حرب تطوان وقصف
العرائش 1860
حرب تطوان كما صورها الرسام الكاتالاني ماريانو فورتوني (1834/1874)
MARIANO FORTUNY - La Batalla de Tetuán (Museo Nacional de Arte de Cataluña, 1862-64. Óleo sobre lienzo, 300 x 972 cm
محمد عزلي
شكلت فترة حكم السلطان
عبد الرحمان بن هشام (1822/1859) منعطفا خطيرا في تاريخ المغرب المعاصر، ففيها فقد المغرب أسطوله البحري رغم
النصر المبين للمغاربة على النمساويين بمرسى العرائش عام 1829، ثم وقعت معركة
إيسلي لنصرة الأمير عبد القادر و أمة المسلمين في الجزائر (14 غشت 1844) التي أفشت
ضعف القوة العسكرية للمخزن المغربي، وضربت على إثرها موانئ (تطوان / طنجة / أصيلة)
من طرف البحرية الفرنسية، مما نتج عنه فقدان المغرب لهيبته العسكرية وأراضي واسعة
من صحرائه الشرقية، كما تجرأت الجارة إسبانيا المتأهبة على الدوام للانقضاض على
الثغور المغربية فاحتلت الجزر الجعفرية سنة 1848، وعند وفاة المولى عبد الرحمان (28
غشت 1859) أعلنت إسبانيا الحرب على المغرب في (24 أكتوبر 1859) في اعتداء سافر
وغاشم على الأراضي المغربية فيما يعرف بحرب تطوان.
حرب تطوان
- Formerly at the Museu Militar de Montjuïc Barcelona, now closed). On 2016 at the "Palacio Capitanía General Barcelona"
يقول أحمد بن خالد الناصري (1835/1897) في الجزء التاسع من كتابه
(الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى): "ووقعة تطوان هذه هي التي أزالت حجاب
الهيبة عن بلاد المغرب واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم
مثله وكثرت الحمايات ونشأ عن ذلك ضرر كبير".
بدأت خيوط المآمرة صيف 1859 عندما أقام الإسبان مترسا[1] جديدا
خارج أسوار مدينة سبتة، وهو الأمر الذي استفز قبائل الأنجرة المجاهدة التي شنت
عليهم غارة جعلت الجنرال ليوبولدو أودونيل Leopoldo O’Donnell (1809/1867) رئيس المجلس الحربي للمملكة
الإسبانية يطالب المغرب بتسليم أعيان القبيلة، وهو أمر غير مقبول لدى السلطان
المغربي الذي أوكل للقبيلة في وقت سابق أمر حراسة الحدود مع سبتة وأمرهم
بالاستبسال في سبيل ذلك، ففي رسالة من المولى
عبد الرحمن بن هشام إلى والي طنجة بتاريخ أكتوبر1844 حول قدوم وفد من قبيلة أنجرة
إلى فاس وتقديمه مطالب إلى السلطان تتعلق بالحدود مع سبتة نقرأ ما يلي: "وأن محلا يقال له الجويمع أرفع وأطل على سبتة،
فاذنهم في جعل عستهم فيه أو في غيره مما يكون أكثر احتراسا وأبصر جانبا، وذكروا أن
العدو لم يكفه ما جعل من العلامات على الحدود، وأنه أراد إحداث بناء، فإياك أن
يحدثوا زيادة على العلامة التي أذنا فيها … فإن هذه القبيلة اللنجرية لا نعلم في
مغربنا قبيلة أُشربوا بغض النصارى وباعوا أنفسهم من الله في الجهاد تماثلهم"[2]. ومن ثمة وجد الجنرال الإسباني لنفسه سببا مباشرا لقصف المراسي
وإنزال 50.000 جندي للتدخل عسكريا في الأراضي المغربية، خاصة بعد وفاة
سلطان البلاد، ضاربا عرض الحائط كل المساعي الرامية إلى الحل السلمي عن طريق
التفاوض أو التسوية الودية حتى مع وساطة بريطانيا واقتراحات السلطان الجديد سيدي
محمد بن عبد الرحمان (1810/1873) الذي بدأ بعرض تعويضات مادية، ووصل إلى حد
إمكانية إعادة تسطير الحدود مع مدينة سبتة.
بدأت المعارك في حرب غير متكافئة دامت زهاء سنة كاملة بين جيش إسباني
كبير ومسلح بأحدث أدوات التدمير البرية والبحرية، مستعد بكل الوسائل اللوجيستيكية،
المادية، المعنوية، والخططية، وبين قوات مغربية قليلة العدد والعدة والاستعداد
بقيادة مولاي العباس صنو سلطان البلاد، تشكلت من 5600 مقاتل نظامي إضافة إلى كتيبة
مولاي احمد بن عبد الرحمان، آزرهم المجاهدون المتطوعون من القبائل المحلية وعلى
رأسهم (الأنجرة، ودراس، بني حزمر، بني يدر..)، نتج عنها احتلال مدينة تطوان التي
عاشت الهلع والفوضى إثر انسحاب جيش الخليفة في الخامس من فبراير 1860، ثم
الاستسلام والمهانة في اليوم الموالي بعد دخول الجيش الإسباني الذي عاث في المدينة
فسادا، كما نتج عن المعارك أيضا خراب كبير في الثغور الساحلية من جراء قصف
المراسي، خاصة أصيلة والعرائش التي تكبدت أعنف الغارات وأكثرها ضررا[3].
القصف البحري لمدينة العرائش 1860
في يوم 25 فبراير
1860 وفي سياق الضغط العسكري الرهيب الذي مارسته إسبانيا في حربها ضد المغرب
(1859/1860) كان العدوان على مدينة العرائش التي كانت في الأمس القريب تحت السيطرة
الفعلية للمملكة الإسبانية قبل أن يحررها المولى إسماعيل، العرائش التي عرفت على
أنها مرسى فاس (العاصمة)، ثغر الجهاد الذي تعودت البحرية المغربية الرسو فيه، فكان
الهجوم بحريا من خلال الأسطول العسكري الذي تشكل من 12 قطعة قامت بقصف مدفعي عنيف
للمدينة وبطارياتها، حيث ألقت "حسب بعض المؤرخين الإسبان، 291 قنبلة و1185
رصاصة، وحسب البعض الآخر، أكثر من 2000 قديفة"[4].
ويوضح التصميم الذي أعده فارس مشاة البحرية
الإسبانية ريكاردو بانيثو Ricardo Panizo
مورفولوجية ساحل العرائش، وأرقاما عن عمق مياه البحر والحاجز الرملي وقناة العبور
بالمجرى الأسفل لنهر لوكوس والمرسى، وتحصينات المدينة التي خطت بشكل تقريبي غير
مطابق للواقع، مهملا التدقيق في النسيج العمراني للمدينة ومرافقها الأساسية
باستثناء الإشارة إلى موقع المسجدين (الأعظم / الأنوار)، كما يحدد التصميم بدقة
أسماء ومواقع السفن الإسبانية التي قصفت العرائش، ثم مواقع البطاريات الدفاعية
وعدد مدافعها وهي كالآتي:
1-
بطارية سيدي علال
العسري (12 مدفع).
2-
بطارية سيدي بوقنادل (15
مدفع).
3-
بطارية الدرع
"دار الغرباوي" (4 مدفع).
4-
بطارية طوبانا (5
مدفع).
5-
بطارية الحصن (4
مدفع).
تصميم الغارة البحرية على مدينة العرائش [5]
أسفرت الغارة البحرية
في نهاية المطاف عن أضرار وخسائر جسيمة، وهي حسب المصادر الإسبانية كالتالي:
"سقوط شرفات حصن البحر، تدمير بطاريات النقطة الأمامية للمدينة، تحطم المباني
الهشة في قسم كبير منها، إلحاق أضرار بالبنايات الأكثر أهمية، تحطم الباب الرئيسي
لحصن البحر، تدمير صومعة المسجد الأعظم، إحداث خسائر فادحة في المنازل، إلحاق
أضرار جسيمة بمبنى القنصلية الإسبانية الشيء الذي تطلب مبالغ مالية هامة"[6]
وفي وصف الدمار الذي
لحق مدينة العرائش يقول ليون غودار Leon Godard
(1825/1863): "للمدينة تحصينات في حالة يرثى لها، لاسيما في الجهة التي شيدها
مولاي ناصر ... في نهاية القرن 15. أما الحصن المبني في ناحية البر ... فلازال
جيدا. وبها سوق محاط بأروقة ذات أعمدة حجرية. ويقدر عدد سكانها بحوالي 3500 نسمة،
ويسود بها بعض النشاط التجاري، لكن الترسانات مهجورة، وما تبقى من الأسطول المغربي
يتآكل في النهر"[7]. أما إيلي بريمودي Elie de la
Primaudaie الذي عاصر الحدث أيضا فيقول:
"تضفي عليها من جهة البحر، التحصينات والقصبة ... والصوامع الموريسكية مظهرا
هائلا، لكن الوهم سرعان ما يتبدد حيث لا ترى أمامك سوى ركاما ضخما من الخرائب.
وليس للمدينة المبنية بشكل غير منتظم، منزل واحد سليم، وتعطي الفوضى المنتشرة في
الأزقة فكرة عن لامبالاة السكان ... المدفعية في حالة رديئة، لدرجة أن العرائش لا
يمكنها أن تصمد أمام هجوم القوات الأوربية، وهذا ما حدث خلال القصف الذي تعرضت له
في سنة 1860 من قبل الأسطول الإسباني الذي تسبب في أضرار جسيمة"[8].
من الواضح حسب
الشهادتين السابقتين أن مدينة العرائش تضررت كثيرا، وأن الخراب دام طويلا بسبب عدم
قدرة المخزن والساكنة معا على الإصلاح والترميم وإعادة تأهيل المدينة، وذلك راجع
على الأرجح للنتائج الكارثية التي خلفتها حرب تطوان.
نتائج الحرب
وقعت اتفاقية وقف إطلاق النار بين المغرب
وإسبانيا في 25/03/1860، ثم معاهدة الصلح في 26/04/1860، ليجد المغرب نفسه مضطرا
للسماح بتوسعة حدود سبتة المحتلة على حساب الأراضي المغربية، والسماح للسفن
الإسبانية بالصيد في مياه سيدي إيفني، والاستفادة من نفس الامتيازات التي منحت
لبريطانيا عام 1856، ثم دفع غرامة مالية قدرها 100 مليون بسيطة فرضت على المخزن إحداث
جبايات جديدة، واقتراض 10 ملايين بسيطة من بريطانيا، وبقي المحتلون في تطوان إلى
غاية أكتوبر 1861 تاريخ الجلاء، بعد أن ثبتت موظفين حكوميين إسبان بأهم الموانئ
المغربية لاستخلاص نسب من العائدات الجمركية، ليصل إجمالي الغرامة في نهاية المطاف
إلى 119 مليون بسيطة تم أداؤها بالعملة المعدنية من قطع الذهب والفضة، الشيء الذي
أسقط الاقتصاد المغربي في غيبوبة لم يستفق منها إلا بالإصلاحات المؤسساتية للسلطان
الحركي المولى الحسن الأول.
[1]
المترس أو المتراس هو سور دفاعي قد يقام لسد ممر معين أو
حول منطقة كالمعسكر أو المدينة.
[2] محمد داود، تاريخ
تطوان،المجلد التاسع، منشورات الخزانة الداودية، الطبعة الأولى 1998، ص 123.
[3]
Pedro Antonio de Alarcón, Diario de un testigo de la Guerra de África, Ed7, Tomo1
1917, XIII Relámpagos de nuevas hostilidades.-Asesinatos.-Llegada de los
tercios vascongados.-Bombardeo de Larache y Arzilla.
[4] د. ادريس شهبون، العرائش في تاريخ المغرب قبل
عهد الحماية: جوانب من الحياة السياسية والاقتصادية والعمرانية، مطبوعات أكاديمية
المملكة المغربية، سلسلة تاريخ المغرب 2014، ص 313
[5] Ricardo Panizo,
Plano del bombardeo de larache por la escuadra española el 28 de febrero 1860,
1 mapa A la part inferior dreta en segell imprés : « Timbre 30 rs.
Arrba. Madrid ». Datat al s. XIX, RM.83916, Institut Cartogràfic i
Geologic de Catalunya, Mapes d’Africa (s.XVI-XX), http://cartotecadigital.icgc.cat
[6][7][8] د. ادريس شهبون، العرائش في تاريخ المغرب قبل
عهد الحماية: جوانب من الحياة السياسية والاقتصادية والعمرانية، مطبوعات أكاديمية
المملكة المغربية، سلسلة تاريخ المغرب 2014، ص 313-314.
مصادر ومراجع
· محمد داود، مختصر تاريخ تطوان، مطبعة المهدية، ط.2 1955.
· د. ادريس شهبون، العرائش في تاريخ المغرب قبل عهد الحماية: جوانب من الحياة السياسية والاقتصادية والعمرانية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة تاريخ المغرب 2014.
· أولاد عبد الغني عبد الواحد، حرب تطوان.. ليتها لم تقع، مقال نشر بموقع هيسبريس 24 في 12/01/2017.
· L’histoire du Maroc, Les Chérifs hasani, Cosmovision, consulté Le 14/08/2018.
· Pedro Antonio de Alarcón, Diario de un testigo de la Guerra de África, Ed 7, Tomo 1 Madrid 1917. http://www.cervantesvirtual.com
· محمد داود، مختصر تاريخ تطوان، مطبعة المهدية، ط.2 1955.
· د. ادريس شهبون، العرائش في تاريخ المغرب قبل عهد الحماية: جوانب من الحياة السياسية والاقتصادية والعمرانية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة تاريخ المغرب 2014.
· أولاد عبد الغني عبد الواحد، حرب تطوان.. ليتها لم تقع، مقال نشر بموقع هيسبريس 24 في 12/01/2017.
· L’histoire du Maroc, Les Chérifs hasani, Cosmovision, consulté Le 14/08/2018.
· Pedro Antonio de Alarcón, Diario de un testigo de la Guerra de África, Ed 7, Tomo 1 Madrid 1917. http://www.cervantesvirtual.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق