بقلم: يوسف التيجاني
كلما حاولت التطرق لهذه النوستالجيا، إلا وانفلتت من بين أناملي
رؤوس خيوط بدايتها المتشعبة. إلا أنه، وبعد إصرار وإلحاح، استسلَمَت طوعا لتبوح لي
بأن مدينتي العزيزة كانت تنعم بأسبوع ثقافي، رياضي، تجاري، صناعي، فكاهتي ..... قل
عنه ما شئت من نعت حميد، اسمه أسبوع العرائش. يا من تعذر عليهم إتقان نشاط يوم
واحد، إنه أسبوع من الأنشطة سأسرد عليكم ما علق بذاكرتي من أنواعها طالبا منكم
التفاعل وإضافة ما داهمه النسيان وتصحيح ما يجب تصحيحه، كما أعتذر عن استعمال بعض
الألقاب لبعض الأشخاص والتي لا يراد بذكرها الذم أو القدح بتاتا إنما ورد ذكرها
لأنها أصبحت جزءا من الذاكرة.
كانت الأنشطة متنوعة وعلى مدار الأسبوع، سأبدأ بحول الله
بالأنشطة الرياضية مع صنف لا يراه أبناؤنا حاليا إلا في القنوات الرياضية، إنه
سباق الدراجات النارية الذي كان مسرحه "جنان فرانسيس" تجزئة السمارة
حاليا، فعلى جنبات أكوام رمال "الحمري" كنا نصطف للتمتع بقفزات الدراجات
في الهواء مشجعين ابن حينا الذي كان يشارك بدراجة ياماها 50، و بعدها ب
ياماها 125، إنه العشيري محمد الأمين
المقيم حاليا بلندن دون أن أنسى أبناء كونرادو....، نفس المكان أيضا كان مسرحا للفروسية
التي ربما لم نكن نعير لها الإهتمام بسبب أسبوع الفرس الذي كان يجثم على أنفاسنا
لساعات ونحن ننتظر حلقة مهمة من مسلسل مشوق.
في
وسط المدينة كان شارع محمد الخامس يتسع لسباق السيارات .... نعم سباق السيارات،
كانت تصفف مكعبات التبن الواقية على جنبات الطريق بمحاذاة الرصيف الذي نصطف على
حافته باكرا للظفر بالخطوط الأمامية، فنستمتع بالسباق حيث يختار كل منا سيارة
معينة متمنيا فوز سائقها ويبدأ الرهان بيننا فيفرح منا من حالفه الحظ في الاختيار ويفتخر
وكأنه الفائز البطل أو العارف بخبايا سباق الرالي....
سباق الدراجات لا يقل فرجة عما سبق ويمتاز بالمشاركات المحلية المكثفة
وإذا لم تخني الذاكرة، كان "كاسيطا" من بين الأبطال وهو الذي أصبح فيما
بعد مدربا لكرة القدم، وكذلك أخوين من حي المحصحاص لا أذكر اسميهما. رجل آخر قصير
القامة أنيق جدا، كان من بين العاشقين لهذه الرياضة وكان بشوش الوجه، نمطره
بالأسئلة حول الصنف الجيد للدراجة كلما صادفناه في طريقنا فكان يجيبنا بكل لباقة
مع الشرح الكافي. مدار سباق الدراجات كان نفس مدار السيارات والعدو الريفي تقريبا،
الانطلاقة من ساحة اسبانيا مرورا عبر شارع محمد الخامس إلى المحكمة الابتدائية ثم
الرجوع عبر شارع الحسن الثاني بينما كانت تُنصب المنصة الشرفية بساحة التحرير
"بلاصا اسبانيا".
سباق آخر كان يتسم بالندية هو سباق السباحة الذي كانت تجري
أطواره بشاطئ رأس الرمل ومن بين أبطاله محمد الروبيو ومحمد الغري من حي الغريسة
المقيم حاليا بالديار الهولندية حسب ما روى لي أحد الأصدقاء. وبموازاة مع هذا كان
سباق الزوارق PASAJEROS
الذي يستحوذ عليه أبناء مدشر "رقادة "
أما السباق الأكثر إثارة وفرجة، الذي كانت تجرى أطواره في الميناء هو ما كنا نطلق
عليه بسباق "الجفاني"، نصف برميل الزيون الخشبي يمتطيه المسابقون
محاولين التجديف بشتى الطرق تحت تمايل "الجفنة" أو انقلابها الشيء الذي
كان يقابل بتشجيع المتفرجين الممزوج بالقهقهات .... وكان البطل بلا منازع هو
التميمي سائق "الرموك" الذي يداعب الأمواج في مدخل الميناء شتاء فما
بالك بداخله صيفا....
سباق "البطة" أيضا كان يجرى في الميناء، كان
المتبارون يصطفون على حافة مرفأ الميناء وتطلق بطة في الماء وتعطى الانطلاقة
ليرتمي المتبارون ويسبحون وراءها إلى أن ينقض عليها الفائز.... صنف أخر وأخير من المسابقات داخل الميناء كان
يتم فوق عمود يثبت طرفه في مقدمة المركب بطريقة أفقية ليبقى بارزا فوق الماء، توضع
هدية في طرفه الآخر ويتم تشحيمه حتى يصبح لزجا بعدها يطلب من المتبارين الوصول
للهدية الشيء الذي كان يصعب حيث يسقط المتبارون تباعا في البحر بعد تزحلقهم وأحيانا
بمجرد الجلوس على العمود ....
رصيف مسبح رأس الرمل كان يضرب موعدا لأصحاب العضلات المفتولة
" الحدايدية" للتباري في كمال الأجسام وحمل الأثقال ومن بين الأبطال
الذين أذكرهم، الشريف البقالي "الزعر" والمرحوم عبد القادر الحربولي ابن
حينا وعبد القادر كان أسمر اللون والطيب الجزار بجنان الباشا وكل هذا تحت إشراف
المدرب علي صاحب نادي كمال الأجسام.
ساحة اسبانيا كان لها أيضا النصيب الأوفر في الأنشطة الترفيهية،
في كل مساء يضرب موعدا لسكان المدينة الحبيبة مع نشاط أو نشاطين، كمسابقة الأكل
وكان الطابق المخصص لهذا السباق هو الكسكس، إذ كل فريق يتكون من فردين يجلسان
متقابلان تتوسطهما قصعة كسكس والمطلوب أكله دون طي الأيادي وهكذا يضطر كل فرد من
الفريق أن يمد المعلقة لصديقه ونفس الشيء يفعله صديقه وهكذا يفعل كل فريق والفائزان من يلتهما الكسكس
في أقل مدة زمنية ... و من أبطال هذا السباق الثنائي "طيزو" و "ولد
الروبيا" و كذلك محمد الملقب بالقراع
الذي كان يشتغل بالمحطة الطرقية...
الحلاقة كان لها سباق كذلك حيث تدهن بالونات بالرغوة وتقدم كل بالونة
لحلاق والمطلوب إزالة الصابون بالشفرة دون فرقعتها الشيء الذي كان شبه مستحيلا ...
سباق آخر كان شيقا كنا نسميه "الخناشي" حيث يدخل كل
متسابق في كيس ويربطه في خصره وتعطى انطلاقة الركض الذي يتخلله السقوط والنهوض تحت
تصفيقات الجمهور وضحكاته.... وأختم بالسباق الأكثر تشويقا، ذاك المسمى ب "القدور"..
تعلق عدة قدور في حبل طويل، كل قدرة تملأ بشيء ما، تلف عصابة على عين المتباري بعد
أن يركز النظر على القدور يتم استدارته دورتين أو ثلاثة حتى يفقد البوصلة يمدوه
بعصى لينطلق كالسكران يلوح بعصاه في شتى الاتجاهات مستعينا بتوجيهات المتفرجين إلى
أن يكسر القدر وكل حسب حظه، فتارة تكون مملوءة بالماء فيسكب عليه وتارة بالرمل
وتارة ترفرف منها حمامة ... يا سلااااام أي تسلية هذه وأي أسبوع هذا ......
وبالموازاة مع ماسبق ذكره، فالشرفة الأطلنتيكية كانت تزخر هي
أيضا بالألعاب المتنوعة.. أجملها " الطياير" المتعددة الألوان ...
راكبها عندما تعتلي به يطل على البحر فيتخيل له أنه يمتطي طائرة فعلا...
"السلاسل" لعبة لا يقوى عليها إلا أصحاب القلوب الجامدة، فان صادفت أن
جلس وراءك صاحب ساق طويلة، فاعلم أنك ستطير في الهواء بقذفاته المتتالية التي
تجبرك على الصراخ والتوسل بالكف عن الأذى..... السيارات الكهربائية
"التشوكير" كانت للكبار والصغار بدون استثناء بل أنها كانت فسحة الخطاب
الذين يقودونها بهدوء ويتبادلون أطراف الحيث "فحال دبصح" أما نحن
الصغار، فكنا نزعجهم بالصدمات الواحدة تلو الأخرى سامحنا الله...
حائط الموت ... رمز الشجاعة وإن لم يحالفك الحظ وتسمح لك الظروف
المادية لمشاهدة البطل علي بن الحسين وهو يدور مغمض العينين برايتين، فإنك ستستمتع
لا محالة بسماع أغاني جيل جيلالة وناس الغيوان التي تصدع من الأبواق ممزوجة بصوت
محرك الدراجة....
السحر كان له نصيب فلا يمكن أبدا نسيان هذا الاسم: الآنسة
"ساندرا" التي كان يفصل عنقها عن جسدها تحت ذهول المتفرجين .... لعبة
الفأر كانت محبوبة لدى الجماهير والفائز يؤثث مطبخه بالأواني الزجاجية المختلفة
.... اسم أخر أنثوي لا يمكن نسيانه خصوصا أنه لرجل يتستر في زي النساء على خشبة عالية
... إنه-ها مانگلا الراقص-ة الذي يجلب الزبائن للعب "السويرطي" وكانت
اللعبة إلى حد ما مصنفة. غير بعيد من
منگلا هناك "الضادو" الرند أي القمار و"الستة" بالرند أيضا
وأوراق الكارت وقد اجتمعت المبيقات قرب المستشفى المدني عملا بمبدأ: إذا ابتليتم
فاستتروا، هذا دون أن ننسى الرمي بالبندقية ورمي النقود على دوائر خشبية تطفو على
الماء ولعبة الحبل "خاوية عامرة" ولعبة التركيز بالقصبة وحبل تتذيله
حلقة يحاول المتباري ادخالها في عنق قنينة مشروب ما ليفوز بها أو بما يعادلها نقدا.
المعارض لها نصيبها كذلك، كانت فرصة للصناع التقليديين لعرض
منتوجاتهم من الجلاليب والمناديل المطروزة ب "الغرزة" و "punto de cruz" وغيرها من
المنتوجات.
كرة القدم كان لها نصيب أيضا، حيث كانت تبرمج مقابلات ودية
بملعب سانطا باربرا بين فريق شباب العرائش وفرقا من القسم الوطني الأول ومن بينها
على سبيل المثال الإتحاد البيضاوي، النادي القنيطري والمغرب التطواني.
وأخيرا مسابقة ملكة الجمال لأسبوع العرائش، حيث كان يتم
اختيارها هي ورفيقتان، وكان يتم وضع تاج كبير على رأسها، والوزيرتان بعدها يتوجهان
بتاج صغير.
و على مدار الأسبوع كانت تقام سهرات غنائية بساحة المخزن
"الكومانداسيا" ليختتم الأسبوع ب"الحرَّاقيا" المفرقعات
والشهوب الاصطناعية التي تزين سماء المدينة بشتى الألوان و الأشكال فيبتهج الكبار
و يصرخ الصغار وتهجر الطيور الأوكار، و إلى نوستالجا قادمة بحول الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق