الاثنين، 26 فبراير 2018

مقهى الدالية برأس الرمل

مقهى الدالية برأس الرمل


    محمد عزلي

كان مقهى الدالية يتواجد ب (البلايا الأولى) بشاطئ رأس الرمل بالعرائش، وقد اعتبر المكان أحد ركائز ذاكرة الشاطئ والذاكرة المحلية للمدينة عموما، شغل مساحة إجمالية قدرها 650 متر مربع[1] واشتهر بظله الطبيعي البهي الذي تشكل من (الدالية) وهي شجرة العنب المثمرة المتدلية عناقيدها بين فتحات السقف القصبي، ومن هنا أخذ الاسم الذي اشتهر به عند أبناء العرائش وزوارها الأوفياء على مدى زمن ليس بالقصير.
أخد المكان شهرته أيضا بطواجن السمك (التواكر) وكؤوس الشاي المنعنع الرفيع، كما اشتهر بتوفره على الألعاب التي طالما استهوت أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات من بلياردو وكرة القدم بالدمى الخشبية..
شكل مقهى الدالية محطة انطلاق ووصول للمصطافين من ركاب النقل العمومي سواء الحافلات التي تقف قربها أو قوارب العبور (الباطيل) التي تقود إليه مباشرة عبر ممر إسمنتي ينتهي عند المقهى، مما جعل دوره يتعدى مجرد مقهى ففيه يمكنك كراء أو شراء المعدات والملابس والضروريات المتعلقة بالاصطياف، كما يمكنك استعمال مستودعات الملابس والاستحمام بالماء العذب إما بمقابل مادي بسيط داخل المبنى أو بالمجان عند (الروبيني) العمومي.
استفاد المكان من موقعه الإستراتيجي المتمركز في ملتقى الطرق بين جميع شواطئ رأس الرمل (البلايا الأولى / البلايا الثانية / البيليغروسا / ميامي) وكذلك المخيم مما جعل منه بؤرةً للنشاط والرواج حتى في الليل حيث يحلو السمر في صيف العرائش البديع. يقول السيد محمد الشريف العسري أحد أقرباء عائلة غويوط التي ملكت المقهى في السبعينيات والثمانينيات "كان بالمقهى محل تجاري من الجهة الخلفية المطلة على باب المخيم، محل خاص بالمواد الغذائية والوجبات الخفيفة، كما وُجد في الجانب الخلفي للمقهى أيضا غرف للكراء من أجل التخييم، كان الجو يسوده الاحترام بين المصطافين والعائلات المغربية القادمة من خارج العرائش، وأذكر أنه عند حلول الليل كان الجميع يسهر على ضوء نار التخييم خارج المقهى بمحاذاة خيمة الوقاية المدنية، كما كان للمقهى أيضا غرف بمحاذاة "الكونطوار" يستخدمها المصطافون لتغيير ملابسهم، وأذكر أيضا الألعاب المسلية كالبلياردو وكرة الطاولة، كان الجو رائعا في الحقيقة وأذكر أنني كنت أذهب عند بداية العطلة ولا أعود من هناك إلا بعد نهايتها"
انتقلت ملكية المقهى عبر الزمن من سيدة إسبانة كانت تسيره رفقة زوجها، إلى المرحوم غويوط وابنه السيد عبد الإله في الوقت الذي كان المقهى معروفا باسمه (غويوط)[2]، ثم ورثته زوجته في الثمانينيات قبل أن يكتريه السيد محمد الغالي، ثم ابتاعه السيد محمد هلال[3] إلى أن انتهى تاريخ المقهى  نهائيا عند صدور أمر تهديم كل مباني شاطئ رأس الرمل، فتم التنفيذ على صاحب المقهى آنذاك السيد عبد السلام الرامي سنة 2009[4] ليدون اسمه كآخر مالك لهذا الفضاء، واضعين بذلك حدا نهائيا لحقبة صارت اليوم مجرد ذكريات وصور من الأرشيف.

[1] إشارة من الصديق Amir Omari الذي أمدنا مشكورا بالصور الفوتوغرافية الموقعة باسم السيد عبد السلام الرامي.
[2] إشارة من الصديق محمد أبودزاز الفضالي.
[3] إشارة من الصديق محمد الشريف العسري.
[4] إشارة من الصديق Amir Omari.


 1995/1993

  1995/1993

  1995/1993

 دالية العنب

  1995/1993

  1995/1993

 عبد السلام الرامي أمام محله

أشغال التهديم 2009 

أشغال التهديم 2009 

الاثنين، 5 فبراير 2018

العدوان البرتغالي على بني جرفط

قبيلة بني كرفط والاعتداءات البرتغالية خلال النصف الأول من القرن السادس



    بقلم : عبد الحميد بريري

وددت من خلال هذا العرض، أن أسوق بعض المواد التاريخية من كتاب أرخ لفترات عصيبة من تاريخ المغرب ، وجاء بتفاصيل وجزئيات في أمس الحاجة إليها لكتابة تاريخ النصف الأول من القرن 16 وأبرزها ما يتعلق بالاحتلال البرتغالي لطنجة وأصيلا والآثار التي خلفها على سكان المنطقة الشمالية عامة وبلاد الهبط خاصة نتيجة السلوك العدواني لمستوطني هذه المستعمرتين على الأهالي  ؛ و كذلك لفهم الوقائع التي حدثت في نهاية هذا القرن خاصة واقعة معركة وادي المخازن . فلن نفهم مثلا لماذا توحد المغاربة ضد الحملة البرتغالية على المغرب ونجحوا في هزم المعتدين وهم لم ينسوا بعد الاعتداءات البرتغالية؟ وكيف تواجد المتطوعة في الجيش المغربي بعدد كبير؟ ولماذا أبدى الهبطيون الولاء للسلطان السعدي الجديد عوض المستقوي بالغزاة محمد المتوكل ؟  هذه الأسئلة ستجيب عنها الأحداث والوقائع التي سنعرضها من خلال كتاب "حوليات أصيلا " لصاحبه البرتغالي برناردو رودريكز الذي ولد في أصيلا حوالي سنة 1500م وعاش فيها إلى حين إخلائها سنة 1550 م دون فيه بعض  الأحداث والوقائع التي سجلها لحينها أو بقيت عالقة في ذهنه أو سمعها ممن أكبر منه سنا ليس في أصيلا وحدها وإنما في البلاد المغربية . كما وصف فيه الهبط جغرافيا لأنه كان ميدان عملياتهم العدائية فلم يترك صغيرة أو كبيرة إلا عددها في بعض الأحيان . الكتاب من تعريب الدكتور أحمد بوشرب الذي في الحقيقة بذل مجهودات جبارة وقدم إنجازا كبيرا لمنطقة الهبط خاصة وللمغرب عامة بالإتيان بمواد تاريخية نادرة قلما نجدها في المصادر والمراجع التي تؤرخ لهذه الفترة الحساسة من تاريخ المغرب 1.


       I.            بني جرفط المجال الجغرافي :
أطلق برناردو رودريكز إسم بني كرفط 2 على كل منطقة الهبط بقوله أن المولى الشيخ الوطاسي3 كان"ملكا على جبل بني كرفط وأصيلا " وهي إحدى إمارات مملكة فاس . كما حدد موقع جبل بني كرفط على بعد 30 كلم من أصيلا ،  وأنه يفصلها شرقا عن باقي  الجبال نهر كبير4 . وأعطى لهذه الجبال أسماء : ميسرة5 وأفكير6 والحجر7 والغراف 8 و"تتداخل تلك الجبال9 فيما بينها إلى أن تصل إلى جبال بني حسان المشرف على تطوان وشفشاون بل وحتى بادس" (ص99)
ويصف هذه  الجبال بأنها "كثيرة الخصوبة وذات كثافة سكانية عالية" . كما يذكر جبل آخر وهو أقرب لجبل بني كرفط هو جبل بني ومراس10 لا يفصلهما إلا ممر ضيق ، يطلق عليه "فم قب النيش"بإمكان سماع الأصوات من جبل إلى آخر والتواصل بين شخصين موجودان بهما . ويجري نهر أسفل جبل بني جرفط يصب في واد المخازن . ثم يعود برناردو ليحدد منطقة الهبط التي أطلق عليها "مملكة بني كرفط" حيث يجعل شرقها الجنوبي يمتد من بني كرفط إلى قبيلة بني زكار، أما شرقها الشمالي منها فيمتد من بني كرفط إلى تل الكروم والوادي الكبير ، وغربها من العرائش إلى أصيلا وشمالها يحدها نهر تهدارت 11. ويعود مرة أخرى للجبل نفسه ليقدر مساحته بأنها ضيقة لا يتعدى قطره حوالي 14 كلم ويضيف أيضا "غير أنه بلد خصيب ، كثير الإنتاج والسكان ومتعدد القرى"(ص100) . ومن القرى التي ذكرها من بني كرفط ولا زالت تحمل نفس الأسماء إلى اليوم : بوهاني ، الصخرة ، العيون ، الخطوط . كما أشار الى مساكن قرية بوهاني بأنها كانت "متباعدة وفي موقع شديد الانحدار"  وأنها من اكبر قرى بني كرفط ويقول أيضا أنه قضى هو ومواطنيه ثمانية وسبعين سنة " في محاربة سكانه والاستيلاء منه وحده على ما يفوق خمسة آلاف شخص 12 ، بين رجال ونساء وأطفال ، وعدد لا يحصى من الأنعام ، كبيرها وصغيرها . ورغم ذلك ، كان لا يزال به يوم انسحابنا من أصيلا أكثر من خمس عشرة أو عشرين قرية يمكنني ذكر جلها لأننا هاجمناها ونهبناها وطاردنا سكانها عدة مرات وبسبب الغارات عليهم هجروها وأخلوها" . ويذكر أن في جبل بني كرفط "عيون رائقة كثيرة تتولد عنها سواق وجداول كثيرة تسقى منها حقول الذرة البيضاء 13. كما يغطي قمح جيد ذو سنابل سوداء مناطق شاسعة من أراضيه الخصبة"14 (ص100) (ص196).

   II.            الاعتداءات البرتغالية على بني كرفط :
الاحتلال البرتغالي لأصيلا شكل تهديدا حقيقيا لمنطقة الهبط اجتماعيا واقتصاديا ؛ بعدما أصبحت كل المستعمرات في السواحل المغربية في هذه الفترة ثكنات عسكرية تثقل كاهل ميزانية الدولة البرتغالية ، التي كانت تعيش ، في نفس الوقت ، أزمة اقتصادية خانقة الشيء الذي أدى بالمستوطنين البرتغاليين إلى البحث عن موارد إضافية تخفف من حالة الفاقة وقلة الموارد . فكانت عمليات الأسر والنهب وسرقات المواشي بديلا لتحقيق الكفاف والرفاهية لمستوطني أصيلا بقيادة ومساعدة مغاربة تنصروا ك"بيرو دو منيزش"  و "كونصالو فاش" 15 وهذا ما سنراه من حكاية صاحب الحوليات وهو يرويها بنوع من التمجيد وكما يسميها "بطولات وأمجاد خلدها قباطنة وحامية أصيلا" أما الطرف المغربي فلا يصف ردود أفعاله إلا عرضا ولا يتوسع فيها كما يطنب في وصف عملياتهم العدائية.


1.    الهجوم الأول على قرية جهة  الصخرة 16 : (سنة 1510)(ص50 الى59 )
قاد هذا الهجوم البرتغالي أحد النبلاء يسمى "دون فرانشيسكو بورتكال" بمعية "بيرو دو منيزش" الذين استقيا معلومات من أسير من بني كرفط كان متخنا بالجراح . كان الفريق الهجومي يتكون من 80 فارس ، عشرون منهم ظلوا يحرسون خيول المهاجمين ، الذين صعدوا الجبل بأرجلهم بحثا عن الدور "فوجدوها مهجورة منذ أيام ولم يعثروا سوى على قط وبعض خيوط الصوف " ثم انتقلوا وهم يصعدون الجبل "ليجدوا 4 أو 5 بيوتا أخرى بعد طلوع شمس ذلك اليوم ليحيطوا بها ليصعد أحد السكان فوق سطح منزله حاملا رمحا وترسا مدافعا عن نفسه وأهله ليسقط ميتا فيما "احتمت زوجته وأبناؤه في دغل محاذي للبيت" . أسر المهاجمون خلال هذه العملية 20 شخصا أغلبهم من الأطفال والنساء دون استيلائهم على بعض الأبقار، لتعلن على الفور حالة الاستنفار في الجبل ويلتحق بهم  " 90 أو 100 " "رجل من قرية زورارا والصخرة" . فيما التأم المهاجمون ولاذوا بالفرار هبوطا من الجبل.

2.    الهجوم الأول على قرية بوهاني 17 :(سنة 1510) (ص60)
ترأس الهجوم "كونصالوفاش" معه 40 من الفرسان صباح يوم من الأيام بعدما تأكد عدم وصول حراس المطلع 18 إلى حين وقت الظهيرة . ترك "كونصالو" مرافقيه تحت قيادة أحدهم ووصاهم بعدم مغادرة المكان حين أحس بشعور المغاربة بوجودهم وليستطلع الأمر بنفسه صعد الجبل ؛ إجراءات أخافت المهاجمين وشككتهم في نوايا "كونصالو" ، لكن سرعان ما رأوا هذا الأخير يمتطي فرسه هاربا من هجوم  مائتين من المشاة ينتمون إلى قرى بوهاني والصخرة و(زورارا) 19 ومن قرى أخرى كانوا قد نصبوا فخا للبرتغاليين لأسرهم ، تبعه أصحابه لمغادرة الجبل . المغاربة يهاجمون البرتغاليين بعنف ليجرحوا منهم رجلين وأربعة أفراس لكن "كونصالو" استطاع طعن احد المغاربة وقتله وإسقاط آخرين من طرف رفاقه . وقد خلفت قذيفتين قوسيتان أضرارا بالغة بهم حيث كان من بين المهاجمين المغاربة بعض أقاربه ومعارف "كونصالو" الذين لم تفتهم الفرصة ليسمعوه وابل من الشتائم حين عجزوا عن اعتقاله.
3.    الهجوم على الصخرة و(زرورا)( سنة 1511)(ص 88)
عاد "كونصالوفاش" ليغير هو ومجموعاته التي تكونت هذه المرة من 30 فارس على الصخرة و(زرورا)  على حين غفلة من أهلها الذين كانوا منهمكين في جني العسل وتركوا مواقع الحراسة فأسروا 7 من الذكور والإناث من بينهم حارسين و 100 رأس من البقر وأكثر من 800 رأس من الغنم والماعز.

4.    الهجوم الثاني على بوهاني :( سنة 1516) (ص196 ، 197)
قاد الهجوم الثاني على بوهاني "بيرو دو منيزش" قبل طلوع شمس ذلك اليوم ب 50 رجل وما أن وصلوا عند طلوع الشمس حتى تعالت أصوات الطرفين استطاع المهاجمون مشاة وفرسانا الإحاطة ب 4 أو 5 مساكن وبأخرى "اقتحموها ونهبوها فورا وأسروا جميع قاطينها" كما لم يتركوا حتى الأثواب الحقيرة من أفرشة البيوت ، كان السكان يستعملونها وعلى بعض مغازل الصوف دون الاستيلاء عليها . وهم كذلك حتى  أقبل "رجال كثر" "في جموع غفيرة من قرى مجاورة" مأهولة بالسكان "لمساعدة سكان القرية بعد استنفارهم" فيما أمر المتنصر "بيرو" فريقه  بمغادرة المكان على وجه السرعة تحت وابل من الرماح والسهام والحجارة   انتهت العملية بأسر 30 شخص مغربي والاستيلاء على 200 رأس من البقر وعدد كبير من رؤوس الأغنام والماعز و"7 أو 8" من الخيل والأمهار والحجور، أما المغاربة فقتلوا اثنين من المهاجمين وتحرير مغربين من الأسر، وهاجر مجموعة من السكان من بني جرفط إلى الاستقرار في القبائل المجاورة وخص بالذكر بني عروس 20 ، بني احمايد 21 ، أفكير فيما استقر الباقون في أماكن وعرة ومنحدرات 22.

5.    الهجوم الثاني على جهة الصخرة :  ( سنة 1516  ): (ص 195 ألى 199)
هذه المرة كان الهجوم على حقول الذرة حيث باغتوا المغاربة وهم يستظلون من حر الشمس ؛ بعد الاستراحة من عناء حصاد سنابل القمح ؛ بعد ارتفاع درجات الحرارة في يوم تهب رياح الشرقي حاملة معها حرارة مفرطة ، مات من جرائها مهاجم لم يطق هذا المناخ وهو مثقل بالدروع ورأسه مغطى بالقبعة  . ولنجاح الهجوم أرسل (الكوند) الحاكم العسكري لأصيلا ، الموجود قبل طلوع الشمس ما بين "السانية وأولف" 23 وهو مكان بعيد عن  مداخل الجبل ، مجموعة تتكون من المتنصر "بيرو دو منيزش" والدليل ومائة من الفرسان إلى بادية ميسرة (بني عروس) مرورا بأسفل الصخرة ؛ لحصار القرية الأخيرة و(شان) 24 وقرى مجاورة . العملية استنفرت سكان بني عروس وبني احمايد وأفكير تحت قيادة سلام الغياتي (من بني عروس) الذين وصلوا إلى مكان تواجد المهاجمين ؛ لكن لم يشتبكوا معهم بل اكتفوا بالمراقبة حتى تجاوزوا فج جبل بني كرفط وجبل بني ومراس ثم يضيف الكاتب أن إقبال الرجال بقي مستمرا يتقاطر على المكان من كل جهة للتصدي لهم . كان مع "بنسلام أوسلام " الغياتي كما يسميه الراوي بين الفينة والأخرى " 70 أو 80" فارس بقوا بجهة بني ومراس ومعه أيضا 300 من المشاة من بني كرفط وآخرون . أسروا خلال هذه العملية من المغاربة أكثر من عشرة أسير أو اثني عشر أسيرا ، كما نهبوا عدد كبير من المواشي قدر رؤوس الأبقار ببضع المئات بالإضافة إلى الماعز والغنم.

6.    الهجوم على قرية الصخرة: (سنة 1520) (ص278)
كلف (الكوند) لهذه المهمة قائد جديد لم يسبق له أن قاد أي هجوم هو المسمى "أرتور رودريكش" بثلاثين فارس  لمعرفته الجيدة بقرية الصخرة . هذه المرة الهجوم كان على "هوامش جبل بني كرفط" حيث كمن المهاجمين للسكان مدة طويلة ، جعلتهم ينفذ صبرهم الشيء الذي عجل السطو غلى المواشي التي بلغ عدد رؤوسها  150 من الأبقار وأكثر من 500 من الغنم والماعز التي شاهدوها في سفح الجبل بعد انشغال مراقبيها في جني العسل ، وأسر ثلاث رجال وامرأتين ، التحقوا فورا ب"السانية".


III.            الكرفطي الذي كان سببا في نجاح الاعتداءات البرتغالية على قبيلته :( ص48 ، 57 ، 59 ، 61 إلى 70 ، 88 إلى 98 ، 133 ، 146 ، 156 ، 160 )
كيف أصبح هذا الكرفطي عميلا للبرتغاليين ؟ وما هي المساعدات التي قدمها لهم ؟ وما مصيره ؟
سمي عند البرتغاليين " كونصالو فاش" ينتمي إلى جبل بني كرفط وعاش في بني ومراس وبني عروس . أبيض البشرة له ملامح أهل البلد كما يصفه "برناردو" أنه كريما فيقول  "كان رجلا مرحا، كيسا وسخيا مع رفاقه وجيرانه ، عندما يعود غانما من الغارات ، إذ كان يدعوهم لبيته ويكرمهم" . كان له أسرى كثيرين ذكورا وإناثا ، سخرهم لخدمته وزوجته . أنجب "ابنين أو ثلاثة" ماتوا بسبب الطاعون سنة 1522 م. كان له أخ عميل للبرتغاليين يسكن أصيلا انتقم لموت أخيه أشد الانتقام من إخوانه المغاربة منكلا بهم جراء الاعتداءات البرتغالية التي كان يقوم بها معهم.
عرف بشغبه وعنفه "يبحث عن المشاجرات والمعارك ويضطر تبعا لذلك إلى الفرار من مكان إلى آخر، حتى أصبح يعرف كل مداخل ومخارج جميع قرى المنطقة" وعرف أيضا بولعه بالقنص والصيد. عمل أول الأمر مخبرا يطلع تحركات المجاهدين المغاربة ويدل على عوراتهم وينهب القبائل ويبيع مسروقاتهم في أصيلا . فنشأت بينه وبين الحاكم البرتغالي علاقة جيدة ؛ ليتنصر بداية سنة 1510 ، الأمر الذي أفرح الكوند البرتغالي وقدم له والنبلاء العطاء الكثير والتقدير الكبير، وبدأ يشركه معهم في الهجمات على قرى الهبط .امتنعت زوجته عن التنصر فاحتال عليها واصطحبها معه إلى أصيلا دون رغبتها ؛ بعدما أوهمها أنه ذاهب بها إلى القصر الكبير أو العرائش ، فاستقبلها البرتغاليين راغبين في تنصيرها فتم لهم ذلك فاقتنوا لهما بيتا هناك فأقاما فيه .
ومن العمليات الإعتدائية التي قام بها البرتغاليون تلك التي ذكرناها سابقا على قبيلته ، والتي قادها أو شارك فيها ، وكذلك على قرى قبائل مجاورة كالغراف (ص48) وميسرة  (ص57) والريحانة (جبل الحبيب) (ص59) وقب النيش (بني ومراس)  سنة 1510 (ص62) وسوق بني عروس سنة 1514 (ص133) . كما شارك في الدفاع عن أصيلا من هجمات السلطان محمد الوطاسي (البرتغالي) 25 ، وباقي قواد الجهاد بالمنطقة كابن راشد والمنظري واحمد العروسي ، وكاد أن يأسر في إحدى العمليات الجهادية .وقام بمهمة اعتراض 8 غرناطيين نزلوا على الساحل الأطلسي بين أصيلا والعرائش وأسرهم جميعا (ص65) واعترض سبيل مغاربة في سفح جبل الحبيب سنة 1512 م (ص223) وأسرهم كذلك.
ونتيجة كسر أصيب به ساقه في إحدى هذه الوقائع ، وخوفا على حياته ، بقي " كونصالو فاش" وسط البحر والمياه تصل مستوى حزامه الليل كله . نتج عنه تقلص عروق رجله فلم تعد إلى وضعها السابق ، الشيء الذي اضطر معه للخضوع للعلاج بأصيلا على يد طبيب جراح برتغالي ، الذي لم ينجح في إرجاع الرجل إلى وضعها السابق ؛ رغم شفاء الكسر، وبقي يمشي متكأ على عكاز، فانتقل إلى طنجة بدعوة من طبيب جراح برتغالي لتقويم رجله بالتدليك والمراهم برعاية من الحاكم البرتغالي الذي كان يزوره ويستفسره عن حاله ، يشاركه في ذلك النبلاء ؛ تنفيذا لوصية الحاكم البرتغالي لأصيلا . "فعومل خلال تلك الشهور التي قضاها في طنجة معاملة الأمراء" ؛ لكن رغم ذلك لم ينفع معه علاج فرغب في العودة إلى أصيلا . وأتاحت له فرصة التحاق مركب غير مسلح  بأصيلا الإبحار فيه . فقد اقترح عليه حاكم طنجة السفر برا يرافقه 30 أو 40 من الفرسان ؛ لكن "كونصالو" أصر على السفر بحرا لاعتقاده أن الرحلة لن تدوم أقل من أربع ساعات بسبب الرياح الشرقية ، وأنها ستكون آمنة من مراكب تطوان 26. لكن هذا التقدير كان خاطئا ، فما أن أبحرت الكرافيلا التي تقل العميل كونصالو نحو أصيلا حتى وقع في يد بحارة سفينتين من تطوان بعدما كان على وشك الهروب في قارب السفينة هو ورجل والربان والبحارة وابنه البالغ من العمر ثمان سنوات . والذي ساعد البحارة التطوانيين بالتبليغ به و بأنه "كونصالو" المطلوب من المغاربة ، أسير مغربي كان يخدمه في طنجة كان ممن بقي في الكرافيلا.
اتجه البحارة التطوانيين بسفينتهم مستعملين المجاديف نحو رأس سبارتيل إلى تطوان ، وهم يأسرون "كونصالو" ومن معه ، بعدما تفادوا الذهاب إلى العرائش ؛ خوفا من المرور قبالة أصيلا حيث توجد الكرافيلا البرتغالية المسلحة ."فاستقبلهم السكان استقبال الأبطال واحتفوا بهم "  فخرجوا برجلهم وخيلهم ، رجالا ونساء وأطفالا . انتشر خبر اعتقال كونصالو في جميع أنحاء المملكة المغربية فيما رحل سكان الجبال إلى تطوان لمشاهدته وهو ينكل به . تسلمه المنظري قائد تطوان "ألد أعداء المسيحيين في زمانه" . وبحضور أكثر من 20 ألف شخص من بينهم أمه وإخوته وأقربائه وضعوه في شبكة صنعوها له وربطوه داخلها على شكل مصلوب لا يستطيع معه تحريك أطرافه؛ ليوضع وسط سوق البلد. وهو كذلك طلب منه التنكر للمسيحية فرفض وسبهم والدين الإسلامي رغم ايذاقه شتى ألوان العذاب , واستمر في السب فقطعوا لسانه ونزعوا  أظافر يديه ورجليه ثم قطعوا "أصابعه وأطرافا من لحمه" وتركوا له العينين ليرى أنواع العذاب مدة يومين وليلتين بأمر من المنظري إلى أن نزف دما فمات 27.


1 لا يسعني إلا أن أقف إجلالا واحتراما لهذا الشخص.
2 قبيلة جبلية تنتمي إداريا إلى العرائش وتبعد عنها بحوالي 32 كلم .
3 يقصد محمد الشيخ الوطاسي الذي أعطيت له أصيلا إقطاعا له من طرف بني مرين .
4 يقصد به إحدى أهم رافد لنهر لوكوس وهو واد المخازن والذي يقام عليه سد دار خروفة
5 إحدى مداشر قبيلة بني عروس
6 من مداشر بني عروس فرقة بني يركود 
7 موضع غير معروف اليوم
8 فهي اليوم إحدى مداشر قبيلة آل سريف جماعة بوجديان
9 وهي ما تسمى اليوم جبال الريف
10 فرقة من بني عروس تتكون من عدة مداشر أشهرها المجزليين الخلديين وعين معبد .
11 تحديدات تختلف عن الحدود التي وضعها للهبط أحد المعاصرين له الحسن الوزان .
12 عدد الأسرى يظهر مبالغ فيه بالنسبة لبني جرفط وحدها وقد يكون معقولا إذا تعلق بالهبط كله
13 من الحبوب المشهورة في المنطقة ولا زالت تزرع اليوم ولكن بشكل قليل .
14 لا زال هذا القمح يزرع اليوم ومعروف لدى الفلاحين في منطقة الشمال ويقال له "الزرع دالبلاد"
15 ينتمي الأول إلى قبيلة بني عروس والثاني إلى قبيلة بني كرفط
16 من أكبر مداشر قبيلة بني كرفط اليوم
17 من أهم مداشر نفس القبيلة  
18 مكان الحراسة للقبيلة
19 موقع لقرية كانت من القرى التي أخليت فالاسم غير موجود الآن 
20 هجرة المناطق الساحلية والمحاذية لها ظاهرة عمت المغرب أثناء الاحتلال البرتغالي في نهاية القرن 15 وبداية القرن 16 لبعض المراكز الشاطئية خوفا من شدة الاعتدائية البرتغالية
21 إحدى فرق قبيلة بني يدر من جهة قبيلة بني عروس
22 هذا ما يدل على أن سكان القبيلة كانوا يسكنون سفح الجبل .
23 الموقع الأول لا يعرف له مكان اليوم والثاني لا يزال يطلق على تل ليس ببعيد عن مركز القبيلة 
24 غير معروف الآن
25 أحد سلاطين بني وطاس سمي بالبرتغالي لأسره من طرف البرتغاليين حين احتلالهم أصيلا سنة 1471 وهو لازال صغيرا وكان أشدهم مقاومة لهم في المغرب 
26 مراكب مجاهدي تطوان كانت تصول وتجول في البحر لأسر الإيبيريين في إطار ممارسة الجهاد البحري بين تطوان والعرائش ردا على طرد المسلمين من الأندلس .
27 هذا الحضور الكبير لإعدام المتنصر كونصالو يدل  على مدى انشغال المغاربة بالأفعال الإجرامية لهذا المغربي إزاء مواطنيه .  

المصدر
حوليات أصيلا (1508 _ 1535) "مملكة فاس " من خلال شهادة برتغالي برناردو رودريكس B.RODRIGUES 
تعريب الدكتور أحمد بوشرب  دار الثقافة الطبعة الأولى سنة 2007