الأحد، 7 أبريل 2024

نوستالجيا عن فران الدمغة بالعرائش

 


بقلم: يوسف التيجاني

كان أبي أحمد التجاني رحمه الله خبازا PANADERO وكان يلقبه RAMOS صاحب PANADERIA EL MILAGRO التي بنيت على أنقاضها عمارة إدريس الغرناطي رحمه الله المطلة على الشرفة الأطلنتيكية والسوق المركزي ب MAESTRO DE PALA ، وربما احتراما للمثل الشعبي القائل “حرفة بوك لا يغلبوك” شاء القدر أن أشتغل في الفرن التقليدي “الدمغة” الواقع بعقبة “الطوري” -اسم مشتق من البرج باللغة الاسبانية- خلال العطلة الصيفية، وهو موعد الأفراح والأعراس التقليدية فوق السطوح وفي الساحات تحت الخيام المكترية من البلدية، قبل بدعة قاعات الأفراح أو منظمي الحفلات. وهذا لا يعني أنني سأدخل هذا الفرن لأول مرة، بل إنني كنت أرتاده كزائر لصديقي سعيد أوراي رحمه الله بل وكنت أصطحب السي أحمد، صديق أبي الذي يشتغل هناك، وأنا مازلت صغيراً على متن سيارة رونو 4 لبيع الحلويات اللذيذة والمتنوعة في الأسواق، كما كانت توزع على الدكاكين أيضا وذاك هو الاختصاص الأول للفرن الذي أصبح فيما بعد قبلة لكل عائلة عريس أو عروس حيث تُقدم طلبات الخبز و” الگروص” قبل موعد التسليم بأيام، وعلى أساسها يتم ترتيب برنامج العمل بالليل والنهار.


كانت مهمتي في البداية -وأنا طالب جامعي بالسنة الأولى شعبة رياضيات فزياء- دهن “الطاوات” بالزيت لمنع التصاق العجين بها، فكنت أقضي الليل كله في هذه العملية إلى حدود الصباح حيث ننصرف ليحل محلنا فوج النهار.

بعد أسبوع شاق، لم يرقني توقيت العمل، إذ كان يحرمني من سمر الليل ولقاء أصدقائي من الطلبة. توسلت لرب العمل السي لحسن أوراي رحمه الله (انظر الصورة) أن يغير توقيت عملي من الليل إلى النهار، فوافق على الفور لأنه كان يعزني كواحد من أبنائه ويعطي للعاملين المثل بي في الجد والكفاح.

كانت فرحتي لا توصف في بداية الأسبوع الثاني، كيف لا وقد تخلصت من دهن الطاوات مادام هناك من كان يقوم بهذا العمل في فوج النهار، وهذا ما فسح المجال للترقي إلى إمداد الخباز با “طاوات” العجين من أجل الطهي. فبمجرد ما يملأ جوف الفرن، أغتنم الفرصة متسللا إلى قاعة الإعداد لتعلم أولى دروس تدوير العجين “التقريص” التي لم تكن سهلة على الإطلاق. تابعت نفس الخطة، ويوما بعد يوم يتحسن الأداء إلى أن صرت رسميا بعد أقل من شهر ضمن فوج” الدليك والتقريص” فارتفع الأجر والرتبة، ونلت تجربة ساعدتني مع مثيلاتها من التجارب في مواجهة مصاعب الحياة ومنها الطلابية يوم اضطررنا في المحنش الثاني بتطوان لإعداد الخبز بأنفسنا بالتناوب وإن كانت التجربة لم تعرف نجاحا يذكر إنما عشناها ولو لفترة وجيزة.


مع اقتراب وجبة الغذاء كنا نعيش ضغطا رهيبا، العامل والزبون على حد سواء، ويشتد الضغط كلما تسلم أحد بضاعته، فيمضي فرِحا تحت وابل أسئلة المنتظرين “هل هذا قبلنا؟” أو “هل نحن بعده؟” ويتكرر المشهد نفسه مع اقتراب وجبة العشاء وهكذا طيلة موسم الصيف.

وتبقى خبز “فران الدمغة” فريدة من نوعها حجما ولذة، وكذلك “الگروص” الذي يذوب في الفم مع أول رشفة من الشاي.

توقف نشاط “فران الدمغة” وغابت معه “الخبزة” الكبيرة الحجم “الشباعية” اللذيذة و “الكرصة” الألذ وبقيت أبواب البناية الموصدة، حارسة أمينة على فصول تلك الذكريات على أمل أن يفتح قفلها في يوم ما لإحيائها من جديد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق