السبت، 13 فبراير 2021

الفقيه سيدي محمد بلحسن بنعياد السريفي


بقلم: محمد بنعياد


 


هو جدي الفقيه سي بلحسن محمد بنعياد 1910- 1978م. رأى النور بمدشر عين مامون -آل سريف- بإقليم العرائش، لكن ما لبث أن فقد والده وهو صغير، فحملته والدته رحمة عبد السلام بوراي إلى مدشر عين مير قرب أهاليها. فنشأ صغيرا محبا للقرآن الكريم، وتعهدته والدته رحمها الله بتنشئته على هذا المسار التعليمي وبإمكانات بسيطة جد محدودة، لكن قريحة ذكائه التعلمي اشتدت ليكون من مهرة حفظة كتاب الله، والانكباب على العلم الفاتح لتعاليم الله، فأوسعه بمجالسة أهل العلم والرحلة في تثبيت معالم القرآن إلى الخميس الساحل- ضاحية العرائش، ومجالسة أهل القرآن، حتى صار معلما وفقيها يتصدر لتعليم القرآن والمرابطة في بيوت الله: إمامة وخطابة وتعليما، وهي حياة لمراس طويل تنقل بين أمكنة عدة، ابتدأت من مسجد عين مير، والريف بمناطق الحسيمة، والخميسات زهانة، والحاكميين النويرات ودوار أولاد مرح نواحي مدينة مشرع ابن القصيري، وعين بوكرشون، وعين قرار، والشواريين نواحي القصر الكبير.. وكان في كل هذه اﻷمكنة التي تنقل بها السيد الفقيه سي بلحسن رحمه الله إلا ويترك بها صدى طيبا  مع حملة كتاب الله- الطلبة، الذين استلموا منه النور القرآني ترتيلا وعناية، وكذا حفظا لذكراه الطيبة التي ﻻ تفارق فعله الطيب مع طلبته وأهالي تلك المناطق، إلا أن المدشر الذي شهد مكوثا أطول للسيد الفقيه سي بلحسن محمد بنعياد كان هو مدشر عين مير، حيث كانت أسرته تسكن هناك، وكذا عندما ووري جثمان جسده الطاهر بضريح سيدي الشريف، فقد بلغت شهرة السيد سي بلحسن الفقيه آفاق واسعة بين أهالي منطقة آل سريف حدا منقطع النظير، بحكم سيرته وجهوده الفقهية الراعية لكتاب الله وتعليمه.. وكان حينها فقيهان بارزان آنذاك بآل سريف: سي عبد السلام ببني مرقي، والفقيه محمد سي بلحسن بعين مير. إذ كان مسجد عين مير قبلة مشرعة لوفود غفيرة من حفظة كتاب الله من مناطق الريف، وبني عروس، وآل سريف: كنفاوة، بني مرقي، الصاف، عين سمن، الغراف، الكرافطة، الصخرة، وارموت... هذه التلمذة الكبيرة لطلبة كثيرين.. والتي كثيرا ما كان طلبتها اﻷفاضل يعترفون بجميل وصنيع فعل الفقيه سي بلحسن معهم، إذ كثيرا ما قابلوها بجمال التذكر والشكر والترحم عليه، وكذا عندما يلتقون بأبناء وحفدة الفقيه سي بلحسن، باعتباره أثرا خالدا لمسير قرآني، ألهم فقيهنا سي بلحسن ليكون مرابطا على التربية وتعليم القرآن واﻹمامة والخطابة طيلة أربعة عقود ونيف من الزمن.. رحم الله الفقيه الراحل سي بلحسن محمد بنعياد وأوسعه بإحسانه، وأسكنه جنان الفردوس اﻷعلى مع النبيئين والصديقين، وجعل تلامذته خير خلف لخير سلف، سائرين في رباط القرآن والتزيي بجلال وجمال أنواره.

الخميس، 11 فبراير 2021

غابة لاإيبيكا بالعرائش: مقاربة تاريخية


بقلم: عبد الحميد بريري




غابة "لاإيبيكا" LA HÍPICA أو "بيبيرو" VIVERO. كلا الاسمين يطلق على غابة الصنوبر المتواجدة بالمدينة؛ الأول يقصد به ركوب الخيل والثاني يعني المشتل الذي تنبت فيه الأشجار، والمعنيين يشار بهما إلى أحد الأنشطة التي كانت تمارس بالغابة.

أنشأت غابة "لاإيبيكا" ضمن مشاريع أنجزتها الحماية الإسبانية لتلطيف جو العرائش المشبع بالرطوبة ومكانا للترفيه والترويح عن النفس تابع للجيش الإسباني لتدريب عناصر جنود فرقة الخيالة، أما العقار اليوم يدخل ضمن أملاك الدولة. وبداخل الغابة أنشأوا كذلك مشتلا لتنبيت مجموعة من أنواع الأشجار الغابوية بما فيها شجر الصنوبر الذي يشكل الغطاء الغابوي لها [1]. ويعتبر من أولى المشاتل في تاريخ المغرب وقد ذكره من بين ما رآه بالمدينة الأديب اللبناني أمين الريحاني عند زيارته لشمال المغرب ودوره سنة 1938 يقول فيها: "وإن في العرائش أيضًا، من فضل الحكومة الحامية، مختبرًا زراعيًّا ومشتلًا عامًّا يتولاهما مهندس إسباني وعمَّال من الأهالي يعاونون. ذلك المختبر قائم في وسط حرج من الصنوبر مساحته اثنا عشر كيلومترًا مربعًا، وحرج آخَر إلى جانبه من شجر الكينا. لقد أبهجتني مشاتل الصنوبر المديدة، وفيها ما لا يقل عن المائتي ألف شتلة، يُنقَل منها إلى الجبال، ويأخذ منها الفلاحون والقبائل للغرس في أراضيهم، وهناك مشاتل من الأزدلخت والسنط والسرو والشربين والكينا، فضلًا عن أغراس الثمار على أنواعها" [2] الكاتب بذكره الحرج من الصنوبر - المكان الضيق الكثير الشجر- الذي يقام وسط هذا المشتل وبتحديد مساحته ب 12 كلم مربع [3]، يقصد الغابة المذكورة بدليل ذكر نوع الشجر والمساحة التي يغطيها. كما أن منتوجات هذا المشتل توزع على كل غابات الإقليم لغرسها بجميع الأشجار التي تناسبها وهذا ما عصرناه وشهدناه. فالنص يؤرخ لتاريخ وجود هذه الغابة والذي يرجع إلى عهد الحماية الإسبانية والمجهودات التي قام بها المعمرون الإسبان للحفاظ عليها وعلى الغطاء الغابوي بالإقليم بمشتلها.

كما أن القيمة الصحية لشجر الصنوبر وثماره المسمى بالعربية الكوز من ضمنها معالجة أمراض الجهاز التنفسي فضلا عن القيمة الغدائية لثماره. ونسميها في العرائش "البينيا" نسبة إلى اسم شجرة الصنوبر بالإسبانية PINEA، تحتوي بداخلها على حبوب وداخل هذه الحبوب توجد النواة التي تؤكل رطبة أو جافة أو تستعمل كمكون من مكونات الحلويات وفيه عدة أنواع. لذا فإن غرس أشجار الصنوبر بالعرائش يتوافق مع أهميته الصحية في الحد من تأثير الرطوبة على الجهاز التنفسي وصحة الإنسان عموما؛ وهنا يظهر مدى تحقيق أهداف سلطات الحماية من غرس هذه الأشجار لتواجد المدينة في موقع تطغى عليه الرطوبة بفعل عدة مؤثرات حتى اعتبرها العرائشيون غابتهم "لا إيبيكا" برئة العرائش.

كما أنشأت سلطات الحماية بمحيط الغابة أنداك مجموعة من الملاعب الرياضية، بقي أثارها إلى حدود نهاية القرن العشرين ومنها لازال عبارة عن أطلال، كانت متنفسا رياضيا لسكان المدينة يمارسون فيها لعبة كرة القدم والعدو الريفي وملعب للفروسية ومكان لركوب الخيل. وما فتئت إلى اليوم متنفسا بيئيا وترفيهيا يلجأ لها كل عرائشي يرغب في الترويح عن نفسه والتنزه. كما كانت محج لكل طالب للمطالعة ومذاكرة المقررات الدراسية وخاصة أثناء فترة التهييء للامتحانات لما يوفره الفضاء هناك من الدفء والهدوء يساهم إلى حد ما على التحصيل والتركيز. وعند انتهاء الموسم الدراسي يتجه بعض أبناء العرائش إلى الغابة لجني ال "بنيا" البيضوية الشكل حيث تحرق حتى تسود وتنضج نواتها بفعل النار فيتم دقها بشيء صلب لفرز الحبوب عنها، فتكسر هذه الأخيرة بالأسنان أو بدقها هي الأخرى فتؤكل نواتها وهي لازالت رطبة بلونها الأبيض؛ أو تترك ثمرتها حتى تيبس فيتم التقاط ما بداخلها من حبات صلبة فتدخل هذه الأخيرة إلى الفرن فتطبخ وتصبح محمرة أو يتم فرز نواتها التي تصبح صلبة قابلة للكسر والمضغ أو تستعمل في الحلويات.

وبذلك تعتبر غابة "لاإيبيكا" تراثا طبيعيا محليا لعب أدوارا بيئية واجتماعية بالغة الأهمية، وذاكرة مشتركة لكل أجيال ساكنة مدينة العرائش والكثير من زوارها على مدى قرابة قرن من الزمن.

 

هوامش:

1 - بناء على ما سمعناه ممن عاصر عهد الحماية وما تواترته الروايات في المدينة.

2 - المغرب الأقصى أمين الريحاني النسخة التي أصدرتها مؤسسة هنداوي عام 2018 ص: 260.

3 - مساحة الغابة اليوم لا تتعدى 3 كلم مربع وبذكره 12 كلم مربع قد يقصد الغابات المحيطة بالعرائش.