الخميس، 23 فبراير 2017

غراف زبلين المنطاد العملاق يطير في سماء العرائش

    
    محمد عزلي

غراف زبلين Graf Zeppelin أو كما ينطقها الألمان "غراف تسبلين"، المنطاد الشهير الذي طاف العالم شرقًا وغربًا، وتجول فوق العواصم والمدن العالمية الكبرى، من لندن لباريس لروما لنيويورك للقاهرة... يزور العرائش في رحلته التاريخية.
ظهرت المناطيد و انتشرت على نطاق واسع نتيجة الحاجة الملحة لوسيلة عملاقة تنقل الأوزان الثقيلة، سواء كانوا مسافرين أو حمولات ذات استخدام مدني أو عسكري، وفكرة عمل المنطاد لا تختلف كثيرًا عن فكرة البالون إلا أن المنطاد يتميز بضخامته وصلابته واستخدام المحركات في توجيهه، وبتعبير أدق المنطاد هو التطور التكنولوجي للبالون، ويرجع الفضل في هذا التطوير إلى المهندس الفرنسي "هنري جيفار" الذي تمكن من تطيير أول سفينة هوائية من باريس إلى فرساي عام 1852، وبالرغم من قصر المسافة، إلا أن المحاولة تعد اللبنة الأولى التي أخذ منها المهندسون والفنيون فكرتهم وزادوا عليها وطوروها، ومن ثم جرت المنافسة بين كبريات المدن في تطوير المناطيد وزيادة سرعتها وحمولتها، وقد شكلت إنجلترا وألمانيا قطبي سباق التصنيع هذا، وقد كان للمناطيد شأن كبير في أحداث الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) حيث دخلت الخدمة العسكرية بصفة قناص وأداة استطلاع، كما سخرت لنقل القنابل والمدافع والأسلحة الثقيلة لمسافات طويلة.
أما مناطيد "غراف زبلين" التي تحمل اسم صاحبها الكونت "فرديناند فون زبلين"، وينطقها الألمان تسبلين تعد أشهر مناطيد هوائية طافت العالم، ونقلت آلاف المسافرين وملايين الرسائل و البطاقات البريدية، تعتبر أكثر المناطيد شهرة على الإطلاق، كما زادها بريقا اسم  مصممها الكونت "فرديناند زبلين" وطاقم الطيارين الأكفاء الذين تولوا قيادة هذه المناطيد؛ فقد تمتعوا بخبرة كبيرة جعلت فكرة السفر بالمناطيد أكثر أمانًا وسرعة ورفاهية من أية وسيلة سفر أخرى في تلك الحقبة، وقد دخلت غمار الحرب العالمية الأولى في أسرع وقت حيث شنت أول غارة على لندن في ليلة 31 ماي 1915 بمنطاد واحد ثم لحقه 16 آخرين ليواصلوا قصف العاصمة البريطانية في نفس الليلة.
أما الكونت فرديناند فون زبلين، فهو من مواليد 8 يوليو 1838 بألمانيا، التحق بالمدرسة الحربية وتخرج منها ضابطًا في الجيش، وكانت فكرة البالونات والطيران بصفة عامة تشغل تفكيره فوضع تصميمه الموجز عام 1874 ثم المفصل عام 1893 ثم الجاهز عام 1894، حيث عرضه على لجنة مختصة لدى الحكومة الألمانية، لكن مشروعه عُطِّلَ أكثر من مرة نتيجة رفض الحكومة وغرابة الفكرة آنذاك، إلا أن زبلين لم ييأس وأصر على تحقيق حلمه بتطيير سفينته في الهواء، وفي عام 1898 أسس زبلين شركة خاصة برأس مال مليون مارك، لنشر فكرة الطيران بالسفن الجوية، وتشجيع الناس على هذا النمط الجديد من وسائل السفر، وبالفعل سجل براءة اختراعه بالولايات المتحدة الأمريكية يوم 14 مارس 1899، وفي عام 1900 أعلن فرديناند زبلين أنه سيطير سفينة هوائية ضخمة، فتجمع للحدث نخبة من العلماء والمهندسين والطيارين في مدينة فريدريكسهافن الألمانية، واندهشوا من ضخامة المنطاد الذي صممه زبلين، حيث كان طوله 128 مترًا، وقطر دائرته 12 مترًا من الألمنيوم، وله غطاء قماش من القطن و يعمل بمحركين، فبدأ زبلين تجربة المنطاد وتطييره في الهواء، فارتفع به ووجَّهه في أكثر من جهة ليبرهن للحضور إمكانيات المنطاد، لكن ذلك لم يكن كافيا لتشجيع الاستثمار في صناعة المناطيد، وظل زبلين يعاني من نقص التمويل، حتى أنقذه ملك فورتمبرج بتمويل منطاده الثاني الأكثر تطورًا، لكن الحظ خذله  بوقوع حادث نتيجة خلل في المحركات، إلى أن جاء عام 1906 ليكون بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمناطيد زبلين، فقد صمم منطادًا جديدًا طار به لفترة أطول وبسرعة أكبر، ومن ثم بدأ الإقبال على مناطيد زبلين، خاصة وأنه كان يعمل على تطويرها دائمًا حتى أصبحت أكبر المناطيد في العالم.

أخذت مناطيد غراف زبلين تطوف العالم وتنقل المسافرين من بلد لآخر، وفي عام 1929 قام المنطاد برحلته الشهيرة حول أهم مناطق العالم بما فيها المملكة المغربية ومدينة العرائش، حيث زار المدينة يوم 24 أبريل 1930 ليكون الزائر الأضخم على الإطلاق في سماء المدينة إلى غاية اليوم، بلغ طوله 220 متر و قد حلق بارتفاع منخفض على المدينة (حوالي 200 متر)، بسرعة أقصاها حوالي 70 ميلا في الساعة، مشكلا حدثا استثنائيا لدى الساكنة العرائشية التي أبدت انبهارها و دهشتها من هذا الطائر الضخم صاحب المحركات الصاخبة المفزعة، وقد ظل هذا الأمر عالقا في ذاكرة سكان المدينة حتى و إن لم يكن في الحقيقة هو المرور الوحيد للمناطيد العملاقة فوق سماء العرائش.
 

صورة عجيبة من الطائرة للمنطاد العملاق فوق مطار العرائش العوامرة
مراجع :
·        أكرم عبد الوهاب (كتاب تاريخ الحرب العالمية الأولى)
·        العدد 16 من مجلة ذاكرة مصر يناير 2014
·     Eckener 1938 Pages 155-157
·        http://larache-historia.blogspot.com/2009/11/el-dirigible-conde-de-zeppelin.html


بطاقة بريدية من رحلة أخرى للمنطاد العملاق بتاريخ 08/07/1935 مرت بالعرائش



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق