الجمعة، 6 يناير 2017

العرائش لم تـتـعرّض للإحتلال البرتغالي

    
 بقلم : عبد الحميد بريري

من الأخبار التاريخية الغريبة المتداولة في التاريخ المغربي ،اعتبار العرائش من المدن المغربية التي تعرضت للاحتلال البرتغالي في نهاية القرن15 و القرن 16 وخاصة لدى  أشهر المؤرخين المغاربة المعروفين، ولإزالة هذه الغرابة وإماطة اللثام عن غموض اكتنف  هذه اللحظة التاريخية من تاريخ العرائش وتوضيح الصورة للقارئ  المغربي  سنسوق مجموعة من المواد التاريخية التي تؤرخ لهذه الفترة ، والتي توضح ما نحن بصدده ، وضوح الشمس من القمر .  قد ندري سبب ذلك هو أن مؤرخينا عند جمعهم هذه الأخبار، اكتفوا بنقلها من مظانها دون التأكد من صدقها بعدة طرق ، أو الأخذ من  الرواية الشفهية المدونة من بعد  وقوع الحدث .  وهذا طبيعي لرعيل رائد مجتهد في كتابة التاريخ  المغربي  وتعريفه لنا ، وأسس لهذا المجال المعرفي في بلدنا  ، نعذرهم ونقدر مجهوداتهم الجبارة في جمع هذا الكم الهائل من المعلومات التاريخية  الأمر يتعلق بالمؤرخين  أحمد بن خالد الناصري وعبد الرحمان بن زيدان رحمهما الله أي ممن تعلق بهما هذا الخبر .
أحد المعاصرين ، وهو برتغالي عاش في أصيلا إبان الاحتلال البرتغالي لها ، دون الأحداث التي سمعها  أو شاهدها  حيث تضمنت معلومات دقيقة و جديدة عن تاريخ المغرب وجغرافيته خاصة في منطقة الهبط التي كانت مسرحا لها ،و في معرض حديثه عن رحيل أحد حكام أصيلا البرتغاليين إلى بلده ، وهي الفترة التي أشار فيها إلى وفاة  محمد الوطاسي (البرتغالي) ، مستغربا  من  المعاملة السيئة للسلطان المذكور مع البرتغاليين بجهاده لهم ، رغم تربيته له عندما سقط أسيرا لديهم حين هاجموا أصيلا  واحتلوها سنة 1471، والامتنان لأبيه الشيخ الوطاسي في السماح للبرتغاليين بالانسحاب من جزيرة المليحة العرائشية . تذكر الخطأ الذي ارتكبته بلاده بعدم احتلال العرائش إبانها ، قائلا بالحرف والكلمة ” … وقد شاهدت شخصيا ذلك الموقع (المليحة ) واصطدت فيه بعض الخنازير البرية ، ووقفت على الخطأ التي ارتكبته بلادنا ( بالانسحاب منه) أمتنع عن الحديث عن تلك الواقعة طالما أننا لا نزال نلاحظ استمرار حكامنا في ارتكاب الأخطاء الفادحة ؛ الواحدة تلو الأخرى. فلتوفير مبلغ خمسة عشر ألف ( كروزادو ) كانت تنفق سنويا في الدفاع عن أصيلا ،تبدر الدولة حاليا أكثر من مائة ألف ريال يوميا . ولكي لا ينفقوا عشرة آ لاف ( كروزادو ) أخرى لاحتلال العرائش واستيطانها ، هاهم ينفقون اليوم مليون (كروزاد ) ذهبية للحفاظ على مازيغن ، دون أن يضمن أمننا ، أو يحمينا من الهجمات التي نتعرض لها يوميا ، وهو ما كان احتلال العرائش سيضمنه بالتأكيد إننا نعلم جميعا أن أهم سبب يجعل الأتراك يطمعون في مملكة فاس ، هو نهر العرائش ، لأنه أحسن انهار البلاد ،فضلا عن دور ميناء المدينة بالنسبة لكل أصيلا والقصر الكبير …”(1) . فإذا كان برتغاليا يلوم بلاده على عدم احتلال العرائش للاعتبارات التي ذكرها وهو الذي كان يتردد عليها ويزور فيها صديقه العرائشي علي روندين . فما بالك ممن جاء من المتأخرين منا وأتى بالخبر المخالف ..
إذن من خلال هذا النص، يتبين لنا وقد شهد شاهد من أهلها ، أن البرتغاليين لم يحتلوا العرائش وأنها بقيت تقلقهم ، تثير الرعب فيهم وتهدد أمنهم ومصالحهم التجارية مع أن شاهدنا يعترف بموقع العرائش الإستراتيجي القادر على  حمايتهم في بلدهم وفي مستعمراتهم لكن شيئا من هذا لم يتحقق رغم متمنياته له، لكن صاحبنا هذا لم يعلم السبب الحقيقي الذي يفهم بصريح العبارات  من المراجع التاريخية لهذه الفترة  وراء عدم تمكنهم من ذلك وظلت حاجزا أمام تحقيق مطامعهم فيها ، إنها المقاومة العرائشية المغربية التي تصدت بكل قوة لمحاولات  احتلالها خاصة بعدما أصبحت القاعدة البحرية المتقدمة في مواجهة الأطماع البرتغالية بعد احتلال معظم الثغور الشمالية القريبة من أوربا ، وزادها منعة ونفورا  الدولة الوطاسية التي حصنتها وسورتها وجلبت إليها جيش نظامي ومدافع يحرسونها ليل نهار من كل طامع فيها أو مهدد لها ..
ولن أقف إلى هذا الحد من الاستدلال فلا بد من إضافة ما يعضد هذه الشهادة ويعطيها الحجية التاريخية ، وهذه المرة شهادة من مغربي دون أحداث المغرب  الوطاسي هو الكراسي(2)  حيث  أشار إليها في منظوماته المشهورة من المدن التي عمرت أثناء حكم الملك الوطاسي محمد بن الشيخ  مقطع جاء  في كتاب تاريخ تطوان ، يشيد فيها بإنجازات الدولة الوطاسية
وقام من بعد ابنه المجاهد     محمد السلطان ليث عاهد
أعطاه ربي النصر حيثما بدا     اطلع في المغرب بدرا وهدى
زانت به الأرجاء والقصور     وعمرت في وقته الثغور
زاد على ماكان فيها من عمل     بعد أبيه وبه السعد اكتمل
كمثل تطاون والعرائش     ولم يكن في قوله بفاحش (3)
فهذه الأبيات دالة على السيادة المغربية للمدينة . وإن كانت في يد البرتغاليين ما كان ليذكرها الكراسي كما لم يذكر طنجة وأصيلا المحتلتان فعلا من طرفهم . الحسن الوزان ليون الإفريقي ، موسوعة عصره الجامع بين ثقافة الشرق والغرب  الذي لم يخف صغيرة ولا كبيرة عن مغرب هذا العصر إلا وعددها  في كتابه وصف إفريقيا  حيث أشار إلى اهتمام الدولة الوطاسية بالمدينة  بتعميرها وتحصينها وحمايتها ” …حيث عزم أحد ملك فاس الحالي على إعادة تعميرها ، فحصنها تحصينا منيعا . وقام بها حامية دائمة مزودة بالأقوات اللازمة ، لأنه كان شديد الحذر من البرتغاليين ..”(4) هذه أدلة معاصرين نكتفي بها لنفي الخبر الذي جاء به الناصري في كتابه الاستقصا ص: 110 الدولة المرينية القسم الثاني الجزء الرابع دار الكتاب الدار البيضاء 1955- عند ذكر العرائش من جملة المدن التي احتلتها البرتغال في بداية القرن 16  أي بالضبط سنة 910 هجرية والتي لا تعدو أن تكون إلا محاولات احتلال كالتي تعرضت لها العرائش سنوات 1489 و1504 و1508 و1522 …ميلادية والثانية منها هي التي قد توافق تاريخ الناصري فاخبر على احتلال للمدينة قد وقع .اما ما تضمنه كتاب أتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس لعبد الرحمان بن زيدان في الصفحة 72 منه – الطبعة الأولى سنة 1931 – حيث لم يكتف بنقل الخبر نفسه بل وزاد من تكثيف الغموض عن تاريخ مدينتنا إذ ذكر فيه أن العرائش بعدما هدمها أسطول الإفرنج سنة 667 هجرية “بقيت على خرابها إلى سنة 910 ه فنزلها البرتغاليون وبنوها وعمروها إلى أن أخرجهم منها المنصور السعدي سنة 986 ه فاعتنى بها وحصنها و بنى قصبتها ” فهذا خبر غريب ، يحدد أمد الاحتلال ويجعله إلى ما بعد معركة وادي المخازن ويتجاهل الدور الجهادي للعرائش التي أزعجت به العالم الأوربي . وهو الأمر الذي لا نجده في اغلب المصادر التاريخية مع العلم أن العرائش كانت تتصدر مشهد الأحداث عشية المعركة والتي كانت العرائش سببها الجوهري . إذ كان سبستيان يرغب في ضمها إلى العرش البرتغالي بعدما أصبح التهافت العثماني الأسباني على أشده ، حيث خطط لاحتلالها من البحر لكن بشكل فجائي يغير خطته هذه بأن أعماه جموحه وجبروته وأراد تحقيق رغبته بنوع من التحدي والاستفزاز لكل المغاربة باحتلال العرائش عن طريق البر . ارتمى نحو مغامرة ظنا منه انه قادر على تحقيق ما لم يحققه أسلافه من الآسرة الحاكمة في انتزاع العرائش . كانت نتيجتها ما لم يكن في الحسبان ، انقضاء العهد الزاهر  لأسرة أفيش من حكم البرتغال ، وانتهاء أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ البشري .  كانت العرائش بالفعل موضوع الساعة بين الإمبراطوريات الثلاث العثمانية والإسبانية والبرتغالية قبيل المعركة  الحاسمة في الوقت نفسه دخل بها السعديون على الخط لربح رهان  المعركة الدبلوماسية  (5).هذا وإن دل على شيء فإنما يدل على  أن العرائش كانت تابعة لسلطة المغاربة ولا لوجود سلطة غيرهم عليها .


والمتصفح لتاريخ المغرب في الوثائق التاريخية الغير المنشورة أيضا ، يلمس أن العرائش لعبت دورا طلائعيا في الدفاع عن الدين والوطن  وقد خول لها ذلك  موقعها الإستراتيجي والهجرة الأندلسية إليها وملاذا آمنا لكل من أسلم من المسيحيين  . لكن هذا الدور ، مع الأسف ، يغيب في كتابة اغلب المؤرخين المغاربة المعاصرين .
البرتغاليون في هذا الوقت لم تكن تطأ أقدامهم العرائش حتى أخرجهم منها المنصور كما اخبر بذلك ابن زيدان وعبد المالك السعدي حينها  ” يأمر السفن في العرائش وسلا وصار اهل الأندلس يسافرون في البحر مع أهل المغرب وضيقوا بالنصارى اشد تضييق وكثرت الغنائم …”(6) . ويرسل رسالة ينبه فيها أخاه المنصور والي فاس وأعمالها إلى خطورة إهمال ” الجند الذي بالعرائش ” وطبول الحرب تدق . (7) وما ان وضعت الحرب أوزارها حتى هب المنصور لتحصينها تحصينا جيدا فبنى بها حصنين عظيمين هما الفتح والنصر ، وصف أحدهما وزيره الفشتالي أنه” لم يرمثله “، مخيبا لآمال فليبي الثاني في  أخذ العرائش التي تساوي عنده أفريقيا* كلها بالطرق الدبلوماسية بعدما كان يمنيه بها لسنوات اتقاء لاحتلالها بالقوة .
نكتفي بما أدرجناه من أدلة واضحة ، مؤكدين أن العرائش لم تحتل من البرتغال بل ظلت مستقلة تمارس الجهاد البحري كتطوان وسلا ومنها بدأ قبل أن يتركز في المدينة الأخيرة

1.   برناردو رودريكس حوليات أصيلة (1508-1535) مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي تعريبالدكتور احمد بوشرب ص : 431 و 432 الطبعة الاولى 2007 دار الثقافة
2.   الفقيه القاضي أبو القاسم أو ابو عبدالله محمد بن عبدالرحمان الأندلسي البقيوي تولى القضاء في تطوان الى ان مات سنة 964 ه /1559 وعمره 90 سنة لقي مشايخ غرناطة ومشايخ فاس كالونشريسي وابن غازي وزروق – تاريخ تطوان ص:148 المجلد 1 محمد داود
3.   تاريخ تطوان المرجع السابق ص:151
4.   وصف إ فريقيا الحسن بن محمد الوزان الفاسي المولود سنة 828 ََّّْ \1488 م الجزء الأول ص : 233 و 234
5.   وقعة وادي المخازن في تاريخ المغرب الدكتور أستاذ التاريخ الحديث إبراهيم شحاته حسن الطبعة الأولى 1979 البيضاء ص : 184 و186 ـ 202 و217 ـ 225 و 231. معركة وادي المخازن بين الملوك الثلاثة ترجمة وفاء موسى ويشو ، حسين حيدر لصاحبه يونس نكروف ص: 71 و72 ـ ص : 162
6.   تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية المؤرخ المجهول تقديم وتحقيق عبدالرحيم بنحادة طبعة 1994 النسخة المعتمدة مخطوط باريس ص : 53
7.   الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى احمد الناصري تحقيق وتعليق ابني المؤلف جعفر ومحمد دار الكتاب الدار البيضاء 1954 } 5: 66 و67
*يقصد بها المغرب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق