الاثنين، 31 يوليو 2017

ذاكرة حديقة الهسبيريديس بالعرائش


    بقلم : محمد عزلي

عُرف هذا الفضاء في بداية القرن العشرين عند ساكنة مدينة العرائش تداولا باسم "حجرة الكنايز" أي صخرة الجنائز وذلك قبل أن يحوله الإسبان إلى حديقة للأطفال ومنتزه للكبار أواخر العشرينيات تحت اسم "هسبيريديس"
كان المكان في السابق و تحديدا منذ بناء برج اللقلاق في أواخر القرن 16 و إلى غاية تحويله إلى حديقة عبارة عن خندق دفاعي الغرض منه زيادة مناعة حصن النصر السعدي، حيث تصبح أسواره أكثر علوا والقاعدة حادة الانحدار يزيد من صعوبتها المياه الراكدة في الخندق والتي إن نضبت تتحول إلى أوحال يستعصي معها أي عملية هجوم أو محاولة اختراق، لتعطي للمدافعين أفضلية اصطياد الأعداء، وهو الشيء المعمول به عادة في الأبراج والحصون المماثلة لهذا الجيل من العمائر التي كانت سائدة في أوربا عموما وفي تركيا وإيطاليا على وجه الخصوص.

صورة توضح آثار الخندق الذي هده الإسبان

و مع نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 عرفت العرائش والمنطقة ككل اضطرابات أمنية خطيرة تسببت فيها أطراف متعددة من الداخل والخارج وكرسها ضعف المخزن وصراع المصالح بين ما هو محلي من قياد وأعيان ومتمردين وقطاع طرق وبين ما هو خارجي جسدته أطماع القوى الإمبريالية وفي مقدمتها إسبانيا، هذه الحالة من الفوضى الأمنية (السيبة) ستجعل من هذا الخندق مكانا مثاليا لقطع الطريق من وإلى المدينة، وارتكاب الجرائم الفظيعة، وهو السبب حسب رواية أحد قدماء المدينة المدعو "سيدي عبد القادر اعبيش" من وراء تسمية "حجرة الكنايز".

صورة لبرج اللقلاق و منطقة حجرة الكنايز

سميت الحديقة من طرف سلطات الحماية باسم "الهيسبيريديس" عطفا على جنات الهيسبيريديس الموجودة بليكسوس حيث التفاحات الذهبية والأسطورة الإغريقية الشهيرة التي كان هرقل بطلها في رحلة الإثنى عشر وحكايته المثيرة مع أطلس حامل السماء والتنين العملاق الذي يحمي ليكسوس والتفاحات الذهبية..

لوحة زيتية تصور جنة الهسبيريديس Frederick, Lord Leighton, 1892.

ستعرف الحديقة بعد ذلك تداولا بين أبناء العرائش ب "خردين تشيتا" أي حديقة القدرة المسماة تشيتا عطفا على صديقة "طارزان" الشخصية السينمائية الشهيرة في مغامراته زمن السبعينات والثمانينات، وقد كان العرائشيون يتوجسون من الذهاب إلى الحديقة خوفا من غضب القردة ومزاجها العصبي إلى أن تطبعت المسكينة مع الناس وهرمت واختفت لينساها الناس إلى الأبد، ويروي لنا السيد عبد القادر اعبيش عن هذه القردة قائلا : "كانت القردة تعيش في دار الباشا (قصر البلدية) في قفص كبير وجميل، بعدها حولت إلى حديقة الهيسبيريديس ثم أتوا لها بقرد ذكر فأنجبت منه قردة، ثم بقيت رفقة ابنتها دون الذكر بعد أن اختفى ثم اختفت القردة الصغيرة، لتعود التشيتا كما كانت أول مرة وحيدة" وهذا ما يفسر سر مزاجية القردة تشيتا حيث أنجبت مولودة كانت ملزمة بالدفاع عنها وتأمين غذائها، ثم ستصبح عصبية وعدوانية بعد فقدان أسرتها قبل أن تستسلم للشيخوخة والوهن وتنسحب بعدها من العالم بصمت وغموض.
تتزين الحديقة اليوم في مدخلها بأسدين رخاميين أهداهما القيصر الألماني للعرائش أثناء زيارته لشمال المغرب عام 1905، نحثا في مدينة دريسدن شرق ألمانيا عام 1892، من رخام منطقة بوهيما في "تشيكوسلوفاكيا سابقا" و أحضرا عبر القطار إلى إسبانيا ثم بالباخرة إلى العرائش، الشيء الذي جعل الساكنة المحلية تطلق على الحديقة تداولا "خاردين السبوعا" أي حديقة الأسود، وهو تحديدا الاسم الذي تحمله الحديقة اليوم.

الأسدين الرخاميين الألمانيين اللذان يزينان مدخل الحديقة حاليا











 أيام خردين تشيتا







 2017





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق