الثلاثاء، 24 يناير 2017

القاعات السينمائية بالعرائش


    محمد عزلي

لطالما تفاخر أبناء العرائش بقاعات مدينتهم السينمائية الأربع ( مسرح إسبانيا، سينما إديال، سينما كوليسيو، و سينما أبنيدا )، حيث تقاسمت كل الأجيال و لمدة طويلة من القرن الماضي ذكريات لم ولن تنسى من الأمسيات السينمائية و المسرحية و الفنية عموما، كان متاحا أمام ساكنة المدينة يوميا أربع خيارات لأربع أفلام بأربع قاعات سينمائية على أعلى مستوى، أما اليوم فلم تتبقى سوى سينما أبنيدا "لحسن الحظ" و إن كانت هي الأخرى تخلت عن دورها السينمائي التنشيطي اليومي باستثناء المهرجانات والأمسيات الخاصة المعدودة والمحدودة على طول العام، ليصبح خيار أبناء المدينة في الاستمتاع بعرض سينمائي مقرونا بالسفر خارج العرائش !

مسرح إسبانيا
يحكي بحار كولومبي خدم ضمن البحرية الإسبانية في مطلع القرن الماضي أنه زار مدينة العرائش في بداية القرن ثم عاد ليزورها مرة أخرى سنة 1912، وقد تفاجأ كثيرا للتطور المعماري والحضاري، أما اندهاشه الأكبر كان عندما رأى مسرحا موجودا بالفعل بل ويقدم عروضا مسرحية وأشرطة سينمائية في هذا الوقت المبكر من اختراع السينما!  وقد تطور شكل المسرح في مرحلتين أساسيتين بين سنتي 1912 و1921 قبل بناء فندق إسبانيا، ثم التعديلات التي تلت تشييد الفندق إلى غاية 1926/1927.
ترجع فكرة إنشاء هذا المسرح إلى القنصل الإسباني بالعرائش سنة 1911 "Emilio Zapico  إيميليو زابيكو" الذي عمل جاهدا على تحقيق حلمه فأقنع المقاول الإسباني " Emilio Sanchez Pescador  إيميليو سانتشيز بيسكادور " بالمشروع، فأخذ الأخير في تشيد هذا الصرح الفني المعماري الرائع بل و احتفظ بملكيته رافضا بيعه.
وقد ظل المسرح قائما نشطا بل ومنارة تضيء المشهد الثقافي والفني بالعرائش بعد استقلال المغرب ومبعثا للفخر بين أبناء المدينة وزوارها، خاصة وأنه بني على الطريقة الإيطالية، روعيت فيه كل المعايير والمكونات الأساسية والجمالية والتقنية لقاعة أوبرا كلاسيكية بمقومات عصرية.
هدم المسرح أوائل التسعينات لتحل محله بناية سكنية حيث تتواجد مقاهي (فالنسيا وتريانا) حاليا.

سينما إديال
سينما إديال أو سينيديال كما كان ينطقها سكان المدينة بنيت عام 1936، كلمة إديال بالإسبانية تعني "مثالية" وقد كانت في عصرها فعلا اسما على مسمى، إنها انعكاس لمعمار الطليعية في الربع الثاني من القرن العشرين، تنتمي إلى الحركة الفنية ( العقلانية)  "RACIONALISTA"، استفادت من لمسات أمهر مهندسي فن الديكور الذي عرف أوج ازدهاره و تطوره في هذه المرحلة بالذات من القرن العشرين، ليتزين شارع الحسن الثاني بالعرائش أو شارع كاناليخاس CANALEJAS آنذاك ببناء جميل فريد من نوعه على مستوى المملكة المغربية.
كانت القاعة تشكل إلى جانب مسرح إسبانيا نواة للحركة والحيوية التجارية النشيطة ب "الباسيو" شارع الحسن الثاني، و مكان التقاء الشباب المحلي الذي غالبا ما كان يعرف بعضه بعضا من خلال المؤسسات التعليمية أو الأحياء أو كرة القدم بغابة لا إيبيكا، هذا الرواج لازال قائما إلى يومنا هذا في عين المكان من خلال بائعي "الكلينتي، البابوش، الزريع، الشامية، الحلويات، المكسرات، الأكلات الخفيفة، المشروبات... ".
رغم هدم القاعة في بدايات هذا القرن و استبدالها ببناية سكنية، لا تزال قاعة سينيديال و المجال المحيط تحمل مخزون ذاكرة أجيال مدينة العرائش مند عهد الحماية و إلى غاية جيل التسعينات.

سينما كوليسيو
هي ثالث دار للعرض السينمائي تبنى بالعرائش وذلك أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، اسمها بالإسبانية " El Coliseo Maria Cristina " كوليسيو ماريا كريستينا، لكنها كانت تعرف اختصارا عند ساكنة المدينة بسينما كوليسيو. اشتهرت إلى جانب العروض السينمائية المستمرة على مدار السنة، بأنشطة موازية خصوصا صباحيات الأطفال والتي كانت عبارة عن أفلام كرتون أو عروض مسرح الطفل، وهو الشيء الذي أثر إيجابيا على أجيال السبعينات، الثمانينات، وحتى التسعينات.
تحفة أخرى عمرانية فنية وحضارية رائعة من الموروث الكولونيالي الإسباني فقدتها مدينة العرائش في أول عقود القرن الحادي والعشرين لصالح إمبراطوريات الإسمنت.

سينما أبنيدا

بنيت عام 1957 على يد مالكها الأصلي لويس يوردا إيساكو Luis Llodra Isacco، آخر قاعة سينمائية تبنى بالعرائش، و هي القاعة الوحيدة التي بنيت بعد الاستقلال لتبقى يتيمة بالمدينة لحسن حظها و حظنا إلى يومنا هذا على الأقل، و في انتظار انبعاث صروح فنية و ثقافية عصرية جديدة لا نملك الآن سوى الاستماتة في المحافظة على آخر قطعة متوفرة من فضاءات العروض الجميلة.

صور مسرح إسبانيا












 لوحة فنية تزين مسرح إسبانيا بالعرائش (سابقا) وهي حسب ذ.حسام الكلاعي من إبداعات الرسام الروسي
Alexander N.Sfepoulski و مساعده Avenir J.Fruskowskiy





صور سينما إديال









سينما كوليسيو


صور سينما أبينيدا







السبت، 7 يناير 2017

جامع الأنوار والجندي المجهول بالعرائش


جامع الأنوار قديما قبل تهديم صومعته من طرف سلطات الحماية

    محمد عزلي

هذا المسجد عمره أزيد من ثلاثة قرون، أمر ببنائه السلطان الفاتح مولاي إسماعيل العلوي بعد تحريره لثغر العرائش سنة 1689 من يد الاحتلال الإسباني، وقد شيد على أرض كانت مقبرة للمسيحيين. وفي بداية القرن العشرين احتل الإسبان العرائش مجددا سنة 1911، فأقدم الحاكم العام الإسباني على هدم صومعة المسجد سنة 1930 وأعد ساحة بين جسم المسجد والسور الوطاسي وضع فيها نصب الجندي المجهول.


نصب الجندي المجهول الذي احتل المكان لأزيد من ربع قرن 

بعد استقلال المغرب، وتحديدا سنة 1957 أمر جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، بإعادة تشييد جامع الأنوار ليتخذ شكله الجديد كما نعرفه حاليا، وقد مول مشروع إعادة بناء مسجد الأنوار من طرف دولة الكويت، وهذا ما يفسر تسميته بمسجد الكويت في مرحلة لاحقة من قبل جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وقد تميز نمطه العمراني بالمدرسة الشرقية الإسلامية مع إدخال اللمسة التقليدية المغربية، وهذا ما يبدو واضحا في الصومعة ذات الأضلاع الثمانية شبه الدائرية، وكذلك المنبر الذي هو عبارة عن شرفة فوق المحراب وهو الأمر المعتاد في مساجد المشرق العربي.
وبالعودة إلى المسجد الأصلي، يذكر أن الجامع كان يستند على دار باشا المدينة والتي كانت تحتل فضاء ساحة دار المخزن، كما أن المشور المحاذي له يشبه في عمارته أروقة السوق الصغير وهو ما يرجح تأريخ مشور الأقواس إلى النصف الثاني من القرن 18، أي زمن حكم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله، وقد استخدم المكان كمحكمة عمومية يبث فيها القاضي علانية في شكاوى وقضايا البلاد والعباد، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن منبر مسجد الأنوار كان قد نقل إلى مسجد الزاوية المصباحية حيث لا يزال متواجدا إلى يومنا هذا، وبالتالي فهو يعتبر أقدم منبر بمدينة العرائش.

المشور المحادي لجامع الأنوار و الذي خصص للقضاء

جامع الأنوار أو مسجد الكويت بشكله الحالي

تدشين ساحة الجندي المجهول سنة 1930 يظهر في الصورة قوس الأنوار الحديث و جامع الأنوار بدون صومعة بعد أن هدمتها سلطات الحماية
(صورة من المكتبة الإلكترونية لوزارة الدفاع الإسبانية)

صورة أخرى أكثر وضوحا تظهر المسجد بدون سقف ولا صومعة بينما الجدران تركت قائمة 

صورة أخرى من المكتبة الإلكترونية لوزارة الدفاع الإسبانية مؤرخة سنة 1930 توضح شكل الساحة بعد التعديلات و يظهر نصب الجندي المجهول

دار الباشا مستندة على جامع الأنوار قبل هدمه من طرف سلطات الحماية و التي كانت تحتل وسط الساحة


1- البوابة القديمة لجامع الأنوار الذي هدمه الحاكم الإسباني زمن الحماية قبل أن يعيد بناءه جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه.
2- البناية الخلفية بالنوافد التي تستند على الجامع هي دار باشا المدينة هدمها نفس الحاكم وجعل مكانها ساحة دار المخزن الحالية.
3- المشور المحادي للجامع لازال قائما إلى اليوم، يشبه في عمارته أروقة السوق الصغير مما يرجح تأريخه إلى النصف الثاني من القرن 18، وقد استخدم المكان كمحكمة عمومية يبث فيها القاضي علانية في قضايا البلاد والعباد.