بقلم : محمد شكيب الفليلاح الأنجري
مما لاشك فيه أن مدينة العرائش كانت من بين أكثر الثغور
المغربية عبر التاريخ أهمية و حساسية بالنسبة للوحدة الوطنية ، مرد ذلك بالدرجة
الأولى موقعها الاستراتيجي المتميز ، الذي جعلها تتحكم بالطرق التجارية الرئيسية
بين المغرب و العالم الأوربي من جهة ، و مناعتها الطبيعية من جهة أخرى التي أهلتها
لتكون ثغرا عسكريا صعب المنال و منيع الدفاع . و تبعا لذلك عملت مختلف القوى
السياسية و العسكرية التي توالت التحكم فيه على العناية بأشكال تحصيناته الدفاعية
من إنشاء حصون ضخمة متميزة ( حصن النصر ، حصن الفتح …) ، أسوار تتخللها سلسلة من
الأبراج ( أبراج القرن 15 م ، برج اليهودي … ) و بطاريات دفاعية نارية منتشرة هنا
و هناك ( بطارية سيدي أبي القنادل ، بطارية سيدي علال بن أحمد ، بطارية حصن سان
تياغو … ) ، استفادت هذه التحصينات من معدات عسكرية قوت قدراتها الدفاعية و أعطت
الدليل المادي الملموس على أهمية ثغر العرائش لا بالنسبة للقوى الأوربية الطامعة
في التوسع بتعدد دوافعها و لا بالنسبة للدول و الإمارات التي توالت على حكم المغرب
، ويكفينا دليلا على هذه الأهمية التصريح الملكي التاريخي للملك الإسباني فليب
الثاني خلال القرن 16 م ، في حق ثغر العرائش و مرساها المنيع المنال الذي تناقلته
المصادر و الربائد التاريخية ،قوله : ” … مَرْسَى الْعَرَائشْ يُعَادلُ
أَهَمّيَّةً سَائرَ مَرَاسي الْمَعْمُور …” أو كما سُجل و ترجم في هذا المعنى.
ولعل أهم مكون عتادي دفاعي سجل حضوره الهام و الحاسم ضمن
المنظومة الدفاعية للثغور الساحلية المغربية كان هو سلاح المدفعية بتعدد أحجامها و
اختلاف أشكالها و تباين عياراتها النارية ، ونسجل هنا أن المغرب كان من بين دول
العالم السباقة تاريخيا إلى الاهتمام باستخدام السلاح الناري في تسليح جيوشها و
عمارة دفاعاتها و العمل على تصنيعه محليا باستجلاب الأطر الأجنبية المختصة و
الاستفادة من خبراتها في الميدان. ولقد ساد الاعتقاد دهرا من الزمن بين الدارسين
والباحثين على أن الاستخدام الأول للمدفع بالجيوش المغربية وظهور معامل وطنية
لتصنيعها كان على عهد السعديين، بينما أثبتت بعض الحوليات البرتغالية أن المغرب
بدأ في التصنيع الوطني للمدافع على عهد الوطاسيين، الذين كان لهم اعتماد كبير
عليها في محاصرة الثغور المحتلة قصد تحريرها، خاصة ثغر أصيلا. و نظرا لما أسلفنا
أعلاه من الأهمية الإستراتيجية التاريخية لثغر العرائش فإن هذا الأخير حظيت أبراجه
و حصونه وبطاريته بكم هائل من قطع المدفعية و ما يتبعها من بارود و كور بمختلف
وظائفها و أنواعها من مصادر تصنيعية متعددة خاصة دور السلاح المغربية ، معامل صب
المعادن الإسبانية ، الفرنسية ، الإنجليزية ،الهولندية ، العثمانية ، وغيرها مما
وصلنا من أخبار في المصادر التاريخية المعاصرة و ما بقي من قطع مدفعية متناثرة هنا
و هناك ينخرها الصدأ و تتوالى عليها صنوف التعرية المناخية و الإهمال لقيمتها
الثقافية باعتبارها مكونا تراثيا ماديا جد هام في التاريخ العسكري لمدينة العرائش
و الذي لا زال حتى الآن لم يحظى بالدراسة و البحث العميق بالنظر لتأثيره المباشر
في تاريخ المدينة خاصة و تاريخ المغرب ككل.
و يكفي هنا الإشارة في عجالة لبعض المعطيات الإحصائية
التاريخية لعدد المدافع التي كانت بثغر العرائش لنقرب إلى الأذهان أهمية هذا
الأخير والضرورة القصوى التي كانت تفرض تجهيزه بآلة الحرب خاصة البطاريات الدفاعية
. فمؤرخ بلاط الملك فليب الثالث : ف.ماركوس دي غوادا لاخارا F.Marcos de Guadalajara)) في معرض وصفه الدقيق لدخول الجيوش الإسبانية لثغر
العرائش سنة 1610 م و لتحصيناته بُعَيْدَ تسلمه من مولاي الشيخ المأمون بن أحمد
المنصور الذهبي في إطار اتفاق بخصوص حصول هذا الأخير على الدعم العسكري الإسباني
في صراعه ضد أخيه مولاي زيدان على العرش السعدي ، ذكر ما مجموعه 150 قطعة مدفعية
موزعة بين حصني الفتح و النصر من ضمنها عدد 04 قطع غنمها المغاربة في معركة وادي
المخازن سنة 1578 م ، و يذكر اليفراني أن جيش السلطان المولى إسماعيل غنم من فتح
ثغر العرائش 01 نونبر سنة 1689 م ما مجموعه 158 مدفعا من الحديد المذاب ، منها 22
قطعة من البرونز؛ وهي كمية مهمة غير الكمية التي دمرت أثناء الحصار،وهذا يوحي
بأهمية ثغر العرائش لإسبانيا التي عملت على تحصينه وتجهيزه بآلة الحرب والدفاع بمجرد
أن وطأت قدم جيوشها المدينة.
كما أن تقوية تحصينات ثغر العرائش عقب انكسار الحملة
الفرنسية عليه سنة 1765 م جعلت السلطان المولى محمد بن عبد الله يستجلب عددا مهما
من المدافع و المهاريس من مكناس لتجهيز بطارياتها ، أشرف على عملية نقلها ابنه
الأمير مولاي اليزيد ، و إن كنا لا نعرف على وجه الدقة عددها فإن طبيعة الإجراءات
التي خصصت لجلبها و مراسيم احتفاء أهل العرائش بها توحي أن كميتها كانت جد مهمة ،
فضلا عن استقرار السلطان بالعرائش لمدة شهر مشرفا على عملية تهيئتها يوحي بأهمية
عددها . وهنا نورد نص رسالة سلطانية وجهها مولاي محمد بن عبد الله للقائم بأمر
مدفعية الثغور الساحلية القائد الحاج عبد الله يعقوب سنة 1770م، يأمره فيها بإنجاز
وثيقة جرد شاملة للقطع المدفعية بثغر العرائش، تبين مدى الاهتمام الذي كان يحظى به
هذا الأخير ضمن السياسة الدفاعية للمخزن المغربي، جاء فيها: “خديمنا عبد الله
يعقوب، سلام عليك ورحمة الله تعالىوبركاته. وبعد، نأمرك أن تعلمنا بعدد الأنقاض
الذين بثغر العرائش من غير سرائر، ولا تذكر لنا إلا الأنقاض المعترين، وأما
المدافع المتلاشون الذين لا يقدرون على الخدمة فلا تذكرهم لنا، وكذلك أعلمنا بعدد
المدافع الذين بثغر العرائش، لنعلم ما بقي لكمال المائة مدفع ونكملها إن شاء الله،
والسلام، في ثالث ذي القعدة الحرام، سنة 1183″.(مخطوط بالخزانة الملكية تحت رقم:
3388)، وهي وثيقة تقربنا من حقيقة عدد قطع المدافع التي كانت بمدينة العرائش خلال
النصف الثاني من القرن 18م. و ذكر الرحالة الإسباني المستشرق ج . ألفاريز بريز (
J.Alvarez Perez )، الذي زار المدينة نهاية القرن
19م ،أن مدخل مرسى العرائش كان محميا ببطاريتين مجهزتين بعدد 22 مدفعا دون المدافع
التي كانت منصوبة على الحصون و الأبراج . أيضا لا يجب أن نغفل استفادة الثغر
العرائشي من نصيبه من المدافع التي وزعها السلطان مولاي سليمان على الثغور
المغربية بعد قرار توقيفه لحركة الجهاد البحري ( الرسمية ) و تفكيك قطع أسطوله تحت
الضغوط الأوربية سنة 1817 م ضمن عملية القضاء على القرصنة الدولية .
و من المؤكد أن دفاعات المدينة استفادت من عدد مهم من
القطع النارية بالمقارنة مع الثغور الساحلية الأخرى لأهميتها الإستراتيجية ، دون
أن ننسى الإشارة إلى المدافع التي غنمها رياس مراكب الجهاد البحري الذي كان مرسى
العرائش من أهم و أنشط مراسي المغرب المحتضنة لهذه الحركة ، وما قصف الأسطول
الفرنسي للمدينة في يونيو 1765 م ردا على استيلاء قراصنة السلطان سيدي محمد بن عبد
الله على فرقاطة فرنسية إلا دليل على الخطورة التي شكلها مرسى ثغر العرائش على
التجارة الدولية ، فضلا عن القصف النمساوي للمدينة في 03 يونيو 1829 م، كما أن
بطارية حصن الفتح المطلة على حصن سان تياغو، كانت تتوفر على عدد مهم من مدافع
كاروناد (Carronade)القصيرة
الحجم المحمولة على قواعد خشبية رباعية العجلات؛ وهي مدافع تم تطويرها ابتداءا من
سنة 1760م على يدي حداد إيرلندي، لم يبقى منها اليوم بمدينة العرائش إلا قطعتين تم
اكتشافهما مؤخرا بدرب اسقالة درب الرماة، ويخضعان حاليا لعملية صيانة وترميم ضمن
تدخلات جمعية القصبة للنهوض بالتراث الثقافي في هذا المجال. كما أن بطارية سيدي
أبي القنادل كانت تتوفر على ما مجموعه 12 مدفعا من الحجم الكبير بداية فترة
الحماية الإسبانية، كذلك هو الشأن بالنسبة لبطارية سيدي علال بن أحمد (برج
الجنويين) التي بلغ عدد مدافعها حتى الفترة المذكورة أزيد من 20 مدفعا من بينهم
المدفع السعدي المعروف بالمدفع الميمون، الذي يعد مفخرة صناعة المدافع المغربية
خلال فترة القرن 16م.
ونشير أيضا أن ساكنة المدينة من العلماء والأدباء اهتموا بالكتابة حول
موضوع الجهاد والمجاهدة بآلة المدفع، و من هؤلاء على سبيل المثال، الأديب الحافظ
والعالم العامل سيدي محمد بن أحمد الريفي التمسماني الأصل العرائشي الدار الذي عاش
زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله ونظم أرجوزته حول الموضوع المسماة: “روض الجهاد
الفائق لمن أراد الغزو بالصواعق” وهو مخطوط محفوظ في الخزانة الملكية… من خلال هذه
المعطيات الإحصائية التاريخية المقتضبة نلاحظ أن مدينة العرائش احتضنت عددا مهما
من قطع المدافع بأنواع مختلفة وأشكال متعددة، لم يبقى اليوم منها إلا القليل
المعدودة على رؤوس الأصابع . مع العلم أن باطن الأرض المحيطة بالحصون والأبراج
والبطاريات والأسوار لا تزال –دون محالة- حبلى بقطع المدافع التاريخية التي تنتظر
تحرك القطاعين العمومي وهيئات المجتمع المدني المشتغلة في حقل تثمين التراث
الثقافي لتنظيم حفائر دورية للكشف عنها، ورد الاعتبار لها عن طريق إخضاعها لعمليات
ترميم وصيانة أكاديمية تراعي المعايير العلمية التي تقنن التدخل في هذا النوع من
التراث المادي، وإعادة إدارتها عبر استغلالها في التهيئة المجالية للفضاءات
العمرانية التاريخية، ولما لا تأهيلها لتنصب من جديد فوق الأبراج والبطاريات
والحصون كدلائل مادية للأجيال الصاعدة على الدور الدفاعي الهام الذي كان لثغر
العرائش أنذاك، وقيمته الإستراتيجية والعسكرية في تاريخ المغرب، عكس ما نراه اليوم
– مع الأسف- من التعاطي اللامسؤول مع المدافع العرائشية التي إليها يعود الفضل في
صد
مختلف الهجمات الأجنبية الهادفة النيل من وحدة البلاد
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته اخي احمد لي سؤال اريد الجواب عليه كماتعلم ان المقبرة سيدي علال ابن احمد التي سمية باسم المجاهد سيدي علال ابن احمد هل كان قائدا ل المدفعية التي توجد ب سيدي بوقنادر وهل كان يسكن في درب الرما بسوق الصغير لأني اعرف هناك كانت دار قديمة لقد إنهارت في أوائل السبعينات هل كانت تلك الدار دار سيدي هلال ابن احمد وشكرا
ردحذف