الخميس، 30 مارس 2017

العودة إلى البحر والخروج منه بعد معركة العرائش


بقلم : ذ. عزيز قنجاع    

العودة الى البحر من جديد

وفاة المولى سليمان سنة 1822م ستحمل ابن اخيه المولى عبد الرحمان بن هشام الى السلطة، هذا الأخير مباشرة بعد توليه زمام الحكم سيحاول تغيير التوجه الاستراتيجي للدولة في اتجاه البحر، ستحمل معها المحاولة الكثير من الويلات، ستكون انطلاقتها من العرائش و ستؤثر على تاريخ المغرب المعاصر.
كانت أولى الخطوات التي طبعت بدايات عهد المولى عبد الرحمان بن هشام، محاولته إحياء النشاط البحري، وقال عنه ابن زيدان في الاتحاف: ” كان المغرب على عهده لاتزال له مراكب بحرية تجارية وحربية تمخر العباب ويقتنص رؤساؤها مراكب الدول التي ليس عقد مهادنة مع المغرب ، ولا جواز مرور يبيح لها حرية التجول بمياهه و العبور شواطئه ، وكان له بتلك المراكب ورؤسائها مزيد اعتناء ، وقد اهتم كثيرا بإرجاع القوة البحرية التي اغفلها بل اهملها عمه ابو الربيع…. وردها الى شبابها” فقام بإنشاء أساطيل جديدة كما قام بترميم ما بقي مهملا منها بمراسي المغرب، لم تكن العملية ينظر إليها بعين الرضى من قبل الدول الأوروبية التي ربطت عملية الاعتراف بشرعية سلطة المولى عبد الرحمان بن هشام بتخليه عن أعمال البحر بالمرة. ويذكر عبد الرحمان بن زيدان في موسوعته “اتحاف أعلام الناس” خصوصا في الجزء الخامس منه، معلومات دالة عن تعقد المحادثات المتعلقة بالتوجه البحري الذي أراد أن يدشنه هذا السلطان عقب مجيئه الى السلطة حيث يقول” وحدثني من وثقت بخبره انه لما بويع المولى عبد الرحمان علق بعض الأجناس المجاورين للإيالة المغربية الاعتراف بسلطته على إبطال القوة البحرية فامتنع”. إن إصرار المولى عبد الرحمان على توجيه استراتيجياته السياسية نحو البحر ستقنع أخيرا باقي الأطراف حيث يقول نفس المؤرخ في نفس المرجع انه: “بعد مراجعات وقع الاتفاق على بناء أبراج بثغر الرباط “. لم يعر المولى عبد الرحمان بن هشام أية أهمية للتحذيرات الأجنبية بهذا الخصوص ولم يفهم مغزى التحولات الجديدة على مستوى العلاقات الدولية خصوصا بعد مؤتمر فيينا سنة 1815 الذي سمح بمشاورات مكثفة بين الدول الاوروبية قصد توحيد جهودها لكبح القرصنة بالبحر المتوسط، من خلال وضع قوانين ملزمة تنظم عملية الملاحة الدولية. وهو ما عبر عنه المؤرخ خالد الناصري عند انتقاده المبطن لهذا التوجه السياسي للسلطان المولى عبد الرحمان بن هشام الذي لم يع التفاوتات الحاصلة على مستوى وفرة العتاد الحربي البحري الاوروبي و تفوقه التكنولوجي حيث قال: “انه لما أراد إحياء هذه السنة صادف ابان قيام شوكة الفرنج ، ووفور عددهم وأدواتهم البحرية ، وصار الغزو في البحر يثير الخصومة و الدفاع ، والتجادل و النزاع ، ويهيم الضغن بين الدول العلية ودول الأجناس الموالية لها حتى كاد عقد المهادنة ينفصم” بل ان المولى عبد الرحمان بن هشام سيتجاهل كل مقررات المؤتمرات الدولية في هذا الشأن والتي كانت معروفة في الاوساط السياسية والعلمية المغربية، فالناصري يشير اليها صراحة حين يقول محيلا الى مقررات مؤتمر فيينا في خضم نقده لسياسة السلطان عبد الرحمان بن هشام : “وانضم الى ذلك إعلان الدول الكبار من الفرنج مثل الانجليز والفرنسيين بان لا تكون المراكب الا لمن يقوم بضبط قوانين البحر التي يستقيم بها أمره وتحمد معها العاقبة وتدوم بحفظها المودة على مقتضى الشروط”. ويبدو ان اصرار المولى عبد الرحمان بن هشام بإعادة الحيوية للمجال البحري المغربي رغم هذه الحواجز الموضوعية حير المثقفين المعاصرين كذلك، فهذا محمد المنوني في كتابه “مظاهر يقظة المغرب الحديث” يتساءل كذلك عن اسباب هذا التجاهل، بل يقول ان سياسته المندفعة هاته انتهت الى ما ” طالما تمنته الدول الأجنبية من جعل حد نهائي لنشاط الأسطول المغربي” وذلك بعد ان تعرض ميناء العرائش لهجوم منظم من قبل قطعة من الاسطول النمساوي فقام بضرب مرسى العرائش سنة 1245/1829 وعل الرغم من صد العرائشيين للهجوم النمساوي الا ان الامر انتهى بتدخل انجلترا و ضغطها على السلطان لتوقيع معاهدة مجحفة سيتنازل على اثرها السلطان عن الخوض في شؤون البحر وسنستبق الاحداث بالقول ان وقعة العرائش هذه كانت خطورتها تفوق خطورة حرب ايسلي و تطوان، فقد قال بشأنها المؤرخ خالد الناصري بنبرة حزينة فيها الكثير من الغصاصة في كتابه “الاستقصا” ” و اعلم ان هذه الوقعة -أي وقعة العرائش- هي التي كانت سببا في اعراض السلطان المولى عبد الرحمان عن الغزو في البحر والاعتناء بشأنه” وسنعود لتفاصيل هذا الحادث.



معركة العرائش وتوقيع معاهدة “استرياك”: قراءة في النصوص

أ‌-        ظروف المعركة


انتهج المولى عبد الرحمان بن هشام سياسة صارمة اتجاه الدول التي تعبر شواطئ المغرب حيث بات رؤساء البحر المغاربة ” يقتنصون مراكب الدول التي ليس لها عقد مهادنة مع المغرب ” كما قال ابن زيدان، وكذا “الدول التي ليس لها جواز المرور يبيح لها حرية التجول بمياهه وعبور شواطئه ” وفي إحدى تلك الدوريات البحرية أسرت البحرية المغربية مراكب نمساوية، ففي سرده لهذه الحادثة كتب صاحب “الاستقصا” أن البحرية المغربية بقيادة الرئيسان الحاج عبد الرحمان بريطل والحاج بركاش استاقوا المراكب النمساوية “إذ لم يجدوا معها ورقة الباسبورط المعهودة عندهم و عثروا فيها على شيء كثير من الزيت و غيرها و كان بعضها قد جيء به إلى مرسى العدوتين وبعضها إلى مرسى العرائش” ورغم المجهودات الدبلوماسية التي قام بها سفير النمسا إلى طنجة لطلب عقد معاهدة صلح في هذا الشأن فإن طلبه قد تم رفضه بذريعة ” أنه أخذ – أي المركب- في وقت الحرب، فرجع ذلك السفير خائبا ” وذلك حسب الرواية التي أوردها ابن زيدان في إتحافه. رد النمسا لم يتأخر فقد كان سريعا ومباغثا حيث أرسلت هذه الأخيرة مراكب قرصانية للاحتيال على قنص مراكب مغربية ” فصار ذلك المركب القرصاني يتطوف بنواحي مياه المراسي المغربية ” إلى أن رأى منها بمرسى العرائش فحدثته أطماعه بالقبض عليها، ولما قابلوا المرسى انزلوا عددا من الجند بالبر وقصدوا المراكب السلطانية” لا تختلف هذه الرواية التي أخذناها عن ابن زيدان عن تلك التي أوردها الناصري بكثير من التفصيل في كتاب الاستقصا حيث أضاف “فهجم النابريال على العرائش بستة قراصين يوم الأربعاء 3 ذي القعدة سنة 1245 ورمى عليها الكور شيئا كثيرا من الضحى إلى الاصفرار وعمد في أثناء ذلك إلى سبعة قوارب فشحنها بنحو 500 من العسكر ونزلوا إلى البر من جهة الموضع المعروف بالمقصرة ، وتقدموا صفوفا قد انتشب بعضهم في بعض بمخاطيف من حديد لئلا يفروا و مشوا إلى مراكب السلطان التي كانت مرساة بداخل الوادي وهم يقرعون طنابيرهم و يصفرون ومراكبهم التي بالبحر ترمي بالضوبلي مع امتداد الوادي لتمنع من يريد العبور إليهم، فانتهوا إلى المراكب وأوقدوا فيها النيران وقصدوا بذلك أخد ثأرهم فيما انتزع منهم” وقد استمرت هذه العملية العسكرية طيلة النهار ولم يتم صد النمساويين إلا بعد أن انضم أهل الدواوير المجاورة للمعركة حسبما نفهمه من شهادة صاحب الإتحاف الذي قال ” فحال بينهم وبين ذلك أهل البلد والمجاورين لها وأحاطوا بهم قبل وصولهم للمراكب واستأصلوهم قتلا ، وقطعوا رؤوسهم ووجهوا بها إلى الحضرة السلطانية” آما الناصري فيدقق كثيرا في تفاصيل هذه المعركة حيث يضيف “فلم يكن إلا كاد و لا حتى انثال عليهم المسلمون من كل جهة من آهل الساحل وغيرهم، وعبر إليهم أهل العرائش و أحوازها سبحا في الوادي وعلى ظهر الفلك إلى أن خالطوهم وفتكوا فيهم فتكة ، وكان هناك جملة من الحصادة يحصدون الزرع في الفدن فشهدوا الوقعة وأبلوا بلاء حسنا حتى كانوا يحتزون رؤوسهم بمناجلهم” ولا يكتفي الناصري بالرواية المحلية بل ينقل عن مؤرخ إسباني قائلا : ” وقد ذكر مانويل هذه الوقعة وبسطها وقال : إن النابريال قتل منهم ثلاثة وأربعون سوى الأسرى وتركوا مدفعا واحدا وشيئا كثيرا من العدة وأفلت الباقي منهم إلى مراكبهم وذهبوا يلتفتون وراءهم” إن كانت المعركة انتهت بنصر عسكري مغربي فما هي النتائج السياسية التي ترتبت عن هذه المعركة ؟.


ب نتائج المعركة 


لم ترد بالأبحاث الأكاديمية أية قراءة متأنية لهذه المعركة ودراسة لتفاصيلها و نتائجها ولا لبنود معاهدة استرياك التي ترتبت عنها بل إن الكثير من الغموض يلف هذه المعركة حتى بالنسبة للذين حكوا عنها، فأمام نصر عسكري غير مسبوق على إمبراطورية النمسا نجد أن الصيغ التعبيرية التي رافقت سرد حيثيات هذه المعركة يكاد يكون إحالة إلى هزيمة نكراء بل كأننا أمام هزيمة كارثية، حتى إن المؤرخ الناصري الذي لا يترك شاذة ولا فادة إلا وأطال في ذكرها، لم يتوسع في ذكر نتائج هذه المعركة ولا تكبد عناء نقل تفاصيلها بل أشار إليها إشارة عابرة مقتضبة، مما يثير الكثير من التساؤلات المرتبطة بهذه المعركة. فمن المعلوم إن المنطق الحربي يقتضي أن يعقب النصر العسكري مكاسب دبلوماسية وسياسية، بل وارتباطا بهذه المعركة، كان من اللازم أن يصبح للمغرب اليد الطولى في البحر أو على الأقل فيما يخص شريطه الساحلي بعد أن أثبت جدارة حربية في الدفاع عن مجاله البحري، إلا أن ما كتبه المؤرخون منهم ابن زيدان والناصري على الخصوص يخالف هذا المنطق.

ترد أنباء الانتصار في هذه المعركة مقترنة بتعاليق قوية تشير إلى حجم الكارثة، هل كانت العملية جديدة على مؤرخينا؟، إذ لم يسبق أن صادف اقتران نصر عسكري بهزيمة دبلوماسية وسياسية. يقول الناصري في سياق حديثه عن النتائج الميدانية للمعركة وفي سياق تعداد الغنائم الحربية ووصف هذه الملحمة البطولية ودون سابق إنذار يفاجئنا بالقول : “واعلم أن هذه الوقعة هي التي كانت سببا في إعراض السلطان المولى عبد الرحمان عن الغزو في البحر والاعتناء بشأنه” بل إن صاحب الإتحاف، ابن زيدان علق بكلام قاس على نتائج هذه المعركة إذ قال ” وكانت هذه الواقعة وما نشأ عنها من فتح أبواب المشاكل بين الدولة الشريفة والدول الأجنبية من أعظم ما فت في عضد صاحب الترجمة – ويقصد بذلك السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام – وأكبر حائل بينه و بين الوصول لبغيته” ، فإذا كان ابن زيدان استعمل عبارة جد خطيرة تبين مدى خطورة المعركة و تداعياتها لدرجة أنها فتت عضد الدولة فإنه أضاف كذلك في سياق الحديث عن المعاهدة الموقعة بين المغرب و النمسا ” وقد كانت من أعظم الأسباب في إهمال المراكب البحرية المغربية والإعراض عن الاعتناء بها” أما الناصري فسيزيدنا توضيحا حين يقول أنه على إثر هذه المعركة “ظهر له – أي للسلطان – التوقف عن أمر البحر رعيا للمصلحة الوقتية ” ويضيف قائلا في إشارة قوية إلى الضغوط الدبلوماسية التي مورست على السلطة بالمغرب عقب معركة العرائش ” أن لا تكون المراكب إلا لمن يقوم بضبط قوانين البحر التي يستقيم بها أمره وتحمد معها العاقبة و تدوم المودة” مما يعني أن المولى عبد الرحمان بن هشام انصاع في الأخير لبنود معاهدة فيينا فيما يخص الأبواب المتعلقة بضبط حركة الملاحة الدولية وبمباركة من النخبة نفهمها من خلال قول الناصري “و لعمري أن تركه – أي العمل البحري – لمصلحة كبيرة لمن أمعن النظر فيها”. وقد لخص السي محمد المنوني الموقف المترتب عن معركة العرائش في كتابه” مظاهر يقظة المغرب الحديث” “أن جعلت – معركة العرائش – حدا لنشاط الأسطول المغربي” كل هذه الملاحظات المساقة في هذا الصدد ومن خلال مجمل الملاحظات التي ضمنها المؤرخان القريبان زمنيا من الحدث، ومن خلال التعقيبات المتلاحقة عن المعركة، يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن معركة العرائش كانت السبب في خروج المغرب نهائيا من البحر، واضعة بذلك حدا للتوجهات البحرية للسلطة المركزية المغربية، لازالت معالمها قائمة إلى حدود اللحظة الراهنة.



الثلاثاء، 28 مارس 2017

لويس كازورلا: في الاحتفاء بذاكرة مغربية ومؤلف كوني



بقلم: محمد عزلي



ترك الأثر الإسباني بمدينة العرائش مقولة متداولة مفادها أن هناك ثلاث أجناس من الإسبان: إسبان إسبانيا؛ إسبان العالم؛ وإسبان العرائش، ولويس ماريا كازورلا واحد من إسبان العرائش المُميزين، شخصية إسبانية رفيعة القدر، له مسيرة حافلة محلياً وإقليمياً ودولياً، سواء تعلق الأمر بحياته المهنية أو الفكرية.

ألف أعمالاً عن العرائش وتاريخها وعن شمال المغرب الكولونيالي، ودَوّن أعمالاً نادرة عن حقبة زمنية هامة ومفصلية في تاريخ المغرب ومحيطه الإقليمي، الفترة التي سبقت دخول إسبانيا للشمال المغربي أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، حيث أرّخ للهجرة المُمنهجة للإسبان إلى مناطق الشمال المغربي، منطلقاً من تجربته وخبايا ذاكرة أسرته التي كانت من ضمن هؤلاء المهاجرين من الضفة الإيبيرية هاربة من ظروف الأزمة الاقتصادية الحادة التي طالت الإسبان، كما تحدث عن فترات قوية ومفصلية ومطمورة عاصرت خطوات الجنرال سلفستري منذ نزوله العرائش والقصر الكبير ثم أصيلة، فسبتة ثم مليلية، إلى غاية واقعة أنوال.

نبذة عن حياته:

·       الاسم: لويس ماريا كازورلا برييتو

·       1950، ولد بمدينة العرائش.

·       1972، تحصل على إجازته في القانون من جامعة كومبلوتينسي -مدريد.

·       1974، انضم إلى المجلس الأعلى للمحامين، ومن ثم إلى الكتابة العامة بالبرلمان.

·       1979-1981، مدير عام للمكتب الفني لوزارة المالية.

·       1981، دكتوراه في القانون مع مرتبة الشرف من الجامعة نفسها.

·       1981، مفتش الخدمات لدى وزارة الاقتصاد والمالية.

·       1982-1988، أمين المجلس الانتخابي المركزي.

·       1999-2002، عضو اللجنة القانونية للجنة الأولمبية الدولية.

·       2005-2007، النائب الأول لرئيس اللجنة الأولمبية الإسبانية.

·       2010، أستاذ في المالية والقانون الضريبي بجامعة الملك خوان كارلوس.

·       2012، أمين عام المجلس الإداري لمدريد.

·       يشغل حاليا منصب الأمين العام لمجلس إدارة البورصة الإسبانية وسوق القيم.

·       كما يشغل منصب نائب رئيس وكالة رويترز للأنباء.

·       قاضي بمحكمة التحكيم المنبثقة عن اتفاقية المشتريات الحكومية TACOP.

 

مؤلفاته:

نشر لويس من الأعمال القانونية والعلمية خلال مسيرته أزيد من عشرين مؤلفا نذكر منها:

·       1978، "السرية المصرفية" عن معهد الدراسات المالية.

·       1981، "ضريبة الدولة، قوة ومعاصرة" عن معهد الدراسات المالية.

·       1985، "البرلمان المعاصر" عن سيفيتاس.

·       1986، "الخطابة البرلمانية" عن كوليكسيون أوسترال.

·       1990، "الشركات الرياضية" عن مطابع العلوم الاجتماعية.

·       1996، "مجلس النواب وأهميته الراهنة" عن أرانزادي.

·       1998، "قوانين دعم الميزانية" عن مارسيال بونس.

·       1999، "الترميز المعاصر والتقنية التشريعية" عن أرانزادي.

·       2000، "قانون الضريبة" عن أرانزادي.

·       2007، "اللغة القانونية" عن تومسون-أرانزادي.

·       2009، "الأزمة الاقتصادية وتحول الدولة" عن تومسون-أرانزادي.

·       2010، "حكومة العولمة المالية، النهج القانوني" عن أرانزادي.

كما نشر لويس كازورلا أعمالا أدبية، في القصة و الرواية نذكر منها "مشروع القانون وأحد عشر قصة"، "أربع قصص مستحيلة"، و رواية "لا معك و لا بدونك"، كما نشر سنة 2007 روايته الشهيرة "بالقرب من الحد المسموح" التي أهلته للتواجد ضمن القائمة النهائية المتنافسة على جائزة الرواية العالمية " خفير توميو ".

أما في الرواية التاريخية فقد نشر كما سبق وذكرنا كتبا بالغة الأهمية تتحدث عن مرحلة ما قبل الاستعمار في الشمال المغربي والمراحل الأولى للاحتلال بحكم تواجد أسرته الإسبانية ضمن المهاجرين الفارين من الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إسبانيا أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 في اتجاه شمال المغرب والعرائش بشكل خاص حيث مارسوا فيها التجارة شأنهم شأن جل المهاجرين الذين استقروا بالمنطقة من المسيحيين و اليهود.

 

·       مدينة اللوكوس

رواية تاريخية تقع في 680 صفحة باللغة الإسبانية، من إصدارات دار النشر ألموزارا سنة 2011.

تدور أحداث الرواية في بداية القرن العشرين حيث كان التنافس على أشده بين القوى الإمبريالية الأوروبية على استعمار و تقسيم المغرب، ووضعية إسبانيا التي اعتبرت تواجدها في المغرب ضرورة قصوى نظرا "لأحقيتها التاريخية" في الشمال المغربي عموما والعرائش تحديدا، وكذلك لتضميد جراح فقدان مستعمراتها (كوبا، بورتوريكو، والفلبين)، كما يتطرق الراوي للإنزال العسكري في العرائش (يونيو1911) ودور الجنرال سلفستري، والظروف التي سبقت الإنزال والنتائج التي خلفها بعقد معاهدة الحماية التي فرضت فيها إسبانيا نفسها بالأمر الواقع و بالتواجد العسكري الميداني، كما يسرد لويس كازورلا في سياق درامي مشوق مسلسل التهجير الممنهج الذي طال عددا مهما من الأسر الإسبانية التي فرت من قسوة "أزمة أليكانتي" الاقتصادية إلى مناطق الشمال الغربي للمغرب في الفترة ما بين 1904 و 1912 لتشكل بذلك نواة شعب المعمرين الذين بسببهم سترفع لواءات التدخل العسكري بحجة حماية مصالحهم، و منهم أسرة الراوي نفسه.

تضيء الرواية أيضا على حالة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية التي طبعت العرائش خلال النصف الأول من القرن العشرين، من خلال تطور المجتمع، سواء الإسباني منه أو المحلي المغربي، وقد تعرض بالتفصيل لوضعية كل منهم، وكيف تفاعل المغاربة إلى حد تطبيع معتقداتهم وأعرافهم وتقاليدهم وعقلياتهم العتيقة مع مستجدات ومتطلبات العصر الجديدة والمتطورة والمادية.

يمكن الاعتماد على الرواية كوثيقة تاريخية مفيدة لاكتشاف وفهم بعض الأحداث والشخصيات التاريخية المركبة والمعقدة، (الحرب الأهلية الإسبانية 1936)، (الجنرال سلفستري)، (مولاي احمد الريسوني)، وثيقة تمنحنا فرصة لإعادة قراءة مرحلة دقيقة يشوبها الكثير من الغموض والضبابية من تاريخ مدينة العرائش والشمال الغربي، بل والمملكة المغربية ومحيطها الإقليمي.

 

·       الجنرال سلفستري وظلال الريسوني

رواية تاريخية تقع في 344 صفحة باللغة الإسبانية، من إصدارات دار النشر ألموزارا سنة 2013.

تحكي الرواية عن السجال العجيب الذي دار بين الجنرال سلفستري والشريف مولاي احمد الريسوني بين هدنة وحرب، بين اتفاق وصراع، وذلك في الفترة المتراوحة بين 1912 و1918، كما تحكي عن رحلة النجاحات التي حققتها عائلة نييت في العرائش وتطوان، ومن خلالها شبكة العلاقات الوازنة التي ربطت العائلة بمحيطها من النخبة السياسية والعسكرية، كما يسافر بنا كازورلا إلى عمق المجتمع بصراعاته وانشغالاته وخفايا سياساته، وكذا التشويق الذي يضمنه العمل الاستخباراتي الفرنسي والألماني بالمنطقة.

ترصد الرواية أيضا بداية الحركة الماسونية بالشمال الغربي للمغرب، و "سرطان الفساد الاقتصادي" وظاهرة الانصهار التي جمعت الأديان الثلاث باختلاف عقائدها مبرزا على وجه الخصوص ذلك التوازن العجيب والفريد الذي فرضه العنصر اليهودي في المنظومة الاجتماعية بالمنطقة الشمالية عموما والعرائش على وجه التحديد.

 

·       بذور أنوال

رواية تاريخية من 476 صفحة باللغة الإسبانية، من إصدارات دار النشر إيلوسترادا سنة 2015.

تحكي الرواية عن عودة الجنرال سلفستري إلى الساحة العسكرية بمنطقة الاحتلال الإسباني شمال المغرب ابتداء من غشت 1919 بتكليف رسمي ومباشر من العاهل الإسباني آنذاك " ألفونسو 13 " الذي خدم إلى جانبه كمستشار عسكري بقصره في مدريد في الفترة ما بين 1915 و1919، عاد من بوابة قيادة منطقة سبتة حيث ستعلو أسهمه مجددا بعد عملية " فندق عين الجديدة " التي ستطيح نهائيا بنفوذ وسلطة الشريف مولاي احمد الريسوني.

تتداخل في الرواية أحداث وملابسات تدور حول صراعات المال والأعمال التي أثرت بشكل مباشر في جسم الجيش الإسباني حيث نخر الفساد عمق المؤسسة العسكرية وشكلت جزءً من التداعيات الأولى حسب تعبير الكاتب المسببة ل "كارثة أنوال"، المعركة التي اندحر فيها الجيش الإسباني، وانتحر فيها الجنرال سلفستري في هزيمة مذلة أهانت كرامة إسبانيا ومؤسستها العسكرية، وعجلت بإطاحة الملكية واندلاع الحرب الأهلية التي ولدت انشقاقات داخلية وفجرت صراعا دمويا عنيفا.

تعتبر هذه المؤلفات الثلاثة الأخيرة جزءً هاما من ذاكرة المغرب المعاصر، جزء من تاريخ اكتنفه الكثير من الغموض والتحفظ والضبابية نظرا لندرة المواد المصدرية وتواضع جودتها، وفي أحيان كثيرة جرّاء التعصب وعدم الحيادية بسبب الانتماء أو المرجعية أو العاطفة..

تجدر الإشارة أخيرا على أن الدكتور لويس ماريا كازورلا برييتو، حاز على تشريف الصليب الأكبر لسان رايموندو دي بينيافورت، وتشريف صليب الاستحقاق الأكبر للطيران، ووسام الاستحقاق الرياضي.

وواضح أن مُجمل هذا المشار، يُخول لمدينة العرائش المغربية أن تفتخر بابنها الذي لم ولن ينساها بما أن رأسه سقط بها، وتاريخ أسرته ارتبط بها، وذاكرة الطرفين صندوق أسود يملكان مفاتيحه.

الجمعة، 24 مارس 2017

ليكسوس هبة وادي اللوكوس

    
    بقلم : د/ سيدي محمد العيوض
    أستاذ باحث، جامعة محمد الخامس، الرباط


أفاد وادي اللوكوس ليكسوس في أن تكون قطبا جاذبا منذ عهود سحيقة، خلال مرحلة ما قبل التاريخ. وكانت لقرون من الأهمية بما كان كحلقة وصل بين المغرب وباقي بلدان البحر الأبيض المتوسط.

تقع مدينة ليكسوس على الضفة الغربية لوادي اللوكوس، على ربوة تشميش، على بعد حوالي خمسة كيلومترات، شمال شرق مدينة العرائش فوق هضبة مطلة على الساحل الأطلسي على علو 80 مترا. استفاد هذا الموقع من المؤهلات الطبيعية للمنطقة الخلفية، ومن المؤهلات التي يوفرها الوادي، إذ تشكل منعطفاته العريضة قبل المصب ميناء طبيعيا. قس على ذلك صلاحية هذا الوادي للملاحة مما انعكس إيجابا على المنطقة برمتها وسيساعد على ازدهار المدينة خلال مراحلها التاريخية.وفرت هذه الوضعية الجغرافية حماية طبيعية للمدينة. وساهمت في التطور الذي عرفته بعد ذلك والمتمثل في توسع مجالها العمراني، خلال توفير الحماية لهذا المجال. هذه المسألة همت كل مدن موريطانية الطنجية التي أحيطت بأسوار خلال مرحلة لاحقة من تطورها. لقد أصبحت المدينة بهذا الموقع الاستراتيجي قطبا جاذبا منذ عهود سحيقة، خلال فترات ما قبل التاريخ، كما دلت على ذلك الأدوات المكتشفة من أجار وفؤوس حجرية. إضافة إلى عدد من اللقى الفخارية التي تعود للفترة الممهدة للتاريخ والتي وجدت مثيلات لها في عدد من المواقع التي تعود لفترات ما قبل التاريخ مثل غار كحل وكهف تحت الغار.
ليكسا أو المدينة الليبية
اعتبرت ليكسوس من أقدم المواقع الفينيقية إلى جانب مدينتي قادس في إسبانيا وأوتيكا في تونس. وقد ارتبط اسمها بحدائق الهسبريد الأسطورية. أقيمت حسب المصادر خلال نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وبذلك فهي قديمة عن مدينة قرطاج التي أقيمت خلال القرن التاسع قبل الميلاد.
يختزل هذا الموقع تاريخا يمتد من القرن السابع قبل الميلاد إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
أرجعت النصوص تأسيسه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد. في الوقت الذي لم تتعد فيه الأبحاث الأركيولوجية القرن السابع قبل الميلاد.
وردت المدينة في النصوص القديمة بأسماء متعددة: ترينكس- لينكس- ليكسوس. و في المصادر الوسيطية باسم تشومس.
أشير إلى المدينة في العديد من النصوص القديمة، ففيها تمت الإشارة إلى المواجهة الأسطورية بين انطي وهرقل، والتي انتصر فيها هذا الأخير. كما وطنت فيها حدائق الهسبيريد ذات التفاحات الذهبية. واعتبرت مدينة مهمة في رحلة الأميرال القرطاجي حانون. واعتبرها سيلاكس مدينة فينيقية. وسماها الكسندر بوليستور ليكسا، المدينة الليبية.
ووردت عند الجغرافي استرابون باسم ترينكس أما بومبونيوس ميلا فقد جعلها من أهم المدن الساحلية. تبعد المدينة حسب بلينيوس القديم، عن مدينة زيليس بـ35 ميلا، وهي أكبر من قرطاج.
اعتبرت المدينة العاصمة الفينيقية للمغرب الأطلنتي و المتوسطي خلال مدة من الزمن. وشكلت محطة مهمة في طريق الإبحار ناحية الجنوب على الساحل الأطلسي. فعندما تحدث المؤرخ هيرودوت و الرحالة سيلاكس عن التجارة مع الإثيوبيين، فمن المحتمل أن الأمر يتعلق بسفن كانت قادمة من ليكسوس. وقد دلت البقايا المكتشفة في هذا الموقع على وجود استمرارية في هذا النشاط التجاري امتدت من القرن السابع حتى مجيء الرومان.
أصبحت المدينة خلال القرن الأول للميلاد إحدى المستوطنات الخمس في موريطانية الطنجية.
وسيرد ذكرها خلال الفترة الإسلامية في المصادر العربية، التي تحدثت عن ماضيها، دون وصف لمعالمها. كما أن هذه المصادر لم تورد الاسم القديم للمدينة، إذ حل تشمس أو تشومس مكان ليكسوس الوارد في المصادر القديمة.
فقد تحدث البكري عن «مدينة تشرف على اللوكوس… مدينة تشومس… وهي مدينة أولية عليها سور صخر، كبيرة آهلة كثيرة المياه والثمار ويسمى بذلك الموضع بسفدد».
أما الإدريسي فقال عنها «وتشمس كانت مدينة كبيرة ذات سور من حجارة تشرف على نهر سفدد وبينها وبين البحر نحو ميل ولها قرى عامرة بأصناف من البربر وقد أفنتهم الفتنة وأبادتهم الحروب المتوالية عليهم…».
فيما يخص إشارات الأوربيين فقد كان الرحالة الألماني هنريش بارت أول من تعرف على الموقع سنة 1815، وأكد تيسو ولامارتنيير هذا التوطين. وأورد هذا الباحث الأخير وجود أربعة أنواع من البنايات تحتوي على آثار فينيقية ورومانية وإسلامية، كما حدد الوضعية التي وجدت عليها المدينة والتي أصبحت فيما بعد مقلعا.



قبل وصول الرومان
أكدت الحفريات الأولى التي عرفها الموقع أن الاستقرار الأول كان فوق ربوة تشميش، وعرف بعد ذلك توسعا في اتجاه الجهة الجنوبية وصوب الميناء.
 تنقسم المدينة إلى قسمين، علوي وسفلي. تقع المدينة العليا على ربوة تشميش محاطة بسور أول. أما الجزء الأسفل من المدينة فهو عبارة عن بنايات محاطة بسور روماني.
أشرف على الحفريات الأولى، التي عرفها الموقع، عدد من الباحثين الأجانب أمثل مونطالبان وطراديل وبونسيك. مكنت هذه الأبحاث من تحديد فترات مختلفة في تاريخ المدينة: فترة مورية سابقة عن وصول الرومان، وفترة رومانية وأخرى إسلامية.
ارتباطا بالفترة المورية، فقد تم الكشف عن عدد من البنايات، بعضها يوجد في الجهة الشمالية للموقع، عبارة عن غرف مؤرخة بما بين نهاية القرن الثالث وبداية القرن الثاني قبل الميلاد. وتم تقديم فرضية قيام معمار ما قبل روماني يعود إلى نهاية القرن الثامن أو بداية القرن السابع قبل الميلاد.  ويمكن تمييز المعمار بين الذي يعود للفترة المورية وبين الذي يرتبط بالفترة الرومانية. بالنسبة للفترة المورية تأكد وجود هذه الفترة على ضوء نتائج الاستبارات التي تمت في الموقع. فقد أزاحت حفريات طارديل التراب عن أحياء، أرخ لها بالفترة الممتدة ما بين القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. كما دلت الحفريات التي عرفها الموقع على أن الأحياء السكنية التي تعود للفترة الرومانية أقيمت فوق بقايا حي ما قبل روماني، عرف استمرارية من القرن السابع قبل الميلاد حتى مجيء الرومان. وتمثل فترة حكم الملك الأمازيغي يوبا الثاني، القرن الأول قبل الميلاد، الفترة التي عرفت فيها المدينة تطورا واسعا.
وما يؤكد أقدمية هذا الاستقرار عن وصول الرومان أنه تم الكشف تحت باحة أحد المنازل الذي أقيم خلال الفترة الرومانية، وهو منزل مارس وريا Mars et Rhea، عن بقايا اعتبرت متقدمة عن بناء هذا المنزل، إضافة إلى عدد من الغرف إلى الشمال من هذا البناء، أعيد استغلالها خلال الفترة الرومانية. كما أزالت الحفريات التراب، بين هذا المنزل ومنزل هيليوسHélios ، عن بناية واضحة المعالم، أرخت بالقرن الثاني قبل الميلاد.
إضافة إلى ذلك توفرت المدينة على سور، السور «الهلينيستي»، كان يحيط بالربوة التي ضمت أقدم بنايات الموقع. ولم يتم التعرف لحد الآن وبدقة، على خط امتداد هذا السور الذي كان يحيط بالمجال الموري. أما فيما يخص الفترة الرومانية، فيمثلها عدد منالبنايات العمومية والخصوصية ذات طابع مدني وديني واقتصادي.
إن ما يميز مدينة ليكسوس أنها تختلف عن كل مدن موريطانية الطنجية التي لها عمران منتظم، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات حول هذا العمران، تخص مسألة ما إذا ما تم الاكتفاء باستغلال البنايات السابقة عن هذه الفترة الرومانية. فقد أبانت الحفريات التي عرفها الموقع عن وجود معمار غير متجانس على عكس المواقع الرومانية الأخرى في المغرب القديم.



أحياء ومعابد المدينة
ميزت الأبحاث التي عرفتها المدينة بين أربعة أحياء، لم يتم تحديد اتصال فيما بينها. فحي المعابد يتكون من بنايات يصعب تحديد وظيفة بعضها، فيما يحتوي حي صناعي على معامل تمليح السمك في الجزء الأسفل من المدينة وعلى الضفة اليمنى لوادي اللوكوس. وبين هذين الحيين آخر يمكن اعتباره حيا إداريا، يضم المسرح وبنايات يصعب تحديد وظيفتها. كما يوجد حي سكني يتكون من «فيلات» معزولة عن بعضها البعض. وبذلك يظهر من خلال هذا التوزيع، وخلافا للمدن الرومانية الأخرى، غياب البنايات العمومية الأساسية في المدن الرومانية من كابتول وفوروم وبازيليك.
ينتصب حي المعابد على الجزء المرتفع من المدينة، ويمثل حوالي عشر مساحتها. عرف هذا الجزء من المدينة حفريات، منذ سنة 1890، على يد تيسو ولامارتينيير، إلا أنها لم تسفر عن أي نتائج مهمة. وقد أزالت الحفريات اللاحقة التراب عن عدد من البنايات ذات الطابع الديني، إذ تم الكشف عن جزء من معبد، أطلق عليه اسم المعبدC . إضافة إلى المعبد H ذي الحنية أرخ بناؤه بالقرن السابع قبل الميلاد. يطرح هذا المعبد بعض المشاكل الكرونولوجية، فقد أرخ له بونسيك بالقرن السابع أو بداية القرن السادس قبل الميلاد وأشار ر.روبيفا إلى وجود عناصر معادة الاستعمال في حنية هذا المعبد، الأمر يستدعي تحديد علاقة هذا الجزء ببقية المعبد.
أما البناية A التي توجد إلى الجنوب الشرقي من المعبد H فيصعب تحديد وظيفتها. تسمح وضعيتها الاستراتيغرافية، مقارنة مع البنايات المجاورة، بتأكيد أقدميتها. يمكن التأريخ لها من خلال اللقى بالقرن السادس قبل الميلاد.
وشكل المعبد B مع المعبد C معبدين صغيرين بمقصورة (Cellae) واحدة. تعرض هذا المعبد، الذي يعود تاريخ بنائه تأسيسا على اللقى إلى القرن الثالث قبل الميلاد، لهدم ما تزال أسبابه غير معروفة.
في المقابل، يصعب تحديد وظيفة المعبد C، وهو ما جعل بعض الباحثين يقترح إمكانية أن تكون له وظيفة أخرى غير دينية، واقترح بالنسبة لتاريخه أن ينتمي لمجموعة تعود لنفس الفترة. بينما يتميز المعبد D بكونه عرف عدة ترميمات، ويتكون في وضعيته المتأخرة من قاعة واسعة مبلطة بفسيفساء.
ويعتبر المعبدF ، أكبر معابد الحي، إذ تبلغ مساحته 1500 متر مربع، ويتكون من جزأين هما المعبد وملحقاته. يحيط بالمعبد ساحة واسعة بباحة معمدة وحنية تحد الجهة الجنوبية منه وبعض الغرف وحوض. ويمكن من خلال اللقى الموجودة اقتراح الفترة الموريطانية، وخاصة فترة يوبا الثاني، كتاريخ لهذا المعبد. كما عرف المعبدG ، شأنه في ذلك شأن المعبد D، عدة ترميمات غير أنه اعتبر معاصرا للمعبد F المجاور له.
في نفس الحي يوجد البازيليك المسيحي، الذي استند إليه بعض المؤرخين للإشارة إلى وجود مسيحي بمدينة ليكسوس، معتبرين إياه  كنيسة، غير أن هناك من اعتبر هذا البناء مسجدا. كيفما كان الحال فإن الأمر يتعلق ببناء ديني.



حمامات ومعامل لتمليح السمك
 تضم مدينة ليكسوس حيا صناعيا يوجد في الجهة الجنوبية من الموقع على ضفة وادي اللوكوس، ويتكون من منشآت اقتصادية، والتي هي عبارة عن أحد عشر معملا خاصا بتمليح السمك، ويتمركز فيها مائة وواحد وخمسون حوضا، وأرخ لها بالقرن الأول للميلاد.
في شرق حي المعابد،  بني الحي الإداري الذي تميز بوجود مسرح، لم تكشف عنه الحفريات إلا في سنة 1963 وأرخ لها ببداية القرن الأول للميلاد. ويعتبر هذا المسرح هو الوحيد الذي اكتشف في موريطانية الطنجية لحد الآن، ولا يشبه أي مسرح في شمال إفريقيا. يتعلق الأمر ببناء فرجة مزدوجة لها طابع مدرج  (Amphitheatre) ومسرح، يتوفر على ساحة دائرية محاطة بصفين من المقاعد لم يتبق منها سوى سبعة. اقترح لهذا البناء تاريخا يقع بين سنوات 70 و120 ميلادية.
احتوت هذه البناية على حمامات في الطابق الأرضي. أرخ لها من خلال إحدى الاستبارات ببداية القرن الثاني للميلاد. عرفت هذه المؤسسة، فيما بعد، عدة ترميمات و إصلاحات. ولم تكشف استراتيغرافية المسرح والحمامات المجاورة عن أي أثر للهدم.
كما مكنت الحفريات من الكشف عن حي سكني، يضم حمامات وعددا من المنازل.
يمكن التمييز في هذه الحمامات بين ما هي عمومية، وأخرى خصوصية.
فحمامات حي المعابد العمومية توجد في الشمال الشرقي بالحي بين السور المتأخر والمعبد F. ويذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الحمامات كانت خصوصية ثم عرفت بعد ذلك توسعا لتصبح عمومية.
 في سنة 1963، التي كشفت الحفريات عن وجود مسرح، تم الكشف أيضا عن حمامات تابعة له، تبلغ مساحتها 270 متر مربع تقريبا. وضمت في إحدى غرفها فسيفساء، تمثل إله البحر أوقيانوس. أما بالنسبة لحمامات منزل مارس وريا فهي حمامات خصوصية.
  وإذ تتطلب الحمامات توفير كميات مهمة من الماء ازدادت مع التطور المتواصل للمدينة، غير أن ارتفاع نسبة الملوحة في واد اللوكوس والطبيعة الجيولوجية للمنطقة لم يساعدا على تشكل فرشات باطنية وفيرة المياه، الشيء الذي يفسر ندرة الآبار، وبالتالي اعتمد السكان على تجميع مياه الأمطار في خزانات أكدت الحفريات وجودها في المدينة.
بخصوص البنايات الخصوصية، فإن المصادر اقتصرت في الحديث عن ثلاثة منازل، هي منزل مارس وريا ومنزل الحسناوات الثلاث ومنزل هيليوس، وما يجمع بينها كون الغرف تنتظم حول باحة معمدة يفضي مدخلها إلى بهو. وفيما تميز منزل مارس وريا بفسيفساء تزين بعض غرفه فضلا عن توفره على حمامات خصوصية، كشفت الحفريات أن منزل الحسناوات الثلاث، الذي يوجد في وضعية متردية، يضم خمس غرف، ثلاث منها تتوفر على لوحات فسيفسائية. أما منزل هيليوس فيعاني هو الآخر من الهدم وانهيار جدرانه.



بعد جلاء الرومان
بالنسبة لوضعية المدينة بعد فترة الجلاء الروماني خلال نهاية القرن الثالث الميلادي، تفيد بعض المصادر أنها كانت لا تزال تحت السيطرة الرومانية خلال نهاية القرن الرابع الميلادي. فقد عرفت خلال هذه الفترة إقامة سور متأخر، تدعمه أبراج مستطيلة، والذي قلص بناؤه من مساحتها. من نتائج إقامة هذا السور تغيير في المشهد الحضري للمدينة، فقد أصبحت عدد من البنايات العمومية خارج المجال الذي يحيط به السور، بل إن بعضها قد حول إلى مقبرة. ويمكن من خلال مقارنة هذا السور مع مثيله في وليلي، الوقوف على جوانب التشابه والاختلاف. تتمثل الأولى في تقلص المساحة التي يحيط بها مقارنة مع مجال الفترة الرومانية، كما يلاحظ استعمال نفس مواد البناء. أما الثانية، فتتجلى في كونه خلافا لسور وليلي مدعم بأبراج مستطيلة، ومؤرخ بنهاية القرن الميلادي الثالث، في الوقت الذي يؤرخ فيه سور وليلي بالقرن الميلادي السادس.
 لقد استمر وجود الإدارة الرومانية بالمدينة، حتى القرن الخامس الميلادي كما تؤكد ذلك المعطيات التاريخ الأركيولوجية التي تعود للقرن الميلادي الخامس. هذه المسألة ارتبطت كذلك بعدد من المواقع الشمالية، ومن المحتمل أن يكون القسم، الذي بقي تحت السيطرة الرومانية بعد الجلاء، قد عرف أحداثا عجلت بالرحيل عن عدد من المواقع خلال بداية القرن الخامس، حيث لم يعد يعرف شيئا عن الحياة في المدينة بعد هذه الفترة. ومع ذلك فإن المعطيات القليلة المتوفرة حول المدينة والمؤرخة بالقرنين الخامس والسادس سمحت بالحديث عن استمرارية في الاستقرار.
من آثار الفترة الإسلامية في الموقع بناية اعتبرت مسجدا ومنزلا ولقى خزفية تعود للفترة الممتدة بين القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر الميلاديين.
رغم الحفريات التي عرفها الموقع، فلا زال يجهل الكثير عن التطور العمراني به. لقد كان للوضع الطبوغرافي دور حاسم في تخطيط عمران المدينة إذ حددت الدراسات أربعة أحياء لم يتم الكشف عن محاور الاتصال فيما بينها، هي الحي الديني والأحياء الصناعية التي تشغل أسفل المدينة ثم الحي الإداري، والذي يوجد بين الحي الديني والأحياء الصناعية. أما شمال الموقع فيمتد حي المنازل الرفيعة، التي هي عبارة عن منازل كبيرة تعود لفترة الازدهار الروماني، خلال القرن الميلادي الثاني. وبذلك يمكن تسجيل، إلى حد ما، نوع من التشابه في وظائف هذه الأحياء ومواقعها داخل المدينة بين ليكسوس ووليلي، وإن كان المشكل المرتبط بليكسوس يتعلق بالربط بين هذه الأحياء. كما أن حي الإقامات الرفيعة في ليكسوس الذي يحتل الجهة الشمالية من الموقع يتميز بتخطيط شوارعه المنتظمة.
إن الملاحظة الأساسية في ليكسوس، خلال الفترة الرومانية تتمثل في عدم وجود مبان عمومية، وهي مسألة تنفرد بها هذه المدينة عن باقي مدن موريطانية الطنجية الأخرى خاصة وليلي وبناصا وسلا. فهل يفسر هذا الغياب للمباني العمومية بعدم اهتمام الرومان بمدينة بونية قديمة، أم أن الأمر لم يستوجب حضور إدارة مستقرة أم أنه مرتبط بالحفريات التي لم تشمل كل أجزاء الموقع؟ نعتقد ورغم قوة الاحتمال الأخير أن الأمر قد يرتبط بأسباب أخرى، على اعتبار أن المدينة كان لها وعلى مر القرون دور مهم كحلقة وصل بين المغرب وباقي بلدان البحر الأبيض المتوسط بالنظر لموقعها الاستراتيجي على المحيط الأطلسي، تتوقف بها السفن القادمة من جهات أخرى، قبل أن تتجه صوب مواقع أخرى كتموسيدة أو بناصا. إن هذه الأهمية التجارية ومقارنة مع عدة مراكز على سواحل البحر الأبيض المتوسط، ووجود ساكنة مستقرة على مر القرون تستوجبان إقامة مؤسسات قارة لتنظيم تسيير هذه المدينة. وإذا كانت الحفريات لم تكشف عن وجود هذه المباني العمومية فيمكن الافتراض بأن الجهاز الذي يسيرها قد استعمل مبان كانت موجودة في السابق.