الخميس، 21 سبتمبر 2017

مولاي أحمد الريسوني

مولاي أحمد الريسوني، الثعلب الذي دوخ المؤرخين

    محمد عزلي


أجدادنا في شمال المغرب يعرفون جيدا الفرق بين الصلوات الخمس العادية وصلاة برّيسول، فالصلاة العادية هي أن يتوضأ الإنسان ثم يصلي، وصلاة برّيسول هي أن يصلي الإنسان وبعد ذلك يتوضأ، ليس في الأمر أي مغالاة أو بدع أو ألغاز، لكنها حقيقة تجسد طبيعة أحد أشهر الشخصيات المغربية القوية في بدايات القرن العشرين.
حين كان مولاي أحمد الريسوني، المعروف باسم بن ريسون أو برّيسول، يفرض سطوته وهيبته على أجزاء واسعة من ضواحي طنجة وباقي المدن المجاورة بداية القرن العشرين، كان يفرض نظاما صارما على أتباعه وعلى سكان القبائل، من بينها الحضور للصلاة جماعة في المساجد، والتي كان يحضرها برّيسول بنفسه، خصوصا صلاة الفجر، كان من الصعب أن يتخلف عنها أحد، وإلا سيتهم في دينه وكرامته وولائه، وكان الكثيرون يستيقظون من النوم مذعورين ويهرعون إلى المسجد وهم يوصون زوجاتهم بتدفئة الماء للوضوء بعد العودة من الصلاة، أي أنهم يصلون بعد النوم مباشرة في المسجد بحضور برّيسول، ثم يعودون إلى منازلهم ويتوضؤون ويؤدون الصلاة كما هي، وبذلك كان الفرق بين الصلاة العادية وصلاة برّيسول.
هذه الحكاية تبرز مدى القوة التي بلغها الرجل، فقد كان صارما في تطبيق شعائر الدين، ومقاتلا شرسا ومحاربا داهية دوخ الإسبان والإنجليز والأمريكان، وجعل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يعض على لسانه من الغضب وهو يتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور، بينما برّيسول يسخر من الجميع ويمرغ أنوف القوى العظمى في التراب.
لكن من يكون الرجل الذي اتفق المؤرخون و الدارسون و المهتمون على الاختلاف في تعريف هويته ؟
  


إنه أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الريسوني، أو مولاي أحمد الريسوني، (برّيسول) ويدعوه رجاله الشريف الريسوني ويسميه الإنجليز الريسولي، من مواليد بلدة زينات في بني مصور قرب طنجة شمال المغرب سنة 1860، كان برّيسول طفلا عاديا تربى في حضن والدته بعد أن مات والده في سن مبكرة، أرادت أمه أن يصبح عالم دين يفتي الناس في أمور دينهم ويؤم بهم الصلوات، لكنه تحول إلى قائد عسكري يقود الناس نحو الحرب والقتال.
في تسعينيات القرن التاسع عشر، أيام السلطان مولاي الحسن الأول بن محمد، التف حوله جموع من قبيلة بني عروس، ومن أخواله بني مصوَّر.
عاش الحياة الحرة للمهرِّب في منطقة الشمال المغربي، إلى أن أمكن لعامل مدينة طنجة عبد الرحمان ولد الصدوق، أن يلقي القبض عليه، ثم أرسله إلى سجن مدينة الصويرة.
لم يكن في الإمكان قتله رغم ما اقترفه من الجرائم، بحكم انحداره من أسرة جليلة القدر، كان الأهالي يعتبرونها فوق العقاب.
مكث الريسوني في السجن مدة سنتين تقريباً، بعد أن مات السلطان، ثم أُخليَ سبيله بعفو من مولاي عبد العزيز بن الحسن، بعد تدخل الحاج محمد الطريس الذي ينحدر تقريبا من نفس منطقة الريسوني (جهة تطوان) لدى السلطان لصالحه، وهو خطأ سيندم عنه الطريس بعدئذ شديد الندم.
يروي ليونارد كاروف الذي كان يتولى قيادة سفينة (التركي) : «استقل الريسولي في عام 1901 سفينة (التركي) متوجهاً من مدينة الصويرة إلى مدينة طنجة. ولقد مكث يومين كاملين رفقتي، ولم يترك لديَّ الانطباع يومئذ، بأنه رئيس لقطَّاع الطرق، فلقد كان ذا وجه صبوح، وكان يُعرف بالاستقامة، ذا سحنة صافية، وشعر رأسه ولحيته بالغ السواد، وكان ذا هيأة طويلة ونحيلة، وقد كان البحارة يعتبرونه شريفاً من الشرفاء، فكانوا يخشونه أيما خشية، ولو لم يكن بعضهم قد حدثني عن الإنجازات الإجرامية لهذا اللص، لما كان ليخطر ببالي أنني كنت إزاء رجل من هذه الطينة.»


باخرة التركي سنة 1900 راسية بالعرائش

في بداية القرن العشرين كان المغرب مشتتا بين سلطان فتي ورطته دسائس الأوربيون، وبين فتنة تنخر البلاد أنتجت متمردين هنا وهناك من بينهم "بوحمارة"، فشاعت "السيبة"، أي (القتل والسلب والنهب)، فاعتبر كثيرون أن برّيسول واحدا من الذين انتفضوا ضد السيبة و تصدوا لها، بينما ذهب آخرون إلى أنه واحد من أهم عناصر السيبة وأحد أسباب تكريسها.
وبينما كان المتمرد "بوحمارة" يبسط سيطرته على مناطق واسعة من وسط المغرب ومنطقة شمال وشرق الريف، كان مولاي أحمد الريسوني الحاكم شبه المطلق في مناطق جبالة، ولا شيء يقف في طريقه حتى الدول الإمبريالية الكبرى، هذه السيطرة الفعلية على الأرض أرغمت الجنرال المتغطرس والمزاجي "سلفيستري" القائد العسكري الذي احتل العرائش والقصر الكبير عام 1911، على التنسيق وطلب أمان الطريق من برّيسول في رحلته نحو أصيلة لإخراج القوات الفرنسية من هناك وإحكام السيطرة عليها لفائدة المملكة الإسبانية.
المصادر التاريخية التي تتحدث عن برّيسول تخلط ما بين الأسطورة والحقيقة، فطبيعة الرجل الصارم، الجريء، والباطش، جعلت منه شخصا أسطوريا، حتى وإن كانت قلعة نفوذه محدودة لفترة معينة من الزمن، فالمؤرخون الغربيون يصفون مولاي أحمد بكونه قاطع طريق جبار ومختطف، والمصادر المغربية تصفه بالخائن ومروع الآمنين، أما المتعاطفون معه فيصفونه بالرجل الوطني الذي وقف ضد تهاون السلطان مولاي عبد العزيز وتردي الأمن في مناطق الهبط والفحص و بلاد جبالة، يشهد على هذا "والتر هاريس" البريطاني الغني الذي سافر في ربوع المغرب وتعرف على عاداته وتقاليده، ثم استقر في طنجة، قبل أن يختطفه رجال مولاي أحمد الريسوني.
عانت القوات الإسبانية من الصراع القوي والمقاومة العنيفة التي أبداها مولاي أحمد الريسوني في مناطق نفوده بالشمال الغربي للمغرب، ومن أجل هذا عاد سلفيستري من جديد إلى الساحة في 23 يونيو 1919 لكن هذه المرة بصفته القائد العام لسبتة، وقد تمكن بالفعل من شن حملة شرسة عنيفة تخللها الكثير من التواطئ والخيانة دامت أزيد من 3 أشهر هزم على إثرها الريسوني في أكتوبر 1919.

الجنرال سلفيستري


في يناير 1925، هاجمت فرقة من قوات الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي   قصر الريسوني، فقتلوا معظم الحرس وألقوا القبض على مولاي أحمد الذي توفي أواخر نفس الشهر بعد صراع مع مرض البوذمة، وبالرغم من الأقاويل التي لازمت سيرته إلا أنه يبقى بطلا مخلدا في الذاكرة الشعبية لسكان مدن ومناطق جبالة
يقول المؤرخ "مانويل أورتيغا" في كتابه عن الريسوني «عندما نتأمل سيرة هذا الرجل، إمبراطور الجبل، المحتمي بالغابات الطبيعية والجبال، والذي تحدى قوة إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية رغم الأسلحة والمدافع التي تملكانها، ورغم الذهب الذي ظلتا تغريانه به، فإننا ندرك أن الريسوني لم يكن دنيئا».
وفي كتاب «المغرب»، يقول توماس غارسيا فيغيراس : «كان الريسوني يتمتع بذكاء عال ويقظة كبيرة، وله ممارسة سياسية على قدر كبير من النضج ودراية كبيرة بالأوضاع السياسية الدولية والعالم الإسلامي، وكان يطمح إلى رؤية المغرب حرا ومن دون أية وصاية أجنبية».
أما فرانسيسكو هيرنانديث مير فيقول : «كانت فرنسا وإسبانيا تدركان قوته وتأثيره في القبائل، لذلك حاولت الدولتان ترويج تهم الخيانة ضده والقول إنه ساعد إسبانيا على احتلال العرائش والقصر الكبير».
وقد عرض بخصوص مولاي أحمد الفيلم السينمائي «العاصفة والأسد» (بالإنجليزية: The Wind and the Lion)، الذي لعب فيه الممثل البريطاني الشهير شون كونري دور الريسوني، وهو فيلم أمريكي أُنتِج سنة 1975، تدور قصته حول قيام الريسوني باختطاف عائلة بريطانية ثرية في المغرب، تم تصوير الفيلم في إسبانيا، لا يمكن اعتماده كمادة تاريخية أو توثيقية صلبة لكنه جيد للاستئناس بطبيعة المرحلة و شخصية الريسوني الأسطورية.

رابط الفيلم على النت : https://www.youtube.com/watch?v=5vtuUgwZs7Q&feature=youtu.be

"مصادر"

·        مقال لعبد الله الدامون "ثعلب جبالة الذي روع أمريكا و بريطانيا" 30/07/2008
·        The Capital Century: 1904: 'Perdicaris alive or Raisuli dead!'
·        Brief Time Magazine Article from 1925
·        Testimonial of Walter Harris, kidnapped by Raisuli in 1903, on Virtual Tangier
·        Luis Maria Cazorla « El General Silvestre y La Sombra Del Raisuni »




والتر بيرتون هاريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق