تشكل
الأسطول المغربي في الفترة التي سبقت حقبة الحماية من أربعة بواخر «بابورات»
استعملت لوظائف عسكرية وتجارية، ويتعلق الأمر ب: -الحساني، -بشير الإسلام، -سيدي
التركي، -التريتكي؛ بالإضافة إلى وحدات الخفر والقوارب الساحلية من نوع (TARTANES) و (BRICK) الشراعية.
السفينة الحربية "بشير الإسلام"
سفينة مغربية من نوع بريك BRICK
نموذج
لمركب من نوع تارتانا TARTANES
وقد جابت هذه السفن السواحل
المغربية بفضل إرادة السلطان مولاي الحسن الأول رغم الضغوط الرهيبة التي مارستها
القوى الإمبريالية على المغرب، والتي تسببت في إضعاف الأسطول العسكري المغربي، بل
و الإجهاز عليه في القرن التاسع عشر؛ فبعد مؤتمر مدريد 1880، لم تكن بحوزة المغرب
سوى هذه القطع التي أراد من خلالها مولاي الحسن تشكيل نواة لأسطول بحري عصري يمكنه
من جهة، الدود عن السواحل المغربية التي كانت تتعرض للاعتداءات والهجمات من قبل
الأساطيل الأجنبية، وكذا مساعدة السلطات المخزنية على استتباب الأمن وتحقيق
الاستقرار، ثم خلق خطوط بحرية تربط بين سواحل البلاد المتوسطية بالأطلسية، ومن
ثَمَّ تأسيس مشاريع تجارية لإنعاش خزينة الدولة المنهكة اقتصاديا جراء تبعات حرب تطوان من جهة أخرى[1].
إن مسألة امتلاك أسطول بحري عصري
في هذه الفترة الزمنية كانت ضرورة لازمة، خصوصا بعد الهجوم النمساوي على مرسى العرائش سنة 1829، واستعمار الجزائر 1830، ثم
هزيمة إسلي 1844، وحرب تطوان 1860، ومن أجل هذا الهدف حاول المولى الحسن الأول سنة 1870 الاستفادة
من الهزيمة الفرنسية بروسيا للتقدم بطلبيات إلى ألمانيا وإيطاليا، لكن إنشاء أسطول
بحري عصري لم يكن سهلا، إنه مشروع دولة، تتداخل فيه المصالح الدولية والتوازنات الإقليمية، ويتطلب وقتا وعناية وتمويلا وتكوينا، وقد
عين السلطان لهذا الغرض البحار الفرنسي "نيكولا باكي" المقيم في المغرب منذ
1862 على رأس البحرية المغربية للاستفادة من خبرته العالية خاصة في المجال
التجاري[2]؛ وبصرف النظر عن مشاكل التمويل التي واجهت المشروع، كان يتعين على الدولة تكوين
أطر مغربية مؤهلة للإبحار العصري، وفي غياب قدرة محلية ذاتية لتكوين بحارة مؤهلين
لخوض التحدي، قام السلطان مولاي الحسن بإرسال بعثات مغربية إلى كل من ألمانيا وإيطاليا
وإنجلترا لهذا الغرض[3].
وفيما يخص القطعة البحرية "سيدي التركي" التي اخترناها أنموذجا للأسطول المغربي الحسني، فإنها أخذت اسمها كتكريم للحاج سليمان التركي، رئيس فرقة المدفعية الذي كان وراء إنشاء مدافع الرباط التي استرجع بفضلها مدينة الجديدة من البرتغال عام 1768، والباخرة سيدي التركي، هي ثاني قطعة عسكرية مغربية مزودة برشاشات للتدخل العسكري ومدفعين من نوع «كروب»، تم اقتناؤها من ألمانيا سنة 1891 حيث صنعت بحوض "فيسير" بمدينة "بريمن" على يد شركة «كروب» في "إيسن" الألمانية، كانت تزن حوالي 460 طن، وطاقة حمولة بمعدل 500 طن، طولها 48م وعرضها 8 أمتار، وقد عمل على متنها طاقم مغربي من 20 فردا، إضافة إلى 6 أو 7 تقنيين ألمان تحت قيادة "ميتزنر" الذي أبحر بها في البداية، ثم جاء بعده مواطنه "كيروي"[4]، وقد دون هذا القائد الألماني المتمرس مذكرات بخصوص مسيرته وحياته العملية في البحرية المغربية الشريفية، هذه الأخيرة التي ارتبطت بنظيرتها الألمانية بموجب اتفاقية بين حكومتي البلدين تخص المجال العسكري تؤكده الحماية التي كانت توفرها الغواصات الألمانية للقطع المغربية خلال إبحارها بالمياه الإقليمية[5]، كما يؤكده التواجد المهم للألمان بمرسى العرائش، حيث أقامت الشركات الألمانية أهم مشاريع البنية التحتية والأشغال الكبرى بالمنطقة خلال مستهل القرن العشرين مثل السكة الحديدية الرابطة بين العرائش والقصر الكبير، وبناء الميناء الجديد الذي كانت ترسو فيه الباخرة سيدي التركي بكل أرصفته العصرية ومعداته الحديثة، والحواجز البحرية العملاقة، وكذا إنشاء مصانع لتوليد الطاقة الكهربائية و صناعة الذخائر والأسلحة، الشيء الذي يفسر تواجد القنصلية الألمانية بالعرائش وكذا المجمع المدني والعسكري بمنطقة "عقبة د أليمان" خلال مرحلة شهدت نزاعا متعدد الأطراف على المغرب عموما وعلى مرسى العرائش تحديدا بين ألمانيا وفرنسا وإسبانيا خلال العقد الأول من القرن 20 حسمه الجنرال سلفيستري لصالح إسبانيا بعد عملية الإنزال العسكري البحري واحتلال حاضرتي لوكوس (العرائش والقصر الكبير) في يونيو 1911[6].
لعبت الباخرة سيدي التركي أدوارا عسكرية هامة، سواء في
المحيط الأطلسي من خلال دعم الحامية العسكرية المغربية بطرفاية (كاسامار) في
الصحراء المغربية، أو في البحر المتوسط، حيث عملت على نقل الجنود والأسلحة
والذخيرة، خاصة في الفترة ما بين 1901 و1908، ولعل أشهر عملياتها ارتبطت بقصف
مواقع المتمردين التابعين للجيلالي الزرهوني "بوحمارة"، هذا الأخير الذي
أقام مصنعا على ضفاف بحيرة مارشيكا بمساعدة الفرنسيين، وشرع في المتاجرة والتهريب مع السفن الفرنسية القادمة
من الجزائر[7]، وبعد مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي شدد على ضرورة محاربة التهريب، بدأ المغرب في حملته على المهربين والمتمردين، وفي 18 فبراير 1906 قامت الباخرة سيدي التركي بقصف وتدمير مصنع بوحمارة، كما قامت
بمطاردة السفينة الفرنسية "زينث" وأطلقت عليها النيران في المياه
المغربية قبل أن تلجأ إلى الجزر الجعفرية
وتتلقى بعدها دعم البارجة الفرنسية العسكرية "لالند" التي طالب قائدها
من قائد الباخرة المغربية "سيدي التركي" وقف القصف حماية لأرواح المواطنين الفرنسيين، ليتم الاتفاق في
النهاية على انسحاب السفينتن الفرنسيتين صوب ميناء وهران التابع لفرنسا آنذاك[8].
[1] محمد عزلي،
"حرب تطوان وقصف العرائش 1860"، larachearchives.blogspot.com، نشر بتاريخ: 15 غشت 2018.
[2] "نكبات طنجة.. وقائع محزنة وحوادث مفجعة في مدينة عاشت الوصاية الدولية" نشر في جريدة الأخبار alakhbar.press.ma بتاريخ 16 فبراير 2021.
[3]
نبيلة ضريف، "لهذه الأسباب قرر المغرب في عهد الحسن الأول امتلاك أسطول
بحري"، نشر في المساء بتاريخ: 07 مارس 2011.
[4][5] El Puerto de Larache", larache-historia.blogspot.com" نشر بتاريخ 3 دجنبر 2009.
[6] محمد عزلي، "الجنرال سلفستري..
القائد الذي احتل بلاد الهبط واندحر في ملحمة أنوال"، larachearchives.blogspot.com، نشر بتاريخ: 09 نونبر 2016.
[7][8] "الحسني.. سيدي التركي وبشير الإسلام أعمدة البحرية المغربية قبل الاستعمار"، المنتدى العربي للدفاع والتسلح، defense-arab.com، نشر بتاريخ 08 أبريل 2016.
جنود مغاربة بالزي العسكري على متن سفينة سيدي التركي يتم نقلهم
إلى الجبهة الشمالية الشرقية في الفترة بين 1904 و1908
صورة جوية لمدينة العرائش توضح
المرسى الجديد والحاجز البحري المنجزين على يد الألمان وبعض القطع البحرية
ميناء
العرائش بعد بنائه وتجهيزه من قبل شركة ألمانية
مصنع توليد وتوزيع
الكهرباء بالعرائش الذي شيدته شركة ألمانية
المصنع الألماني للأسلحة الكيماوية الذي تحول في مرحلة لاحقة إلى (دار الدباغ) بعقبة أليمان بالعرائش، يعتليه الأسد الرخامي الألماني الذي ضاع أثره عقب هدم البناية