لعبة ركوب
الخيل بدون سرج "ماطا" (الجذور التاريخية)
بقلم : عبد الحميد بريري
يعتبر الاحتلال البرتغالي لبعض مدن الساحل المغربي
خلال القرن 15 و16 من العوامل الأساسية في التحولات الديموغرافية
والاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية التي شهدها المغرب في العهد المريني
الأخير .ففي هذا العهد " كان استقرار كثير من أصول الهوية المغربية "
منها الوحدة الدفاعية ، يقول ذلك المؤرخ المغربي محمد المنوني في كتابه ورقات عن
حضارة المرينيين .
وأبرز مظاهر صور الدفاع عن الوطن : الفروسية التي
كانت سلاحا استراتيجيا يحسم المعارك ، ويستشهد بوصف للناصري لهذه الفترة التي تغلب
فيها البرتغال على السواحل المغربية ، والنفير الذي أعلنه المغاربة لمواجهة هذا
الطارئ من جميع فئات الشعب المغربي يذكر فيه ما يلي : " ولما نزل بأهل المغرب
الأقصى ما نزل من غلبة عدو الدين ، واستيلائه على ثغور المسلمين ، تباروا في جهاده
وقتاله ، وأعملوا الخيل والرجل في مقارعته ونزاله ، وتوفرت دواعي الخاصة منهم
والعامة على ذلك وصرفوا وجوه العزم لتحصيل الثواب فيما هنالك ، فكم من رئيس
قوم قام لنصرة الدين غيرة واحتسابا ، وكم من ولي عصر وعالم مصر باع نفسه من الله
ورأى ذلك صوابا ، حتى لقد استشهد منهم عدد واسر آخرون وبلغ الله – تعالى -
جميعهم من الثواب ما يرجون " .
النص يعطينا صورة معبرة عن واقع الحال المغربي وكيف
كان فيه المغاربة من تعبئة وتضحية من أجل الدين والوطن ، ودليل على أن
للفروسية ظروفا لنشأتها وتطورها حتى أصبحت اليوم فرجة نستمتع بها ولها طقوس وأعراف
تحترمها ، بعدما كانت وسيلة للدفاع والقتال ؛ إلا أنه في منطقة الهبط كانت لها
خصوصية تتمثل في ركوب الخيل بدون سرج . وهذا يدل أيضا على براعة الفارس
الهبطي أمام الهجمات البرتغالية المباغتة والضارية بمساعدة عملاء مغاربة يكشفون
لهم نقط ضعف مواطنيهم والسبل التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم من النهب والأسر ، مما
ساهم في ترحيل أسر عن قراهم واندثار تجمعات سكانية كان لها الأثر البالغ في تاريخ
الهبط ، الأمر الذي له شاهد تاريخي لا محالة وهي شهادة لبرتغالي ، عاش في
أصيلا إبان الاحتلال البرتغالي يشير إلى جهوزية ويقظة الهبطيين في مواجهة
مواطنيهم المغيرين على قراهم .
وأبرز مظهر على ذلك هو ركوب الخيل بدون سرج . ففي
إحدى المواجهات استطاع فيها المغاربة إفشال الهجوم البرتغالي وحرمانهم من
قطعان البقر التي استهدفوها لإشباع بطونهم الجائعة من الحصار الذي فرضه المقاومون
عليهم في أصيلا وطنجة والقصر الصغير وسبتة ، وذلك في مروج قرية الهوتة ( سيدي ودار
) على الضفة الشمالية لنهر اللوكوس قرب العرائش . فما أن رآهم سكان القرية يغيرون
على أبقارهم ؛ حتى امتطوا جيادهم فباغتوهم فانقلب المهاجمون هاربين. من هنا
يتضح أن ركوب الخيل بدون سرج ، كان عملا بديهيا وعادة مستمسكة ، ساعد الهبطيين على
حفظ أنفسهم وممتلكاتهم من جشع البرتغاليين .
وهكذا أصبحت فيما بعد عادة فرجوية وتقليدا موسميا ، دأب
عليه الهبطيون ونسجت حوله الحكايات والأساطير عن واقع أو خيال ، تبرز تباهي
القبائل بفرسانها ومدى قدرتهم على خلق المفاجآت ومباغتة الخصم في تراب قبيلته ،
وبالتالي صنع أبطال شجعان لكل طارئ .
ومن الحكايات التي تحكى في هذا الباب ، أن شابا من
إحدى شباب إحدى القبائل الهبطية ، وقع في غرام شابة من قبيلة أخرى فامتنع
أهلها تزويجها له ، فامتطى فرسه بدون سرج ، واختطف الفتاة من وسط قبيلتها فتبعه
فرسان تلك القبيلة يمتطون خيولهم الغير المسرجة كذلك دون اللحاق به . ومن
هذه الواقعة تكون اللعبة قد أخذت قواعدها وقوانينها ثم اسما لها الذي هو
"ماطا " الذي لا زال لم يعرف اشتقاقه ولا اللغة التي أخذت منه وإنما
هناك افتراضات تحتاج إلى الدراسة والتمحيص من طرف مختصين للحسم فيه
.
فمن الراجح إذن أن جذور هذه اللعبة ترجع إلى هذه
الفترة التي كانت تتطلب الانتباه واليقظة دفاعا عن وحدة الوطن وهويته التي كان
البرتغاليون عازمين على القضاء عليها . وهو العزم الذي تأكد في حملتهم على المغرب
انتهت بهزيمتهم المدوية في معركة وادي المخازن وفي تراب إقليم الهبط ، الذي
ظهرت به لعبة " ماطا " وتشكلت قواعدها .
المراجع :
ورقات عن حضارة المرنيين محمد المنوني
منشورات كلية الأداب بالرباط . مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الثالثة
سنة 1420 / 2000 .
- حوليات أصيلا (1508م / 1535م ) مملكة
فاس من خلال شهادة برتغالي برناردو رودريكس تعريب الدكتور أحمد بوشرب الناشر دار
الثقافة الدار البيضاء الطبعة الأولى 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق