الثلاثاء، 6 يونيو 2017

بوسلهام أزطوط العرائشي

بوسلهام أزطوط العرائشي

     بقلم : عبدالحميد بريري


كثير من أعلام العرائش غفلهم المؤرخون بعدم تدوين حياتهم  ؛ سوى أنهم لا يوجدون في المراكز المغربية  الآهلة بالسكان ، مع أنه كان لهم الأثر والتأثير في الدولة المغربية وكانوا الحجر الأساس في بقائها والدفاع عن مقدساتها والذوذ عن حياضها  ومن بينهم  الفقيه  والدبلوماسي  والحاكم بوسلهام أزطوط العرائشي .
بوسلهام بن علي أزطوط الإدريسي الريفي العرائشي  تولى حكم الهبط والعرائش وطنجة  من طرف السلطان المولى عبدالرحمان* ؛ ليولّيه كذلك مهام التفاوض الدبلوماسي مع الأجانب كباقي عمال طنجة وتطوان . عرفت فترة ولايته على المنطقة المذكورة بنوع من القوة والعدل بين السكان ؛ استحسنها الناس وانقادوا لحكمه وسجل التاريخ مواقفه الشجاعة ودهاءه السياسة في خدمة وطنه

من هم آل أزطوط  ؟.
عائلة أزطوط من أصل ريفي ،  ولربما كانت ممن أسكن آباءهم المولى اسماعيل لتعمير ثغر العرائش وتشهد على ذلك مراجع تاريخية  وروايات شفاهية لابناء المدينة  على اسكان أهل الريف بالعرائش بعد تحريرها ومدى عراقتهم بها ، " تدعي الشرف وتلحق نفسها بنسب سيدي علي بن داود أحد الشرفاء الأدارسة " (1 ) ، عدهم ميشو بلير ، المؤرخ الفرنسي رائد البعثة العلمية الفرنسية مطلع القرن العشرين  ، وهي الفترة التي أعقبت حكم آل أزطوط ، عائلة واحدة تجمعهم القرابة مع عائلة الثالوني الذين لم يذكرهم بهذا الإسم الأخير انما اكتفى بذكر أسمائهم الشخصية وأسماء أبائهم وأنهم من أقرباء سي بوسلهام أزطوط  لكن عندما نأتي  إلى مذكرة المفضل التدلاوي ، وهو أحد أبناء مدينة العرائش من مواليد 1921 ، يذكرهم بأسمائهم العائلية وهي "الثالوني" من جملة العمال والقضاة الذين تقلدوا المسؤولية في عهد السلاطين العلويين .  ومن اسماء أفراد هذه العائلة الذين تولوا مسؤولية الحكم بالمنطقة  التهامي (الثالوني ) ومن بعده الحاج علي ازطوط وابنه السي محمد ولد الحاج علي .  وهذا كان في عهدي  السلطانين المولى عبدالرحمان وابنه المولى محمد  . أما في عهد المولى الحسن الأول فعادت عائلة أزطوط للحكم في شخص السي المكي  ( الثالوني ) أخو التهامي  وعوض بعد وفاته ابن أخيه السي احمد بن التهامي ( التالوني)
أما المجال الترابي لنفوذ آل أزطوط فتحدد حسب السياسة الترابية للسلطان الذي كان يتبع له كل حاكم منهم . كان بوسلهام ازطوط  أشهرهم وأقواهم ؛ عين  حاكما على العرائش والقصر الكبير وقبائل الخلوط والطليق والساحل وجميع القبائل الجبلية من وزان الى طنجة  من طرف السلطان المولى عبد الرحمان .  أظهر سلطة فعلية بالقوة من جهة وبالعدل من جهة أخرى . وصف بحسن لباقته وكياسته وفطنته وحنكته السياسية . كان يتوفر على قوة ضخمة وفي نفس الوقت يتصف بالعدالة والنزاهة . أهم ماميز سلطته على قبائل جبالة هو إعطاؤهم نوع من الإستقلال دون "اضطهادهم" أو "ارهاقهم بالضرائب ". لكن بعد موت السي بوسلهام ؛ حد السلطان المولى محمد بن عبدالرحمان من سلطة الحكام والقياد خوفا من تقوية سلطتهم في مواجهة سلطة المخزن . لهذا تقلص هذا المجال الأزطوطي  ليشمل فقط حاضرتي لوكوس والخلوط وطليق وقبيلة آل سريف الجبلية ، أما باقي  منطقة جبالة فوزع ترابها بين حكام الغرب وتطوان وطنجة  . وكان من آل زطوط حاكما بهذا التقسيم الترابي الجديد السي المكي ليخلفه فيما بعد ابن أخيه السي احمد بن التهامي الذي انتفضت عليه قبيلة آل سريف ، فطلب حماية جيش السلطان الحسن الأول وذلك سنة 1893 . بعد هذا ستخرج قبائل جبالة عن سلطة المخزن وبروز احمد الريسوني كثائر على الوضع القائم خاصة بعد وفاة المولى الحسن سنة 1894 (2)

ازطوط الدبلوماسي والحاكم العادل
ابرزعمل دبلوماسي قام به سي بوسلهام ، هو أول من قام بفتح باب المفاوضات مع الفرنسيين بعد معركة ايسلي  وقنبلة طنجة  ، والصويرة واحتلال الجزيرة التي تقابلها . وبعد أن ظهر اتجاه في المخزن المغربي يرغب في  تحسين الأجواء التي سادت قبل المعركة والتي انتهت بهزيمة مغربية بسبب تدخل المغرب في الشأن الجزائري  ، دون الحصول على نتيجة تذكر وفي نفس الوقت تضرر المصالح التجارية المغربية وكشف ضعف المغرب العسكري أمام القوى الإمبريالية الطامعة فيه ، وعلى رأس هذا الصدر الأعظم محمد بن ادريس الذي اختار أن يكون بوسلهام أزطوط نائبا عن السلطان في مدينة طنجة بعد مراسلة الود والمجاملة التي أبداها أزطوط في رسالة الى أحد قواد الأسطول الفرنسي اظهر من خلالها صاحب كتاب  histoire generale de lamarine »"   الدهاء السياسي والدبلوماسي الذي يتميز به  سي بوسلهام وقدرته على احتواء الأزمة الدبلوماسية التي وصلت اليها  العلاقات المغربية الفرنسية . وكان السلطان مولاي عبد الرحمان قد فوض اليه التحدث باسمه واتخاذ مايراه مناسبا للتخفيف من هذه الأزمة . وبالفعل كان هو الذي حضر في اتفاقية طنجة ووقع باسم السلطان على اتفاقية السلم مع الفرنسيين الذي كان يمثله مبعوث من طرف الأمير جوان فيل joinville المسمى وارنيير m. warnier  . وإن كانت الإتفاقية بمرارة الهزيمة ، ومجحفة في حق المغرب لكنها كانت أمرا لا مفر له لحفظ ماء وجه المغاربة الذين دخلوا الحرب بموازين مختلة  ( 3)
وعندما أسس المولى عبد الرحمان دار النيابة السعيدة كمؤسسة مخزنية جديدة بطنجة ، عين على رأسها ولأول مرة بوسلهام أزطوط سنة 1848 واستمرت المؤسسة في الإشتغال إلى غاية عهد الحماية من اختصاصها أن يكون عمال السلطان على مناطق الشمال ( طنجة تطوان العرائش ) واسطة بينه وبين قناصل الدول الأجنبية . (4)
دار النيابة المخزنية بطنجة

جمع ازطوط بين العدل والنزاهة ودون اثقال الساكنة الجبلية خاصة بالضرائب من جهة وبين القوة من جهة أخرى حتى لقي جراء أسلوبه في الحكم قبولا من طرف سكان المنطقة التي يحكمها بأمر من  السلطان عبدالرحمان ؛ خلق بذلك استقرار ا لن يشهده  الهبط فيما بعد . وأبرز ما يجسد هذا مواقفا وأعمالا قام بها وسجلها له التاريخ والأثار التي خلفها ومن بينها ،  إكرام الشرفاء والإعتناء  بهم وتقديم لهم الأعطيات والهدايا  وتبجيل أضرحتهم وتوقيرها  حيث لما قام أحد جنوده  باستغلال النفوذ فنزع شباك ضريح الشيخ عبدالسلام بن مشيش  . قبض عليه أحد السكان وحمله الى أزطوط بمدينة العرائش فاقتص منه وجزاه عن فعله  .  كما قام في اطار سياسة تكريم الشرفاء  ببناء ضريح جد الشرفاء العلميين مزوار بن حيدرة أحد أحفاد المولى ادريس الثاني المدفون قرب حصن حجرة النسر إحدى ماثر المدن الإدريسية بدار الراطي بقبيلة سماتة وتحديدا حسب التقسيم الترابي بجماعة زعرورة والتي يبعد مركزها عن العرائش بحوالي 60 كلم(5)  . واستمرت هذه السياسة في عهد آل أزطوط حيث تم بناء ضريح أحد الصلحاء عبد الكريم الهشكوري  ،الذي استقر بمدينة العرائش سنة 1852 قادما إليها من الصحراء ، وكان من أتباع الطريقة التهامية  ، من طرف الباشا علي ازطوط *.
اذن هي اعمال جليلة سجلها التاريخ لهذا الرجل ولاسرته ولن نوفي قدره مهما تحدثنا عنه والهالة التي كنا نسمعها عن  أهله .
وتبقى هذه المعلومات التاريخية التي وفرتها لنا المصادر والمراجع التاريخية  ،هي التي نملكها لحد كتابة هذه السطور . ولن ندخر جهدا للتعريف بهذه الأسرة ومعرفة الجديد عنها كلما حصلنا على المادة التاريخية عنهم . والله ولي التوفيق .
ضريح أحمد مزوار بن علي حيدرة بن محمد ابن إدريس الأزهر

 ضريح سيدي عبد الكريم الهشكوري بالعرائش


* تميزت فترة حكم المولى عبدالرحمان بالمغرب بنوع من الإستقلالية في تدبير الشؤون الجهوية من طرف العمال وهي سياسة ساعدت على نوع من الإستقرار الذي سيفقده المغرب فيما بعد بسبب تقسيم السلط بين عدة قياد داخل منطقة واحدة ( ميشو بلير)
(1) صورة جبالة في الوعي الكولونيالي الفرنسي نصوص مختارة من الوثائق المغربية ادوار ميشو بيلير ترجمة : د / حنان المدراعي منشورات باب الحكمة تطوان سنة 2014 ص : 18
(2) صورة جبالة مرجع سابق ص : 19 وأضواء على ذاكرة مدينة العرائش للأستاذ المفضل التدلاوي  ط / 1 يوليوز 2001 الطباعة والإخراج الشنتوف ادريس ص : 188 و189 . والعرائش كما يراها المجلس البلدي للأستاذ الشنتوف ط / 1 سنة 1969 مطبعة كريماديس العرائش .
histoire generale de la marine publiee sous la direction de m (3)   .   van Tenac attache au ministre de la marine tome / 3  parent desbarres .editeur 28 .rue cassette p 325 – 326 .

(4) أروبا في حضرة السلطان الرحلة د/ خالد بن الصغير ندوة الرباط الأولى سنة 2003
* في اللوحة التي وضعتها جمعية القصبة على الضريح تشير أن الذي بناه هوباشا العرائش علي بن محمد أزطوط بناء على مصدر اعتمدته  .
(5) حصن السلام بين يدي اولاد مولاي عبدالسلام – الطاهر اللهيوي ط / 1 1398/ 1978 دار الثقافة ص : 285

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق