الأحد، 5 فبراير 2017

شارع الحسن الثاني بالعرائش


محمد عزلي

مع بداية القرن العشرين وفي سياق تنزيل مشروع "الإنسانتشي" أو (التوسعة) العمرانية خارج أسوار مدينة العرائش من قبل سلطات الاحتلال الإسباني، تمت تهيئة هذا الشارع الذي حمل حينئذ اسم "كاناليخاس" (Calle Canalejas) تكريما لروح رئيس الحكومة الإسبانية خوسي كاناليخاس مينديس الذي قتل بالرصاص في 12 من نونبر 1912، وقد كان كاناليخاس محاميا شهيرا وشخصية سياسية قيادية، تقلد العديد من المناصب الرسمية من بينها توليه عددا من الحقائب الوزارية أهمها وزارة العدل و رئاسة الحكومة، قبل أن يلقى حتفه على ناصية مكتبة كان يقتني منها كتبه وسط العاصمة مدريد برصاص أحد المعارضين الذي انتحر فور تنفيذه للاغتيال بنفس سلاح الجريمة.

وفي أواخر الثلاثينات، وبعد اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) التي آل النصر فيها للقوميين بزعامة فرانكو، قرر الأخير مكافأة حلفائه المغاربة بدعم مشاريعهم ذات الصبغة الروحية والدينية، إذ تم ترميم أضرحة الأولياء الصالحين وبناء مقرات جديدة للزوايا، وفي هذه الفترة تحديدا سيتم تغيير أسماء مجموعة من الساحات والشوارع بالمدينة لطمس معالم مرحلة الملكية الإسبانية، ومنها شارع كاناليخاس الذي سيحمل اسم "CHINGUITI" نسبة إلى شنقيط (وهي مدينة في موريطانيا حاليا)، تحمل رمزية روحية بالغة التأثير في تاريخ وثقافة المغرب الأقصى، فهي نقطة انطلاق رئيسية لحج بيت الله الحرام، ومحطة تجارية محورية بين جنوب الصحراء وشماله، شنقيط أرض الزوايا ومهد المرابطين.

أخد الشارع دورا حيويا بوصفه القلب النابض لمدينة العرائش، ومحجا لكل أطياف المجتمع، لما وفره من مرافق اجتماعية، دينية، ثقافية، وترفيهية (كنيسة ديل بيلار ومدرستها، مسرح إسبانيا، قاعة سينما إديال، مطبعة ودار نشر كريماديس، بنك بلباو، فندق إسبانيا، مكتبات، مقاهي، حانات، ومحلات تجارية عصرية..)؛ يمكن اعتبار الشارع نموذجا مصغرا لإسبانيا العصرية المتطورة، نموذجا للمدَنِيّة الحديثة وثورة الهندسة المعمارية الإسبانوموريسكية على اختلاف مدارسها "الحداثية، الكلاسيكية، النيوكلاسيكية، الإكلكتيكية، النيوعربية".

نتج عن هذا النسق في النصف الأول من القرن 20 نمط عيش ميزته التنوع والاختلاف والغنى والتلاقح بين ما هو محلي أصيل وما هو عصري هجين، ميزته كذلك الإبداع والإتقان والدقة في رسم الزخارف وتفاصيل الجمال، هذا التطور والتمدن بلغ أوجه في منتصف القرن العشرين بمدينة العرائش عموما، وهذا الشارع الشهير بين أبناء المدينة باسم "الباسيو" تحديدا، ومع استقلال المغرب سنة  1956 أصبح الشارع يحمل اسم "مولاي الحسن" ثم شارع الحسن الثاني، ورغم التغيرات التي عرفها الشارع في العقدين الأخيرين، إلا أنه لازال يحمل روحه البادية على تفاصيل عمرانه التراثي المتبقي ذو الطراز الأوربي، يشوبه الكثير من الأسى لفقدان مسرح إسبانيا وقاعة سينما إديال، وانتشار الفطريات الإسمنتية العشوائية التي لم تأخذ بعين الاعتبار مراعاة معايير الجمال والتناسق مع النمطية العمرانية المجالية.

لازال شارع الحسن الثاني إلى اليوم يعرف حيوية وحركة تجارية نشيطة، ومحج مفضل لدى الكثير من أبناء العرائش، الشيء الذي جعل القائمين على شؤون المدينة يقفلون الشارع نهائيا عن المركبات خلال مشروع التهيئة لسنة 2008 وتم تخصيصه حصريا للراجلين.


رئيس الحكومة الإسبانية كاناليخاس الذي يحمل الشارع اسمه سابقا
أخدت له هذه الصورة سنة 1901 Fotografia de Christian Franzen.

رئيس الحكومة الإسبانية كاناليخاس بعد أن تلقى ثلاث رصاصات قاتلة على ناصية مكتبة في العاصمة مدريد 12 نونبر 1912












حانة ماركيزينا

مقهى سنطرال

مقهى سنطرال

ادريس الديوري رفقة أطفاله بشارع الحسن الثاني

فندق إسبانيا من الداخل


مكتبة ومطبعة كريماديس
واحدة من أقدم المؤسسات المشتغلة في الحقل الثقافي المحلي لمدينة العرائش
 إنها ذاكرة جيدة لشارع الحسن الثاني (كاناليخاس سابقا) وجزء من أرشيف المدينة، حملت داخلها ولاتزال وثائق ومطبوعات و مخطوطات وصور غزيرة ونادرة توثق لأرشيف مدينة العرائش وما جاد به زمن الإبداع والمبدعين والشعراء والمؤرخين الأدباء والصحفيين














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق