بقلم:
عبد الحميد بريري
تعلق
تاريخ الجزائريين بتاريخ العرائش منذ أن كانت ترسو سفن المجاهدين البحريين
العثمانيين بمرسى العرائش؛ بعد أن سمحت لهم الدولة الوطاسية ارتيادها لممارسة
الجهاد البحري خلال القرن 15 و16. وكان على رأسهم خير الدين بربروسا الذي أبحر إلى
مرسى العرائش بمجموعة من السفن سنة 1516؛ والذي بعد عودته للجزائر عين حاكم على الجزائر (حوليات أصيلا برناردو رودريݣش البرتغالي تعريب د/ أحمد بوشارب
طبعة سنة 2007).
لتستمر
هذه العلاقة إلى خمسينيات القرن الماضي؛ باتخاذ العرائش مركزا من مراكز اللاجئين
الجزائريين وأحد قواعد معسكرات التدريب لأعضاء جبهة التحرير، واستشفاء جرحاها في
مواجهة الاحتلال الفرنسي.
تروي
الرواية الشفاهية أن معسكر تدريب المقاتلين الجزائريين كان بمكان يسمى بوصافي قرب
عين خماسة ضواحي العرائش، الذي ينتمي ترابيا إلى جماعة الساحل على طريق ريصانة -
بني جرفط، ولازالت البناية التي كانوا يقيمون فيها ويتدربون بجوارها قائمة إلى
اليوم. وكانت ملكا لباشا العرائش الخالد بن أحمد الريسوني، انتقلوا إليها بعد المقر
الأول الذي كان وسط المدينة بعقبة العوينة، وقد برر المفضل التدلاوي أحد المعاصرين؛
انتقالهم من البناية الأولى بسبب بعض التصرفات التي لم ترق السكان (المفضل
التدلاوي أضواء على ذاكرة العرائش ط/1 سنة 2001 ص:90). ويحكي لنا أحد سكان المنطقة
المجاورة لمعسكرهم مشاهد من هذه التداريب حيث كان المتمرن ينزل من أعلى شجرة
البلوط الفليني(الدلم) منكسا على وجه من أعلى الشجرة إلى أسفلها. كما كان يقوم
المتدربون بعمليات تفجيرية تستهدف الأشجار باقتلاعها من جذورها (عبد السلام بن العربي بوزيد أحد المعمرين بمنطقة مدشر النݣارجة
جماعة الساحل).
وكان
تمويل أنشطة الجبهة يتم عبر جمع التبرعات بين السكان المحليين وإعطاء الزكوات. وهو
ما يشير إليه هذا النداء حيث تخاطب جبهة التحرير الجزائرية إخوانهم المغاربة؛
مذكرين إياهم بأية قرآنية وحديث نبوي تحثان على الأخوة الإسلامية التي تربطهم، والتحسيس
بمعاناتهم من الطرد الذي وقع لهم من المستعمر الفرنسي وبنزولهم بالقرب منهم، أي
بمدينة العرائش؛ قاصدين حماهم وهم يعلمون صدق الأخوة ومتانة روابط العروبة
والإسلام التي تجمعهم مع المغاربة. ويحركون فيهم أريحية حب العطاء والبذل بإعطائهم
الزكاة إسوة بباقي إخوانهم المغاربة. واختتموا بقوله تعالى " والله لا يضيع
أجر المحسنين" وهو تذكير آخر بنص قرآني لتحفيزهم على الإنفاق. وهاكم النداء
كما هو مسطور:
باسم الله الرحمن الرحيم جبهة التحرير الجزائرية
" إنما المومنون إخوة" قرآن كريم
" المسلم أخو المسلم" حديث شريف
الأخ المسلم
باسم
أبناء عمومتك وإخوانك اللاجئين الجزائريين، طردهم الاستعمار الفرنسي من ديارهم
وأرض آبائهم وأجدادهم، ولجأوا إلى حماكم، ونزلوا بجواركم لما يعلمون أخوتكم الصادقة،
وايمانكم المتين بالعروبة والإسلام.
تهزكم الاريحية العربية والأخوة الإسلامية إلى
مساعدتكم بحصة من الزكاة تتصدقون بها عليهم كما (كلمة غير مقروءة) ذلك مع أبناء
إخوتكم المغاربة. والله لا يضيع أجر المحسنين والسلام عليكم ورحمة الله
شكل توقيع
(وثائق لم تنشر - ج
3 محمد أخريف جمعية البحث التاريخي والاجتماعي القصر الكبير مطبعة الأمنية الرباط
سنة 2008 ص : 26 ، 27)
وأهم ما
ميز هذا الخطاب هو إثارة النعرة العصبية العربية والغيرة الدينية الإسلامية.
والشاهد من هذا أيضا إبراز هيمنة التيار القومي العربي والإسلامي على جبهة التحرير
الجزائرية، وهو الذي بدأ مع تصفية أحد زعماء التيار الماركسي في الجبهة عبان رمضان
[من القواد البارزين في جبهة التحرير الجزائرية عرف بتوجهه السياسي ويلقب بمهندس
الثورة ولد بقرية عزوزة بمنطقة القبائل سنة 1920] من طرف العقيد عبدالحفيظ بوصوف [عضو
حزب الشعب الجزائري وعضو جبهة التحرير الجزائرية ولد بميلة شرق الجزائر سنة 1926،
مؤسس المخابرات الجزائرية] سنة 1957 بمدينة العرائش. وهذا ما أشار إليه عبد
الرحمان مكاوي في مقاله حول حقيقة العلاقة الجزائرية الإسرائيلية جاء فيه:
"صراع تيارين
في جبهة التحرير الجزائرية بمدينة العرائش أدى إلى مقتل المناضل عبان رمضان من طرف
العقيد بوصوف بها سنة 1957 ليبدأ مع ذلك تراجع التيار الماركسي في الجبهة، وحل
محله تدريجيا التيار العروبي الإسلامي".) مقال حول حقيقة العلاقة الجزائرية الإسرائيلية د/ عبد الرحمان مكاوي). وبذلك كانت العرائش مسرح لإحدى عمليات تصفية الحسابات بين
تيارات الجبهة ومحطة من محطات تواجد أبرز القياديين بها. الشيء الذي سيظهر مع هذا
التواجد النوعي ونشاطه مدى التعاطف الذي حظيت به القضية الجزائرية لدى عموم
الساكنة المحلية من الدعم والمساندة.
ويحدد
المفضل التدلاوي في مذكراته عن نوعية مساهمة العرائشيين بشيء من التفصيل، فأول عمل
قاموا به؛ هو المشاركة في الإضراب الذي دعا إليه يوم 5 يونيو 1956 حيث نفذ بتوقف
العمل في مرافق الشغل وأقفلت المحلات التجارية بالمدينة. ونظمت مظاهرة جابت
الشوارع، ثم نظم مساء ذلك اليوم تجمهر كبير في الملعب البلدي، تناول فيه الكلمة
عدد من ممثلي الأحزاب السياسية والهيآت النقابية المحلية. كما تم تنظيم مظاهرة يوم
23 اكتوبر 1956 احتجاجا على اختطاف خمسة من الزعماء الجزائريين من طرف الفرنسيين
من الطائرة التي كانت تقلهم، والذين كانوا في ضيافة المغفور له محمد الخامس وهم:
أحمد بن بلة وأيت احمد ومحمد بوضياف وكريم بلقاسم ورابح بطاط.
وتشكلت
لجنة لتقديم الدعم والمساندة للاجئين الجزائريين تضم:
1- الحاج عبد السلام
التدلاوي
2- عبد السلام بن
محمد الصغير
3- عابد السوسي
4 - قاسم بن عبد الله
المنصوري
5 -امحمد الهلالي
السوسي
6 - فضول العماري
7 - محمد الحراث
8 - امشيش الرياحي
وعلى إثر
ذلك قامت اللجنة بتوفير مقر القنصلية الألمانية لإقامة الجزائريين به، وهو الموجود
بعقبة العوينة (شارع الزلاقة حاليا) باتصالها بمحمد بوصفيحة المكلف بأملاك
القنصلية المذكورة فاكترته منه. فقامت
أيضا هذه اللجنة بالسعي لدى المحسنين من التجار وغيرهم حيث تم تخصيص مساهمات شهرية
لتغطية مصاريف إقامة هؤلاء اللاجئين.
وعملت
اللجنة كذلك على توفير الشغل لأحد هؤلاء اللاجئين كالسيد محمد القباطي حيث وظف
أستاذا بثانوية مولاي محمد بن عبد الله والقيام بمهمة الوعظ والإرشاد بالمسجد
الأعظم بتعويض مالي من نظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وتوفير الشغل ايضا لبعض
الأطباء منهم. (المفضل التدلاوي أضواء على ذاكرة
العرائش ط/1 سنة 2001 ص : 88, 89 ، 90) ويشهد
توصيل مالي كذلك على مساهمة القصريين بدورهم في دعم الثوار الجزائريين المتواجدين
بالعرائش، وهو محمد بن الحاج كبور بمساهمة نقدية قيمتها 250 فرنك بتاريخ 19 دجنبر
1957.
(توصيل مالي عدد
905.073 من جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى المتبرع محمد بن الحاج كبور)
هذه إحدى
المحطات المشرقة من تاريخ النضال المغربي في استقلال الجزائر التي طالها النسيان
ولا شك أنها غيض من فيض.