الجمعة، 1 مايو 2020

من أعلام شمال المغرب: القاضي سيدي مبارك بن القاضي مولاي محمد العربي الخمالي العمراني



      بقلم: الخمالي بدر الدين

هو القاضي سيدي مبارك بن القاضي مولاي محمد العربي بن القاضي أبي العباس مولاي محمد الطالب الخمالي العمراني الإدريسي الحسني ، ولد سنة 1279 هجرية الموافق لسنة 1863 ، بقرية الخماملة في قبيلة الخلط ببني عمران بمنطقة ريصانة وهو سليل أسرة الشرفاء الخماملة العمرانيين ، التي اشتهرت بالعلم و النسب و تواتر علماءها وأعلامها في القيام بخطة قضاء قبيلة الخلط و الطليق و بني كرفط وغيرها من قبائل الهبط ، بعد تولية جدهم القاضي مولاي عبد الله الخمالي الشهير بالرصاع بظهير المولى أحمد المنصور الذهبي ، عقب معركة وادي المخازن الشهيرة التي شارك فيها إلى جانب مولاي محمد ابن ريسون .
حيث يقول المؤرخ الدكتور عبد الله المرابط الترغي في ترجمته لأسرة الخمال في موسوعة معلمة المغرب ( ...تنتسب عائلة الخمال إلى الشرفاء العمرانيين فيصلون بنسبهم إلى عمران حفيد عبد الله بن المولى إدريس الأزهر حيث تجتمع فروع الشرفاء العمرانيين جميعا ، كانوا يسمون قديما بالرصاع حسبما وقفت عليه في تقييد شجرة أنسابهم ، ولقبوا فيما بعد بالخمال و اشتهروا به و في حديثه عن فرع الخلط يقول ( فرع قبيلة الخلط بأولاد عمران قرب القصر الكبير ومنهم الوجهاء و العلماء، تسلسل فيهم قضاء قبيلة الخلط و الطليق قرابة القرن ونصف القرن ) معلمة المغرب ص 3813 حرف الخاء ـ الجزء الثاني عشر(1)
وقد اشتهر الخماملة بالعلم و الخيار و المروءة و النسب الشريف حيث قال الشيخ سيدي عبد السلام بن علي بن ريسون الولي الصالح والقطب الرباني الواضح في الثناء عليهم ( في علمنا ويقيننا أن دار أولاد الخمالي في قبيلة الخلوط دار علم ومروءة وخيار ونسب فنعرف العالم العلامة القاضي سيدي التهامي بن الطيب القاضي ونعرف ولده الفقيه العلامة سيدي محمد بن التهامي المذكور المشهور بالقضاء في وطنه الخير الفاضل المفضل في قومه كما نعرف أخاه سيدي الخصال بن التهامي العادل النبيه العالم الذكي وأنهم لا زالوا في خدمة العلم والقيام بوظائفه وتعليم أولادهم وهذا دأبهم سلاف عن خلاف ولنا اتصال بمعرفتهم ومحبتهم ومحبة أسلافهم مع الأسلاف فالله يبقي فيهم نور العلم والقيام بوظائفه إلى يوم الدين ويحميهم من شر أهل الشر والجهل ويبسط عليهم نعمته آمين، يهمنا ما يهمهم ويسرنا ما يسرهم فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين وكتب عبد ربه عبد السلام بن علي بن ريسون ). (2)
كما وصفهم الشاعر محمد الفاطمي الصقلي في رحلته المسماة بالنفحة الشمالية العاطرة الأنفاس في الرحلة الخمالية لزيارة قطب فاس التي ترجم فيها للشريف سيدي محمد الخمالي العمراني الطنجي حيث قال ( ...ثم توجه من الغد إلى قبيلة بنى عمه الأشراف سلالة المنعوت في سورة الأعراف وهي قبيلة وافرة فيها سادات وجوهوهم كالبدور الساحرة منهم صلحاء وأعلام فيهم مصابيح الإسلام، قد اشتهروا بالصلاح والديانة والشجاعة والجود،وكيف لا وهم أبناء سيد الوجود. ) (3)
حفظ سيدي مبارك القرآن على يد الإمام العدل العالم العارف سيدي عبد الله الخصال الخمالي العمراني بقرية الخماملة وختمه وهو في الثامنة من عمره ، كما أخذ عن والده العلامة مولاي محمد العربي الخمالي وعن عمه القاضي سيدي محمد بن التهامي الخمالي فحفظ المتون و الحديث و أخذ علوم التصوف ، كما أخذ دروس التفسير وشروح الاجرومية و العاصمية وعلم القراءات عن ثلة من فقهاء القصر الكبير وعلماءها ، قبل أن ينتقل إلى فاس للدراسة بالقرويين ، حيث مكث بها مدة مقيما بدار الخماملة بالمدرسة المصباحية ، صحبة أخيه العلامة مولاي محمد بن محمد العربي الخمالي ، كما أخذ على الشيخ مولاي محمد بلعربي بن محمد الهاشمي الدرقاوي المدغري وكان له به اتصال كما تدل على ذلك رسالة كان بعث بها الشيخ المذكور لسيدي مبارك إبان مقامه بفاس سنة 1298 هجرية يشجعه فيها على طلب العلم.
وقد نبغ سيدي مبارك في العلوم الشرعية و بلغ فيها شؤاً كبيراً ، فأثنى عليه المولى الحسن الأول في رسالة إلى والده يصفه فيها بالفقيه العالم وهو لم يتجاوز بعد العشرين من عمره لما بلغه عنه من تفوقه و اجتهاده و تميزه عن أقرانه.

في توليه قضاء قبيلتي الخلط والطليق
تولى سيدي مبارك الخمالي القضاء نائبا عن قاضي العرائش عبد السلام بن الغربي الساحلي ، بمقتضى ظهير المولى الحسن الأول في 8 من ذي القعدة عام 1301 هجرية ، حيث جاء فيه
( الحمد لله وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه
الطابع الشريف وبداخله الحسن بن محمد وفقه الله ،
أقررنا بحول الله وقوته وشامل يمنه ومنته ماسكه الفقيه السيد مبارك ابن العربي الخمال الخلطي على النيابة في خطة القضاء بقبيلتي الخلط والطليق عن الفقيه القاضي بالعرائش السيد عبد السلام بن الغربي الساحلي ، فعليه أن يسلك في ذلك نهج من تقدم من أسلافه و يتصف بجميل أوصافه و أن يدور مع الحق حيث دار ولا يراقب إلا الله الواحد القهار ، وأن يشاور المنوب عنه المذكور فيما يعرض له من الأمور ، والله ولي التوفيق و الهادي إلى سواء الطريق والسلام في 8 قعدة عام 1301 .) (4)
وصدر بشأنه ووالده مولاي محمد العربي الخمالي ظهيرين بالتوقير و الاحترام ، من القائد أحمد بن التهامي العرائشي في سنة 1302 هجرية وسنة 1305 هجرية .
ويتبين من الوثائق الخاصة بهذه الفترة ، أن قضاء الخلط و الطليق ألحق لفترة بقاضي العرائش ، وهذا يعزى في تقديرنا لمرض القاضي مولاي محمد العربي الخمالي الذي أعجزه عن تولى خطة قبائل الخلط و الطليق لفترة ، لذلك عندما ولي سيدي مبارك القضاء على القبيلتين المذكورتين جاء على سبيل النيابة عن قاضي العرائش ، إلا أن ذلك لن يستمر طويلا بعد التدخلات المتكررة لقاضي العرائش في مجال قضاء سيدي مبارك الخمالي ، خاصة بمسألة قسمة التركات التي خصها المولى الحسن الأول برسالة إلى قاضي العرائش يعلمه بموجبها بالكف عن التدخل في أحكام القاضي مبارك الخمالي ، وإسناد النيابة الشرعية في قضاء القبيلتين إليه مباشرة ، حيث جاء فيها
(الفقيه الارضى القاضي بمحروس ثغر العرائش السيد عبد السلام الساحلي سددك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد ، فقد بلغ لعلمنا الشريف أن النائب عنا في الأحكام الشرعية بقبيلتي الخلط و الطليق ، منعته من ما أقررناه عليه من الاستبداد بما يفيء الله به من أجر قسم التركات بالقبيلتين المذكورتين ، حيث لا إحباس له على القيام بالخطة كما كان على ذلك محمد رحمه الله ..) و المقصود هنا القاضي سيدي محمد بن التهامي الخمالي رحمه الله . (5)
وبلهجة شديدة يقول المولى الحسن الأول مخاطبا قاضي العرائش ( ...وأفضى بك الحال إلى أن أخرته عن الخطة رأسا وعليه إن صح ذلك فما كان ينبغي لك و حتى إن كان بموجب كان عليك أن تطلع علمنا الشريف به ، وعلى كل حال فهو مقر على أجرة قسم التركات إعانة له على الخطة وإذا قرأت كتابنا هذا رده إليه يتمسك به والسلام في 23 رجب عام 1303 هجرية ) (6)
وهذا ما ستؤكده رسالة أخرى من المولى الحسن الأول إلى ناظر أحباس القصر الكبير ، يسمي فيها سيدي مبارك الخمالي بقاضي الخلط مؤرخة ب 26 رجب الفرد عام 1303 .
وبالتالي أصبح قضاء الخلط و الطليق مرة أخرى مستقلا عن قضاء العرائش ، سيعود بموجبها سيدي مبارك إلى مدينة القصر الكبير حيث مركز قاضي الخلط ، بعد أن مارس الخطة بدوار الخماملة نائبا عن قاضي العرائش عند توليته سنة 1301 هجرية .
وقد استمرت هذه المرحلة من تولي سيدي مبارك الخمالي لقضاء الخلط و الطليق بمدينة القصر الكبير إلى سنة 1131 هجرية ، أي إلى سنة وفاة المولى الحسن الأول .
حيث أن مجلس قضاء قبيلتي الخلط و الطليق ، كان ينعقد كل يوم أحد ، وهو يوم السوق الأسبوعي الذي يجتمع به أهالي مداشر ودواوير القبيلتين للتسوق وهذا الأمر لازال ساريا إلى اليوم وكذلك لتقديم شكاواهم ودعاويهم للقاضي ، وقد أشار المستشرق ميشو بلير الذي كان مقيما بمدينة القصر الكبير إلى هذا الامر عند حديثه عن قضاة المدينة في كتابه عن القصر الكبير ـ الأرشيف المغربي
ثم أقر المولى عبد العزيز سيدي مبارك الخمالي قاضيا على قبيلتي الخلط و الطليق ، بمقتضى ظهيره الصادر في فاتح رجب الفرد عام 1312 هجرية وقد جاء فيه ( يعلم من شريف كتابنا هذا أعز الله أمره وجعل في الصالحات طيه ونشره أننا بحول الله وقوته ولينا ماسكه الطالب مبارك الخمالي الخلطي خطة القضاء في قبيلتي الخلط و الطليق وأسندنا إليه النظر في الدعاوى الشرعية والقيام بشرائطها المرعية على أن لا يخرج في حكم من أحكامه عن الراجح و المشهور وما به العمل المأثور وعليه بتقوى الله ومراقبته في التحفظ على الأحكام و التثبت في الرسوم ومراعاة الحق في الفصل بين الخصوم بحيث لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يسعه التغاضي عما ورد في ضل ذلك من الوعيد الدائم وعلى الواقف عليه من ولاة أمرنا الشريف أن يعمله ويعمل به ولا يتعداه والسلام ...) (7)
لكن هذه الفترة كذلك لم تمر دون نشوء نزاع حول مجال الاختصاص مع قاضي القصر الكبير ، وهذا ما تشير إليه رسالة المولى عبد العزيز المؤرخة في 21 ربيع الثاني عام 1313 ، حيث جاء فيها ( الفقيه الارضى قاضي قبيلة الخلط و الطليق السيد مبارك الخمالي سددك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد ، فقد أجاب قاضي القصر عن شكايتك بأنك لازلت تخوض التي من شأنه الخوض فيها الآيلة لأهل المدينة ، وقد أجيب بأن العمل على ما تقدم له ولك أمرنا الشريف من اقتصار كل منكما في الأحكام الشرعية على ما هو مولى عليه ، فأنت على القبيلة وهو على المدينة ، وكذلك عدول كل منكما يلزمون الإشهاد في خصوص ايالة قاضيهم لتحسم مادة النزاع بينكما و السلام ) (8)
وهذا يعود كذلك في رأينا إلى أن عدداً من ساكنة المدينة كانوا من قبيلة الخلط ، بل إن عددا من أحياء المدينة اليوم هي من الدواوير السابقة التي تعتبر ضمن مجال القبيلة المذكورة ، كأولاد حميد و دوار الحلوفي و الزكاكرة و دوار حسيسن و الكشاشرة و أولاد سدرة من أحواز مدينة القصر الكبير .
وللإشارة فقط ، فمجال قبيلتي الخلط و الطليق الشاسع غالبا ما كان محط أنظار قضاة القصر الكبير والعرائش ، باعتبارهما حاضرتي المنطقة ، وباعتبار أن ساكنة الخلط غالبا ما كانوا مصدر إزعاج للسلطة نتيجة لهجوماتهم المتكررة على المدينتين ولخصوماتهم مع الأهالي (9) ، كما أن قواد و بشوات المدينتين كذلك كثيراً ما بسطوا نطاق سلطتهم إلى القبيلتين المذكورتين ، وهو ما كان يثير حفيظة قواد القبيلة وشكاواهم للسلطان بشأن ذلك وهذا ما سنراه عند الحديث عن فترة تولي سيدي مبارك مهمة قيادة القبيلتين ، عدا أن بعض قواد القبيلة الأقوياء كالباشا الملالي الرميقي كان يتخذ من القصر الكبير مقراً لإقامته ، وكثيرا ما جمع تحت يده سلطة إدارة المدينة و القبيلة .
                                                      
(1) ـ موسوعة معلمة المغرب ـ الجزء الثاني عشر ـ حرف الخاء ـ أسرة الخمال ـ القاضي مبارك بن محمد العربي بن طالب الخمالي ـ ص 3813ـ3818
(2)ـ أبطال صنعوا التاريخ ، علي الريسوني المحامي ـ تطوان ـ 1975
(3) ـ مخطوطة النفحة الشمالية بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية وهي محفوظة تحت عدد 5467 ـ الرباط
(4) ـ أصل الظهير مخطوط في ملكية الأستاذ محمد سعيد الخمالي.
(5) ـ هو القاضي الأشهر والبركة الأنور الفقيه العلامة و الدراكة الفهامة سيدي محمد بن القاضي سيدي التهامي بن القاضي الطيب الخمالي العمراني ، من أعلام الخماملة ومشاهيرهم ، تولى قضاء الخلط و الطليق بظهير المولى عبد الرحمن بن هشام بعد وفاة والده مولاي التهامي بن الطيب سنة 1269 هجرية ، كما تولى قضاء بني كرفط وأهل سريف بمقتضى ظهير المولى محمد بن عبد الرحمن ، وورد بشأنه عدة رسائل من قائد مدينة العرائش علي بن محمد إلى قواد القبائل المذكورة يذكرهم بقدره وشأنه وعلى إلزام أهل الجبل من بني كرفط وأهل سريف بالتقاضي عنده و النزول عند أحكامه كما صدر بشأنه وأخيه العالم سيدي عبد الله الخصال عدة ظهائر بالتوقير و الاحترام ومنها ظهائر المولى الحسن الأول
ذكره سيدي عبد السلام بن ريسون بالقاضي الخير الفاضل المفضل في قومه كما هو وارد في الشهادة التي تضمنها ظهير المولى الحسن الأول .
ترجم له الدكتور عبد الله المرابط الترغي في معلمة المغرب ص 3816 ـ الجزء الثاني عشر ـ حرف الخاء ، كما أن هناك ترجمة وافية له في كتاب النجم الوضاء في مشاهير من تولى من الخماملة خطة العدالة و القضاء ـ لا زال مخطوطا ـ الأستاذ بدرالدين الخمالي العمراني
(6)ـ مجموعة ظهائر الاسرة الخمالية ـ جائزة الحسن الثاني للمخطوطات ـ 1998 ـ الأستاذ محمد سعيد الخمالي
(7) ـ أصل الظهير مخطوط في ملكية الأستاذ محمد سعيد الخمالي.
(8) ـ أصل الرسالة مخطوط في ملكية الاستاذ محمد سعيد الخمالي.
(9)ـ الشتيت و النثير من أخبار القصر الكبير ـ الأستاذ محمد عبد الرحمن بن خليفة ـ منشورات جمعية البحث التاريخي و الاجتماعي بمدينة القصر الكبير ، مركز إعلاميات آيت الرموش ـ ط 1998
(10)ـ تاريخ تطوان لمحمد داود ـ المجلد الحادي عشر ، مطبعة الخليج العربي ، تطوان ط 2009 ـ منشورات جمعية تطاون أسمير
(11) ـ أصيلا وأعلام ـ الجزء الثالث الأستاذ عبد الرحيم الجباري، الطبعة الثالثة 2007
(12) El Qçar El Kebir = Une ville de province au Maroc septentrional, par MM. E, Michaux-Bellaire et G. Salmon
Les fonctions de cultes et le qaddi - pages 46 ; 47 ; 48- Archives marocaines Vol II fasc. 2-1905

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق