الخميس، 8 ديسمبر 2016

برج اليهودي بالعرائش




    محمد عزلي

يطل برج اليهودي على مرسى العرائش وسافلة نهر اللوكوس ويقع داخل حدود القصبة، وبالضبط بساحة دار المخزن حيث يشكل مع الكومندانسيا (قصر مولاي إسماعيل)، برج اللقلاق (حصن النصر)، جامع الأنوار (مسجد الكويت)، وبقايا السور الدفاعي الوطاسي، مركبا تراثيا ماديا شاهدا على تاريخ العرائش التليد، تبلغ مساحته 130 مترا مربعا، ويتكون من طابق تحت أرضي وطابق أرضي وسطح يحيط به سور تتخلله فتحات خاصة بالسلاح الناري، إضافة إلى أربعة معاقل صغيرة عند زواياه الأربعة، وقد كانت وظيفته بادئ الأمر كبرج للمراقبة، ثم تحول في عهد السعديين إلى دار للاستقبال، ثم إلى دار للعدالة مرفق بسجن تحت أرضي، أما في عهد الاحتلال الإسباني الثاني في القرن 20م فقد تحويل المبنى إلى مخزن عسكري تابع للجيش الإسباني.
برج اليهودي أو "الطوري" (كلمة إسبانية تعني: البرج) كما هو متداول على لسان ساكنة العرائش، سيتحول دوره الوظيفي بعد الاستقلال إلى متحف أثري، افتتح بمناسبة المهرجان الدولي "أسبوع العرائش" سنة 1978، وقد تجلت أهميته في التعريف بتاريخ موقع ليكسوس الأثري عارضا بين جنباته بعضا من التحف والأدوات واللقى الأثرية المستخرجة من الموقع والموزعة في الوقت الراهن بين متاحف تطوان، طنجة، فاس، والرباط؛ قبل أن يتحول دوره اليوم إلى رواق للعرض تابع للمركز الثقافي الإقليمي.
وعن سبب تسميته، تخبرنا المصادر التاريخية أن السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي نزل بمدينة العرائش مرفوقا بطبيبه الخاص اليهودي، فاتخذ الأخير من البرج مقرا له ليصبح معروفا منذ حينها ببرج اليهودي، أما زمن بنائه، فهناك من يذهب إلى أن من شيده هو السلطان عبد الحق المريني (1195–1217م) كبرج ملحق بالقصبة المرينية، وهناك من ينسبه للواسطيين الذين اشتغلوا كثيرا على تحصين الثغور المغربية بما فيها العرائش بداية من القرن 15، وهناك من يربطه بالنهضة السعدية في القرن 16، حيث تم تأسيس نظام دفاعي أكثر صلابة وتطورا لتحصين ثغر العرائش بما فيها حصني البحر والبر (الفتح والنصر) مباشرة بعد انتصار معركة وادي المخازن 1578.
كان شكل برج اليهودي دائريا كما توضحه التصاميم الأجنبية لفترة ما قبل الاحتلال الإسباني للعرائش سنة 1610، لكن وبعد استقرار الإسبان بثغر العرائش في القرن 17 قامت قوات الاحتلال بهدم البرج الدائري وإعادة تشييده مربعا على شكله الحالي، وبقي كذلك إلى أن أضيفت عليه معاقله الأربع في زوايا سطحه وذلك في القرن 20 على يد سلطات الحماية الإسبانية،  وفي نفس هذا السياق وفي معرض حديثه عن تطور البنية الإنشائية المعمارية لبرج اليهودي يقول الباحث شكيب الأنجري "إن تصاميم المدينة التي تعود لفترة القرن السادس عشر للميلاد خاصة تصميم المهندس البرتغالي (بوارطي)، يظهر البرج متخذا شكلا دائريا وليس مربعا كما هي حالته اليوم، وهناك دراسات أركيولوجية تعود لفترة التسعينيات من القرن الماضي تؤكد أن البرج بني خلال فترة الاحتلال الإسباني الأول ابتداء من 1610م، وللربط بين التصميم القديم للحصن حسب المرجع البرتغالي والدراسة الأركيولوجية المنجزة، يمكننا القول أن البرج فعلا بني قبل القرن 17م متخذا شكلا دائريا، وبعد احتلال المدينة نونبر 1610م، وفي إطار عملية تحصينها تم هدم البرج الأصلي وبني مكانه برج آخر مربع هو الذي وصلنا اليوم. أما المعاقل الأربعة التي تقوم عند الزوايا الأربع للبرج ليست أصلية في بنيته الإنشائية وإنما أضيفت للبرج خلال عملية تهيئته في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، فبرج القرن 17م كان من دون تلكم المعاقل الأربعة -انظر الصور في ملحق الوثائق- كما أن النقيشة الحجرية التي تمثل شعار الملك الإسباني فليب الثالث المثبتة أعلى مدخل البرج توضح بشكل أو بآخر أن البرج في شكله الحالي بني من قبل الإسبان. ويبدو أن البرج اتخذ شكله الدائري في فترة بناء القصبة تبعا للأبراج النصف دائرية الإحدى عشر التي كانت تحيط بالقصبة أو عرائش القرن 15م متبعة النمط المعماري الأوربي السائد آنذاك في تحصين المدن؛ حيث نجد المدينة المسورة بسور تتخلله أبراج نصف دائرية لمراقبة أجزاء السور الدفاعي وفي الوسط نجد برجا كبيرا يعرف في العمارة العسكرية الأوربية ب TORRE HOMENAGE، الذي يشكل الملاذ الأخير والآمن لحامية المدينة في حالة فشل أسوارها في الدفاع عنها، ولربما كان برج اليهودي مركزا رئيسيا للمراقبة وقيادة العمليات العسكرية بالمدينة، ولربما أيضا كان مقرا لقائد جند مدينة العرائش".
تجدر الإشارة أخيرا إلى أن برج اليهودي مصنف ضمن قائمة التراث الوطني مستفيدا من القانون 22/80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات.


نقيشة رخامية ألمانية لمدينة العرائش تصور واقعة يوم 20 نوفمبر 1610، عندما تولى خوان دي مندوزا وفيلاسكو، ماركيز سان جيرمان احتلال ثغر العرائش باسم ملك إسبانيا فيليبي الثالث الذي سبق و عقد مبايعة موثقة مع السلطان السعدي الشيخ المأمون تنازل فيها الأخير عن العرائش لقاء دعم ملك إسبانيا له ضد أخيه السلطان زيدان، إضافة إلى مقابل مادي قدر ب 200000 دو كادوس و يظهر فيه برج اليهودي واضحا بشكله الدائري.

وثيقة أخرى من القرن 17 يظهر فيها البرج بوضوح بشكله الدائري يعتلي سطحه برج مراقبة صغير

 برج اليهودي حاليا في يمين الصورة يحمل معاقله الأربع على أركان سطحه

صورة لبرج اليهودي قبل التدخل الأخير حيث تم تزويده بالمعاقل المعلقة الأربعة خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي، مع ملاحظة كون مدخل البرج لم يكن في الموضع الحالي، بل كان - كما توضح الصورة - بجانب الأدراج المؤدية لسطحه.

صورة لبرج اليهودي خلال العشر سنوات الأولى من القرن العشرين. السهم باللون الأحمر يشير إلى إحدى زوايا البرج حيث 
يوجد اليوم أحد معاقله الأربع، والسهم الأبيض يشير لبقايا سور القرن الخامس عشر الذي هدمه الإسبان






مراجع :
·       د إدريس شهبون. العرائش في تاريخ المغرب قبل عهد الحماية
·       إبراهيم حركات. المغرب عبر التاريخ
·       عبد الكريم التواتي. مظاهر الثقافة و الفكر لبني مرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق