محمد عزلي
الحسن حريشي المعروف
ب "الحسن العرائشي"، هو بطل من طينة الكبار، أحد رموز المقاومة المغربية
المسلحة التي جابهت السلطات الاستعمارية الفرنسية زمن الحماية، وأحد الأسماء
الخمسة المؤسسة لأول خلية للمقاومة المسلحة 7 أبريل 1951 بدرب السلطان، وهم
الأبطال: محمد الزرقطوني، الحسين برادة، التهامي نعمان، سليمان العرائشي والحسن
العرائشي.
يقول الحسن العرايشي في
مذكراته التي نشرت في كتاب "انطلاق المقاومة المغربية
وتطورها" : «ازددت بمدينة
العرائش في فاتح 1930، وفي هذه المدينة الشاطئية الجميلة قضيت حياتي المدرسية، من
حسن حظي أنني كنت تلميذا لأستاذين وطنيين كانا يعملان رغم المراقبة الشديدة من طرف
المستشارين الإسبان على بث الوعي الوطني في صفوف نخبة من التلاميذ، وهذان
الأستاذان رحمهما الله: السيد الطيب السبتي مدير المدرسة المغربية الإسلامية
الصناعية آنذاك، والسيد إدريس الريفي أستاذ في نفس المدرسة، فالأول كان يتحدث
إلينا من حين لآخر عن الفترة التي قضاها في جامعة القرويين في فاس وكيف تعرف على
نشاط الخلايا الوطنية بالعاصمة العلمية، أما الاستاذ الريفي فكان يتحدث إلينا عن
حرب التحرير وعن المعارك التي خاضها البطل عبد الكريم الخطابي، وفي هذه المدرسة
تعلمت أيضا فن الطباعة والتجليد، وفي سنة 1946 غادرت مسقط رأسي، وجئت إلى مدينة
الدار البيضاء، وفور التحاقي بهذه المدينة بدأت العمل في المطابع المتحدة وكانت
تضم 350 عاملا أغلبهم من الأجانب من مختلف الجنسيات. وكانت المطبعة تضم عناصر
وطنية وبفضلهم التحقت بصفوف حزب الاستقلال بحي درب الكبير، وكانت فرصة أخرى مكنتني
من التعرف في فترة وجيزة على نخبة من المسؤولين في حزب الاستقلال أذكر من بينهم
السادة بدري بناصر، جعفري الحسين، الطاهر غلاب، بوشتى الجامعي، عبد الوهاب بوزيان،
عبد الحي الشامي، بناصر حركات، المرحوم عبد السلام بناني، وغيرهم من رجالات الحزب
النشيطين، وفي سنة 1947 قلدني الحزب مهمة تسيير عدة جماعات»
اصطدم الحسن العرايشي
بالواقع الاستعماري الذي فرض عليه صراعا مستمرا مع زملاء العمل الأوروبيين بسبب
موقفه المناهض للصهيونية والتي عرفت حينئذ أوج نشاطها وانتشارها، الأمر الذي أدى
في النهاية إلى طرده من مطبعة "بوتي ماروكان"، لينتقل إلى العمل الحر
وفي نفس المهنة، أي تسفير وتجليد الكتب، حيث أسس مطبعة بحي الحبوس بدعم ومساعدة من
التهامي نعمان والطيب الخطيب.
شكل تواجد الحسن
العرايشي بمدينة الدار البيضاء ومنطقة درب السلطان تحديدا فرصة مواتية للتعرف على
رجالات الحركة الوطنية، حيث توطدت علاقته بعدد منهم كعبد الكبير الفاسي، الحسين
برادة، وسليمان العرايشي الذين جمعتهم صداقة قوية، هذه المجموعة إلى جانب آخرين
قاموا بمهام تأطيرية للخلايا الحزبية، ومهام تسييرية مكنتهم من الاطلاع على
الأوضاع السياسية بالوطن، ومن ثَمَّ شحذ وعيهم وتقوية عزمهم لمجابهة السلطات
الاستعمارية، وقد قام الحسن العرايشي ورفاقه خلال هذه المرحلة المبكرة من العمل
المسلح بإنجاز مجموعة من العمليات والمهام من بينها: إعداد وتوزيع المناشير، تنظيم
حملات تناهض السياسة الاستعمارية، توجيه رسائل تهديدية للخونة، إحراق حافلات النقل
الحضري التابعة للمستعمر، تفجير منشآت عمومية فرنسية ومقرات الجرائد الناطقة بلسان
الاستعمار، ومحاولة اغتيال بن عرفة في مناسبتين مرة في مراكش وأخرى بفاس..
ولأن المقاومة كانت
في حاجة ماسة للسلاح ولمقرات آمنة تأوي المناضلين والمقاومين المطلوبين لدى
السلطات الاستعمارية، أسندت للحسن العرايشي مهمة الانتقال إلى المنطقة الشمالية
التابعة آنذاك للاحتلال الإسباني، ليبدأ من مدينة تطوان رحلة نضالية جديدة ارتكزت
معالمها على التنسيق بين المنطقتين الخليفية والسلطانية بغرض تهريب المقاومين بين
المنطقتين والتنسيق لجلب الأسلحة وتهريبها نحو مناطق النفوذ الفرنسية، وخاصة الدار
البيضاء، ومن بين العمليات الهامة التي شارك فيها الحسن العرايشي خلال هذه
المرحلة، عملية تهريب حروف الطباعة من إسبانيا إلى الدار البيضاء لاستخدامها في
كتابة المناشير.
ساهم الحسن العرايشي
بشكل فعال في خلق شبكة لتهريب السلاح والمال ورجال المقاومة، وتأمين الحاجيات
الضرورية لاستمرار حركة المقاومة المغربية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، بل وكان
من حين لآخر ينتقل إلى الدار البيضاء لمشاركة رفاقه في التخطيط لعمليات مسلحة،
ولعل أشهرها كانت عملية تفجير السوق المركزي والقطار السريع الدار البيضاء-الجزائر
يوم 7 نونبر 1953.
لم تقتصر تحركات
الحسن العرايشي بين المناطق الفرنسية بالمغرب والإسبانية في شمال المملكة والدولية
بطنجة، بل تعداه إلى خارج الوطن حيث سافر إلى فرنسا في مهمة سرية لجلب أسلحة جديدة
للمقاومين المغاربة، غير أن العملية تم اكتشافها وتمكن الفرنسيون من اعتقال الحسن
العرايشي واستنطاقه قبل أن يتم ترحيله إلى المغرب حيث حكم عليه بالإعدام، لكن
ألطاف الله كانت رحيمة به، إذ أن ملفات الحسن العرايشي كانت تتضمن مجموعة من
العمليات المنسوبة إليه (تفجير قطار الدار البيضاء-الجزائر / تفجير السوق المركزي
ومحاولة تفجير البريد / إطلاق الرصاص على الشرطي العربي المسكيني) بالإضافة إلى خمسة
قضايا أخرى مهمة بقيت عالقة في ردهات المحكمة وتسببت في تأجيل تنفيذ حكم الإعدام إلى
أن جاء الفرج والخلاص للحسن العرائشي ومجموعة المقاومين المعتقلين بعودة بطل
التحرير جلالة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن وحصول المغرب على استقلاله.
تولى الحسن العرايشي
بعد استقلال المملكة عدة مناصب إدارية، فقد عينه جلالة الملك الحسن الثاني طيب
الله ثراه سنة 1973 عضوا بالمجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش
التحرير، وشغل منصب المندوب الجهوي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش
التحرير إلى أن وافته المنية في 8 نونبر 1989 إثر مرض لازمه منذ فترة الاعتقال في
سجون الاستعمار الفرنسي.
· مصادر ومراجع:
v الحسن العرائشي، انطلاق
المقاومة المغربية وتطورها: مذكرات مدعومة بالوثائق منذ إنشاء الخلايا السرية
الأولى إلى تصعيد المقاومة المسلحة بعد نفي محمد الخامس والأسرة المالكة، مطبعة
الرسالة-الرباط، 1982.
v مذكرات شخصية للحسن
العرائشي نشرتها جريدة العلم في حلقات تحت عنوان: قصة المقاومة السرية من 1946 إلى
1954.
v قاعدة بيانات المكتب
المحلي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالعرائش.
· الصور الفوتوغرافية من خزانة عائلة البطل حسن العرائشي
بعث لنا بها نجله السيد صلاح الحريشي عن طريق الصديق هشام بنادي، فشكرا جزيلا
لهما.
· للاطلاع على تفاصيل المقاومة السرية والعمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي من خلال مذكرات الحسن العرائشي المدعومة بالصور والوثائق، ندعوكم إلى تحميل النسخة الرقمية للكتاب بصيغة PDF عبر هذا الرابط: https://drive.google.com/file/d/1qegeYwwQtVR4RrMnc2LhkLaZm19GNaPO/view?usp=sharing
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق