الأحد، 7 أبريل 2024

الشاعر أحمد الشرقي 1936-2024

 


بقلم: محمد عزلي

تلقيت اليوم ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة أستاذنا الجليل الحاج أحمد الشرقي أحد رموز أسرة التربية والتعليم وأحد أعلام الثقافة والأدب والشعر في مدينة العرائش

الحاج احمد الشرقي من مواليد يناير 1936 بالعرائش، بدأ مشواره الدراسي في المدرسة الإسبانية بالعرائش، ثم واصل بمدرسة البعثة الفرنسية قبل أن يلتحق بالمعهد المغربي للدراسة الثانوية بالعرائش سنة 1953، وبعد حصوله على باكالوريا الآداب العصرية واصل دراسته الجامعية في العلوم القانونية، وعلى المستوى المهني وبعد حصوله على شهادة الكفاءة التربوية سنة 1961 عمل الفقيد معلما في مدن أكادير، طنجة، القصر الكبير، والعرائش، ثم أصبح حارسا عاما للسلك الأول بثانوية مولاي محمد بن عبد الله بالعرائش من 1962 إلى 1972، ثم حارسا عاما للسلك الثاني بثانوية الرازي بسطات من 1972 إلى 1975، وفي سنة 1975 سيصبح مديرا لمجموعة مدارس دار الشاوي قبل أن يعود مرة أخرى لمسقط رأسه العرائش سنة 1977 حيث عمل مديرا لمدرسة مولاي عبد السلام إلى غاية 1986، لينهي مساره المهني كرئيس للكتابة الخاصة بالنيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالعرائش من 1986 إلى 1996.

عرف الفقيد في حياته بنشاطه الثقافي وإنتاجه المعرفي في مختلف أصناف الأدب وخاصة الشعر حيث أصدر مجموعة من الدواوين نذكر منها آخرها: "صحوة الوفاء" و "معبد العشق"..

تحصل الفقيد على وسامين ملكيين: 1- وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى سنة 1986. 2- وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة سنة 1996.

الفقيد الحاج أحمد الشرقي توفي يوم السبت 26 رمضان 1445هـ / 06 أبريل 2024، وشيعت جنازته من مسجد الوفاء بالعرائش، ودفن بمقبرة سيدي العربي بعد ظهر يوم الأحد27 رمضان 1445هـ / 07 أبريل 2024م

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأحبابه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.







النزعة الصوفية في القصائد الدينية للشاعر احمد الشرقي

قراءة في القصائد الروحية لديوان معبد العشاق

بقلم: عزيــــز قنجـــــاع

نشر في موقع العرائش نيوز بتاريخ 08أكتوبر 2021

اذا كانت اشكالية التصوف المشرقي اختصت في ذات الله و اسمائه فان التصوف المغربي اختص بسره ودليله ومبدأ المعرفة به رسوله صلوات الله عليه  وسلم، فمنذ تربع مولانا عبد السلام بن مشيش على عرش القطبية وتصليته المعروفة بالصلاة المشيشية والتي تجعل مركز وجوهر المعرفة بالله في سره الذي به شاع نوره و هذا السر هو النبي الاعظم محمد خاتم النبيئين حيث يقول مولانا عبد السلام بن مشيش ” لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط” وهذه الرؤية الصوفية المغربية هي التي غزت العالم الاسلامي و عادت الينا تحت اسم الشاذلية نسبة الى تلميذه ابي الحسن الشاذلي، وقد عظم المغاربة الرسول الكريم ايما تعظيم وجد اكتماله الظاهر في كتاب دليل الخيرات للإمام ابي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي السملالي وقبله الصلاة المشيشية و بعده الدعاء الناصري ومال قليلا درقاوة وطريقتهم كان هذا استثناء – في التركيز على ذات الله نظرا لميل شيوخهم الى الجانب الفلسفي الاشراقي من التصوف الا ان كبيرهم سيدي احمد بن عجيبة وازن في المأخذ ومال في الكثير من كتاباته الى الطريقة المغربية في التصوف . وما تجدر الإشارة إليه ان هذا التعظيم سيجد مظهرا حسيا له في دعوة العزفيين حكام سبتة، السلطان ابي عنان المريني احد عظماء سلاطين الدولة المرينية وهم السلالة التي حكمت المغرب منذ القرن السابع الهجريفظهرت اذاك قصائد المولديات التي تختص بذكرى المولد النبوي وتتميز بسهولة التعبير وخفة الوزن، وتنشد في احتفالات المولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عاموبمناسبة ذكرى مولد النبي الاعظم نطل على احد الرواد من الشعراء العرائشيين الشاعر الحاج سيدي احمد الشرقي الذي أفاض في مدح النبي وتمجيد ذكره من خلال ديوانه” معبد العشاق”.

يتفرع ديوان “معبد العشاق” الى عدة مطالب متنوعة حيث يعرج على عدة مواضيع دينية ووطنية وقصائد مدح وإخاء وقد خص ديوانه بمطالع منيرة من قصائد دينية وارفة الجمال والبلاغة والجودة فلم يخرج سيدي احمد الشرقي الشاعر الاستاذ و المربي عن الطريقة وعن الاسلوب المغربي في تعظيم النبي الاكرم فنجده مستوعبا تراثا طويلا من الابتهالات والمدائح النبوية، و قصيدة محمد رسول الله“ نموذج جميل، فالشاعر احمد الشرقي يرتقي بمقام النبي الى سر الحقيقة حيث  يقول في هذه القصيدة المنشورة في ديوانه “معبد العشق، الصادر عن مطبعة لوكوس 2019 بالعرائش” ان النبي هو الحقيقة من الله وهو سر الحقيقة فنقرأ:

سر الحقيقة ابهر دهاة الفكر وهو الحقيقة من الله في السر

هنا يلتقي احمد اشرقي في المعنى مع صاحب الصلاة المشيشية مولانا عبد السلام بن مشيش حين يرى في النبي تلك المرآة التي تجلت من خلالها اسرار الملكوت بل هو في وجوده مركز الحقيقة وتجليها ، فبقول مولانا عبد السلاماللهم صل على من منه انشقت الاسرار ” فهذا معناه ان من اخرج الحقائق من اطلاقها الازلي الى عين الوجود والى عالم الشهود هو الرسول عليه ازكى الصلوات، فبه ومن خلاله ما كان سرا صارا مكشوفا، وفي نفس السياق قال سيدي العارف بالله احمد بن عجيبة في في كتاب “الفهرسة” و في قصيدة دالية في الحضرة النبوية حاذى فيها التصلية المشيشية قال:

قد انشقت الاسرار من سر سره …. فأبدى لنا سر الالاه الممجد

وفي السفر الأول فص حكمة إلهية في كلمة آدمية وهي موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي قال” وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة“. فإذن ولكي تجلو المرآة من شبح الوجود الى الوجود وتتضح اسرارها اوجد الله جامع اسراره وسر وجوده النبي الاعظم، فلذلك وحسب الشاعر احمد الشرقي:

اشرقت طلعته بتباشير الخير… فأضاءت الأرجاء بالهدى والبشر

هكذا يقل الشاعر بجمالية ويسر، مضيفا في بيت اخر:

محمد صفوة الخلق خص باليسر. محمد سنا نوره من سنا البدر

وهذان البيتان للشاعر احمد الشرقي لا يخرجان عن قول مولانا سليمان الجزولي في دلائل الخيرات:اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الانوار، وهو نفس مضمون الصلاة المشيشية التي تعتبر ان النبي هو من منه” انفلقت الانوار” لكن لا يمكن للإنسان ان يستلهم ويتطلع لنور الحضرة الالاهية التي جاء بها خير البرية، الا من امتاز بقلب يتوفر على استعدادات خاصة تؤهله للنظر والتفكر فيما جاءت تبشر بها الدعوة النبوية ففي قصيدة “اللهم ثبت قلوبنا على ذكرك” الواردة بنفس الديوان الموسوم ب ” معبد العشاق يقول:

يطرب للذكر بالله فيك منشد ...والذكر في حب الله بالقلب انسب

ويضيف:

كل يقين بالله فيك امانة.. حتى ان أضعته تشقى ثم تغضب

فالقلب هو موضع الإيمان مداره على تصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل وهي طريق تعبد للوصول الى اليقين، واليقين مقام الاكتمال ففيه وبه تلوح الانوار وتتكاشف الحقائق العرفانية والأسرار الربانية، فيطلب منقلبه في قصيدته هاته ان يتثبت على الذكر، ذكر الله:

ثبتك الله يا قلب على ذكره … ثباتا به يهديك فتتهذب

فالقلب إذا تهذب من الرذائل وتحلى بالفضائل أشرقت عليه الأنوار وتاب الى الله فيقول الشاعر في المعنى:

فتب لله يا قلب طوعا وارض به …فبالتوبة القلوب لا تتعذب

ويبدو جليا ان عنوان القصيدة يستلهم قول الرسول الكريم في حديث عن أنس رضى الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ). ففي مطلع قصيدته هاته نجده يقول:

جعلك الله في الحشا تتحكم … وبالحياة يا قلب تلهو وتلعب

وفي مضان القصيدة ابيات عدة تسير في هذا الفهم فنجده مثلا يقول:

العين تغريك والهوى يضل بك… احيانا تحب وطورا تتصلب

فالقلوب على قول الرسول هي بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، لذا يسير في نفس هذا الوصف اذ يقول:

ما سماك الله قلبا يا قلب الا و … انك تقلب الدنيا وتتقلب

فينتفض لهذا المعنى الشاعر ويحث قلبه على الذكر فهو مربط القلب وحركته فيحثه قائلا” ثبتك الله يا قلب على ذكره” فالقلب هو الحبل السري الرابط بين الروح وتجليات الصفات الانسانية المستمدة من الصفات المطلقة للخالق،

ومن المثير للانتباه ان الشاعر احمد الشرقي في قصيدته” سبحان اللهمن نفس الديوان والتي خصها لذكر الله وجلال صنعه، وبعد تسبيحة تُعظم الموجودات الالاهية وفي مطلع رائع قال فيه:

سبحان من خلق الكون بكن فكان …سبحان من خلق الخلق طينا فلان.

سبحان من خلق السماء وزان …. سبحان من خلق الارض وابان

وبعد ان يسترسل في الاشارة الى عظمة الخالق وبديع تدبيره يعرج في نهاية قصيدته على الواسطة المحمدية اذ هي في مقام النور التي رأى بها الانسان الحقيقة وبها كانت الهداية فيقول:

” أرسلت محمدا نورا لهدانا …فبهذاك ربي هو قد هدانا

ومن هنا فان الشاعر احمد الشرقي لم يخرج عن الطريقة المغربية في النظم الروحي، فالقصائد الروحية للشاعر احمد الشرقي بالإضافة الى منحاها الخلقي الصوفي فهي تحاذي الحِكم المبنية على استخلاصات التجربة الفردية كما في رباعيات للخياموقد ابدع في هذا المجال بحس شاعري راق وبتمكن جمالي عالي الإحساس قال فيه الدكتور جلال المرابط ” انه ديوان يطل من خلاله الحاج احمد الشرقي على فوضى العالم، واقع يذكره بصوت الالهة ربات الشعر والجمال و الموسيقى” وقال في حق صاحب الديوان الشاعر مصطفى جديعة : ” الشاعر احمد الشرقي يكتب بنفس عميق واسترسال كبير يتكئ على مخزون معرفي هائل ، وعين لاقطة للجزئيات والتفاصيل ، فهو شاعر الذاكرة و التراث ، في تجربته نداءات لأصوات آتية من بعيد وصهيل من العشق مازال على ربوة الوجدان يسامر الليل متى طال صبحه” فبمناسبة حلول شهر مولد الرسول الأعظم نتمنى لشاعرنا الحاج احمد الشرقي تمام العافية وموفور الصحة وكل عام و الأمة الإسلامية بخير.


نوستالجيا عن فران الدمغة بالعرائش

 


بقلم: يوسف التيجاني

كان أبي أحمد التجاني رحمه الله خبازا PANADERO وكان يلقبه RAMOS صاحب PANADERIA EL MILAGRO التي بنيت على أنقاضها عمارة إدريس الغرناطي رحمه الله المطلة على الشرفة الأطلنتيكية والسوق المركزي ب MAESTRO DE PALA ، وربما احتراما للمثل الشعبي القائل “حرفة بوك لا يغلبوك” شاء القدر أن أشتغل في الفرن التقليدي “الدمغة” الواقع بعقبة “الطوري” -اسم مشتق من البرج باللغة الاسبانية- خلال العطلة الصيفية، وهو موعد الأفراح والأعراس التقليدية فوق السطوح وفي الساحات تحت الخيام المكترية من البلدية، قبل بدعة قاعات الأفراح أو منظمي الحفلات. وهذا لا يعني أنني سأدخل هذا الفرن لأول مرة، بل إنني كنت أرتاده كزائر لصديقي سعيد أوراي رحمه الله بل وكنت أصطحب السي أحمد، صديق أبي الذي يشتغل هناك، وأنا مازلت صغيراً على متن سيارة رونو 4 لبيع الحلويات اللذيذة والمتنوعة في الأسواق، كما كانت توزع على الدكاكين أيضا وذاك هو الاختصاص الأول للفرن الذي أصبح فيما بعد قبلة لكل عائلة عريس أو عروس حيث تُقدم طلبات الخبز و” الگروص” قبل موعد التسليم بأيام، وعلى أساسها يتم ترتيب برنامج العمل بالليل والنهار.


كانت مهمتي في البداية -وأنا طالب جامعي بالسنة الأولى شعبة رياضيات فزياء- دهن “الطاوات” بالزيت لمنع التصاق العجين بها، فكنت أقضي الليل كله في هذه العملية إلى حدود الصباح حيث ننصرف ليحل محلنا فوج النهار.

بعد أسبوع شاق، لم يرقني توقيت العمل، إذ كان يحرمني من سمر الليل ولقاء أصدقائي من الطلبة. توسلت لرب العمل السي لحسن أوراي رحمه الله (انظر الصورة) أن يغير توقيت عملي من الليل إلى النهار، فوافق على الفور لأنه كان يعزني كواحد من أبنائه ويعطي للعاملين المثل بي في الجد والكفاح.

كانت فرحتي لا توصف في بداية الأسبوع الثاني، كيف لا وقد تخلصت من دهن الطاوات مادام هناك من كان يقوم بهذا العمل في فوج النهار، وهذا ما فسح المجال للترقي إلى إمداد الخباز با “طاوات” العجين من أجل الطهي. فبمجرد ما يملأ جوف الفرن، أغتنم الفرصة متسللا إلى قاعة الإعداد لتعلم أولى دروس تدوير العجين “التقريص” التي لم تكن سهلة على الإطلاق. تابعت نفس الخطة، ويوما بعد يوم يتحسن الأداء إلى أن صرت رسميا بعد أقل من شهر ضمن فوج” الدليك والتقريص” فارتفع الأجر والرتبة، ونلت تجربة ساعدتني مع مثيلاتها من التجارب في مواجهة مصاعب الحياة ومنها الطلابية يوم اضطررنا في المحنش الثاني بتطوان لإعداد الخبز بأنفسنا بالتناوب وإن كانت التجربة لم تعرف نجاحا يذكر إنما عشناها ولو لفترة وجيزة.


مع اقتراب وجبة الغذاء كنا نعيش ضغطا رهيبا، العامل والزبون على حد سواء، ويشتد الضغط كلما تسلم أحد بضاعته، فيمضي فرِحا تحت وابل أسئلة المنتظرين “هل هذا قبلنا؟” أو “هل نحن بعده؟” ويتكرر المشهد نفسه مع اقتراب وجبة العشاء وهكذا طيلة موسم الصيف.

وتبقى خبز “فران الدمغة” فريدة من نوعها حجما ولذة، وكذلك “الگروص” الذي يذوب في الفم مع أول رشفة من الشاي.

توقف نشاط “فران الدمغة” وغابت معه “الخبزة” الكبيرة الحجم “الشباعية” اللذيذة و “الكرصة” الألذ وبقيت أبواب البناية الموصدة، حارسة أمينة على فصول تلك الذكريات على أمل أن يفتح قفلها في يوم ما لإحيائها من جديد