السبت، 13 يناير 2018

مقهى مطعم 4 طرق

ومضات من ذاكرة مطعم أربعة طرق



    محمد عزلي

القهوة دلكوردو، القهوة د السي احمد، القهوة د كواترو كامينو، سمها ما شئت..
يحمل هذا المكان ذكريات أجيال و أجيال، كان بالنسبة إلي مكاني المركزي والرئيسي حيث ألقى أصدقائي وزبائني، فيه وقعت أول اشتراك للهاتف النقال، وفيه وقعت أولى صفقاتي التجارية بالصالون العلوي (VIP)، كنت في حقيقة الأمر منتميا إلى المكان وأحد عناصره الدائمين رفقة المالكين والعاملين في مقدمتهم صديقاي وأخواي اللذان لم تلدهما أمي، المرحوم عدنان العلوي وصنوه سي محمد الذي أمضيت برفقته أزهى أيام شبابي، كان المطعم يعمل دون انقطاع على مدار اليوم والأسبوع والسنة، يتوقف عن العمل يوما واحدا فقط طيلة العام (عيد الأضحى)، كان طوال عقود طويلة سببا لحياة الليل في العرائش، حيث كانت الحافلات تقف بالطابور على ناصيته التي تحولت تطبيقيا إلى محطة طرقية ليلية، محققة رواجا دائما للمطعم الذي لا ينقطع دخان شوايته أبدا، الرواج الذي انعكس إيجابا على المحلات المجاورة، وبسببه أصبح كواترو كامينو أو الطرق الأربعة مكانا حيا ومقصدا لكل الساهرين من عشاق الليل وسمره، لكن هذا المعطى سيتغير تدريجيا بعد أن قلت نسبة المرور وتغير مسار المسافرين من الطريق الوطنية رقم 1 إلى الطريق السيار، الشيء الذي أصاب الرواج في مقتل شأنه شأن نقط أخرى على نفس الطريق الوطنية كانت منتعشة ومزدهرة كسوق الأربعاء الغرب وسيدي علال التازي.. وما زاد الطين بلة هو اقتصار الطريق السيار على مدخل وحيد جنوب العرائش مما أجهز على المطعم ومنطقته النشطة خصوصا، وعلى سائر المدينة المعزولة بشكل عام.
أذكر جيدا أفواج التلاميذ والطلبة المارين عبر ناصيته تجمعهم نظرة مشتركة لشواية الدجاج المحمر بباب المطعم، تلك الشواية التي ظلت تدور على محورها دون توقف إلى أن أقفل المطعم نهائيا، كل رواد (التيجيريا) على الخصوص وباقي المؤسسات التعليمية المجاورة (عقبة بن نافع) يذكرونها جيدا، كما يذكرون تماما زاوية (هيلادو) مبردات لذيذة بثمن بسيط تعمل لأزيد من 6 أشهر خلال العام الواحد..
لم يكن المكان في حقيقة الأمر فاخرا ولا مثيرا للإعجاب، لكن موقعه كان استراتيجيا إذ كنت أصنفه كبرج أول للمراقبة الدقيقة بالعرائش، أما البرج الثاني فحيث يوجد اليوم مقهى شوب، هذين الموقعين كفيلين بإسقاط أي عرائشي تود العثور عليه دون الحاجة لوسائل الاتصال التي جاءت لتحل هذا الإشكال للأبد.
تعتبر البناية واحدة من واجهات التراث الثقافي المادي الممثلة للعمران الكولونيالي في النصف الأول من القرن العشرين، وقد كانت في بداية إنشائها زمن الحماية عبارة عن حانة يملكها الإسباني سيبايوس الحارس الرسمي لنادي العرائش لكرة القدم قبل استقلال المغرب والذي تحول إلى ما يعرف اليوم بنادي شباب العرائش، وقد استمرت العلاقة الوطيدة بين المكان وكرة القدم حتى في فترات السبعينات والثمانينات حيث ترأس صاحب المطعم آنذاك السيد أحمد العلوي العبدلاوي فريق كرة قدم شهير بالمدينة كان اسمه النهضة، وعن ذكريات الثمانينات يقول السيد محمد حِماد " ما زلت أتذكر حضورنا سنة 1981 تقريبا تصوير لقطة من فيلم إبن السبيل لعبد الرحمان التازي، حيث يترجل الممثل والمذيع علي حسن من شاحنة فورد ويدخل إلى هاته المقهى، إنه مكان له عبق خاص من ذاكرة مدينة العرائش"
تضرر المطعم كثيرا من جراء إقفاله لمدة ناهزت العشر سنوات، لكن البناية اليوم ونحن نودع سنة 2018 تشهد اللمسات الأخيرة من عملية إصلاحها وترميمها وتأهيلها وإعادة إدماجها مجددا من قبل المستغلين الجدد. والحقيقة أني أنتظر بشوق يوم الافتتاح لأرتشف هناك قهوة أخرى في ذات المكان، لأسترجع الأشرطة كلها بحلوها ومرها، بجموحها وغبائها، بحظوتها وخيبتها، بكل ما في الخيال من فضاءات، حتى وإن تغير السقف ورائحة الجدران وطعم "كاريون" وأهل المكان.


مطعم أربعة طرق في مرحلة الحماية عندما كان حانة للإسباني سيبايوس

جلالة الملك الراحل الحسن الثاني يتجول بساحة 20 غشت (كواترو كامينو) و المطعم ببنايته البيضاء واضح في الصورة

أربعة طرق في السبعينات


صورة حديثة 2018 بعد الترميم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق