الثلاثاء، 28 فبراير 2017

وثيقة مخزنية تخص بناء ميناء العرائش



أقدم وثيقة رسمية لبناء ميناء العرائش

بقلم: هشام الشكدالي



هذه الوثيقة مستخرجة من مديرية الوثائق المخزنية بالرباط، وهي وثيقة مخزنية بمعنى أنها مكتوبة من السلطان إلى وزير خارجيته آنذاك محمد المقري، تاريخ كتابتها عام 1911، والسلطان هو مولاي عبد الحفيظ، مكتوبة بخط يديه، وفحواها هو موافقة السلطان على بناء الشركة الألمانية لمرسى مدينة العرائش، إذن هاته الوثيقة هي شهادة حية على أن الألمان هم من بنو مرسى العرائش واسمها كما في الوثيقة بعد محاولة فك لغز الاسم المكتوب بطريقة غير مفهومة وبعد التنقيب والبحث فاسمها هو يان وطلرانو، كما أن الوثيقة بها ختم سلطاني يحمل اسم السلطان و به عبارة : السلطان عبد الحفيظ وفقه الله، ومكتوبة بخط يديه، و للتذكير فقط إن المرحوم عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة هو من أعطى الشارة الأولى بالمغرب لتقديم وتخريج وفهرسة الوثائق المخزنية بالمغرب، لإعادة الروح للوثيقة بعد كانت مهملة بربائد المملكة و أتلفت بسبب البرودة والرطوبة و الإهمال و خاصة أنها مكتوبة بالمداد فأتلفت العديد من الوثائق الهامة واتلف محتواها بسبب المداد الذي غطى واتلف معالمها بسبب البرودة، ناهيك عن إحراق العديد منها، وغيرها من العوامل التي أدت إلى ضياعها، فأطلق عبد الوهاب بن منصور حملة لجمعها و إعادة إحيائها و إخراجها للواقع بتخريجها وتقديمها وفهرستها، وكان لي الشرف أن أكون من ضمن أولى بعثات طلابية عام 2004 إلى مديرية الوثائق الملكية بالرباط لنسخ حوالي 104 وثيقة إخراجها للعالم وكانت الفترة قيد البحث هي فترة حكم السلطان مولاي عبد الحفيظ، و أعطتنا بالأرقام والمدلول هاته الوثائق الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي لتلك الفترة، وصدفة لمحت اسم العرائش بين ذلك التاريخ المدفون فأبيت إلا أن استخرجها للحياة من جديد، لأن ببساطة العرائش مدينتي، و لأول مرة في التاريخ توضع هاته الوثيقة في موقع إلكتروني ولم توضع في آي موقع آخر غيره، ولي الشرف أن تكون نسخته بين قراء العرائش عامة.

عن صفحة العرائش إلى الأبد بشبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك بتاريخ 18/08/2016


إشارة نقدية عن المقال أرسلها د/ عبد الصمد المنصوري (باحث مختص في تحقيق المخطوطات) بتاريخ 02/12/2017.

قبل البدء في تصحيح ما ورد في المقال من مغالطات لا بد أن أوجه التحية للصديق صاحب المقالة (لا أعرفه معرفة شخصية) على حبه للمدينة ورغبته في التعريف بتاريخها وهو ما تؤكده حماسته وأسلوبه في الكتابة، وأرجوا أن يتسع صدره لتصحيح المعلومات التي أجزم أنه أوردها بحسن نية، وعدم توفقه أرجعه ربما لعدم الاختصاص أو ربما لسرعته في نشر المعلومات دون أخذ الوقت الكافي للتأكد منها.

المغالطة الأولى: تاريخ كتابة الرسالة أو الوثيقة.

ورد في مقال الصديق أن الوثيقة كتبت بتاريخ 1911م وهذا غير صحيح، فالوثيقة مؤرخة بتاريخ 18 ربيع الثاني عام 1328هـ وهو التاريخ الذي يوافق 29 من أبريل سنة 1910م.

المغالطة الثانية: الوثيقة مكتوبة بيد السلطان.

وهذا غير صحيح أيضا فالوثيقة أولا: ليس فيها إي إشارة تدل على أن السلطان خطها بخط يده، وكاتب المقال حملها ما لا تطيق وقولها ما لم تقل وهذا أمر خطير. ثانيا: كل من سبق له الاشتغال والاطلاع عن قرب على هذا النوع من الرسائل يعرف جيدا أن السلاطين المغاربة ومن بينهم المولى عبد الحفيظ كان لديهم كتّاب متخصصين في مجال الكتابة المخزنية، يتمتعون بحنكة عالية ولهم معرفة بالقاموس السياسي المتداول في تلك الفترة، وبكل تأكيد كل ما يكتبونه هو باسم السلطان وبأمر منه وتعبير عن أفكاره التي يريد إيصالها للمتلقي الذي يراسله.

من أراد التأكد أطلعته على نماذج مشابهة للوثيقة مكتوبة بنفس الخط والأسلوب وتغطي فترات زمنية مختلفة (فترة مولاي الحسن الأول، فترة مولاي عبد العزيز، فترة مولاي عبد الحفيظ).

الخميس، 23 فبراير 2017

غراف زبلين المنطاد العملاق يطير في سماء العرائش

    
    محمد عزلي

غراف زبلين Graf Zeppelin أو كما ينطقها الألمان "غراف تسبلين"، المنطاد الشهير الذي طاف العالم شرقًا وغربًا، وتجول فوق العواصم والمدن العالمية الكبرى، من لندن لباريس لروما لنيويورك للقاهرة... يزور العرائش في رحلته التاريخية.
ظهرت المناطيد و انتشرت على نطاق واسع نتيجة الحاجة الملحة لوسيلة عملاقة تنقل الأوزان الثقيلة، سواء كانوا مسافرين أو حمولات ذات استخدام مدني أو عسكري، وفكرة عمل المنطاد لا تختلف كثيرًا عن فكرة البالون إلا أن المنطاد يتميز بضخامته وصلابته واستخدام المحركات في توجيهه، وبتعبير أدق المنطاد هو التطور التكنولوجي للبالون، ويرجع الفضل في هذا التطوير إلى المهندس الفرنسي "هنري جيفار" الذي تمكن من تطيير أول سفينة هوائية من باريس إلى فرساي عام 1852، وبالرغم من قصر المسافة، إلا أن المحاولة تعد اللبنة الأولى التي أخذ منها المهندسون والفنيون فكرتهم وزادوا عليها وطوروها، ومن ثم جرت المنافسة بين كبريات المدن في تطوير المناطيد وزيادة سرعتها وحمولتها، وقد شكلت إنجلترا وألمانيا قطبي سباق التصنيع هذا، وقد كان للمناطيد شأن كبير في أحداث الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) حيث دخلت الخدمة العسكرية بصفة قناص وأداة استطلاع، كما سخرت لنقل القنابل والمدافع والأسلحة الثقيلة لمسافات طويلة.
أما مناطيد "غراف زبلين" التي تحمل اسم صاحبها الكونت "فرديناند فون زبلين"، وينطقها الألمان تسبلين تعد أشهر مناطيد هوائية طافت العالم، ونقلت آلاف المسافرين وملايين الرسائل و البطاقات البريدية، تعتبر أكثر المناطيد شهرة على الإطلاق، كما زادها بريقا اسم  مصممها الكونت "فرديناند زبلين" وطاقم الطيارين الأكفاء الذين تولوا قيادة هذه المناطيد؛ فقد تمتعوا بخبرة كبيرة جعلت فكرة السفر بالمناطيد أكثر أمانًا وسرعة ورفاهية من أية وسيلة سفر أخرى في تلك الحقبة، وقد دخلت غمار الحرب العالمية الأولى في أسرع وقت حيث شنت أول غارة على لندن في ليلة 31 ماي 1915 بمنطاد واحد ثم لحقه 16 آخرين ليواصلوا قصف العاصمة البريطانية في نفس الليلة.
أما الكونت فرديناند فون زبلين، فهو من مواليد 8 يوليو 1838 بألمانيا، التحق بالمدرسة الحربية وتخرج منها ضابطًا في الجيش، وكانت فكرة البالونات والطيران بصفة عامة تشغل تفكيره فوضع تصميمه الموجز عام 1874 ثم المفصل عام 1893 ثم الجاهز عام 1894، حيث عرضه على لجنة مختصة لدى الحكومة الألمانية، لكن مشروعه عُطِّلَ أكثر من مرة نتيجة رفض الحكومة وغرابة الفكرة آنذاك، إلا أن زبلين لم ييأس وأصر على تحقيق حلمه بتطيير سفينته في الهواء، وفي عام 1898 أسس زبلين شركة خاصة برأس مال مليون مارك، لنشر فكرة الطيران بالسفن الجوية، وتشجيع الناس على هذا النمط الجديد من وسائل السفر، وبالفعل سجل براءة اختراعه بالولايات المتحدة الأمريكية يوم 14 مارس 1899، وفي عام 1900 أعلن فرديناند زبلين أنه سيطير سفينة هوائية ضخمة، فتجمع للحدث نخبة من العلماء والمهندسين والطيارين في مدينة فريدريكسهافن الألمانية، واندهشوا من ضخامة المنطاد الذي صممه زبلين، حيث كان طوله 128 مترًا، وقطر دائرته 12 مترًا من الألمنيوم، وله غطاء قماش من القطن و يعمل بمحركين، فبدأ زبلين تجربة المنطاد وتطييره في الهواء، فارتفع به ووجَّهه في أكثر من جهة ليبرهن للحضور إمكانيات المنطاد، لكن ذلك لم يكن كافيا لتشجيع الاستثمار في صناعة المناطيد، وظل زبلين يعاني من نقص التمويل، حتى أنقذه ملك فورتمبرج بتمويل منطاده الثاني الأكثر تطورًا، لكن الحظ خذله  بوقوع حادث نتيجة خلل في المحركات، إلى أن جاء عام 1906 ليكون بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمناطيد زبلين، فقد صمم منطادًا جديدًا طار به لفترة أطول وبسرعة أكبر، ومن ثم بدأ الإقبال على مناطيد زبلين، خاصة وأنه كان يعمل على تطويرها دائمًا حتى أصبحت أكبر المناطيد في العالم.

أخذت مناطيد غراف زبلين تطوف العالم وتنقل المسافرين من بلد لآخر، وفي عام 1929 قام المنطاد برحلته الشهيرة حول أهم مناطق العالم بما فيها المملكة المغربية ومدينة العرائش، حيث زار المدينة يوم 24 أبريل 1930 ليكون الزائر الأضخم على الإطلاق في سماء المدينة إلى غاية اليوم، بلغ طوله 220 متر و قد حلق بارتفاع منخفض على المدينة (حوالي 200 متر)، بسرعة أقصاها حوالي 70 ميلا في الساعة، مشكلا حدثا استثنائيا لدى الساكنة العرائشية التي أبدت انبهارها و دهشتها من هذا الطائر الضخم صاحب المحركات الصاخبة المفزعة، وقد ظل هذا الأمر عالقا في ذاكرة سكان المدينة حتى و إن لم يكن في الحقيقة هو المرور الوحيد للمناطيد العملاقة فوق سماء العرائش.
 

صورة عجيبة من الطائرة للمنطاد العملاق فوق مطار العرائش العوامرة
مراجع :
·        أكرم عبد الوهاب (كتاب تاريخ الحرب العالمية الأولى)
·        العدد 16 من مجلة ذاكرة مصر يناير 2014
·     Eckener 1938 Pages 155-157
·        http://larache-historia.blogspot.com/2009/11/el-dirigible-conde-de-zeppelin.html


بطاقة بريدية من رحلة أخرى للمنطاد العملاق بتاريخ 08/07/1935 مرت بالعرائش



سيرخيو بارسي غاياردو


    بقلم: محمد عزلي

هناك ثلاث أنواع من الإسبان، (إسبان إسبانيا – إسبان العالم – و إسبان العرائش)، سيرخيو بارسي غاياردو واحد من إسبان العرائش المميزين.
يعد سيرخيو بارسي أحد أشهر الكتاب والروائيين العرائشيين المعاصرين، ترعرع مع أسرته الإسبانية بمدينة العرائش قبل أن يعودوا أدراجهم إلى مالقة في إسبانيا، لكن طيف مدينته الأصلية ظل يلاحقه و يعيش معه و يلازمه في حياته ونشاطاته وكتاباته وطريقة عيشه ونوعية أصدقاءه، لقد قدم سيرخيو تراث مدينته بشكل مميز من خلال كتاباته الروائية، كما ساهم بفعالية في التوثيق الدقيق والغزير بالصور الفوتوغرافية والمعلومات النادرة والحكايات الحقيقية والحصرية عن ذاكرة مدينة العرائش خلال القرن العشرين من خلال موقعه على الأنترنيت sergiobarce.wordpress.com كما أنه مثل مدينة العرائش في منتظم الرواية العالمية خير تمثيل من خلال نصوصه المنشورة، وهذه نبذة مختصرة عنها.
تحصل على إجازته في القانون من جامعة مالقة التي بدأ فيها مشواره مع الكتابة من خلال قصة " El profesor, la vecina y el globo de plástico " التي جعلته يفوز بالجائزة الأولى للرواية بجامعة مالقة، كما تأهل للقائمة النهائية لنفس الجائزة من خلال قصة أخرى و هي " La soga "
·       1984 نشرت له مجموعة قصصية تحت عنوان " Sueños, ensueños y ficciones "
·       1985 نشرت له مجموعة قصصية أخر تحت عنوان " El paseíllo "
·       2000 أصدر أول عمل روائي " EN EL JARDÍN DE LAS HESPERIDES " يحكي فيه عن تجاربه وتجارب عائلته التي عاشت بمدينة العرائش، هذا الإصدار تحديدا صنع له شعبية كبيرة لدى الإسبان المزدادين بالمغرب عموما والعرائش على وجه التحديد، إضافة إلى الكتاب المغاربة والمهتمين بالشأن الثقافي والتراثي الكولونيالي الإسباني بالمغرب.
·       2004 أصدر كتابه الثاني  " ÚLTIMAS NOTICIAS DE LARACHE " و هو عبارة عن مجموعة قصص قصيرة مرتبطة بمدينة العرائش، وقد اختلف هذا الإصدار عن سابقه في كونه أكثر واقعية، حيث يغلب عليه طابع المقارنات بين الذكريات الغابرة و ملابسات الحاضر المزعجة.
·       2006 فاز بجائزة مورسيا للثقافات الثلاث عن رواية “SOMBRAS EN SEPIA”، و هي رواية عاطفية تعالج في عمقها مشكلة الهجرة غير الشرعية و تحكي علاقة رجل يحن إلى الماضي له ارتباط وثيق بالمغرب مع فتاة مغربية نزلت بالساحل الاسباني رفقة ابنها الصغير.
·       2011 أصدر رواية " UNA SIRENA SE AHOGÓ EN LARACHE "  أهلته للتواجد ضمن القائمة النهائية لجائزة النقاد " La Crítica de Andalucía 2012 "، وهي رواية من الواقعية السحرية تحكي بلسان طفل عرائشي واقع الحال المرير بالمدينة، في ظل الأفق المظلم و المستقبل المجهول الذي يحيل الشباب على هاجس الهروب من هذه البيئة العدائية مستعملا فنتازيا الحكايات الشعبية المحلية التي يسردها الجد..
·       2015 أصدر كتاب " LA EMPERATRIZ DE TÁNGER "  وضعه ضمن القائمة النهائية لجائزة  " Vargas Llosa " في نسختها السابعة عشرة، و نفس الشيء أيضا مع جائزة النقاد " La Crítica de Andalucía 2015 " في نسختها الثانية و العشرين.
·       2016 أصدر رواية جديدة و مختلفة كليا عن ما سبق تدور أحداثها في مدينة مالقة الإسبانية وهي محاولة عميقة للغوص في أغوار و أسرار النفس البشرية.




























الأربعاء، 22 فبراير 2017

إطلالة تاريخية على المدافع العتيقة لمدينة العرائش




بقلم : محمد شكيب الفليلاح الأنجري      

مما لاشك فيه أن مدينة العرائش كانت من بين أكثر الثغور المغربية عبر التاريخ أهمية و حساسية بالنسبة للوحدة الوطنية ، مرد ذلك بالدرجة الأولى موقعها الاستراتيجي المتميز ، الذي جعلها تتحكم بالطرق التجارية الرئيسية بين المغرب و العالم الأوربي من جهة ، و مناعتها الطبيعية من جهة أخرى التي أهلتها لتكون ثغرا عسكريا صعب المنال و منيع الدفاع . و تبعا لذلك عملت مختلف القوى السياسية و العسكرية التي توالت التحكم فيه على العناية بأشكال تحصيناته الدفاعية من إنشاء حصون ضخمة متميزة ( حصن النصر ، حصن الفتح …) ، أسوار تتخللها سلسلة من الأبراج ( أبراج القرن 15 م ، برج اليهودي … ) و بطاريات دفاعية نارية منتشرة هنا و هناك ( بطارية سيدي أبي القنادل ، بطارية سيدي علال بن أحمد ، بطارية حصن سان تياغو … ) ، استفادت هذه التحصينات من معدات عسكرية قوت قدراتها الدفاعية و أعطت الدليل المادي الملموس على أهمية ثغر العرائش لا بالنسبة للقوى الأوربية الطامعة في التوسع بتعدد دوافعها و لا بالنسبة للدول و الإمارات التي توالت على حكم المغرب ، ويكفينا دليلا على هذه الأهمية التصريح الملكي التاريخي للملك الإسباني فليب الثاني خلال القرن 16 م ، في حق ثغر العرائش و مرساها المنيع المنال الذي تناقلته المصادر و الربائد التاريخية ،قوله : ” … مَرْسَى الْعَرَائشْ يُعَادلُ أَهَمّيَّةً سَائرَ مَرَاسي الْمَعْمُور …” أو كما سُجل و ترجم في هذا المعنى.
ولعل أهم مكون عتادي دفاعي سجل حضوره الهام و الحاسم ضمن المنظومة الدفاعية للثغور الساحلية المغربية كان هو سلاح المدفعية بتعدد أحجامها و اختلاف أشكالها و تباين عياراتها النارية ، ونسجل هنا أن المغرب كان من بين دول العالم السباقة تاريخيا إلى الاهتمام باستخدام السلاح الناري في تسليح جيوشها و عمارة دفاعاتها و العمل على تصنيعه محليا باستجلاب الأطر الأجنبية المختصة و الاستفادة من خبراتها في الميدان. ولقد ساد الاعتقاد دهرا من الزمن بين الدارسين والباحثين على أن الاستخدام الأول للمدفع بالجيوش المغربية وظهور معامل وطنية لتصنيعها كان على عهد السعديين، بينما أثبتت بعض الحوليات البرتغالية أن المغرب بدأ في التصنيع الوطني للمدافع على عهد الوطاسيين، الذين كان لهم اعتماد كبير عليها في محاصرة الثغور المحتلة قصد تحريرها، خاصة ثغر أصيلا. و نظرا لما أسلفنا أعلاه من الأهمية الإستراتيجية التاريخية لثغر العرائش فإن هذا الأخير حظيت أبراجه و حصونه وبطاريته بكم هائل من قطع المدفعية و ما يتبعها من بارود و كور بمختلف وظائفها و أنواعها من مصادر تصنيعية متعددة خاصة دور السلاح المغربية ، معامل صب المعادن الإسبانية ، الفرنسية ، الإنجليزية ،الهولندية ، العثمانية ، وغيرها مما وصلنا من أخبار في المصادر التاريخية المعاصرة و ما بقي من قطع مدفعية متناثرة هنا و هناك ينخرها الصدأ و تتوالى عليها صنوف التعرية المناخية و الإهمال لقيمتها الثقافية باعتبارها مكونا تراثيا ماديا جد هام في التاريخ العسكري لمدينة العرائش و الذي لا زال حتى الآن لم يحظى بالدراسة و البحث العميق بالنظر لتأثيره المباشر في تاريخ المدينة خاصة و تاريخ المغرب ككل.
و يكفي هنا الإشارة في عجالة لبعض المعطيات الإحصائية التاريخية لعدد المدافع التي كانت بثغر العرائش لنقرب إلى الأذهان أهمية هذا الأخير والضرورة القصوى التي كانت تفرض تجهيزه بآلة الحرب خاصة البطاريات الدفاعية . فمؤرخ بلاط الملك فليب الثالث : ف.ماركوس دي غوادا لاخارا F.Marcos de Guadalajara)) في معرض وصفه الدقيق لدخول الجيوش الإسبانية لثغر العرائش سنة 1610 م و لتحصيناته بُعَيْدَ تسلمه من مولاي الشيخ المأمون بن أحمد المنصور الذهبي في إطار اتفاق بخصوص حصول هذا الأخير على الدعم العسكري الإسباني في صراعه ضد أخيه مولاي زيدان على العرش السعدي ، ذكر ما مجموعه 150 قطعة مدفعية موزعة بين حصني الفتح و النصر من ضمنها عدد 04 قطع غنمها المغاربة في معركة وادي المخازن سنة 1578 م ، و يذكر اليفراني أن جيش السلطان المولى إسماعيل غنم من فتح ثغر العرائش 01 نونبر سنة 1689 م ما مجموعه 158 مدفعا من الحديد المذاب ، منها 22 قطعة من البرونز؛ وهي كمية مهمة غير الكمية التي دمرت أثناء الحصار،وهذا يوحي بأهمية ثغر العرائش لإسبانيا التي عملت على تحصينه وتجهيزه بآلة الحرب والدفاع بمجرد أن وطأت قدم جيوشها المدينة.
كما أن تقوية تحصينات ثغر العرائش عقب انكسار الحملة الفرنسية عليه سنة 1765 م جعلت السلطان المولى محمد بن عبد الله يستجلب عددا مهما من المدافع و المهاريس من مكناس لتجهيز بطارياتها ، أشرف على عملية نقلها ابنه الأمير مولاي اليزيد ، و إن كنا لا نعرف على وجه الدقة عددها فإن طبيعة الإجراءات التي خصصت لجلبها و مراسيم احتفاء أهل العرائش بها توحي أن كميتها كانت جد مهمة ، فضلا عن استقرار السلطان بالعرائش لمدة شهر مشرفا على عملية تهيئتها يوحي بأهمية عددها . وهنا نورد نص رسالة سلطانية وجهها مولاي محمد بن عبد الله للقائم بأمر مدفعية الثغور الساحلية القائد الحاج عبد الله يعقوب سنة 1770م، يأمره فيها بإنجاز وثيقة جرد شاملة للقطع المدفعية بثغر العرائش، تبين مدى الاهتمام الذي كان يحظى به هذا الأخير ضمن السياسة الدفاعية للمخزن المغربي، جاء فيها: “خديمنا عبد الله يعقوب، سلام عليك ورحمة الله تعالىوبركاته. وبعد، نأمرك أن تعلمنا بعدد الأنقاض الذين بثغر العرائش من غير سرائر، ولا تذكر لنا إلا الأنقاض المعترين، وأما المدافع المتلاشون الذين لا يقدرون على الخدمة فلا تذكرهم لنا، وكذلك أعلمنا بعدد المدافع الذين بثغر العرائش، لنعلم ما بقي لكمال المائة مدفع ونكملها إن شاء الله، والسلام، في ثالث ذي القعدة الحرام، سنة 1183″.(مخطوط بالخزانة الملكية تحت رقم: 3388)، وهي وثيقة تقربنا من حقيقة عدد قطع المدافع التي كانت بمدينة العرائش خلال النصف الثاني من القرن 18م. و ذكر الرحالة الإسباني المستشرق ج . ألفاريز بريز ( J.Alvarez Perez )، الذي زار المدينة نهاية القرن 19م ،أن مدخل مرسى العرائش كان محميا ببطاريتين مجهزتين بعدد 22 مدفعا دون المدافع التي كانت منصوبة على الحصون و الأبراج . أيضا لا يجب أن نغفل استفادة الثغر العرائشي من نصيبه من المدافع التي وزعها السلطان مولاي سليمان على الثغور المغربية بعد قرار توقيفه لحركة الجهاد البحري ( الرسمية ) و تفكيك قطع أسطوله تحت الضغوط الأوربية سنة 1817 م ضمن عملية القضاء على القرصنة الدولية .
و من المؤكد أن دفاعات المدينة استفادت من عدد مهم من القطع النارية بالمقارنة مع الثغور الساحلية الأخرى لأهميتها الإستراتيجية ، دون أن ننسى الإشارة إلى المدافع التي غنمها رياس مراكب الجهاد البحري الذي كان مرسى العرائش من أهم و أنشط مراسي المغرب المحتضنة لهذه الحركة ، وما قصف الأسطول الفرنسي للمدينة في يونيو 1765 م ردا على استيلاء قراصنة السلطان سيدي محمد بن عبد الله على فرقاطة فرنسية إلا دليل على الخطورة التي شكلها مرسى ثغر العرائش على التجارة الدولية ، فضلا عن القصف النمساوي للمدينة في 03 يونيو 1829 م، كما أن بطارية حصن الفتح المطلة على حصن سان تياغو، كانت تتوفر على عدد مهم من مدافع كاروناد (Carronade)القصيرة الحجم المحمولة على قواعد خشبية رباعية العجلات؛ وهي مدافع تم تطويرها ابتداءا من سنة 1760م على يدي حداد إيرلندي، لم يبقى منها اليوم بمدينة العرائش إلا قطعتين تم اكتشافهما مؤخرا بدرب اسقالة درب الرماة، ويخضعان حاليا لعملية صيانة وترميم ضمن تدخلات جمعية القصبة للنهوض بالتراث الثقافي في هذا المجال. كما أن بطارية سيدي أبي القنادل كانت تتوفر على ما مجموعه 12 مدفعا من الحجم الكبير بداية فترة الحماية الإسبانية، كذلك هو الشأن بالنسبة لبطارية سيدي علال بن أحمد (برج الجنويين) التي بلغ عدد مدافعها حتى الفترة المذكورة أزيد من 20 مدفعا من بينهم المدفع السعدي المعروف بالمدفع الميمون، الذي يعد مفخرة صناعة المدافع المغربية خلال فترة القرن 16م.
ونشير أيضا أن ساكنة المدينة من العلماء والأدباء اهتموا بالكتابة حول موضوع الجهاد والمجاهدة بآلة المدفع، و من هؤلاء على سبيل المثال، الأديب الحافظ والعالم العامل سيدي محمد بن أحمد الريفي التمسماني الأصل العرائشي الدار الذي عاش زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله ونظم أرجوزته حول الموضوع المسماة: “روض الجهاد الفائق لمن أراد الغزو بالصواعق” وهو مخطوط محفوظ في الخزانة الملكية… من خلال هذه المعطيات الإحصائية التاريخية المقتضبة نلاحظ أن مدينة العرائش احتضنت عددا مهما من قطع المدافع بأنواع مختلفة وأشكال متعددة، لم يبقى اليوم منها إلا القليل المعدودة على رؤوس الأصابع . مع العلم أن باطن الأرض المحيطة بالحصون والأبراج والبطاريات والأسوار لا تزال –دون محالة- حبلى بقطع المدافع التاريخية التي تنتظر تحرك القطاعين العمومي وهيئات المجتمع المدني المشتغلة في حقل تثمين التراث الثقافي لتنظيم حفائر دورية للكشف عنها، ورد الاعتبار لها عن طريق إخضاعها لعمليات ترميم وصيانة أكاديمية تراعي المعايير العلمية التي تقنن التدخل في هذا النوع من التراث المادي، وإعادة إدارتها عبر استغلالها في التهيئة المجالية للفضاءات العمرانية التاريخية، ولما لا تأهيلها لتنصب من جديد فوق الأبراج والبطاريات والحصون كدلائل مادية للأجيال الصاعدة على الدور الدفاعي الهام الذي كان لثغر العرائش أنذاك، وقيمته الإستراتيجية والعسكرية في تاريخ المغرب، عكس ما نراه اليوم – مع الأسف- من التعاطي اللامسؤول مع المدافع العرائشية التي إليها يعود الفضل في صد 
مختلف الهجمات الأجنبية الهادفة النيل من وحدة البلاد










الثلاثاء، 21 فبراير 2017

ساحة دار المخزن بالعرائش في القرن العشرين

   ساحة دار المخزن في القرن 19

    محمد عزلي

تعد ساحة دار المخزن بشرفتها البهية وكنوزها الحية إحدى أهم مزارات مدينة العرائش السياحية، حيث يمتزج فيها زخم التاريخ المادي الملموس بروعة المنظر البانورامي الساحر الذي يشمل البحر وسافلة وادي لوكوس البديعة والمرسى وربوة تشمس حيث تقف أطلال ليكسوس الضاربة في عمق التاريخ القديم، إن مجرد الوقوف بهده الساحة يتيح للمشاهد فرصة لمعاينة ملخص جيد لتاريخ المغرب الوسيط والحديث والمعاصر، انطلاقا من الدولة المرينية وصولا إلى الدولة العلوية، ومرورا بفترتي الاحتلال الإسباني للمدينة في القرن 17 ثم القرن 20.
تدخل الساحة ضمن مجال القصبة المرينية، ويأثثها برج اليهودي [1]، بقايا السور الوطاسي [2]، حصن النصر السعدي أو برج اللقلاق [3]، جامع الأنوار [4]، قصر مولاي إسماعيل أو مبنى "الكومندانسيا" (المركز الثقافي الإقليمي) [5]، وباب الأنوار [6].
قامت سلطات الحماية في القرن العشرين بعدة تدخلات في هذا المكان التاريخي الجميل محدثة بذلك تغييرات واضحة أبرزها:
·       تهديم السور الوطاسي الواضح في الصورة وخندق حصن النصر وإنشاء الحدائق المجاورة للحصن، (مشتل البلدية وحديقة الهسبريديس).
·       تغير مدخل برج اليهودي وإضافة المعاقل الأربع في زوايا سطحه [7].
·       تعديلات عمرانية وإضافات في قصر مولاي إسماعيل، أهمها بناء الصومعة ذات الساعة والجرس، وأصبحت تعرف البناية بقصر الحاكم "الكومندانسيا".
·       هدم دار الباشا الواضحة وسط الصورة بطلاء أبيض ساطع، هذه الدار كانت تحتل المكان الذي نعرفه اليوم بساحة دار المخزن، وقد كانت تستند على جامع الأنوار والسور الوطاسي.
·       هدم صومعة جامع الأنوار وتهيئة ساحة بين بنية المسجد والسور الوطاسي وضع وسطها نصب الجندي المجهول [8].

وبعد استقلال المغرب تم هدم نصب الجندي المجهول وأعيد بناء جامع الأنوار أو (مسجد الكويت) الذي سمي كذلك تكريما للدولة التي مولت مشروع إعادة بناء هذا المسجد العتيق، وكان جلالة الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه من قام بتدشين انطلاقة الأشغال فيه عام 1957 خلال زيارته الرسمية الثانية لمدينة العرائش.

سلطات الحماية ترعى  تدخلاتها الميدانية من خلال يد عاملة مغربية، هذا و يظهر السور الوطاسي و برج اليهودي قبل التعديلات

الجزء المتبقي من السور الوطاسي

برج اليهودي بعد تعديلات القرن العشرين و أبرزها إضافة المعاقل عند زوايا السطح

الصومعة ذات الساعة و الجرس التي أضيفت إلى قصر مولاي اسماعيل

  دار الباشا مستندة على جامع الأنوار قبل هدمه من طرف سلطات الحماية و التي كانت تحتل وسط الساحة

تدشين ساحة الجندي المجهول سنة 1930 يظهر في الصورة قوس الأنوار الحديث و جامع الأنوار بدون صومعة بعد أن هدمتها سلطات الحماية
( صورة من المكتبة الإلكترونية لوزارة الدفاع الإسبانية )

صورة أخرى من المكتبة الإلكترونية لوزارة الدفاع الإسبانية مؤرخة سنة 1930 توضح شكل الساحة بعد التعديلات و يظهر نصب 
الجندي المجهول

نصب الجندي المجهول بساحة دار المخزن بالعرائش 1930/1957

جامع الأنوار في حلته المعاصرة بعد إعادة بناءه بأمر الملك الراحل محمد الخامس

جانب من ساحة دار المخزن في حلتها المعاصرة

جانب آخر من ساحة دار المخزن 2016

إطلالة على ساحة دار المخزن من شرفة قصر مولاي اسماعيل أو المركز الثقافي الإقليمي بالعرائش

1)   حكاية برج اليهودي 08/12/2016 http://larachearchives.blogspot.com/2016/12/130.html
2)   أسوار ثغر العرائش بين المجد و اللحد  23/11/2016 http://larachearchives.blogspot.com/2016/11/blog-post_51.html
3)   حصن النصر السعدي (برج اللقلاق) بالعرائش 10/04/2017
http://larachearchives.blogspot.com/2017/04/blog-post.html
4)   جامع الأنوار و الجندي المجهول 07/01/2017 http://larachearchives.blogspot.com/2017/01/blog-post_7.html
5)   دار المخزن بالعرائش شاهد على عظمة الأجداد ( العرائش أنفو 5 شتنبر 2016 ).
6)   باب الأنوار بناء حديث شيد زمن الحماية شأنه شأن باب المدينة بني بالطوب الأحمر على الطراز الأندلسي
7)   حكاية برج اليهودي 08/12/2016 http://larachearchives.blogspot.com/2016/12/130.html
8)   جامع الأنوار و الجندي المجهول 07/01/2017 http://larachearchives.blogspot.com/2017/01/blog-post_7.html