أفاد وادي اللوكوس ليكسوس في أن تكون قطبا جاذبا منذ عهود سحيقة، خلال مرحلة ما
قبل التاريخ. وكانت لقرون من الأهمية بما كان كحلقة وصل بين المغرب وباقي بلدان
البحر الأبيض المتوسط.
تقع مدينة ليكسوس على الضفة الغربية لوادي اللوكوس، على ربوة تشميش،
على بعد حوالي خمسة كيلومترات، شمال شرق مدينة العرائش فوق هضبة مطلة على الساحل
الأطلسي على علو 80 مترا. استفاد هذا الموقع من المؤهلات الطبيعية للمنطقة
الخلفية، ومن المؤهلات التي يوفرها الوادي، إذ تشكل منعطفاته العريضة قبل المصب
ميناء طبيعيا. قس على ذلك صلاحية هذا الوادي للملاحة مما انعكس إيجابا على المنطقة
برمتها وسيساعد على ازدهار المدينة خلال مراحلها التاريخية.وفرت هذه الوضعية
الجغرافية حماية طبيعية للمدينة. وساهمت في التطور الذي عرفته بعد ذلك
والمتمثل في توسع مجالها العمراني، خلال توفير الحماية لهذا المجال. هذه المسألة
همت كل مدن موريطانية الطنجية التي أحيطت بأسوار خلال مرحلة لاحقة من تطورها. لقد
أصبحت المدينة بهذا الموقع الاستراتيجي قطبا جاذبا منذ عهود سحيقة، خلال فترات ما
قبل التاريخ، كما دلت على ذلك الأدوات المكتشفة من أجار وفؤوس حجرية. إضافة إلى
عدد من اللقى الفخارية التي تعود للفترة الممهدة للتاريخ والتي وجدت مثيلات لها في
عدد من المواقع التي تعود لفترات ما قبل التاريخ مثل غار كحل وكهف تحت الغار.
ليكسا أو المدينة الليبية
اعتبرت ليكسوس من أقدم المواقع الفينيقية إلى جانب مدينتي قادس في
إسبانيا وأوتيكا في تونس. وقد ارتبط اسمها بحدائق الهسبريد الأسطورية. أقيمت حسب
المصادر خلال نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وبذلك فهي قديمة عن مدينة قرطاج
التي أقيمت خلال القرن التاسع قبل الميلاد.
يختزل هذا الموقع تاريخا يمتد من القرن السابع قبل الميلاد إلى القرن
الخامس عشر الميلادي.
أرجعت النصوص تأسيسه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد. في الوقت
الذي لم تتعد فيه الأبحاث الأركيولوجية القرن السابع قبل الميلاد.
وردت المدينة في النصوص القديمة بأسماء متعددة: ترينكس- لينكس-
ليكسوس. و في المصادر الوسيطية باسم تشومس.
أشير إلى المدينة في العديد من النصوص القديمة، ففيها تمت الإشارة
إلى المواجهة الأسطورية بين انطي وهرقل، والتي انتصر فيها هذا الأخير. كما وطنت
فيها حدائق الهسبيريد ذات التفاحات الذهبية. واعتبرت مدينة مهمة في رحلة الأميرال
القرطاجي حانون. واعتبرها سيلاكس مدينة فينيقية. وسماها الكسندر بوليستور ليكسا،
المدينة الليبية.
ووردت عند الجغرافي استرابون باسم ترينكس أما بومبونيوس ميلا فقد
جعلها من أهم المدن الساحلية. تبعد المدينة حسب بلينيوس القديم، عن مدينة زيليس
بـ35 ميلا، وهي أكبر من قرطاج.
اعتبرت المدينة العاصمة الفينيقية للمغرب الأطلنتي و المتوسطي خلال
مدة من الزمن. وشكلت محطة مهمة في طريق الإبحار ناحية الجنوب على الساحل الأطلسي.
فعندما تحدث المؤرخ هيرودوت و الرحالة سيلاكس عن التجارة مع الإثيوبيين، فمن
المحتمل أن الأمر يتعلق بسفن كانت قادمة من ليكسوس. وقد دلت البقايا المكتشفة في
هذا الموقع على وجود استمرارية في هذا النشاط التجاري امتدت من القرن السابع حتى
مجيء الرومان.
أصبحت المدينة خلال القرن الأول للميلاد إحدى المستوطنات الخمس في
موريطانية الطنجية.
وسيرد ذكرها خلال الفترة الإسلامية في المصادر العربية، التي تحدثت
عن ماضيها، دون وصف لمعالمها. كما أن هذه المصادر لم تورد الاسم القديم للمدينة،
إذ حل تشمس أو تشومس مكان ليكسوس الوارد في المصادر القديمة.
فقد تحدث البكري عن «مدينة تشرف على اللوكوس… مدينة تشومس… وهي مدينة
أولية عليها سور صخر، كبيرة آهلة كثيرة المياه والثمار ويسمى بذلك الموضع بسفدد».
أما الإدريسي فقال عنها «وتشمس كانت مدينة كبيرة ذات سور من حجارة
تشرف على نهر سفدد وبينها وبين البحر نحو ميل ولها قرى عامرة بأصناف من البربر وقد
أفنتهم الفتنة وأبادتهم الحروب المتوالية عليهم…».
فيما يخص إشارات الأوربيين فقد كان الرحالة الألماني هنريش بارت أول
من تعرف على الموقع سنة 1815، وأكد تيسو ولامارتنيير هذا التوطين. وأورد هذا
الباحث الأخير وجود أربعة أنواع من البنايات تحتوي على آثار فينيقية ورومانية
وإسلامية، كما حدد الوضعية التي وجدت عليها المدينة والتي أصبحت فيما بعد مقلعا.
قبل وصول الرومان
أكدت الحفريات الأولى التي عرفها الموقع أن الاستقرار الأول كان فوق
ربوة تشميش، وعرف بعد ذلك توسعا في اتجاه الجهة الجنوبية وصوب الميناء.
تنقسم المدينة إلى قسمين، علوي وسفلي.
تقع المدينة العليا على ربوة تشميش محاطة بسور أول. أما الجزء الأسفل من المدينة
فهو عبارة عن بنايات محاطة بسور روماني.
أشرف على الحفريات الأولى، التي عرفها الموقع، عدد من الباحثين
الأجانب أمثل مونطالبان وطراديل وبونسيك. مكنت هذه الأبحاث من تحديد فترات مختلفة
في تاريخ المدينة: فترة مورية سابقة عن وصول الرومان، وفترة رومانية وأخرى إسلامية.
ارتباطا بالفترة المورية، فقد تم الكشف عن عدد من البنايات، بعضها
يوجد في الجهة الشمالية للموقع، عبارة عن غرف مؤرخة بما بين نهاية القرن الثالث
وبداية القرن الثاني قبل الميلاد. وتم تقديم فرضية قيام معمار ما قبل روماني يعود
إلى نهاية القرن الثامن أو بداية القرن السابع قبل الميلاد. ويمكن تمييز
المعمار بين الذي يعود للفترة المورية وبين الذي يرتبط بالفترة الرومانية. بالنسبة
للفترة المورية تأكد وجود هذه الفترة على ضوء نتائج الاستبارات التي تمت في
الموقع. فقد أزاحت حفريات طارديل التراب عن أحياء، أرخ لها بالفترة الممتدة ما بين
القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. كما دلت الحفريات التي عرفها الموقع على أن
الأحياء السكنية التي تعود للفترة الرومانية أقيمت فوق بقايا حي ما قبل روماني،
عرف استمرارية من القرن السابع قبل الميلاد حتى مجيء الرومان. وتمثل فترة حكم
الملك الأمازيغي يوبا الثاني، القرن الأول قبل الميلاد، الفترة التي عرفت فيها
المدينة تطورا واسعا.
وما يؤكد أقدمية هذا الاستقرار عن وصول الرومان أنه تم الكشف تحت
باحة أحد المنازل الذي أقيم خلال الفترة الرومانية، وهو منزل مارس وريا Mars et Rhea، عن بقايا اعتبرت متقدمة عن بناء هذا المنزل،
إضافة إلى عدد من الغرف إلى الشمال من هذا البناء، أعيد استغلالها خلال الفترة
الرومانية. كما أزالت الحفريات التراب، بين هذا المنزل ومنزل هيليوسHélios ، عن بناية واضحة المعالم، أرخت بالقرن
الثاني قبل الميلاد.
إضافة إلى ذلك توفرت المدينة على سور، السور «الهلينيستي»، كان يحيط
بالربوة التي ضمت أقدم بنايات الموقع. ولم يتم التعرف لحد الآن وبدقة، على خط
امتداد هذا السور الذي كان يحيط بالمجال الموري. أما فيما يخص الفترة الرومانية،
فيمثلها عدد منالبنايات العمومية والخصوصية ذات طابع مدني وديني واقتصادي.
إن ما يميز مدينة ليكسوس أنها تختلف عن كل مدن موريطانية الطنجية
التي لها عمران منتظم، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات حول هذا العمران، تخص مسألة ما
إذا ما تم الاكتفاء باستغلال البنايات السابقة عن هذه الفترة الرومانية. فقد أبانت
الحفريات التي عرفها الموقع عن وجود معمار غير متجانس على عكس المواقع الرومانية
الأخرى في المغرب القديم.
أحياء ومعابد المدينة
ميزت الأبحاث التي عرفتها المدينة بين أربعة أحياء، لم يتم تحديد
اتصال فيما بينها. فحي المعابد يتكون من بنايات يصعب تحديد وظيفة بعضها، فيما
يحتوي حي صناعي على معامل تمليح السمك في الجزء الأسفل من المدينة وعلى الضفة
اليمنى لوادي اللوكوس. وبين هذين الحيين آخر يمكن اعتباره حيا إداريا، يضم المسرح
وبنايات يصعب تحديد وظيفتها. كما يوجد حي سكني يتكون من «فيلات» معزولة عن بعضها
البعض. وبذلك يظهر من خلال هذا التوزيع، وخلافا للمدن الرومانية الأخرى، غياب
البنايات العمومية الأساسية في المدن الرومانية من كابتول وفوروم وبازيليك.
ينتصب حي المعابد على الجزء المرتفع من المدينة، ويمثل حوالي عشر
مساحتها. عرف هذا الجزء من المدينة حفريات، منذ سنة 1890، على يد تيسو
ولامارتينيير، إلا أنها لم تسفر عن أي نتائج مهمة. وقد أزالت الحفريات اللاحقة
التراب عن عدد من البنايات ذات الطابع الديني، إذ تم الكشف عن جزء من معبد، أطلق
عليه اسم المعبدC . إضافة إلى المعبد H ذي الحنية أرخ بناؤه بالقرن السابع قبل الميلاد. يطرح هذا
المعبد بعض المشاكل الكرونولوجية، فقد أرخ له بونسيك بالقرن السابع أو بداية القرن
السادس قبل الميلاد وأشار ر.روبيفا إلى وجود عناصر معادة الاستعمال في حنية هذا
المعبد، الأمر يستدعي تحديد علاقة هذا الجزء ببقية المعبد.
أما البناية A التي
توجد إلى الجنوب الشرقي من المعبد H فيصعب
تحديد وظيفتها. تسمح وضعيتها الاستراتيغرافية، مقارنة مع البنايات المجاورة،
بتأكيد أقدميتها. يمكن التأريخ لها من خلال اللقى بالقرن السادس قبل الميلاد.
وشكل المعبد B مع
المعبد C معبدين صغيرين بمقصورة (Cellae) واحدة. تعرض هذا المعبد، الذي يعود تاريخ بنائه تأسيسا على
اللقى إلى القرن الثالث قبل الميلاد، لهدم ما تزال أسبابه غير معروفة.
في المقابل، يصعب تحديد وظيفة المعبد C، وهو ما جعل بعض الباحثين يقترح إمكانية أن تكون له وظيفة أخرى
غير دينية، واقترح بالنسبة لتاريخه أن ينتمي لمجموعة تعود لنفس الفترة. بينما
يتميز المعبد D بكونه عرف عدة ترميمات، ويتكون في وضعيته
المتأخرة من قاعة واسعة مبلطة بفسيفساء.
ويعتبر المعبدF ، أكبر
معابد الحي، إذ تبلغ مساحته 1500 متر مربع، ويتكون من جزأين هما المعبد وملحقاته.
يحيط بالمعبد ساحة واسعة بباحة معمدة وحنية تحد الجهة الجنوبية منه وبعض الغرف
وحوض. ويمكن من خلال اللقى الموجودة اقتراح الفترة الموريطانية، وخاصة فترة يوبا
الثاني، كتاريخ لهذا المعبد. كما عرف المعبدG ، شأنه في ذلك شأن المعبد D، عدة ترميمات غير أنه اعتبر معاصرا للمعبد F المجاور له.
في نفس الحي يوجد البازيليك المسيحي، الذي استند إليه بعض المؤرخين
للإشارة إلى وجود مسيحي بمدينة ليكسوس، معتبرين إياه كنيسة، غير أن هناك من
اعتبر هذا البناء مسجدا. كيفما كان الحال فإن الأمر يتعلق ببناء ديني.
حمامات ومعامل لتمليح السمك
تضم مدينة ليكسوس حيا صناعيا يوجد في
الجهة الجنوبية من الموقع على ضفة وادي اللوكوس، ويتكون من منشآت اقتصادية، والتي
هي عبارة عن أحد عشر معملا خاصا بتمليح السمك، ويتمركز فيها مائة وواحد وخمسون
حوضا، وأرخ لها بالقرن الأول للميلاد.
في شرق حي المعابد، بني الحي الإداري الذي تميز بوجود مسرح، لم
تكشف عنه الحفريات إلا في سنة 1963 وأرخ لها ببداية القرن الأول للميلاد. ويعتبر
هذا المسرح هو الوحيد الذي اكتشف في موريطانية الطنجية لحد الآن، ولا يشبه أي مسرح
في شمال إفريقيا. يتعلق الأمر ببناء فرجة مزدوجة لها طابع مدرج (Amphitheatre) ومسرح، يتوفر على ساحة دائرية محاطة بصفين من
المقاعد لم يتبق منها سوى سبعة. اقترح لهذا البناء تاريخا يقع بين سنوات 70 و120
ميلادية.
احتوت هذه البناية على حمامات في الطابق الأرضي. أرخ لها من خلال
إحدى الاستبارات ببداية القرن الثاني للميلاد. عرفت هذه المؤسسة، فيما بعد، عدة
ترميمات و إصلاحات. ولم تكشف استراتيغرافية المسرح والحمامات المجاورة عن أي أثر
للهدم.
كما مكنت الحفريات من الكشف عن حي سكني، يضم حمامات وعددا من المنازل.
يمكن التمييز في هذه الحمامات بين ما هي عمومية، وأخرى خصوصية.
فحمامات حي المعابد العمومية توجد في الشمال الشرقي بالحي بين السور
المتأخر والمعبد F. ويذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الحمامات كانت
خصوصية ثم عرفت بعد ذلك توسعا لتصبح عمومية.
في سنة 1963، التي كشفت الحفريات عن وجود مسرح، تم الكشف أيضا
عن حمامات تابعة له، تبلغ مساحتها 270 متر مربع تقريبا. وضمت في إحدى غرفها
فسيفساء، تمثل إله البحر أوقيانوس. أما بالنسبة لحمامات منزل مارس وريا فهي حمامات
خصوصية.
وإذ تتطلب الحمامات توفير كميات مهمة من الماء ازدادت مع التطور
المتواصل للمدينة، غير أن ارتفاع نسبة الملوحة في واد اللوكوس والطبيعة الجيولوجية
للمنطقة لم يساعدا على تشكل فرشات باطنية وفيرة المياه، الشيء الذي يفسر ندرة
الآبار، وبالتالي اعتمد السكان على تجميع مياه الأمطار في خزانات أكدت الحفريات
وجودها في المدينة.
بخصوص البنايات الخصوصية، فإن المصادر اقتصرت في الحديث عن ثلاثة
منازل، هي منزل مارس وريا ومنزل الحسناوات الثلاث ومنزل هيليوس، وما يجمع بينها
كون الغرف تنتظم حول باحة معمدة يفضي مدخلها إلى بهو. وفيما تميز منزل مارس وريا
بفسيفساء تزين بعض غرفه فضلا عن توفره على حمامات خصوصية، كشفت الحفريات أن منزل
الحسناوات الثلاث، الذي يوجد في وضعية متردية، يضم خمس غرف، ثلاث منها تتوفر على
لوحات فسيفسائية. أما منزل هيليوس فيعاني هو الآخر من الهدم وانهيار جدرانه.
بعد جلاء الرومان
بالنسبة لوضعية المدينة بعد فترة الجلاء الروماني خلال نهاية القرن
الثالث الميلادي، تفيد بعض المصادر أنها كانت لا تزال تحت السيطرة الرومانية خلال
نهاية القرن الرابع الميلادي. فقد عرفت خلال هذه الفترة إقامة سور متأخر، تدعمه
أبراج مستطيلة، والذي قلص بناؤه من مساحتها. من نتائج إقامة هذا السور تغيير في
المشهد الحضري للمدينة، فقد أصبحت عدد من البنايات العمومية خارج المجال الذي يحيط
به السور، بل إن بعضها قد حول إلى مقبرة. ويمكن من خلال مقارنة هذا السور مع مثيله
في وليلي، الوقوف على جوانب التشابه والاختلاف. تتمثل الأولى في تقلص المساحة التي
يحيط بها مقارنة مع مجال الفترة الرومانية، كما يلاحظ استعمال نفس مواد البناء.
أما الثانية، فتتجلى في كونه خلافا لسور وليلي مدعم بأبراج مستطيلة، ومؤرخ بنهاية
القرن الميلادي الثالث، في الوقت الذي يؤرخ فيه سور وليلي بالقرن الميلادي السادس.
لقد استمر وجود الإدارة الرومانية
بالمدينة، حتى القرن الخامس الميلادي كما تؤكد ذلك المعطيات التاريخ الأركيولوجية
التي تعود للقرن الميلادي الخامس. هذه المسألة ارتبطت كذلك بعدد من المواقع
الشمالية، ومن المحتمل أن يكون القسم، الذي بقي تحت السيطرة الرومانية بعد الجلاء،
قد عرف أحداثا عجلت بالرحيل عن عدد من المواقع خلال بداية القرن الخامس، حيث لم
يعد يعرف شيئا عن الحياة في المدينة بعد هذه الفترة. ومع ذلك فإن المعطيات القليلة
المتوفرة حول المدينة والمؤرخة بالقرنين الخامس والسادس سمحت بالحديث عن استمرارية
في الاستقرار.
من آثار الفترة الإسلامية في الموقع بناية اعتبرت مسجدا ومنزلا ولقى
خزفية تعود للفترة الممتدة بين القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر الميلاديين.
رغم الحفريات التي عرفها الموقع، فلا زال يجهل الكثير عن التطور
العمراني به. لقد كان للوضع الطبوغرافي دور حاسم في تخطيط عمران المدينة إذ حددت
الدراسات أربعة أحياء لم يتم الكشف عن محاور الاتصال فيما بينها، هي الحي الديني
والأحياء الصناعية التي تشغل أسفل المدينة ثم الحي الإداري، والذي يوجد بين الحي
الديني والأحياء الصناعية. أما شمال الموقع فيمتد حي المنازل الرفيعة، التي هي
عبارة عن منازل كبيرة تعود لفترة الازدهار الروماني، خلال القرن الميلادي الثاني.
وبذلك يمكن تسجيل، إلى حد ما، نوع من التشابه في وظائف هذه الأحياء ومواقعها داخل
المدينة بين ليكسوس ووليلي، وإن كان المشكل المرتبط بليكسوس يتعلق بالربط بين هذه
الأحياء. كما أن حي الإقامات الرفيعة في ليكسوس الذي يحتل الجهة الشمالية من
الموقع يتميز بتخطيط شوارعه المنتظمة.
إن الملاحظة الأساسية في ليكسوس، خلال الفترة الرومانية تتمثل في عدم
وجود مبان عمومية، وهي مسألة تنفرد بها هذه المدينة عن باقي مدن موريطانية الطنجية
الأخرى خاصة وليلي وبناصا وسلا. فهل يفسر هذا الغياب للمباني العمومية بعدم اهتمام
الرومان بمدينة بونية قديمة، أم أن الأمر لم يستوجب حضور إدارة مستقرة أم أنه
مرتبط بالحفريات التي لم تشمل كل أجزاء الموقع؟ نعتقد ورغم قوة الاحتمال الأخير أن
الأمر قد يرتبط بأسباب أخرى، على اعتبار أن المدينة كان لها وعلى مر القرون دور مهم
كحلقة وصل بين المغرب وباقي بلدان البحر الأبيض المتوسط بالنظر لموقعها
الاستراتيجي على المحيط الأطلسي، تتوقف بها السفن القادمة من جهات أخرى، قبل أن
تتجه صوب مواقع أخرى كتموسيدة أو بناصا. إن هذه الأهمية التجارية ومقارنة مع عدة
مراكز على سواحل البحر الأبيض المتوسط، ووجود ساكنة مستقرة على مر القرون تستوجبان
إقامة مؤسسات قارة لتنظيم تسيير هذه المدينة. وإذا كانت الحفريات لم تكشف عن وجود
هذه المباني العمومية فيمكن الافتراض بأن الجهاز الذي يسيرها قد استعمل مبان كانت
موجودة في السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق