الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

تاريخنا القديم : المملكة المورية. ج2. العاصمة الملكية المورية، إشكالية التوطين

العاصمة الملكية المورية، إشكالية التوطين

      
      بقلم : محمد شكيب الفليلاح الأنجري

نقصد بالمملكة المورية المملكة التي حكمت المغرب خلال فترة العهد القديم؛ أي من القرن الثالث قبل الميلاد إلى حدود سنة 40 للميلاد تاريخ إجهاز روما على أخر الملوك الموريين بطليموس (PTOLEMEEوتحول أراضي هذا الأخير لما عرف بموريطانيا الطنجية تمييزا لها عن موريطانيا القيصرية التي شملت الأراضي الجزائرية حاليا. والمملكة المورية كانت محدودة آنذاك شمالا بالبحر الأبيض المتوسط أو ما عرف عند الرومان ب: "بحرنا" (Mare Nostrom) والذي أصبح يعرف بعد السيطرة التامة على الأراضي المطلة عليه ب: "البحر الرومي"، غربا المحيط الأطلسي (بحر الظلمات)، شرقا بنهر ملوية(مولوشا) وجنوبا بأراضي الجيتوليين وهي منطقة سوس حاليا. كان لا بد من هذا التوطين والتعريف المقتضب لكي نقرب القارئ من الإطار الزمكاني لهذه الإطلالة التاريخية ...
تؤكد كل الدراسات التاريخية التي اتخذت من المملكة المورية والأراضي الموريتانية موضوعا لها على الغموض الذي يخيم على تاريخ هذه المملكة خلال القرن  الثاني قبل الميلاد ولا نجد لها ظهورا في المصادر الكلاسيكية الأثينية إلا عند بداية الصراع النوميدي – الروماني فيما عرف بحرب يوغرطة ابتداء من الربع الأخير من القرن الثاني قبل الميلاد. وهذا الغموض يطرح أمام الدارسين عددا من الاشكالات تبقى الإجابة عنها في الغالب الأعم مستحيلة وسنحاول في هذه الإطلالة التطرق إلى أربعة إشكالات في التاريخ الموري خلال النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلادي على أن نعمل في كل إطلالة على معالجة كل إشكال على حدة، و نوردها على التوالي:
1-     الملوك الموريين، إشكالية التأريخ
2-     العاصمة الملكية المورية، إشكالية التوطين
3-     الحدود المورية، إشكالية الترسيم
4-     الدبلوماسية المورية، إشكالية السياسة الخارجية

المماليك السائدة خلال النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد

العاصمة الملكية المورية، إشكالية التوطين

إن كثرة الحواضر في المملكة المورية واتساعها يدفعنا إلى التساؤل عن المدينة التي حظيت بشرف احتضانها للعاصمة الملكية، الحقيقة أنه لا يوجد نص صريح يتحدث عن موقع العاصمة المركزية للسلطة المورية في عهد الملكين الموريين "باكا"(Baka) و"بوخوس الأول"؛ (Boucchos I)فرحلة أودوكس (Oudox)عندما تحدث عنها استرابون (Strabon)وعن اللقاء الذي تم بين صاحب الرحلة والملك بوخوس الأول لم يذكر لنا حتى اسم المدينة التي تم فيها هذا اللقاء، وكل ما قاله أن …”أودكس اتجه راجلا نحو "بوخوس" بعدما باع زورقه"، وهذه الإشارة يمكن أن توحي لنا بأن العاصمة الملكية المورية كانت بعيدة عن البحر أو توجد بالقرب من نهر غير صالح للملاحة حتى يبيع أودكس زورقه ويتكبد مشاق الذهاب راجلا إلى الملك الموري المذكور.
كما أن المؤرخ سالوست(Saluste)، وعند تعرضه للحديث عن المملكة المورية عقب دخولها الحرب النوميدية – الرومانية، لم يورد لنا اسم أية مدينة من مدن المملكة أو تحدث عن عاصمتها، وهذا التغافل من قبله يمكن أن نجد له العذر في الهدف الذي كتب لأجله عن هذه الحرب؛ وهو تمجيد الشعب الروماني وبطولاته وتحقير شعوب شمال إفريقيا، وبالتالي فإنه أعطى اهتمامه للإنسان الفاعل في هذه الأحداث لا للمسرح الذي دارت عليه فصول هذه الأخيرة.
وإذا كانت هذه النصوص الأدبية الكلاسيكية التي تعرضت للحديث عن المملكة المورية في عهد كل من "باكا" و"بوخوس الأول" لا تسعفنا في الكشف عن الغموض الذي يحيط بالعاصمة الملكية لهذه المملكة خلال النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد، فإن الأركيولوجيا يمكن أن تقول كلمتها هي الأخرى في هذا الموضوع.
فقد اهتم العديد من الباحثين الأركيولوجيين بهذا الإشكال بغية كشف غموضه؛ فأزينا (Euzenat)يشير إلى أن مدينة تمودة (Tamuda)لم تكن يوما عاصمة للمملكة المورية، وقد بنى اعتقاده هذا على أساس أنه لم يعثر على أي نموذج من المباني العمومية الكبرى ذات الطبيعة الإدارية كالتي نجدها في وليلي من قبيل المعابد والمسارح والمحكمة العمومية وقصر الحاكم مما يعني؛ أن صفة المدينة - الإدارة والعاصمة الملكية غائبة عن تمودة. إلا أننا لا يمكن الأخذ بهذا القول لكون المدينة المورية تم تدميرها بصفة كلية، وبنيت حامية رومانية – عسكرية فوقها، وبالتالي صعوبة الكشف عن آثارها الإدارية، الشيء الذي يبقى معه حكم الباحث الأثري أوزينا معلقا. وإذا اعتمدنا معيار المباني الإدارية للكشف عن العاصمة المورية خلال هذه الفترة التاريخية فإنه ستطرح أمامنا للدراسة أكثر من مدينة مورية تأتي على رأسها كل من طنجي(Tangi)، ليكسوس(Lixus)، و وليلي(Volubilise)، هذه الأخيرة نفى الباحث جودان(Jodan) إمكانية كونها عاصمة مورية قبل عهد الملك الموري "بوغود" (Borod)معتمدا في رأيه هذا على نوعية التحف الفنية التي وجدت بالموقع مصدر هذه الأخيرة.


مدينة وليلي

وتجدر الإشارة إلى الباحث محمد مجدوب قد نسب مجموعة من النقود التي عثر عليها بالموقع الأثري ليكسوس وغيره من المواقع المنتشرة بالمغرب، لعهد الملك "بوخوس الأول" وهي مجموعة من القطع البرونزية كتب على وجهها اسم "بوخوس" على النحو التالي: BQS وعلى الوجه الآخر اسم "شمس" SMS  أو اسم سيكة (Siga). فتخصيص مدينة بعينها بكتابة اسمها على ظهر العملة المتداولة يسمح باحتمال أن تكون ليكسوس عاصمة المملكة المورية في عهد الملك "بوخوس الأول"، ومن تم تكون المقابلة التي تمت بينه وبين الرحالة أودكس جرت في هذه المدينة، وإن طرح تساؤل حول السبب الذي دفعه لبيع زورقه، مع العلم أن نهر اللوكوس كان صالحا للملاحة أنذاك. أما ذكر اسم مدينة سيكة - التي توجد في نوميدي الغربية – في النقود البوخوسية كان الهدف من ورائه هو تجسيد التوسع الموري خلال نهاية القرن الثاني قبل الميلاد؛ لكون النقود هي أفضل وسيلة لذلك، لسرعة انتشارها وسعة مجال رواجها.

من خلال هذه المعالجة المقتضبة، يتضح لنا مدى صعوبة الكشف عن عاصمة المملكة المورية في عهد ملكيها "باكا" و" يوخوس الأول"، فالمصادر الأدبية أهملت ذكر اسمها رغم ما ذكرته من أحداث الراجح أنها وقعت في العاصمة الملكية. كما أن الأركيولوجيا لا تزال حتى الآن عاجزة عن إيجاد الدليل المادي الذي من شأنه أن يكشف لنا هذا الغموض؛ إذ لا سبيل إلى ذلك إلا بالعثور على شاهد أثري ناطق من قبيل النقائش، وإلا سيبقى سؤال العاصمة الملكية المورية خلال النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد سؤالا معلقا.

تعاقب الملوك الموريين

المصادر و المراجع
1.      محمد مجدوب، "مملكة الموريين وعلاقتها بروما إلى غاية عام 33 قبل الميلاد"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، فاس، 1990م.
2.      محمد مجدوب، "الأوضاع في مورسية من خلال حرب يوغرطة"، مجلة بحوث، كلية الآداب والعلوم الانسانية، المحمدية، العددان 2و3، 1990.
3.      محمد التازي سعود، "المغرب في عهد يوبا الثاني وبطليموس"، أطروحة دكتوراة الدولة،الجزء الأول، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط.
4.      مصطفى مولاي رشيد، "المغرب الأقصى عند الإغريق والآثين"، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، 1993م.
5.      نعيمة الخطيب، "مذكرات من التراث المغربي"، الجزء الأول، مطابع الأطلس، الرباط، 1984م.
6.      بلين الأقدم، "التاريخ الطبيعي"، ترجمة وتحقيق مصطفى مولاي رشيد، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، 1993م.
7.      مصطفى غطيس، "تمودة"، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الطبعة الأولى، تطوان، 1991م.
8.      سالوست، "حرب يوغرطة"، ترجمة محمد التازي سعود، منشورات كلية الآداب، فاس، 1976م.
9.           J.DESANGES," L’Afrique Romaine et Libycoberber, Rome et les Méditerranées Occidentale", T2, sous la direction de C.Nicolet, Paris, 1978.
10.  F. DECRET et M.FANTAR, "Histoire de l’Afrique du Nord dans l’Antiquité : Histoire et Civilisation des Origines ou Vème Siècle", Payot, Paris, 1981.
11.     Jérom Carcopino, "Le Maroc Antique" Edité par Gallimard, Paris, 1943
12.     مداخلة حول التراث الموري بالمغرب القديم، من المؤتمر الأول المنعقد بمدينة فاس حول التراث الأمازيغي 29/30/31/ مارس 2013.

هناك تعليقان (2):

  1. اعحبني جدا المقال هل يمكنني التحصل على رسالة محمد مجدوب مملكة الموريين وعلاقتها بروماالى غاية 33 ق م

    ردحذف