الثلاثاء، 11 أبريل 2017

مطحنة اللوكوس بالعرائش

 مطحنة اللوكوس، أضخم و أعلى بناية بالعرائش في القرن العشرين

    بقلم : محمد عزلي


تعامل الاحتلال الإسباني مع وجوده بمدينة العرائش بقناعة المسيطر الذي لا نية له أبدا في ترك المستعمرة، بقناعة من سيدخل دون رجعة كما فعلوا بسبتة و مليلية و باقي الثغور المحتلة، فأخذوا على عاتقهم إرساء دعائم الاقتصاد، " صناعة، فلاحة، صيد بحري، مبادلات" و تهيئ بنيتها التحتية، " مطار، سكة حديدية، قناطر و طرق، ميناء كبير"..، ثم استقدموا أعظم مهندسيهم و أكبر مقاولات البناء لتأسيس مجال حضري على أعلى مستوى " سوق نموذجي، مسرح، قاعات سينمائية، نوادي ترفيهية، كازينوهات، كنائس..." ثم أسست بمنهجية عالية كل ركائز الحياة المدنية و العسكرية " ثكنات، مستشفيات، مدارس، ثانويات و معاهد، ومجمعات سكنية حسب الأعراق و الإمكانيات و الرتب الاجتماعية.. "
و في خضم هذا المخطط المحكم من التطور السريع و المشاريع و الأشغال الكبرى، أنجز هذا المشروع الضخم ( مطحنة اللوكوس ) FABRICA DE HARINAS Y ARROZ سنة 1928 كوحدة صناعية عملاقة متخصصة في إنتاج أجود أنواع الحبوب و الدقيق و الأرز، وهي إحدى إبداعات المهندس العالمي الأكثر شهرة في جيله Eduardo Torroja Miret ( إدواردو توروخا ميريت ) وهو من مواليد مدريد ( 27 غشت 1899 - 15 يونيو 1961)، مهندس مدني تخرج من كلية الهندسة المدنية للقنوات والموانئ بمدريد. أستاذ، باحث، كاتب، مقاول، و مستثمر.. منحه نظام فرانكو بعد وفاته لقب ماركيز تقديرا لعمله المتميز في مجال الهندسة المدنية.

صورة للمهندس ( إدواردو توروخا ميريت )

في زمن ( توروخا ) ربما كان أكبر متخصص في الخرسانة على مستوى جميع أنحاء العالم، حيث درست أعماله و مناهجه لكل الأجيال اللاحقة من المهندسين المدنيين الذين ساروا على نسقها و عملوا على تطويرها.
أنجز ( توروخا ) مشروع مطحنة اللوكوس بتكليف مباشر من القيادة العليا بمدريد، و قد شكلها من قسمين رئيسيين أولها للإدارة و تخزين الحبوب، و الثانية لتصنيع مختلف أنواع الدقيق الممتاز، و قد ربطت بشبكة السكك الحديدية لتسهيل عملية الشحن و التوزيع و الاستيراد و التصدير، و ظلت البناية شامخة في المجال العمراني الحضري كأعلى و أضخم بنيان خرساني في القرن العشرين بمدينة العرائش.
إلا أن حاضرها يشوبه الكثير من الغموض و الضبابية بفعل المشاكل المعقدة التي عرفها انتقال ملكيتها بين الأفراد و المؤسسات و علاقتها بالمديونيات و الأحكام القضائية، غموض طال أمده في ردهات المحاكم  التي تبث في قضايا أصحاب الحقوق من عمال و دائنين و أصحاب ملك، و إن كانت الأمور سارت بالفعل من مرحلة التسوية إلى التصفية القضائية لتنتقل أخيرا إلى مالك جديد يعد أحد أقوى المستثمرين المغاربة في الحبوب و الدقيق.



الاثنين، 10 أبريل 2017

حصن النصر السعدي (برج اللقلاق) بالعرائش

حصن النصر السعدي (برج اللقلاق) بالعرائش



     محمد عزلي


حصن النصر السعدي هو صرح عمراني عسكري عظيم، إنه أحد فواكه النهضة السعدية خصوصا في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي شهد بناء أعظم وأجمل الحصون والقلاع والأبراج والقصور، معتمدا من جهة على الثروة الهائلة التي جناها المغرب من غزو بلاد السودان، ومن جهة أخرى على استغلال التقنيّة والثقافة والذوق الرفيع للموريسكيين الذين استقروا بشكل دائم في المغرب، إضافة إلى أسرى معركة وادي المخازن والجهاد البحري. 
شكل حصن النصر جزءً هاما من مخطط السلطان أحمد المنصور لتجهيز بعض المدن المحورية والإستراتيجية بالتحصينات الجديدة اللازمة لاستخدام المدفعية والسلاح الناري، وفي مقدمتها مدينة العرائش، فكان له أن شيد بها نظامه الدفاعي المتين والمتطور، حصني النصر "اللقلاق" والفتح "القبيبات" بهندسة عسكرية شبيهة لنظيراتها الأوروبية السائدة خلال القرن 16 خاصة المدرسة الإيطالية في فن التحصين الدفاعي.
دامت فترة أشغال البناء زمنا طويلا لتنتهي حسب "عبد العزيز الفشتالي" وزير القلم ببلاط السلطان أحمد المنصور الذهبي، حوالي سنة 1594م الموافق ل 1002ه، وهو نفس تاريخ انتهاء أشغال بناء قصر البديع بمراكش. وقد سمي حصن النصر تيمنا بالانتصار العظيم الذي حققه المغاربة في معركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة التي منحت المغرب هيبة كونية، ومسحت البرتغال من الخريطة الأيبيرية لمدة 93 سنة. 
يقع الحصن جنوب شرق مدينة العرائش ليحمي برها من جهة القصبة والسهل الهبطي المطل على جنوب المدينة امتداداً إلى نهر اللوكوس، ويقوم المبنى على قاعدة مثلثة  مع معاقل كبيرة على شكل رأس سهم، وهي عبارة عن أبراج بقي منها اليوم البرجين الجنوبيين. تبلغ مساحته المشيدة 348.87 متر مربع، ومساحة الفناء المكشوف (ساحة السلاح) 303.80 متر مربع وهو عبارة عن بهو مثلث تحته دهليز يشاع أنه خزان للمياه، لكننا نعتقد أنه مخبأ آمن ومدخل لسراديب مؤدية إلى خارج الحصن وهو الأمر الطبيعي في هندسة مثل هكذا حصون عسكرية تاريخية.
استخدم في بناء الحصن تربة مدكوكة مع بعض الأجزاء من الطوب معززان بالحجر باستثناء الفتحات والقبب المدعمة بالأجور. يبلغ ارتفاع الأسوار بين 12 و 14 متر حاليا بينما كان طولها أزيد من ذلك قبل دك الخنادق المحيطة بالحصن، حيث عوضت هذه الخنادق اليوم بالطريق المؤدية إلى الميناء من جهة والحديقة جنوب الحصن "حديقة الهسبيريدس" أو "حديقة الأسود" التي استحدثت في عهد الحماية من جهة أخرى. الباب الرئيسي يتواجد بالواجهة الشمالية الشرقية، هذه الأخيرة أي البوابة مع القسم الشمالي عرفت على ما يبدو تعديلات عمرانية زمن الاحتلال الإسباني الأول في القرن 17م (1610/1689)، حيث نجد زخرفة الكنائس الرومانية يعلو قوس المدخل، وقد ربط الحصن بالأسوار الدفاعية الجديدة بناءً على التصاميم التي خطها مهندس البلاط الإسباني "باوتيستا أنتونيللي"، وعُرف الحصن من خلال العديد من التصاميم والنصوص التاريخية في هذه الفترة بأسماء مختلفة من قبيل (حصن سانتا ماريا دي أوروبا Castillo Santa Maria de Europa) و (حصن البر Castillo de Tierra) و (الحصن الجديد Castillo Nuevo).
كان الحصن يحمل ترسانة دفاعية مهمة من الأسلحة النارية والمدافع التي بلغت 42 قطعة بما فيها القطع البرتغالية البرونزية المغنمة من معركة وادي المخازن، الشيء الذي حصن ثغر العرائش بشكل محكم وجعل اختراق المدينة أمرا بالغ الصعوبة بدليل المحاولات المتكررة للمجاهدين المغاربة الأشاوس مثل (المجاهد العياشي، والخضر غيلان)، بل وحتى الجيش الإسماعيلي الذي حرر المدينة عام 1689 م، حيث اضطر لمحاصرة المدينة مدة تتراوح بين 3 و 5 أشهر عانت فيه قوات الاحتلال من التجويع والقصف الناري المستمر، إلى أن استسلم الإسبان أخيرا لكن بعد أن تضرر الحصن وباقي التحصينات الأخرى لثغر العرائش، وهو الشيء الذي تثبته التركيبات المختلفة للصيانة التي تعاقبت على الحصن واختلافها مع البنية الإنشائية للمعلمة السعدية.
أكمل الحصن دوره الدفاعي على مدى حقبة حكم الأسرة العلوية الشريفة إلى غاية الاحتلال الإسباني الثاني في القرن العشرين حيث استغلته سلطات الحماية كمستودع للأسلحة وهو الأمر الذي جعل العامة يسمونه ب (الهري) وهي كلمة عامية محلية تعني المستودع. في هذه الفترة تحديدا هدم البرج الشمالي بغرض إقامة الإضافات التي عرفها قصر المولى إسماعيل والذي حوله المستعمر الإسباني لما نعرفه اليوم بالكومندانسيا بدليل بعض الصور الفوتوغرافية الجوية التي أخذت في عهد الحماية يظهر فيها البرج الشمالي سليما قبل ظهور صومعة الكومندانسيا.
تجدر الإشارة أن الحصن اقترن بساكن مهاجر وفيّ هو طائر اللقلاق، الشيء الذي جعل الإسبان والمغاربة على السواء يطلقون عليه تداولا (برج اللقلاق)، وهو الاسم الذي ورثته أجيال ما بعد الاستقلال وبقي معروفا به إلى اليوم.

صنف المبنى سنة 2006 كمعلمة تاريخية ضمن قائمة التراث الوطني مستفيدا من القانون 22-80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، ولكم يدهشني كما يدهش العديد من زواره أنه لازال صامدا ومقاوما للزمن والإهمال، ينتظر من سيقوم بمد يد العون له وانتشاله من محنته وإعادة هيبته بين العمران، وإنقاذه من الضياع كما سبق وأنقد آباءنا وأجدادنا وديننا وأراضينا من الهوان، أتخيل منظره بعد الترميم وإعادة التأهيل في كامل رونقه وجماله ونظافته، فاتحا أبوابه للزوار من كل أرجاء الكوكب لنقول لهم، هذه حضارتنا، هذا تاريخنا، هذه مدينتنا و بلدنا، وهذا شاهدنا على عصر أمجادنا.





















برج اللقلاق سنة 1898، يظهر إلى جانبه سور القرن 17 الذي بني تماشيا مع تصميم باوتيستا أنطونيللي من طرف الاحتلال الإسباني و هدم إيضا من طرف الاحتلال الإسباني خلال القرن العشرين.










مشتل البلدية المجاور لبرج اللقلاق
هذا المكان كان خندقا دفاعيا لحصن النصر السعدي منذ إنشائه أواخر القرن 16 و إلى غاية بداية القرن 20.
 بعد احتلال إسبانيا لمدينة العرائش في القرن العشرين قامت سلطات الحماية بدك الخندق و تحويل هذا المكان إلى حديقة شأنه شأن حديقة الهسبيريديس ( حديقة الأسود ) جنوب الحصن، ليتحول بعدها هذا الجزء المجاور للباب الرئيسي للحصن إلى مشتل تابع كما هو معلوم إلى بلدية العرائش.