المؤلف: المرحوم ذ. أحمد الهلالي
إعداد:
ذ عبد المالك العسري
كانت توجد بمدينة العرائش أيام الحماية الاسبانية
لمنطقة الشمال بالمغرب أنواع كثيرة من المدارس، فلم يكن التعليم موحد المناهج في
كل مدارس المدينة: هناك مدارس تابعة للدولة الإسبانية وهي اسبانية المناهج، وهي
مجموعة مدارس العرائش المختلطة بين الذكور والإناث، وهناك مدرستان اسبانيتان كذلك
كانت إحداها للإناث والأخرى للذكور وهي المارستاس (بمعنى المريميون نسبة إلى مريم
العذراء). ومدرسة الإناث تسمى "سانتا ماريا دل بيلار" وهما مدرستان
متجاورتان في ملكية الكنيسة الكاثوليكية، برامجها مزيج بين البرامج الدراسية
الاسبانية وهي الأساس، وبجانبها يتلقى التلاميذ تكوينا دينيا كاثوليكيا وهي تقبل
التحاق المغاربة بها، وبها تخرج معظم المغاربة المتقنين للاسبانية وهم كثر، سواء
في العرائش أو القصر الكبير أو أصيلا.
وبجانب هذه المدارس كانت توجد مدرسة
"الباطروناطو" معناه المدرسة الخيرية وكانت شبه مخصصة لأبناء الجيش
الاسباني والفقراء منهم ومنا وترحب بكل من أراد الالتحاق بها.
وهناك تعليم إسرائيلي وكانت له ثلاث مدارس:
مدرسة (الرابطة) تابعة لمنظمة L’Aliance بباريس
وهي بتمويل يهودي إسرائيلي، وهناك مدرستان أخريتان المدرسة: اليهودية الاسبانية
والمدرسة اليهودية المغربية، وكل مدرسة تدرس وفق برنامجها الدراسي للدولة المؤسسة.
وبجانب هذه المدارس هناك مدارس مغربية صرفة فيها المخزنية التابعة لسلطة الحماية
تحت إشراف الخليفة السلطاني، وأشهرها مدرسة مولاي عبد السلام بباب البحر ومديرها
الأستاذ السبتي، ومدرسة المعتمد بن عباد بكليطو ومديرها الأستاذ الشنتوف ومدارس
ابتدائية أخرى في أطراف المدينة مثل مدرسة مولاي عبد السلام وهي على شاكلة مجموعة
المدارس الاسبانية، إذ كانت تتوفر على جميع الأقسام الدراسية. كما كانت تتوفر على
قسم الصناعات المختلفة كالحدادة والنجارة وتدبيغ الجلود وصناعتها وما إلى ذلك من
أنواع الصناعات، وقد أقيمت على شاكلة مدرسة الفنون والصنائع بتطوان. وأهم فرع فيها
كان هو قسم الطباعة، إذ تخرج منه تقنيو المطابع، ولهؤلاء يرجع الفضل في تأسيس
المطابع وتسييرها وهي العون الأول والمد الأول للحركة الوطنية بالمغرب وهم اللبنة
الأولى لمطبعة "برجيما" بالدار البيضاء مطبعة المقاومة ومنبر الجرائد
الوطنية التحررية بعد الاستقلال.
ومن تلامذتها المقاوم العرائشي وأخوه.
وغيرهما. هذه المدارس كلها تدرس أساسا باللغة الاسبانية، وبجانبها اللغة العربية
بشكل نقول عنه أنه محتشم.
ومع بوادر الاستعداد للدخول في الحرب الأهلية
الاسبانية، وفي إطار محاولة استقطاب فرانكو وجماعته للوطنيين المغاربة أخذت سلطة
الحماية تولي نوعا من الاهتمام بالمنطقة عموما، بالتعليم خصوصا، وهو مفتاح كل شيء.
وفي هذا الإطار أعطت وعودا بالانفتاح على الحريات المختلفة والتفتح على العالم،
فوافقوا على إرسال بعثة مولاي الحسن إلى القاهرة وكانت تضم خيرة الشباب المتعلم
بالمنطقة كلها. وكان ذلك سنة 1938، وقبله أعطت الدولة الاسبانية الضوء الأخضر
للوطنين في فتح مدارس أهلية خاصة بها تحت إشرافها وتحت عهدتها، وهكذا وفي سنة 1936
تأسست المدرسة الأهلية الحسنية بالعرائش وقبلها بقليل بتطوان وبعدها بالقصر الكبير
هذه المدارس كانت من تأسيس الحركة الوطنية بالشمال تحت قيادة حزب الإصلاح الوطني.
وقد وضعت لهذه المدارس برامج تتلاءم وعقلية
المغاربة من خلال المحافظة على الدين والفقه، بحيث تمسكوا بالحفاظ على الكُتاب أو
المسيد القرآني وأيضا في الحفاظ على الطريقة العتيقة في التدريس القائمة في اللوح
وغسله أو محو اللوح وكتابته بإملاء من الفقيه تماما كما كان يجرى به العمل في
الكتاتيب القرآنية في جميع أنحاء المغرب.
فالتمسك بحفظ القرآن وقراءته جماعيا هي هوية
وطنية ينبغي ألا يفرط فيها، وستبقى أبد الدهر في هذا البلد الأمين. ومثل هذه
المدارس كانت إلى بجانب الكتاب داخل المدرسة أقسام دراسية على الشكل المعهود به في
جميع المدارس، والأساتذة فيها غالبا ما كانوا متطوعين.
أما التلاميذ فيوجدون مقسمين إلى كتابين وبهما
فقيهان. يحفظون القرآن للتلاميذ. وكلما حضر أستاذ يأخذ معه تلاميذ ذلك القسم ويعطي
درسه كما يعطي في باقي المدارس، وينصرف ويأتي آخر، وربما يحضرون جميعا في آن واحد،
وقلما يحصل ذلك.
على هذه الشاكلة كان التدريس بالمدرسة الأهلية
الحسنية بالعرائش في بداية الخمسينات حيث التحقت بها وكانت أول مدرسة لي في حياتي
بعد الكتاب القرآني بقريتي تيتكي ولدى فقيهي سيدي إدريس التّنْسنتي المانُوزِي
(المنتصف وهو الاسم الجديد الذي اختاره أبناؤه للحالة المدنية).
وبجانب هذه المدارس المغربية الاسبانية
والإسرائيلية هناك مدرسة أخرى هي المدرسة المغربية الفرنسية يُدرس فيها المنهاج
المغربي الذي يدرس بباقي المدارس المغربية في منطقة الحماية الفرنسية، وذلك نتيجة
اتفاقية بين فرنسا واسبانيا – وتلاميذها يتوجهون في المرحلة الإعدادية إلى كل من
سيدي قاسم، وفي المرحلة الثانوية ثانوية ابن يوسف بالرباط ومولاي إسماعيل بمكناس،
وثانوية مولاي عبد الله والخوارزمي بالدار البيضاء أو ما كان يسمى بالثانوية
الصناعية. هذا مجمل المدارس الابتدائية بالعرائش.
هيئة
الإدارة والتدريس بالمدرسة الأهلية بالعرائش:
يُسيِّرُ المدرسة ويديرها الأستاذ أحمد
التدلاوي* هو ابن المدينة أبا عن جد، وأسرته معروفة بالمدينة منذ زمن بعيد، وهي
أسرة علم وثقافة وفن، فوالده رجل متعلم منفتح، ورجل دين ومن أهل الذكر والمديح في
المدينة، وعازف على الكمان وكان يترأس الجوق الأندلسي بمعية السيد بنموسى وغيره،
وهو حافظ لطبوع فن الآلة، ومتذوق لها، قد ورّث هذا الفن لأولاده جميعا بدون
استثناء، فالسيد أحمد التدلاوي خريج معهد مولاي المهدي ومدرسة المعلمين بتطوان،
وهو مثقف ومزدوج اللغة، يتقن اللغتين معا العربية والاسبانية، وله ذوق رائع وقد
تلقى دروسه الموسيقية بمعهد الفنون بتطوان، بجانب دراسته بمعهد مولاي المهدي
ومدرسة المعلمين بتطوان، فهو عازف ماهر للبيانو والكرديون كما يعزف على باقي
الآلات بمستوى أقل من البيانو والكردويون، وإليه أسندت إدارة المدرسة الأهلية
بالعرائش.
في
بداية الخمسينات، وقبله كان مكلفا بها الأستاذ الدمغة. وعموما فطاقم الأساتذة
المنتمين لحزب الإصلاح الوطني هم الذين يتولون تسييرها باختيار من طاقم التدريس
والحزب.
وفي الفترة التي قضيتها بهذه المدرسة، كان
السيد أحمد التدلاوي يجمع بعض التلاميذ ويلقنهم قطعة شعرية ويحفظها لهم بواسطة
العزف إما على البيانو أو على الكرديون، وكان يعطي أسبوعيا درسا في الموسيقى
بالمدرسة، وفي نفس الوقت يدرب التلاميذ على الأناشيد الوطنية مصحوبا بالموسيقى
الأندلسية.
وعلى وجه العموم فأسرة التدلاوي كل أفرادها
عازفون ويتقنون أداء موشحات أندلسية للطرب الأندلسي، فأخته فضيلة وأخوه عبد الحفيظ وكل أفراد الأسرة مولعون بالأندلسي وبالمديح. ولفضيلة صوت رائع تغني لأم كلثوم
واسمهان. وهكذا فأسرة التدلاوي أسرة فنية بامتياز، وبالمناسبة فأخوه عبد الحفيظ* هو
صاحب كتاب ذاكرة العرائش وقد تعرض فيه عموما للحفلات الفنية والمسرحية التي عرضت
بالمدينة في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.
وللسيد أحمد التلاوي هواية وشغف كبير بفن
المسرح إذ أسس فرقة مسرحية من بعض التلاميذ الموهوبين وبعض أصدقائه الذين يعشقون
فن المسرح كالسيد الراضي وحسن التشطو وغيرهما، وكانوا يعرضون مسرحياتهم في كل من تطوان
والقصر الكبير، وبين فصل وآخر بين فصول المسرحية يتم عزف قطع موسيقية يطرب لها
المتفرجون ويدخل عليهم البهجة، وهكذا تكتمل الفرجة المسرحية والموسيقية.
حدث ذات يوم أن جلست معه جلسة رائعة بمعية
سيدي الراضي والتشطو، وحدثنا بكيفية جميلة ورائعة عن فن المسرح في دول أمريكا
اللاتينية، واللغة المسرحية الراقية التي يكتب بها اللاتينيون في كل من فنزويلا
والتشيلي والمكسيك والأرجنتين، وحتى في دول أمريكا الوسطى كَجمهورية نيكاراكوا بلد
الشاعر والدبلوماسي العظيم "روبين داريو" الذي شغل منصب سفير بلده في
باريس لمدة عشر سنوات، وهو الشاعر الذي يحفظ له جميع الناطقين بالإسبانية جل
قصائده الرائعة. وله مسرحيات مقتضبة وذات دلالة إنسانية وعاطفية، وكذا شعراء
التشيلي والأرجنتين، وبالمناسبة حكى لنا السيد أحمد التدلاوي بأن رقصة الطانغو
الأرجنتينية هي التي حببت إلينا العزف على الكورديون لأنها الأساس والإطار العام
لرقصة الطانغو.
لقد كان السي أحمد التدلاوي المربي والفنان
والوطني الغيور على وطنه بنى وأسس وخلف وراءه ذكراً طيبا.
وهكذا استمرت المدرسة الأهلية في التكوين
والعطاء وكانت نموذجية في منحاها الدراسي، ويفتخر المتخرجون منها باعتزاز كبير وإلى
الآن، وفي عهد الاستقلال أدمجت في التعليم العمومي وأسندت لطاقمها وظائف بالتدريس
في مدارس عمومية، أما بنايتها فأصبحت مهجورة لسنوات إلى أن منحت لمنظمة رعاية
المكفوفين، فرحم الله ذلك الزمن الجميل، وبالمناسبة فبناية المدرسة هي ضمن أملاك
إدارة الأوقاف وهي لصيقة بالجامع الكبير، وكنا ونحن أطفالا نحضر دائما صلاة الجمعة
ونقرأ الحزب مع الجماعة، وكان السيد أحمد التدلاوي هو رئيس جماعة قراءة الحزب يوم
الجمعة قبل الصلاة. رحمه الله وأسدل عليه شآبيب رحمته، فحياته مليئة بالأعمال
الوطنية والخيرية والتربوية.
*الاسم الصحيح هو عبد السلام
التدلاوي بعد ان صحح لي الاسم الدكتور عبد العالي أعراس
· نشر في صفحة بوابة القصر
الكبير على الفيسبوك بتاريخ 22 أبريل 2021، وهذا رابطه:
https://web.facebook.com/ksarforum/photos/a.724644784233421/4168652346499297
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق