على مقربة من مصب وادي لوكوس
بالمحيط الأطلسي حيث توجد مدينة العرائش، يقع سد المنع على وادي لوكوس، الذي يؤمن
سقي 35000 هكتار من أراضي هضبة اللوكوس الخصبة، وهو سد وقائي لخطر الفيضانات التي
طالما عانت منها مدينة العرائش والمنطقة الرطبة لسافلة لوكوس عبر العصور، يعرف
السد بهذا الاسم لأنه يمنع مياه المحيط الأطلسي المالحة عن مياه وادي لوكوس
العذبة، فهو إذن بناء ذو منافع كبيرة انعكست إيجابا على اقتصاد المنطقة واستقرارها،
لكنه للأسف تسبب أيضا في منع رحلة سمك الشابل الذي اشتاقه المغاربة قاطبة وأبناء
المنطقة بشكل خاص.
سد المنع على وادي لوكوس
تبدو الأنهار والمجاري المائية الكثيرة التي
يزخر بها المغرب، وسطا بيئيا مثاليا لا ينتقص من بهائه وروعته إلا اندثار مجموعة
من الكائنات المائية التي شكلت لزمن طويل إحدى المكونات الأساسية لهذه المنظومة
الإيكولوجية، لعل أبرزها سمك "الشابل" الذي بدأ يدخل مرحلة النسيان بعد
أن عمر الأنهار الرئيسية للواجهة الساحلية الأطلسية إلى جانب نهر ملوية على الضفة
المتوسطية منذ مئات السنين قبل اختفائه بشكل نهائي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
فالحديث عن الأهمية البيولوجية للأنهار في
المغرب يقود بالضرورة إلى استحضار سمك "الشابل"، المعروف بصنفيه لدى
الأوساط العلمية باسمي "ألوزا ألوزا" و"ألوزا فالاكس"،
باعتباره أحد أنواع الأسماك التي تربعت لقرون خلت على عرش مملكة الأحياء المائية
في الأنهار الرئيسية للواجهة الساحلية الأطلسية، لاسيما أنهار سبو وأم الربيع وأبي
رقراق واللوكوس، وكذا لكونه شكل قيمة اقتصادية هامة بالنسبة لساكنة القرى والحواضر
المجاورة لهذه الأنهار.
تبدو الأنهار والمجاري المائية
الكثيرة التي يزخر بها المغرب، وسطا بيئيا مثاليا لا ينتقص من بهائه وروعته إلا
اندثار مجموعة من الكائنات المائية التي شكلت لزمن طويل إحدى المكونات الأساسية
لهذه المنظومة الإيكولوجية، لعل أبرزها سمك "الشابل" الذي بدأ يدخل
مرحلة النسيان بعد أن عمر الأنهار الرئيسية للواجهة الساحلية الأطلسية إلى جانب
نهر ملوية على الضفة المتوسطية منذ مئات السنين قبل اختفائه بشكل نهائي في مطلع
تسعينيات القرن الماضي.
فالحديث عن الأهمية البيولوجية
للأنهار في المغرب يقود بالضرورة إلى استحضار سمك "الشابل"، المعروف
بصنفيه لدى الأوساط العلمية باسمي "ألوزا ألوزا" و"ألوزا
فالاكس"، باعتباره أحد أنواع الأسماك التي تربعت لقرون خلت على عرش مملكة الأحياء
المائية في الأنهار الرئيسية للواجهة الساحلية الأطلسية، لاسيما أنهار سبو وأم
الربيع وأبي رقراق واللوكوس، وكذا لكونه شكل قيمة اقتصادية هامة بالنسبة لساكنة
القرى والحواضر المجاورة لهذه الأنهار.
وتشير دراسة صدرت سنة 2001،
للباحثين الفرنسيين في مجال الأحياء المائية ريشارد ساباتيي وجون لوك باجلينيير،
إلى أن المغرب بحكم موقعه الجغرافي كان يعتبر إحدى أهم مناطق عيش سمك الشابل
المتواجد بشكل حصري في السواحل الممتدة من النرويج شمالا إلى المغرب جنوبا، أمر
جعل إنتاج المملكة من هذا السمك الثمين يفوق معدل 700 طن في السنة خلال سبعينيات
القرن الماضي.
وأكدت الدراسة الصادرة تحت عنوان
" بعض الخاصيات البيولوجية لسمك الشابل بالمغرب: تراث ثقافي و سوسيو- اقتصادي
اختفى حديثا"، أن أعداد سمك الشابل بدأت تتقلص بشكل تدريجي بفعل الصيد المكثف
الذي مارسه البرتغاليون، خصوصا إبان احتلالهم لمدينة أزمور الواقعة عند مصب نهر أم
الربيع .وأبرزت الدراسة في هذا الصدد، أن تراجع أعداد سمك الشابل بلغ أعلى
مستوياته في سبعينيات القرن العشرين، نتيجة الصيد المكثف والتلوث الناتج عن
المخلفات الصناعية المقذوفة في مجاري الأنهار، إلى جانب تشييد السدود المائية التي
لا تتوفر على ممرات تسمح بعبور الأسماك صعودا إلى أماكن التفريخ، كما هو الشأن
بالنسبة لبعض السدود المشيدة على مجموعة من الأنهار الأوروبية، مضيفة أن سنوات
الجفاف التي مرت بها المملكة خلال الثمانينيات كان لها هي الأخرى دور كبير في
اختفاء هذا السمك.
وعلى الرغم من تشكيل لجنة حكومية
سنة 1987 لدراسة أسباب انخفاض أعداد "الشابل" في الأنهار المغربية،
وصدور قرار لوزارة الصيد البحري سنة 1996 تحظر بموجبه اصطياده في جميع الأنهار
والشواطئ، اختفى هذا السمك بشكل تدريجي ليتم مشاهدة آخر الأسماك سنة 1992 بوادي
سبو. وفي هذا السياق، تؤكد الدراسة أن الصنف الأول من سمك الشابل، المعروف بـ
"ألوزا ألوزا" حسب الاصطلاح العلمي، والذي يعد الأكبر حجما بطول قد يصل
إلى 70 سنتمتر عند السمكة البالغة، اختفى بشكل نهائي من مياه السواحل المغربية،
بينما لا يزال الصنف الثاني الأصغر حجما، والمعروف لدى الأوساط العلمية بإسم "ألوزا
فالاكس" متواجدا بأعداد ضئيلة في عرض المحيط، غير أن صعوده يظل شبه مستحيل
بالنظر إلى الوضعية التي آلت إليها أنهار الواجهة الأطلسية خلال السنوات الأخيرة
يتذكر العرائشيون بشيء من الحسرة
السنوات الخوالي التي كانت فيها أسراب هذا السمك تعمر مياه وادي لوكوس لأزيد من
ثلاثة أشهر تضع خلالها بيضها، وهي المدة التي كانت تسجل رواجا تجاريا هاما ينتفع
من عائداته رهط كبير من أبناء المنطقة، حيث "كان يعتبر نشاطا موسميا محوريا
بالنسبة لهم لا يقل أهمية عن باقي الأنشطة الفلاحية، اعتبارا لمردوده المادي المهم
المترتب عن بيعه محليا أو لتجار الجملة الذين كانوا ينقلونه إلى المدن القريبة.
وكما هو الحال في باقي مناطق
المملكة، كان هذا السمك المتميز يحظى بمكانة هامة، بل إنه شكل لمدة طويلة السمك
المفضل لدى معظم المغاربة، اعتبارا لقيمته الغذائية ومذاقه الخاص الذي يجد تفسيره
في نظامه الغذائي القائم على صغار الأسماك والقشريات البحرية، وكذا لكونه سمكا
يعيش لمدة طويلة في مياه المحيط قبل توجهه صعودا إلى منابع الأنهار، على غرار سمك
السلمون في أمريكا الشمالية.
وتشير بعض الأبحاث في هذا الصدد، إلى أن سمك
"الشابل" ساهم بحكم توفره على كميات هامة من مادة "اليود" في
التقليل من الإصابة بمرض الغدة الدرقية لدى سكان المناطق الجبلية، على اعتبار أن
الأسماك البحرية الغنية بـ "اليود" لم تكن تصل هذه المناطق، وبالتالي
فإن هذا السمك القادم من المحيط شكل لزمن طويل مصدرا أساسيا لمادة "اليود"
التي تقي من الإصابة بهذا المرض.
وعلى الرغم من مرور قرابة عقدين على اختفاء
"الشابل"، لا يزال هذا السمك حاضرا في مخيلة المغاربة الذين عايشوا فترة
تواجده بأنهار المملكة، على اعتبار أنه شكل رمزا للخصوبة والصفاء، ودليلا على سخاء
وكرم الطبيعة رغم سلوكيات الإنسان العدائية.
يبقى أن سمك "الشابل"
لم يعد إلا مجرد ذكريات، في انتظار ظهور دراسات علمية تبحث في إمكانيات إعادته إلى
الأنهار المغربية، وهذا الأمر رهين بتوفر إرادة قوية يتم بموجبها تحسين جودة مياه
الأنهار وإيجاد الوسط الإيكولوجي المناسب لعيش هذا السمك الذي لا يزال، ولحسن
الحظ، موجودا في السواحل الأوروبية الأطلسية رغم كل المتاعب التي تعرض لها.
[عن مقال لإبراهيم الجملي (و.م.ع) تحت
عنوان "الشابل ... ذكريات سمك دخل مرحلة النسيان" نشر على موقع "هسبريس"
بتاريخ 11 يناير 2011، مع تصرف بسيط فقط ليتماهى مع حالة نهر لوكوس]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق