الأحد، 23 أكتوبر 2022

جامع العباد بني عروس

بقلم: عبد الحميد بريري

يوجد جامع العباد على قمة جبل مدشر ميسرة وتحته جهة القبلة مدشر عين حديد بقبيلة بني عروس إقليم العرائش. ويحليه الأهالي ب "لالة"جامع العباد تأدبا، ويلقى منهم العناية به والحفاظ عليه ولازال المكان محجا للزوار التماسا لبركته. ويطلق عليه "حجر الخير" نسبة للحجر الذي يوجد بالمكان، وقربه قبر سيدي داود ابن عبد الله بن عمر الشريف، ويسمى أيضا ميسرة بحكم ذكره مع مدشر ميسرة بوجوده على قمة جبله [1]؛ قبل نشأة القرية المشهورة به اليوم حسبما جاء في مصدر من العصر الوسيط ومسجد أبي قيس وجامع أبي داود وروضة العباد [2].

وذكر لي أحد أبناء المدشر المذكور، أن جامع العباد إذا دخلته وصليت فيه أربع ركعات وقرأت فيها بسورة القدر ونظفته بثيابك رأيت مقامك سعيدا او شقيا، وأن تاريخه يرجع إلى عهد سيدي مزوار جد الشرفاء العلميين وهذا مدون في مخطوط "الدرر الباهية". وأضاف أن هذا المخطوط كان في متناول القائد أحمد السعيدي: صديق خالد الريسوني باشا مدينة العرائش في عهد الحماية الإسبانية. وكما هو معلوم أن هذا الأخير كانت له مكتبة من أكبر المكاتب الأسرية بالمغرب حيث حوت نفائس المخطوطات والتحف والكتب لكنها ضاعت بفعل الثورة التي قامت عليه بمدينة العرائش بالحرق والنهب، قد يكون هذا المخطوط مما تعرض للإتلاف. كما ذكر إمام مسجد ميسرة أن من أدب زيارة جامع العباد هو الصلاة به ركعتين ويقوم الزائر بتنظيفه بملابسه [3]

 حافظت قرية عين الحديد على الإرث العلمي للجامع، فاشتهرت بنشاطها الثقافي والديني واهتمامها بتحفيظ كتاب الله، فكانت بذلك مركزا علميا يحج إليه طلبة العلم الديني من مختلف القبائل قد يكون ورث عراقة جامعها هذا، والذي يرجع بناؤه إلى عهد قريب من الفتح الاسلامي للمغرب، وبالضبط عند حياة سيدي حبيب المشهور له ضريح يشتهر جبل به قريب من هناك على طريق العرائش تطوان [4]. وقد أدرج صاحب كتاب النضال الجبلي إحصائيات ترجع إلى ثلاثينيات القرن الماضي، أنه كان يتواجد بالقرية 711 نسمة وعدد أسرها 140 وب 126 منزلا [5]. ويوجد بالقرية كذلك ضريح سيدي أبوبكر جد الشرفاء العلميين ويسكنها أحفاده، وهو أحد أجداد مولاي عبد السلام بن مشيش خاصة منهم الوهابيين والطالبيين.

وأشهر من درس في هذه القرية العلامة الفقيه محمد علي العمراني والشهير بالفقيه المجلاوي قاضي بني ݣرفط من 1351ه إلى 22 شعبان 1362/ 1943م ، ومدرسه الفقيه بن يرمق وهو احمد بن المكي بن يرمق السوماتي شيخ القراء / القراءات السبع / في عصره ، من مواليد مدشر عين بيضا بسوماتة والمتوفى سنة 1331ه .الفقيه علي بن محمد الورايني المنتسب إلى قبيلة بني وراين قرب تازة والذي استقر وتزوج وأنشأ أسرة بقبيلة بني عروس في نفس القرية بعد أن درس في فاس، ولد بقبيلته وعمل قاضيا بأصيلا  وخطيبا بقريته وتوفي سنة 1959م بعين الحديد وبها دفن[6]

اتخذ المجاهدون موقع جامع العباد خلال الدخول الاستعماري الاسباني الأخير، نظرا لموقع مكانه الاستراتيجي على القبائل المجاورة لبني عروس؛ رباطا جهاديا يتدربون ويراقبون هجمات الطائرات المعادية القادمة من تطوان والعرائش، ومنه أيضا يقطعون على المستعمر التوغل بريا داخل القبيلة ويتدربون على الرماية، واتخذوه أيضا مقبرة للشهداء ومركزا إعلاميا يقومون منه بإشعار سكان القبيلة بعدة وسائل كإشعال النار أو ما يصطلح عليه "التنيير" محليا أو إطلاق الرصاص أو ضرب الطبل. وكان طلبة جامع عين الحديد بدورهم يحملون السلاح في وجه المستعمر [7]

ولا زالت القرية تحافظ على إشعاعها العلمي باستمرارية تدريس العلوم الشرعية في مسجد آخر يسمى سيدي أبوبكر على يد الفقيه محمد بن محمد بن قاسم المعروف بابن صافية. وقد ذكر كذلك المريني العياشي في سبعينيات القرن الماضي أنه كان يدرس إلى جانب هذا الفقيه فقهاء وحكماء وعلماء الفلك والتوقيت والحساب وغيرها [8].

أما جامع العباد العتيق كما وقفت عليه لم يبق منه إلا محرابه وحوش من الحجارة مصبوغ بالجير، لا يتعدى علوه ما بين متر ومتر ونصف مساحته حوالي 15 متر مربع، ويوجد في أعلى قمة جبل ميسرة وسط غابة وبقربه مقابر قديمة [9] 

 

[1] من الراجح أن المدشر سمي باسم ميسرة المدغري أو المطغري هو زعيم أمازيغي من قبيلة زناتة الأمازيغية ومن أهم زعماء الخوارج الصفرية بالمغرب الأقصى، كان بروز دعوته سنة 122 هـ في طنجة ثم بويع خليفة على المغاربة. توفي سنة 740 م، فيما توفي سيدي حبيب أحد أفراد الأسر الفاتحين سنة 123ه والذي لا يبعد ضريحه عن المكان بكلومترات معدودات وهي الفترة التي تؤكد الرواية الشفاهية أنه يرجع إليها كذلك

* من وصف المكان ما عاينته وكما سمعت من الأهالي هناك بالقبيلة.

[2] المريني العياشي سلسلة في حلقات من: النضال الجبلي ج/2 المطابع المغربية والدولية طنجة/2 ص: 193

[3] هو عبد السلام بن أحمد الوهابي رجل يقارب المئة سنة يتنقل في السكن اليوم ما بين العرائش وقريته عين الحديد.

* اسم إمام مسجد ميسرة هو أخريف وهو رجل مسن.

[4] حسب الرواية الشفاهية المحلية *سيدي حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع المجاهد الفاتح الشهير دفين قمة الجبل (123 ه – 741 م من رجالات جبل الحبيب وأعلامه

الشمال 2000 / 21 سبتمبر - 2021 | 11:05 صباحًا. وتتجلى عراقة قرية ميسرة بوجود عدة منابع مائية في دير الجبل تأخذ شكل دائري تشبه الأبار وهي أثار دالة على تعمير المدشر قديما.

[5] المريني العياشي مرجع سابق: ص: 191)

 [6] المريني العياشي نفسه ص: 191   (المريني العياشي نفسه ص: 191 ورواية عن ابنة الورايني الصافية بنت علي الورايني المولودة سنة 1934 بعين الحديد وحفيده من هذه الأخيرة عبدالسلام الشنتوف ومن شهادات ينقلها عن ابيه السيد عبد السلام البقاش المحرر القضائي بمحكمة الاستئناف بطنجة سابقا ، والخطيب بمسجد بحي للا الشافية بطنجة . يوم 26 أبريل 2011 على الساعة 9 و18 دقيقة pm. وفيما يتعلق بنسب الورايني إلى قبيلة بني وراين فحسب ما سمعته من أحد أحفاده.

.[7] المريني العياشي نفسه ص: 195، 196.

[8] المريني العياشي نفسه ص: 191. توفي خلال شهرين الفقيه ابن صافية الذي كنت اود الحديث معه حول جامعه هذا المسمى سيدي أبو بكر وشاء الله ما قدر ورحمة الله عليه.

 [9] زيارة قمت بها له يوم الخميس 16 ربيع الأول عام 1444/ 13 أكتوبر 2022.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق