وفي سنة 1867، كان الوباء في المغرب بالقيء والإسهال المفرطين، و يذكر البزاز أنه ظهر بتطوان منذ دجنبر، متسربا إليها من وهران عبر الطريق البري، ومع هجرة حشود الجائعين من تطوان نحو طنجة انتقل معهم الوباء في بداية سنة 1868،  ومن طنجة انتقل الوباء إلى باقي المغرب، وكان عدد المصابين بتطوان 78 شخص، بمعدل 8 وفيات في اليوم، وهذه النسبة قد تزداد أو تنقص حسب الأيام، أما مدة الوباء فكانت متوسطة، فقد مكث بتطوان 37 يوم، وبطنجة 27 يوم، وبالعرائش 29 يوم، وبالقصر الكبير 30 يوم، وبلغ مجموع الضحايا بتطوان في هذه المدة 433 ضحية، وفي طنجة 441، وهي أرقام قليلة إذا ما قورنت بمراكش التي سجلت 1300 وفاة، كما توفي بهذا الوباء قنصلا انجلترا بالعرائش والرباط. وتعتبر سنة 1878 سنة المصائب والكروب حسب ما ذكر الناصري في استقصائه، فقد تعددت فيها النوائب، فكان فيها غلاء الأسعار، ثم عقب ذلك انحباس المطر، (حيث) لم تنزل منه قطرة من السماء وهلكت منه الدواب والأنعام، وعقب ذلك الجوع المميت، ثم كان الوباء على ثلاثة أصناف، كانت أولا بالإسهال والقيء في أوساط الناس بادية وحاضرة، ثم كان الموت بالجوع في أهل البادية خاصة، وبسببهما هلك الجم الغفير، وبعد هذا كله حدث الوباء بالحمى (التيفوئيد) في أعيان الناس وأماثيلهم، فهلك عدد كثير”. وقد انطلق هذا الوباء من مكناس وفاس، ومنها تسرب إلى العرائش في غشت 1878، التي تعرضت لخسائر كبيرة في الأرواح، إذ ذكر القنصل الاسباني أن ثلث أهالي مناطق الغرب ماتوا به، وفي شتنبر وصل إلى طنجة وتطوان، هذه الأخيرة سجلت أكبر عدد من الضحايا، مثلا يوم 14 شتنبر وصل عدد الأموات 102 ما بينها والجذري، أما بطنجة فبلغ عدد الموتى 80 ضحية في يوم واحد، أما الحمى التي يشير إليها الناصري فهي وباء التيفوئيد الذي بدأ بمراكش وسرى إلى باقي المدن، ففي تطوان كان يموت في اليوم ما بين 8 إلى 10 ضحايا في يناير 1879، أما طنجة فكان الوباء يحصد ما بين 12 إلى 17 ضحية خلال شهر مارس، وفي يوليوز كان الوباء لا زال متفشيا في العرائش والقصر الكبير، وآخر كوليرا حلت بالمغرب كانت خلال القرن التاسع عشر، وذلك عام 1895، حلت عبر الحجاج القادمين من الحجاز، والذين نزلوا بمدينة طنجة قادمين على متن سفينة فرنسية، وانتشر الوباء في البداية بالضواحي، ثم عم سكانها بما فيهم اليهود والمسيحيين والمسلمين، وكان عدد ضحاياه 700 ضحية طيلة الوباء، ضمن ساكنة تقدر آنذاك بحوالي 35 ألف نسمة، ومن طنجة انتقل الوباء إلى تطوان، حيث وجد الظروف الملائمة (تلوث المياه، غياب النظافة، ضعف قنوات الصرف الصحي، والمراحيض، والقمامة، وكثرة الأوساخ…) لانتشاره، وكان السبب المباشر في انتقاله المعاملة التجارية بين المدينتين، وقد بدأ الوباء بضحية واحدة في 21 غشت 1895 ووصل إلى ذروته في 4 أكتوبر بحوالي 150 ضحية، لكنه ما لبث أن تراجع تدريجيا، ليرتفع في نهاية أكتوبر، ورغم قصر المدة فخسائره كانت كبيرة، إذ تقدر ب865 ضحية ضمن ساكنة تقدر بحوالي 20 ألف نسمة،  ولم يلبث هذا الوباء أن انتشر من تطوان في القبائل المتاخمة له مثل ابن معدن والقلاليين وبني مصور وودراس وبني مسارة، ومن المحتمل أن تكون شفشاون قد أصيبت بعد فرار الكثيرين إليها من تطوان، وظلت الكوليرا تحصد ما بين 40 إلى 50 ضحية في هذه القبائل، ثم انتقل الوباء من طنجة إلى العرائش ثم القصر الكبير.

نشر في موقع بناصا بتاريخ: 22 أبريل 2020