الخميس، 3 مايو 2018

نزهة فاتح ماي بالعرائش

نزهة فاتح ماي بالعرائش
    محمد عزلي

من المعروف أن نزهة الربيع هي عادة متوسطية قديمة ثبت ذكرها على الأقل في العصور الوسطى من خلال كتابات المؤرخين والجغرافيين كابن حوقل، عبد العزيز البكري، والإدريسي، تخص بالتحديد المناطق التي تزخر بالغابات والفضاءات الطبيعية الرحبة، تواجدت الظاهرة كما أشرنا في جل مناطق البحر الأبيض المتوسط (من مصر والشام وبلاد الإغريق إلى أقصى الغرب في إيبيريا والمغرب) حتى أنها سافرت مع المهاجرين إلى أمريكا الشمالية وأصبحت عرفا عالميا.
أما عن نزهة فاتح ماي فلها خصوصية محلية مرتبطة بالاحتلال الإسباني في شمالي المغرب منذ بدايات القرن العشرين وتظهر بجلاء ووضوح أكبر بمدينة العرائش على وجد التحديد، ولأجل فهم أسباب الظاهرة علينا الرجوع بالتاريخ إلى بداية الاحتلال.
دخل الإسبان إلى العرائش والقصر الكبير محتلين عام 1911 ليشرعوا في بناء قواعدهم العسكرية البرية، البحرية، والجوية مما جعل من العرائش عاصمة عسكرية للمنطقة الخليفية، ثم انطقوا في مشروع (التوسعة) الذي استهدف بناء مجال عمراني كولونيالي عصري يضم المباني السكنية والبنية التحتية والمرافق الضرورية للحياة المدنية، ثم تحولوا لبناء قاعدتهم الاقتصادية المرتكزة أساسا على :
1-   الفلاحة بما أن العرائش أو حوض اللوكوس هي المنطقة الوحيدة من "المغرب النافع" التابعة للنفوذ الإسباني.
2-   الصيد البحري، حيث تتميز سواحل المدينة بثروتها السمكية الكبيرة ذات الجودة العالية.
3-   التجارة والمبادلات التي استفادت من حركية المواصلات، جودة وكثرة الإنتاج، طفرة البنية التحتية.
4-   الصناعة التي اعتمدت بادئ الأمر على المؤسسات الرسمية ثم بعد حين ولج الرأسمال الخاص بالمستثمرين والإقطاعيين الكلاسيكيين الأجانب.
كل هذا التحول سيخلق بالعرائش طبقة واسعة من العمال سواء في القطاع الصناعي أو التجاري أو عمال الأشغال العمومية والورشات الكبرى، وهي طبقة جديدة كليا فرضت نفسها بقوة في النسيج السكاني العام، وقد تأثرت هذه الطبقة ومعها جل الساكنة بثقافة الآخر ثقافة رب العمل الإسباني الذي صدر عاداته وطباعه وأخلاقياته وأسلوبه في العمل داخل العمق المحلي.
إن الأرشيف المحلي الإسباني خصوصا من صور فوتوغرافية ووثائق رسمية وشخصية من مراسلات ورسائل وبطائق بريدية إضافة إلى روايات السابقين سواء المغاربة أو الإسبان تحكي عن هذا التطبيع وتؤكده، كعرف "الريستو" مثلا الذي هو عبارة عن فائض الإنتاج لدى المصانع كان يوزع على العمال مما يبث في نفسهم شعورا بالرضى والغبطة، كذلك ما كان يعرف ب "الريغالو" وهي هدية تعطى في آخر السنة الميلادية للعمال، قد تكون عينية لكن في الغالب تعطى مادية وهي أيضا عادة مستحبة ومنتظرة بشغف من طرف الطبقة الشغيلة، حتى العطلة المؤدى عنها كانت بالنسبة للمغاربة في بدايات الاستعمار شيئا عجيبا ورائعا..
وتأتي نزهة فاتح ماي في نفس هذا السياق وهذه الثقافة الجديدة على المجتمع المحلي، ففي هذا اليوم كان الإسبان يستغلون عطلتهم عن العمل لينظموا نزهتهم إلى الغابة للاستمتاع بالطبيعة رفقة العائلة والأصحاب بمناسبة حلول الربيع وعطلة عيد العمال، بل وكانوا يشجعون باقي العمال المغاربة على الاقتداء بهم وممارسة نفس السلوك لما فيه سعادة أسرهم وبالتالي تحسين مستويات معنوياتهم ليعودوا بعدها للعمل في مواقعهم بعد تجديد الدماء وشحذ الهمة، حتى أن بعض الشركات الصناعية الشهيرة مثل " لوكوس " كانت تخصص تعويضا بسيطا اسمه " القفة "، وقد تحول الأمر فعلا إلى عيد اجتماعي منقطع النظير يمارس فيه الاحتفاء بالأسرة والنزهة والطبيعة والغابة. وقد اختلفت الوجهات المقصودة للاستجمام والاستمتاع بالطبيعة باختلاف وتنوع وغنى منطقة العرائش غابويا وطبيعيا ونذكر هنا المنتزهات الغابوية الحضرية (لاإيبيكا – أوسطال – رأس الرمل) إضافة إلى مناطق غابوية أخرى كخميس الساحل، سيدي امبارك، سيدي واد دار..
هذا العرف يفسره العديد بأنه مقصود وهو مخطط ذكي من قبل أرباب العمل لشغل العمال عن عيدهم الذي يفترض أن يكون يوما نضاليا مخصصا للمطالبة بالحقوق المشروعة للطبقة العاملة، حيث أنهم نجحوا في إخراج عموم الناس عن المدينة ليظل صوت النضال النقابي معزولا عن حسن أداء دوره. أما عن الخبر الأكيد فهو أن ظاهرة نزهة فاتح ماي انتقلت من عرف إلى تقليد إلى أن أصبحت تشكل تراثا ثقافيا لاماديا مميزا لمنطقة الشمال الغربي للمملكة المغربية عموما ومدينة العرائش على وجه التحديد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق