الخميس، 1 يوليو 2021

ديور الحواتة حلم بنكهة الماضي

 


محمد الجزار

شيد حي ديور الحواتة سنة 1953 في فترة الحماية الإسبانية” la protectorat espagnol “” من قبل شركة راموس Ramos Garcia للتجهيز والبناء، بتمويل من” صندوق البحارة” الذي كانت تغطي مدخراته الاحتياجات الاجتماعية والصحية لبحارة العرائش، بل أكثر من ذلك كان يعنى بالأنشطة الثقافية والرياضية للبحارة. فلا غرابة أن يكون للبحارة خلال تلك الفترة فرقة مسرحية وفريق الميناء لكرة القدم الذي كان يشارك في دوريات عصبة الشمال ودوري المنطقة الأندلسية التي كانت مدن الشمال المغربي ضمنها، وذلك في فضاء ملعب” البرامل” الذي أصبح حاليا مقرا لعمالة العرائش، بالإضافة إلى مشاركتهم في الألعاب النهرية كسباق الزوارق والسباحة وغيرها، والتي كانت تقام كل صيف ضمن فعاليات المهرجان الثقافي لأسبوع العرائش” Semana de Larache”.

وحسب نظام القسمة المعمول به في توزيع مداخيل مراكب الصيد، فقد كان يرصد لصندوق البحارة قسمة واحدة أي ما يعادل 1٪ يتم اقتطاعها من كل مركب؛ نصف قسمة لدعم البحارة والنصف الآخر لأرباب المراكب، بالإضافة إلى صندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالبحار ونسبة من الموارد المالية المستخلصة من مداخيل مكتب الصيد ” la Lunja ” تكون تحت تصرف المجلس الجماعي / البلدية ويتم تخصيصها لدعم المشاريع التنموية ذات النفع العام بالمدينة، كل ذلك بالنظر إلى الأهمية الاقتصادية الحيوية جدا التي كان يشكلها الميناء في تحريك العجلة الاقتصادية بالمدينة وما ارتبط آنذاك بالصناعات ذات الصلة بالصيد البحري كمعامل تصبير السمك وتجفيفه، والحركة التجارية النشيطة جدا بحكم الموقع الإستراتيجي للميناء ودوره في استقطاب البواخر الدولية التي كانت تفد محملة بكل أنواع السلع والمواد، حيث يتم تفريغها بواسطة الرافعات المعروفة ب ” البوجيات ” التي لم يعد لها وجود وتم اغتيالها كجزء من الذاكرة التاريخية الجماعية للميناء والمدينة، ويتم وضعها في “هنگارات ” كبيرة، وتحميلها بعد ذلك على متن قطار السلع الذي يربط بين العرائش والقصير الكبير.

تصوروا معي ما يمكن أن تحدثه نصف قسمة مقتطعة من كل مركب لدعم صندوق البحارة بنزاهة وشفافية وحب في البحار وفي العرائش التي كانت تحظى باهتمام خاص لدى الإسبان لدرجة لقبوها بجوهرة الشمال” La Perla De Notre”، وتخصيص موارده لخدمة مصالح البحارة الاجتماعية والصحية والثقافية والرياضية.

نصف قسمة كانت كافية لتشييد حي ديور الحواتة سنة 1953, وبعده حي الأجانب المعروف ب” ديور النصارى” سنة 1954. وهما من الأحياء العريقة بمدينة العرائش التي تتميز بفرادة خاصة من حيث بساطة البناء والشكل الموحد للمعمار الخارجي وعبق التاريخ البحري. ديور النصارى كانت خاصة بأرباب المراكب و” الرياس” والتقنيين وبعض المغاربة ممن لهم حظوة اجتماعية بين الإسبان.
وديور الحواتة المعروفة بالسفلى لأنها تقع على أرض واطئة وتحوطها البساتين و” الجنانات” والمستنقعات.، كانت خاصة ببسطاء البحارة من الكادحين الذين انحدروا من الأرياف المجاورة كرقادة وخميس الساحل وبني گرفط وريصانة ومولاي عبد السلام بن مشيش وغيرها. وهذا ما يوضح أسلوب البساطة الذي تحكم في تصميم هذه الدور من حيث المتانة المتواضعة للبناء والمساحة التي لا تتعدى 75 متر مربع، بحيث أن كل جناح يضم أربعة مساكن مستقلة ذات سقف قصديري وثلاثة أقواس وفناء داخلي مشترك للتهوية، بالإضافة إلى الاهتمام بالفضاء الأخضر، وهو عبارة عن مستطيلات خضراء طولية محاذية للشارع الرئيسي للحي (أنظر الصورة).

بعد ذلك – يا الهول! – جاءت مرحلة” ليگزورسيس”.

لا أريد التحدث عنها لأن الجميع يعرفها.

ما أقسى الذكرى حين تهرب منك وتتوارى في مجاهيل النسيان والغموض! لم نعد نطمح ونحن نتطلع إلى المستقبل وأمام هذا الجمال البهي الذي سطع ذات ذكرى من تلة ليكسوس وقد تدوزنت إشراقة الشمس بهدير البحر والمراكب ونشيد النوارس وهتاف البحارة وهذا الحنين الجياش الذي يسكننا الآن في أن يرجع ذلك الحلم، ذلك الماضي على الأقل.

 [نشر في موقع العرائش نيوز في 01 يوليوز 2021]


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق