السلطان مولاي اسماعيل ( 1645/1727 )
البلغة المغربية هي نعل يلبسه المغاربة منذ
قديم العصور، لازالت محافظة على تواجدها القوي في مجتمعنا إلى اليوم، بل هي ضرورة
إلزامية في ثقافتنا الدينية والاجتماعية، في الأعياد، صلاة الجمعة، بل واجبة حتى
على الرجل يوم عرسه. تختلف أشكالها وألوانها حسب المناطق، لكن أشهرها وأكثرها مبيعا
وشيوعا بين المغاربة على الإطلاق هي "البلغة الصفراء". هذه الأخيرة لها
قصة يرويها لنا التاريخ بطلها المولى إسماعيل بن الشريف العلوي ومسرحها مدينة
العرائش.
كانت العرائش من أكثر الثغور أهمية وخطورة على مدى السواحل الأطلسية طوال
العصر الحديث من حيث عديد الاعتبارات المدنية منها والعسكرية، فقد شكل ثغر العرائش
هاجسا وأولوية إستراتيجية لدى جميع الحكام والملوك والسلاطين والأباطرة الذين
توالوا على مسرح التاريخ الحديث سواء تعلق الأمر بالدولة المغربية (السلطة
المركزية) أو دول الجوار والإمبراطوريات العظمى المتوالية على شمال المتوسط خاصة
منها العثمانية و الإيبيرية، وتبقى الجارة اللدودة إسبانيا أكبر وأخطر الطامعين
الذين طبعوا وفرضوا وجودهم على أرض العرائش ولا أدل على ذلك واقعة 20 نوفمبر
1610، عندما تولى خوان دي مندوزا وفيلاسكو ماركيز سان جيرمان احتلال ثغر العرائش
باسم ملك إسبانيا فيليبي الثالث الذي سبق وعقد مبايعة موثقة مع السلطان السعدي
الشيخ المأمون تنازل فيها الأخير عن العرائش لقاء دعم ملك إسبانيا له ضد أخيه
السلطان زيدان، إضافة إلى مقابل مادي قدر ب 200000 دو كادوس.
وبعد حوالي ثمانية عقود، صح عزم السلطان الفاتح مولاي إسماعيل بن الشريف
العلوي على تحريرها، ففي أواخر شهر شوال لسنة 1100 ه، الموافق لسنة 1689 م، سار
القائد أبو العباس أحمد بن حدو البطوئي إلى العرائش فحاصرها مدة لا تقل عن ثلاثة
أشهر ونصف، وقيل أن الحصار قد استمر خمسة أشهر كاملة، وكان القتال شديدا عانى المغاربة
فيه محنا كبرى قبل أن يشرق فجر الفتح يوم الأربعاء 18 محرم 1101 ه، الموافق للفاتح
من نونبر سنة 1689، وبلغ عدد أفراد الحامية الاسبانية ثلاثة آلاف ومائتين، أسر
منهم ألفان فسيقوا إلى مكناس حيث استخدموا في بناء القصور وترميم البعض الآخر، وقد
كان تحرير العرائش نصرا مبينا للمولى إسماعيل وعملا باقيا من أعماله المجيدة.
وما كان هذا النصر العظيم باسترداد العرائش، ليقعد بالسلطان عن مواصلة الجهاد
لتحرير غيرها من الثغور المحتلة، فقد خضعت العرائش للإسبان مدة لا تقل عن
تسعة وسبعين عاما، ولم يكد المجاهدون ينهون هذه المعركة حتى توجهوا إلى أصيلا
فحاصروها حولا كاملا قبل أن يفتحوها سنة 1102 ه الموافق لسنة 1691 م، ولم يتم
تحرير هذه المدينة إلا بعد أن قضت في قبضة الاسبان 102 سنة، إذ أنها وقعت في يد
الاحتلال بدءا من سنة 1589 م، وأمر السلطان بإسكان أهل الريف في هذه المدينة كما فعل
من قبل في العرائش التي أكبر فتحها وأعظم نصرها فنهى عن لبس النعال السود وأمر
باستبدالها بالنعال الصفر إشارة إلى أهمية الفتح والبهجة التي خلفها في نفوس
المسلمين وسلطانهم، فقد جرى إيثار اللون الأسود في بعض الملبوسات لدى سكان بعض
مدننا وثغورنا المغربية حزنا على ضياع الأندلس نظرا لاستقرار الكثير من
الموريسكيين النازحين عنها بتلك المدن، مما جعل الأمر يتحول إلى تراث ثقافي رمزي
خصوصا بعد تواصل سقوط الثغور المغربية في يد الصليبيين عموما والأيبيريين تحديدا
ومنها العرائش، فكان نصر المولى إسماعيل بالعرائش إيذانا بخلع السواد ونفض غبار
الذلة وبداية لعودة العزة والقوة ووحدة التراب المغربي الغالي.
قصر مولاي اسماعيل بالعرائش، بناه بعد تحرير المدينة من أيدي الاحتلال الإسباني و أعيد تهيئته و أضيفت له أجزاء جديدة منها الصومعة من طرف سلطات الحماية الإسبانية خلال الربع الأول من القرن العشرين
البلغة المغربية الصفراء
جامع الأنوار الذي أمر ببنائه السلطان مولاي اسماعيل بعد تحرير العرائش على أرض كانت مقبرة للمسيحيين في عهد الاحتلال الإسباني الأول في القرن 17، المسجد هدمه الاحتلال الإسباني في القرن العشرين ثم أعاد بناءه الملك محمد الخامس بتمويل كويتي
نقيشة رخامية ألمانية تصور واقعة يوم 20 نوفمبر 1610، عندما تولى خوان دي مندوزا وفيلاسكو، ماركيز سان جيرمان احتلال ثغر العرائش باسم ملك إسبانيا فيليبي الثالث الذي سبق و عقد مبايعة موثقة مع السلطان السعدي الشيخ المأمون تنازل فيها الأخير عن العرائش لقاء دعم ملك إسبانيا له ضد أخيه السلطان زيدان، إضافة إلى مقابل مادي قدر ب 200000 دو كادوس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق