وادي لوكوس، التنين العملاق الذي حمى التفاحات
الذهبية وجنات الهسبريديس الذي لم يقوى على هزمه حتى البطل الأسطوري هرقل كما جاء
في الميثولوجيا الإغريقية القديمة، وهو نفسه وادي "سفدد" الذي ورد في
المصادر الوسيطية عند الإدريسي وابن حوقل والبكري، إنه عصب الحياة وسبب الرخاء
الذي عرفه حوض اللوكوس الخصيب عبر التاريخ، لقد شكل تاريخيا الجدار الواقي والسد
الطبيعي المنيع الذي حصن جنوب حاضرة ليكسوس في التاريخ القديم وشمال ثغر العرائش
في التاريخ الحديث، وذلك لعمقه وعرضه وغزارة صبيبه الذي يتجاوز 50 متر مكعب في
الثانية، ومساره الملتوي، ومصبه الخطير والمنيع، الشيء الذي جعل اختراق المدينة
برًّا من جهة الشمال أو محاولة السيطرة على المرسى من خلال مصب النهر أمرا بالغ
التعقيد والصعوبة حتى على الإمبراطوريات الإقليمية المتعاقبة، وخصوصا تلك
المحاولات البرتغالية المتكررة والتي انتهت بفشل أول عند جزيرة المليحة بوادي
لوكوس سنة 1489م، ثم نكبتهم الكبرى بوادي المخازن سنة 1578م والتي تسببت في محو البرتغال
من الخريطة الإيبيرية لقرابة قرن من الزمن.
وقد شهد مصب وادي اللوكوس ملاحم عظيمة خلدت في
مجلدات التاريخ بطولات المجاهدين المغاربة الذين تصدوا ببسالة لأعتى القوى
الأوروبية التي أغارت على ثغر الجهاد البحري، والذي عرف بمرسى فاس، ففي مرسى
العرائش إلى جانب عدوتي أبي رقراق كانت ترسو أهم القطع البحرية العسكرية المغربية.
ولعل أشهر هذه الملاحم، الانتصار على الأسطول الفرنسي زمن السلطان سيدي محمد بن
عبد الله عام 1765، ثم الانتصار على الأسطول النمساوي في هجومهم على ثغر العرائش
عام 1829.
إن عبور وادي لوكوس إلى حدود القرن 19م، وخاصة في
سافلته، كان يعتمد أساسا على القوارب، بينما دون ذلك فالعملية بالغة التعقيد،
ترتبط أساسا بصبيب المياه وحركة المد والجزر، وتتغير مناطق العبور حسب الفصول
والأحوال المناخية والأمنية، وقد عرفت العملية تطورات مرحلية شهدت بناء جسور خشبية
أو حجرية لم يكتب لها الاستمرار نظرا لطبيعة تاريخ منطقة العرائش التي لم تعرف
أبدا طعم الاستقرار، إذ ظلت أهالي المنطقة في مواجهات مستمرة مع البرتغاليين الذين
احتلوا الثغور الشمالية على حدود العرائش (سبتة، القصر الصغير، طنجة، أصيلة)، وهذا الوضع لم يقتصر فقط
على العرائش كمدينة أو قصبة عسكرية مخزنية، وإنما ستطال مناطق واسعة من بلاد الهبط.
في بداية القرن العشرين وفور نزول قوات الاحتلال الإسباني سنة 1911 وسيطرتها على
حاضرتي اللوكوس، العرائش والقصر الكبير، قام المستعمر بتركيب قنطرة خشبية عائمة
على ظهر القوارب، في انتظار بناء جسور إسمنتية قوية وحديثة.
وبالفعل تكلفت
المؤسسة العسكرية الإسبانية ببناء جسر كرمان أو قنطرة الكرمة، بالقرب من المريسة
في القصر الكبير عام 1913 من قبل نقيب المهندسين آنذاك الدون ميغيل غارسيا دي لا
هيران مما مكّن القوات المحتلة من الولوج السلس إلى المدينة وبالتالي تقوية
دفاعاتها وإحكام سيطرتها على المنطقة، وقد شيد الجسر المعلق الأول من نوعه
بالمنطقة الخليفية بشكل هندسي جميل جمع بين أصالة العمران الأندلسي والتقنية
العصرية في بناء القناطر الخرسانية الحديثة[1]،
كما تم أيضا بناء قنطرة ألفوسو الثالث عشر بالمدخل الشمالي لمدينة العرائش والتي
ستحمل لاحقا اسم مولاي الحسن بن المهدي، حيث بدأت العمل رسميا على طريق طنجة /
الرباط ابتداءً من تاريخ 23 يناير 1929. وقد نفد المشروع الخرساني على يد المهندس
باسكوال أراغونيس الذي تفنن في إنجاز نمط معماري حديث بطابع موريسكي جميل[2]، ليتم بذلك وضع حد نهائي لما يشبه العزلة التي فرضها
وادي اللوكوس على مدينة العرائش لردح طويل من الزمن.
جميع
الأنهار والأودية التي تصب في المحيط انسد مصب كل منهم ماعدا لوكوس وسبو وأبي
رقراق جزئيا أما الآخرون فانسد معظمهم كليا مثل واد يكم وواد نفيفيخ وواد المالح ونهر
أم الربيع وواد سوس وواد ماسا …. ومع انسداد المصب فإن النهر أو الواد يموت وتموت
الأحياء التي كانت تستوطنه مثل سمك الشابل. بيولوجية الشابل شبيهة بيولوجية
السلمون حيث يعيشا في المحيط ولما يصل وقت التبييض يصعدا إلى النهر أو الواد للتكاثر.
في المغرب افتقدنا صنفين من سمك السلمون بسبب تلوث الانهار وسوء تدبير مجاري مياه
الأمطار عكس ما تم إنجازه في أوروبا أو كندا لصالح حوت الشابل الذي يصل و زنه إلى
15 أو 20 كلغ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق