بقلم: عبد الحميد بريري
من المراسيم السلطانية التي سجلها التاريخ
بمدينة العرائش بعد صلاة عصر أحد أيام شهر رجب 1237ه الموافق لشهر مارس-أبريل 1822،
هو تنصيب السلطان العلوي المولى سليمان (حكم ما بين فبراير 1792\نونبر 1822م) لابن
أخيه الأمير مولاي عبد الرحمان بن هشام وليا للعهد، حين توفرت فيه شروط الولاية
على المسلمين، ليتولى الأخير بموجب ذلك حكم المملكة المغربية الشريفة من نونبر
1822 إلى 28 شتنبر 1859م.
وقد كلّف السلطان سليمان المؤرخ الكنسوسي بحفظ
وثيقة تولية العهد حتى يحين أجلها؛ بعدما
أثنى على الأمير وأشاد به أثناء ذلك وكان السلطان قد ذكر للكنسوسي دماثة أخلاق
الأمير وحكى له عن بعض مواقفه قبل هذا اللقاء الذي كان مرتقبا أن يكون بالرباط،
وهذا نصها*: "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد و آله وصحبه أجمعين،
أما بعد، فإن الإمام الذي يصلح أن يكون مالكا لأمور المسلمين وخليفة عن رب
العالمين من شروطه المحافظة على الصلوات في أوقاتها في الجماعة ومن شروطه أن يجتنب
المحرمات الموبقات من سفك الدماء وشرب الخمور وفعل الزنا، ومن شروطه أن يحمي حرمات
الله وحرمات المسلمين، ويعظم ما عظم الله، ويرحم الضعفاء ويصل ما أمر الله بوصله،
ويقطع ما أمر الله بقطعه ومن شروطه ألا يتعامى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
باليد إن قدر عليه، ثم باللسان، ثم بالقلب، وذلك أضعف الإيمان، وهذه الشروط كلها
قد اجتمعت والحمد لله في ولد أخينا مولاي عبد الرحمان بن هشام فأشهد الله أنه أهل
لها، وهي أهل له، أقول الحق ولا أبالي، كتبه عبد ربه سليمان بن محمد غفر الله له
والسلام." ويضيف صاحب الجيش العرمرم "فدفعه لي وقال: اقرأه فقرأته عليه
فأخذه من يدي وطواه طيا وثيقا وقال لي غلفه مليحا ولككه واتركه عندك واحتفظ عليه
حتى أسأل عنه، ثم دعا العمال الذين قدموا من الحوز منهم …" وقد حكى الكنسوسي عن كرونولوجيا هذا اللقاء
بمدينة العرائش بعدما جاء السلطان من طنجة مارا بأصيلا بعدما بات في سوق الأحد
الغربية. فأخبر الكنسوسي السلطان بوصول المولى عبد الرحمان إلى القصر وجيشه. ومن
أصيلا كتب السلطان لابن أخيه أن يتقدم إلى العرائش ليلتقي به هناك فكذلك فعل
المولى عبد الرحمان. فسر السلطان المولى سليمان بقدومه إليه. كما استرسل الكنسوسي
في وصف مراسيم استقبال الأمير عبد الرحمان مرفوقا بقواد الحوز الذين جاءوا معه فأثنى
عليهم وأشاد بهم ووجههم وأرشدهم ..
وعند وفاة السلطان يوم 14 ربيع الأول 1238\ 1822م
بمدينة مراكش أطلع الكنسوسي عقد العهد الذي كتبه السلطان بالعرائش على القاضي
المزوري والفقيه محمد بن الطاهر الفيلالي حينها كان ولي العهد بمدينة فاس مع جيشه
بعدما تركه فيها حين أرجع الأمور إلى نصابها - بعدما بايع أهل فاس ابن أخيه اليزيد
السعيد- وهذا عقب خروجه من العرائش. وكان السلطان مولاي سليمان قد أبدى رغبته في
التخلي عن الحكم الشيء الذي جعله أهل فاس مبررا لمبايعة السعيد بن اليزيد مع أهل
تطوان فيما رفض أهل العرائش وأهل طنجة ذلك.
*أشار المحقق أن وثيقة العهد كانت في ثلاث نسخ منها التي عند
الكنسوسي وأكد أنها هي التي كتبت في العرائش.
المصدر:
الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي الشريف السجلماسي.
لمحمد الكنسوسي توفي ب 1294ه\ 1877م. ج/1. تقديم وتحقيق وتعليق حفيده أحمد بن يوسف
الكنسوسي. المطبعة والوراقة الوطنية مراكش (من الصفحة 320 إلى 331)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق