الأربعاء، 31 مايو 2017

عياشة في التاريخ المغربي

عياشة في التاريخ المغربي

بقلم : عبد الحميد بريري     


عياشة واحدة من المناطق المغربية التي شهدت بطولات وأمجاد دفاعا عن الدين والوطن .  ساعدها على ذلك موقعها الجغرافي الذي يقع بين أهم الثغور المغربية ألشمالية التي كانت مستهدفة من الغزو الأجنبي الإيبيري (سبتة ـ القصر الصغير ـ طنجة ـ أصيلا ـ العرائش ). وهي جزء مهم من بلاد الهبط المشهورة تاريخيا ، توجد على مقربة من أكبر المناطق كثافة سكانية أوجزء منها حينئذ المناطق الجبلية الريفية ، معقل الشرفاء الآدارسة الفارين من الإضطهادات التي عرفت في حقهم ، وقبل هذا كانت القاعدة الآساس للفاتحين لبلاد الأندلس.
منطقة شبه سهلية توجد في الريف الغربي تتخللها تلال ما قبل الريف وجبل بني ومراس  تتميز بخصوبة أراضيها السهلية . وتتوفرعلى ثلاث أنهار غير دائمة الجريان الأول يسمى الخروب ،نسبة إلى قلعة الخروب او القليعة التي أسسها المجاهدون ،أو الوادي الكبير، أحد روافد نهر تاهدارت ، والثاني والثالث يسمى عياشة و أشرقان وهما رافدين من روافد نهر غريفة الذي يصب شمال أصيلا بالقرب من بريش ينبعان من جبل بني جرفط وجبل بني ومراس(1) . إمكانيات ساهمت بأن تلعب عياشة دورا مهما في أن تكون مركزا للعمل الجهادي ضد الغزاة


أصل التسمية
أولى الوثائق التاريخية المحلية التي أشارت إلى إسم عياشة ترجع إلى بداية القرن111 الهجري الموافق القرن 17 وهي الفترة التي عرف المغرب فيها احتلالا إيبيريا . أولها زمنيا نشر المثاني و التقاط الدررلأبي عبد الله محمد بن الطيب القادري الحسني وهو مجموعة ترجمات أعيان وصلحاء هذا العصر أو ما يصطلح عليها عند المؤرخين بالمناقب . ويشير فيها أيضا إلى وقائع واحداث عاصرها هؤلاء الأعلام ، من بينها غزوتي عياشة الأولى رمضان 1038 /أبريل 1629 والثانية 5 رجب 1040 ه/7 أبريل 1631فيقول بالحرف والكلمة في الثاني منهما ص:93 “وفي خامس رجب كانت غزوة بالموضع المسمى عياشة …” لكن قبل هذا وفي إحدى المصادر المهمة التي أرخت للمنطقة وهي لأجنبي برتغالي ،عاش في أصيلا أثناء الإحتلال البرتغالي لها خلال نهاية القرن 9 الهجري / 15 الميلادي والنصف الأول من القرن 10/16 يسمى برناردو رودريكز من خلال مذكراته المسماة حوليات أصيلا حدد تاريخها ما بين 1508م 1538م والتي يحكي فيها عن السلوكات العدوانية لمواطنيه على سكان الهبط أوما يسميه ميدان أصيلة والهجمات التي قاموا بها على قراها بالنهب والسلب وأسر سكانها حيث قام الدكتور أحمد بوشرب بتعريبها مشكورا ـ لما فيها من دقائق الأمور التي تفتقدها المصادر الوطنية ، وجزئيات في أمس الحاجة إليها لإعادة كتابة التاريخ المغربي ومعرفة الكثير عن منطقة الهبط التي تفتقد لتاريخ مدون شامل ، وهي التي تدين لنا بالشيء الكثير في شأن ماقامت به في إبقاء الدولة المغربية – يذكر هذا البرتغالي أنه يعرف المنطقة الهبطية معرفة جيدة بقراها التي حصرها في العدد 900 وقبائلها وأعيانها وبوديانها ومواضعها، لكن فيما يخص إسم عياشة لم يذكرها بالبثة حيث أشار إلى مواضع في منطقة عياشة كوادي أشرقان وبني ومراس ومليانة وحتىالنهر الذي يخترقها باسمها لم يذكره .(2) إذ بذلك يمكن القول أن المصدر السابق هو الأول في ذكر هذا الإسم إن لم يظهر فيما بعد ما يخالف ذلك ، وبالتالي فإن إسم عياشة حسب المصادر المطلع عليها لم يسبق أن ذكر قبل هذا التاريخ أي القرن 17 هذا فيما يتعلق بالتحديد الزمني للتسمية . أما إذا تعلق الأمر بسبب التسمية فالأسم يحتمل أنه لمجموعة قبلية أو فرع أو فخذة سكنت المنطقة خلال نهاية القرن 10 الهجري / 16 الميلادي ، وهي الفترة التي عرف فيه المغرب اضطرابا بشريا كبيرا بإسكان الغرب من سلا إلى طنجة بالخلط ، وسفيان وبني مالك من طرف المنصور الذهبي بعدما عرفا احتلالا برتغاليا لشواطئه أثر بشكل كبير على الإستقرار فيه وإخلاء قرى كثيرة وانتقال سكانه الأوائل للسكن بعيدا عن المضايقات البرتغالية ،بالمقابل عرف النصف الثاني من هذا القرن نهاية الحكم المريني الوطاسي وبداية الحكم السعدي وانتقال القبائل العربية إليه والتي كانت تسكن غرب المغرب الأوسط جراء خضوعه للسيطرة التركية وبسبب التطاحنات القبلية . ومن جملة ممن دخل من القبائل الحياينة وبني مالك ولازال إسم بني مالك يطلق على إحدى مداشر عياشة ، ولاغرابة أن نجد اليوم إسم عياشة لقبيلة أو منطقة بالجزائر أو العياشة بتونس التي كانتا مصدر الهجرات إلى الغرب المغربي منذ القدم قد تكون عياشة المغربية امتدادا بشريا لهما . وهذا ينطبق على عدة أسماء قبلية توجد في ليبيا وتونس والجزائر لها وجود وتطلق على قبائل أو قرى في المغرب بفعل العوامل الإثنية والدينية واللغوية المشتركة بين شعوب الدول المغاربية وبذلك سميت المنطقة نهائيا إلى يومنا هذا وتداولت إسم عياشة المراجع التي تحدثت عن عياشة ، حتى أن بعض المؤرخين يرجعون إسم المجاهد الكبير العياشي إلى عياشة تيمنا بالإنتصارات التي حققها هناك مع أن مجاهدنا هذا حمله قبل أن تقع معارك عياشة (3)


مواقع عياشة التاريخية

 مزورة

إحدى أهم المواقع الإثرية بالمغرب والوحيدة في شمال إفريقيا من حيث نوعها ، وهي عبارة عن تومولوس* محاطة ب 167 منهيرا* أطولها يبلغ 5,6 أمتار ومنهيران 4,2 أمتار ، قطرها من الشمال إلىالجنوب 58 أمتار ومن الشرق إلى الغرب 54 أمتار ، ترجع إلى العصر الحجري الجديد ، يوجد لها نظير بالمكسيك ومنها أثار بفرنسا وإنجلترا ومالطا وإسبانيا وغيرها (4)
 كما تعتبر مسقط رأس العالم الجليل والمتزهد احمد بن ادريس اليملاحي العلمي الإدريسي العرائشي أصله من أسرة عرائشية طردت قسرا من مدينة العرائش سنة 1019 ه / 1610 م عندما سلمت للإسبان . حفظ القرآن الكريم على يد عمه بها ثم رحل إلى القرويين فدرس هناك ومن فاس رحل إلى المشرق حيث استقر به المطاف هنا . كان المشارقة يكنون له الإحترام لا نتمائه لآل البيت ويقدرونه لغزارة علمه (5)

 السوير
موقع أثري روماني يوجد على الضفة الشمالية لنهر الخروب قرب كدية المايدة  وكان مسرحا أيضا لمعركة خاضها المجاهدون المغاربة مع البرتغاليين المحتلين لأصيلا بتاريخ 22فبراير1514 (6)
 أشرقان*
 إحدى أهم المواقع التاريخية بعياشة ولها صيت بين السكان في خصوبة أراضيها الفلاحية وجودة منتوجاتها الزراعية . اتخذها المجاهدون المغاربة قاعدة حربية لانطلاق عملياتهم التحررية ضد التواجد الإيبري في طنجة واصيلا ، لتوفرها على مواصفات القاعدة العسكرية للقرون الوسطى بوجود الماء والكلأ . ففي اكتوبر 1508 الملك الوطاسي محمد البرتغالي جعلها محلة لجيشه لمهاجمة البرتغاليين في اصيلة وكذلك سنة 1524و 1525 م (7). كما يفترض أن تكون الموضع التي وقعت فيه الغزوتين المذكورتين سلفا ضد برتغاليي طنجة بقيادة المجاهد العياشي .
بني ومراس 
إحدى القبائل الهبطية القديمة *والتي عرفت تجمعا بشريا مهما خلال القرن 166 اخليت من جراء الإعتداءات المتكررة للبرتغاليين بشهادة البرتغالي نفسه ولازال يطلق هذا الإسم على فرقة من سكان عياشة . كانت هذه الفرقة تابعة إلى الإمارة الراشدية أثناء الدولة الوطاسية حيث عين على رأسها علي ابن راشد خليفتين له هما موسى ويعقوب حيث هاجمها البرتغاليون مرات عديدة من بينها كانت سنة 1495م (8) .عرفوا رجالها ببطولات في مقاومة الهجمات البرتغالية على قراها الثلاث وبفرسانها الشجعان كالحسين النجار ومشيك انتقلوا منها للسكن قرب العرائش وقاد الأول هجمات على البرتغال في أصيلا (9) الشيء الذي أنشد البرتغاليون فيه أغنية يذكرون فيها الإيخاء الومراسي – الخروبي وشدة مقاومة الومراسيين والخروبيين المحتل البرتغالي :
فرسان الخروب نبلاء بني ومراس
رحماء بينهم أشداء علينا (9 مكرر)
كما يصف برناردو البرتغالي موقع سكن بني ومراس بوصف رائع قائلا “… ورغم قلة سكانها ، بدت لنا المنطقة جنة فوق الأرض ، واعتبرنا سكانها سعداء ومحظوظين . فقد استرحنا بين نبعي ماء صاف وغزير يتولد عنهما نهران تسقى منهما أشجار مثمرة كثيرة من رمان وليمون وغيرهما تضفي على المنطقة لونا أخضرفاتنا . كما تغطيها أشجار اللوز الكبيرة والجميلة ، واشجار أخرى نعرفها جيدا كالتين والمشمش . وقد غبطنا السكان لاستفادتهم من تلك الخيرات . وكانت تتخلل تلك الأشجار مساحات شاسعة تنتج خلال فصل الصيف قمحا جيدا ، وكثيرا من الذرة البيضاء ” كما يحدد الموقع بالضبط حيث يقول : “ويقع جبل بني ومراس في الجنوب الشرقي لأصيلا ويبلغ طوله اثني عشر ليكوا ويدنو من جهته الجنوبية جبل بني كرفط الذي لا يفصله عنه سوى مدخل قب النيش حيث يكاد يلتقيان . وتوجد في هذا الجبل قرى كثيرة آهلة ، إلاأنها دون حجم قرى بني كرفط …” ويصف شخصية سكانها بأنهم ” … أناس رقيقو الحاشية …” (10). كما شارك رجالات بني ومراس في معركة تحرير مدينة العرائش من يد الإسبان في عهد المولى اسماعيل في نونبر سنة 1689 (11)
 أماأهم مساهمات عياشة عموما في التاريخ العسكري والجهادي للمغرب تجلت فيما ذكرنا سابقا في المعركتين الشهيرتين اللتين تكبد فيها الإيبيريون خسائر في الأرواح والعتاد تحت قيادة المجاهد العياشي والمعروفتين بعياشة الأولى والثانية . قتل في الأخيرة 500 برتغالي وأسر 500 واستثهد 20 من المغاربة (12). وقبل هذا اتخادها قاعدة عسكرية للهجوم على أصيلا ، وقد تمكن خلال إحدى الهجمات المتكررة للسلطان محمد البرتغالي عليها أن يحقق نصرا واضحا على البرتغال والدخول إلى المدينة سنة 1508م لكنه انسحب منها (13) . كما شهدت عياشة بداية القرن 20 معارك طاحنة ضد المستعمر الإسباني الذي انطلق من العرائش لإخضاع القبائل الجبلية في أكثر من موقع تلقى فيها ضربات موجعة ، وخلفت لديه خسائر في الأرواح والعتاد سنة 1331ه /1914 م ، رغم توفره على اسلحة متطورة تفوق ما لدى المجاهدين ، ككدية الطلال وكدية المايدة وكدية أمنكرط وكدية بومهدي وكدية الفقيه بن يرماق وكدية المخزن وكلها كانت رباطات في أماكن مرتفعة وذات مواقع استراتيجية تطل على المحور الذي يزحف فيه الجيش الإسباني (العرائش تازروت) حيث اتخذها المجاهدون المغاربة جبهات متقدمة لإيقاف الزحف الإستعماري على منطقة جبالة . لكن التقدم الإسباني لم يمنع المجاهدين من الإبقاء على بعض الرباطات فيها ليكيلون الضربات تلو الضربات للمراكز العسكرية في سيدي اليمني وأصيلا والعرائش كرباط خندق احمر، التي أصيب الريسوني في واحدة من المواجهات العديدة مع الإسبان والتي يطلق عليها معركة الطلال (14)
هذه أبرز المعلومات التاريخية المتوفرة في المراجع لحد اليوم والتي ساهمت بها عياشة في تاريخ المغرب .
فهي اليوم وحدة ترابية بالتحديدات التاريخية السالفة الذكر  تنتمي إلى إقليم العرائش تمر منها الطريق الوطنية الرابطة بين العرائش وسبتة وملتقى لطرق إقليمية .
نسعى مستقبلا  تنقيح هذا الموضوع كلما تمكنا من معلومة تاريخية لننسج بذلك خيوط صورة مكتملة عن تاريخ المنطقة .والله ولي التوفيق 

(1) أنظر خريطة حسن الفكيكي المسماة عياشة في كتاب حوليات أصيلا لبرناردو رودريكز تعريب احمد بوشرب صفحات المقدمة الطبعة الأولى : 2007 دار الثقافة
(2)
حوليات أصيلا لبرناردو رودريكز مرجع سابق
(3)
انظر في هذا الشأن الحركة العياشية حلقة من تاريخ المغرب في القرن 177 عبد اللطيف الشادلي -أطروحة – 1982 ص:110 إلى 114
(4)  la historia de marruecos(m garcia figueras) – el tumolo de mezora (m tarradell)-
مجلة تاريخ المغرب عدد
-* –
مقبرة جنائزية * حجر مخروط الشكل
(55)
التاريخ الدبلوماسي للمغرب منذ أقدم العصور إلى اليوم للدكتور عبد الهادي التازي مطابع فضالة المحمدية 1988 / 1408
(6)
حوليات أصيلا مرجع سابق ص.120 إلى 125
(7)
حوليات أصيلا مرجع سابق ص : 3 الى 10
(8)
مولاي علي ابن راشد مؤسس شفشاون ابن عزوز ص:115
(9)
حوليات أصيلة مرجع سابق ص: 398 إلى 402
مولاي علي ابن راشد ص :(70) (9مكرر)
(10)
مولاي علي ابن راشد مؤسس شفشاون مرجع سابق ص: 504 – 541 – 593 – 626
(11)
وثيقة عدلية لتقسيم الغنائم منسوخة من كتاب تريخ تطوان لمحمد داود مجلد 5 منشورة في كتاب معركة استرجاع مدينة العرائش في عهد مولاي اسماعيل وتداعياتها التاريخية والأدبية منشورات المجلس العلمي المحلي للعرائش ص : 305 مطبعة : دار أبي رقراق الرباط 2012
التقاط الدرر محمد القادري ج : 1 ص: 93(12) (13) حوليات أصيلا مرجع سابق ص :13 إلى 20
(14)
سلسلة في حلقات من النضال الجبلي ج :2 للمريني العياشي المطابع المغربية والدولية طنجة ص: 137 إلى 155 و172 173
(*)إسم أشرقان هو إحدى فروع العمرانيين الحنينيين كما جاء في مخطوط للأستاذ عبدالسلام الخالدي العمراني
(*)
تم اكتشاف في يوليوز 2014 بإشعار من  السيد رئيس الجماعة والإطار المكلف بالقسم التقني بها وعبد ربه خلية الأثار بالملحقة الإقليمية للثقافة بمدينة العرائش برئاسة السيد هشام حسيني حيث حضر هذا الأخيرومعه فريقه لمعاينة نقيشة عثر عليها في مدشر من مداشر بني ومراس :دار الخيل في موقع يسمى ركيبة الزنادالأمر حيث تاكد لهم أن النقيشة ترجع الى العهد الموري مكتوبة بالكتابة الليبية مما يدل على تعمير المنطقة قبل دخول الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق