بقلم: محمد عزلي
احتضنت المكتبة الوسائطية عبد الصمد
الكنفاوي مساء الجمعة 24 يونيو 2022 حفلا بهيجا يجسد ثقافة الاعتراف من خلال
الاحتفاء بأحد أبطال هذه المدينة التليدة، والأمر يتعلق بالأستاذ محمد الأشرافي
الشهير بالسريفي، ومن ثمّ تقديم كتاب عن سيرته الذاتية لمؤلفه عبد اللطيف الحفيظي،
معززا بذلك التراكم الذي نتوخاه أجمعين للمكتبة المحلية الفقيرة من حيث الإصدارات
ذات الطابع التوثيقي والتاريخي.
الحفل الذي نظمته جمعية أصدقاء المكتبة
الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي بتنسيق مع جمعية الأمل للمتقاعدين والمسنين بالعرائش،
بدعم من جماعة العرائش، حضره جمهور كبير من مثقفين وناشطين وفاعلين جمعويين وأصدقاء
وتلامذة المحتفى به.
يقع الكتاب في 186 صفحة، ويدخل في سياق ثقافة الاعتراف وتوثيق سيرة بطل
مغربي مقاوم، ومناضل صنديد، استرخص حياته في سبيل نصرة قضية هذا الوطن وحريته، ثم
نهضته وتنوير أجياله المتلاحقة، بطل لم تنصفه الأقلام ولم يأخذ حقه من الاهتمام
والاحتفاء.
تناول عبد اللطيف الحفيظي في كتابه سيرة محمد السريفي من مرحلة الكُتاب إلى
المدرسة الأهلية الإسلامية الحرة بالعرائش، إلى تطوان حيث تابع دراسته وانطلق
مساره النضالي في الحركة الوطنية زمن الزعيم عبد الخالق الطريس، قبل الانخراط في
المقاومة المسلحة، هذا المسار الذي سيتواصل في مسقط رأسه بالعرائش التي عاصر فيها
مرحلة "فوضى العرائش بعد إعلان الاستقلال" والمخاضات السياسية العسيرة
التي عرفها حزب الشورى والاستقلال، ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد
المغربي للشغل، مسار أدى به إلى تجارب مريرة بين السجن والمستشفى قبل
أن يعانق الحرية ويشهد على بداية مرحلة أخرى وجد فيها محمد السريفي نفسه مستشارا
بالمجلس الجماعي للعرائش..
يكشف الكتاب أيضا عن جانب من محمد السريفي المتأمل والمتفلسف، ويحمل بين
دفتيه مجموعة من الإضاءات على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية بمدينة العرائش
بعد الاستقلال، بل وحتى المغامرات البوليسية وما تحمله من تشويق، كما يحمل إشارات
عن بعض الشخصيات والأعلام الذين تعامل أو تواصل معهم (القاضي عبد السلام ازطوط،
البرج المقاوم في منظمة الهلال الأسود، الزعيم الإسباني فرانسيسكو فرانكو، القادة
السياسيين والمناضلين عبد الرحمان اليوسفي، وأحمد بنسودة)، ثم يختتم عبد اللطيف
الحفيطي كتابه بإدراج مجموعة من الشهادات في حق البطل المجهول محمد الأشرافي
السريفي.
تبرز أهمية هذا الكتاب وشجاعة مؤلفه كونه
يتعامل مع تاريخ الزمن الراهن، وهو مجال تتداخل فيه تخصصات مختلفة كالأنثروبولوجيا
والعلوم السياسية وعلم الاجتماع، تاريخ الزمن الراهن يطرح إشكاليات ومعضلات
موضوعية تفرضها الحساسيات المجتمعية، يطرح أيضا إشكاليات على مستوى المفهوم،
والمصدر، ومنهجية الكتابة، ثم ضرورة إخضاع الذاكرة التاريخية لسلطة المعايير
العلمية، ووجوب ترك مسافة آمنة بينها وبين السلطتين الدينية والسياسية.
لكن هذا كله لم يمنع الكاتب من ركوب
المغامرة رغم خطورة المساس بالذاكرة الجماعية التي أنتجت مجموعة من الأصنام
الرمزية، ورغم صعوبة التأكد من حقيقة وقوع الأحداث وتفاصيل مجرياتها، الكتاب يطرح
قضايا مازالت تداعياتها مؤثرة في الواقع السياسي المغربي، كسؤال بناء الدولة
الوطنية، والصراع السياسي بين فصائل الحركة الوطنية، ثم تقييم مرحلة النضال من أجل
الاستقلال، وكذلك تدبير الدولة والمجتمع لمرحلة ما بعد الاستقلال.
·
مجريات الحفل
سير اللقاء ذ. محمد عزلي، وشارك في أشغاله
كل من:
-
ذ.
محمد الأشرافي المحتفى به وبطل السيرة موضوع الكتاب، الذي عبر عن تأثره البالغ بهذه
الالتفاتة النبيلة وامتنانه الكبير لكاتب السيرة وسعادته الغامرة بتلامذته وأبناء
مدينته الذين حضروا للاحتفاء به، كما استرسل في نقاش غلب عليه طابع الصوفية
والتفكر شاردا من سياقات النص إلى مفاهيم الوجود وحتمية الانضباط لقوانين خالق
الوجود والالتزام بأوامره..
-
ذ.
عبد السلام التدلاوي، قدم قراءة في مضامين الكتاب ركز من خلالها على محورين رئيسيين،
الأول يخص التربية والتعليم كواجهة للنضال عند الحركة الوطنية، والثاني ناقش من
خلاله محمد الأشرافي السياسي الوطني الغير متحزب، مداخلة ذ. عبد السلام التدلاوي بسطت
مجموعة من الإضاءات عن الكتاب، جاءت في مقدمتها مسألة احتفاء تلميذ بأستاذه من
خلال تدوين سيرته في كتاب اعتبره مادة جيدة لدراسة التاريخ المحلي، من بينها
مجريات الأحداث في بيت حزب الشورى والاستقلال، أنواع المدارس في المنطقة الخليفية
زمن الاحتلال الإسباني، التعليم والحركة الوطنية (المدارس الحرة الإسلامية)، لقاء
الأشرافي ببطل التحرير الملك محمد الخامس وطلبه الخاص بإرسال بعثات طلابية إلى
إسبانيا، المسار النضالي للأشرافي (خطبة بني نصار، عيطة كواترو كامينو..)، ثم
الإشارة إلى أدب السجون من خلال تجربة الأشرافي في سجون العرائش وطنجة..
-
ذ.
عبد اللطيف الحفيظي مؤلف الكتاب، عبر عن بالغ سعادته بهذه التجربة المتميزة التي
أقدم عليها بحب وأثمرت نصا من شأنه مساعدة الباحثين في التاريخ المحلي المعاصر،
ومن شأنه كذلك التعريف بتاريخ المدينة الوطني والسياسي والنضالي والتعليمي إبان
عهد الحماية وبعد الاستقلال للقارئ ومن ثمّ العمل على شحذ الوطنية وحب الانتماء
لهذه المدينة التليدة وهذا الوطن العظيم في نفوس الأجيال الناشئة، مداخلة ذ. عبد
اللطيف الحفيظي تطرقت أيضا لمجموعة من القضايا التي استقاها من محمد الأشرافي ولم
يتم نشرها في الكتاب، من قبيل نصرة العرائش والمنطقة ككل للقضية الجزائرية والدعم
المباشر الذي تلقاه الهواري بومدين من الوطنيين المغاربة، وهو الأمر الذي وعد
بتداركه في الطبعة الثانية المزمع تنقيحها بمعطيات وإشارات وشهادات جديدة.
وقد عرف اللقاء نقاشا غنيا ومداخلات
عميقة وتفاعلا كبيرا سواء من الأساتذة المشاركين أو السيدات والسادة الحاضرين، غلب
عليه الطابع الاحتفالي والعاطفي خاصة مع التواجد الفعلي للمحتفى به في العمل الأستاذ
محمد الأشرافي، استهلته الأستاذة فاطمة شهبر نائبة رئيس جماعة العرائش المفوض لها
في القسم الثقافي والاجتماعي والرياضي التي ألقت كلمة مؤثرة تفاعل معها كل الحاضرين،
ثم كلمة الجمعية المنظمة (أصدقاء المكتبة الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي) ألقاها
رئيسها الأستاذ محمد أمكتار، ثم كلمة الأستاذ محمد باعلا عن جمعية الأمل
للمتقاعدين والمسنين بالعرائش، ثم كلمة الأستاذ عبد الحميد بريري عن جمعية أرشيف
العرائش.
كما تفاعل الحاضرون في النقاش من خلال مداخلات
كل من: الأستاذة عواطف، التي شددت على مسألة رد الاعتبار للأستاذ والانتصار لثقافة
الاعتراف؛ الأستاذ محمد البحراوي، الذي تساءل عن غرابة العنوان واقترح توسيع قائمة
الشهادات في حق المحتفى به من خلال الطبعة القادمة للكتاب؛ الأستاذ سعيد الجباري،
الذي تساءل عن حقيقة الأحداث التي أعقبت استقلال المغرب؛ الأستاذ عبد اللطيف
الكرطي، الذي ناقش مفهوم النضال والممانعة؛ الأستاذ عبد المجيد البوزيدي، الذي
ناقش مفهوم الذاتية في التاريخ؛ الأستاذة حورية اسماوي، التي ناشدت الأشرافي وكل
من كان قريبا من صناعة الأحداث التي طبعت تاريخ المدينة المعاصر بالبوح بشهاداتهم
الكاملة عن عصرهم؛ قبل أن تختتم الأستاذة فجوى الأشرافي مداخلات الجمهور بشهادتها
في حق والدها المحتفى به من زاوية خاصة لمحمد الأشرافي المربي والأب ومدبر أمور
العائلة.
وقد اختتم الحفل بتسليم الشواهد على المشاركين
في اللقاء، وتكريم الأستاذ محمد الأشرافي السريفي بتسليمه درع جماعة العرائش من قبل
السيدة فاطمة شهبر نائبة رئيس جماعة العرائش، ودرع جمعية الأمل للمتقاعدين والمسنين
بالعرائش سلمه له السيد محمد باعلا، كما تسلم الأشرافي من السيد عمر الدكلي مدير
المكتبة الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي لوحة تشكيلية عبارة عن بورتريه خاص من
إبداعات الفنان حكيم الحراق، ثم جاء الدور على الجمعية المنظمة التي أهدت البطل
المجهول باقة من الورود تسلمها من يد السيدة غيثة النقموش، وشهادة تقديرية تسلمها
من السيد محمد أمكتار رئيس الجمعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق