بقلم: عبد الحميد بريري
غابة "لاإيبيكا" LA
HÍPICA أو "بيبيرو" VIVERO. كلا الاسمين يطلق على غابة الصنوبر المتواجدة بالمدينة؛ الأول
يقصد به ركوب الخيل والثاني يعني المشتل الذي تنبت فيه الأشجار، والمعنيين يشار
بهما إلى أحد الأنشطة التي كانت تمارس بالغابة.
أنشأت غابة "لاإيبيكا" ضمن مشاريع
أنجزتها الحماية الإسبانية لتلطيف جو العرائش المشبع بالرطوبة ومكانا للترفيه
والترويح عن النفس تابع للجيش الإسباني لتدريب عناصر جنود فرقة الخيالة، أما
العقار اليوم يدخل ضمن أملاك الدولة. وبداخل الغابة أنشأوا كذلك مشتلا لتنبيت
مجموعة من أنواع الأشجار الغابوية بما فيها شجر الصنوبر الذي يشكل الغطاء الغابوي
لها [1]. ويعتبر من أولى المشاتل في تاريخ المغرب وقد ذكره من بين ما رآه بالمدينة
الأديب اللبناني أمين الريحاني عند زيارته لشمال المغرب ودوره سنة 1938 يقول فيها:
"وإن في العرائش أيضًا، من فضل الحكومة الحامية، مختبرًا زراعيًّا ومشتلًا
عامًّا يتولاهما مهندس إسباني وعمَّال من الأهالي يعاونون. ذلك المختبر قائم في
وسط حرج من الصنوبر مساحته اثنا عشر كيلومترًا مربعًا، وحرج آخَر إلى جانبه من شجر
الكينا. لقد أبهجتني مشاتل الصنوبر المديدة، وفيها ما لا يقل عن المائتي ألف شتلة،
يُنقَل منها إلى الجبال، ويأخذ منها الفلاحون والقبائل للغرس في أراضيهم، وهناك
مشاتل من الأزدلخت والسنط والسرو والشربين والكينا، فضلًا عن أغراس الثمار على
أنواعها" [2] الكاتب بذكره الحرج من الصنوبر - المكان الضيق الكثير الشجر-
الذي يقام وسط هذا المشتل وبتحديد مساحته ب 12 كلم مربع [3]، يقصد الغابة المذكورة
بدليل ذكر نوع الشجر والمساحة التي يغطيها. كما أن منتوجات هذا المشتل توزع على كل
غابات الإقليم لغرسها بجميع الأشجار التي تناسبها وهذا ما عصرناه وشهدناه. فالنص
يؤرخ لتاريخ وجود هذه الغابة والذي يرجع إلى عهد الحماية الإسبانية والمجهودات
التي قام بها المعمرون الإسبان للحفاظ عليها وعلى الغطاء الغابوي بالإقليم بمشتلها.
كما أن القيمة الصحية لشجر الصنوبر وثماره
المسمى بالعربية الكوز من ضمنها معالجة أمراض الجهاز التنفسي فضلا عن القيمة
الغدائية لثماره. ونسميها في العرائش "البينيا" نسبة إلى اسم شجرة
الصنوبر بالإسبانية PINEA، تحتوي
بداخلها على حبوب وداخل هذه الحبوب توجد النواة التي تؤكل رطبة أو جافة أو تستعمل كمكون من مكونات الحلويات
وفيه عدة أنواع. لذا فإن غرس أشجار الصنوبر بالعرائش يتوافق مع أهميته الصحية في
الحد من تأثير الرطوبة على الجهاز التنفسي وصحة الإنسان عموما؛ وهنا يظهر مدى
تحقيق أهداف سلطات الحماية من غرس هذه الأشجار لتواجد المدينة في موقع تطغى عليه
الرطوبة بفعل عدة مؤثرات حتى اعتبرها العرائشيون غابتهم "لا إيبيكا"
برئة العرائش.
كما أنشأت سلطات الحماية بمحيط الغابة أنداك
مجموعة من الملاعب الرياضية، بقي أثارها إلى حدود نهاية القرن العشرين ومنها لازال
عبارة عن أطلال، كانت متنفسا رياضيا لسكان المدينة يمارسون فيها لعبة كرة القدم
والعدو الريفي وملعب للفروسية ومكان لركوب الخيل. وما فتئت إلى اليوم متنفسا بيئيا
وترفيهيا يلجأ لها كل عرائشي يرغب في الترويح عن نفسه والتنزه. كما كانت محج لكل
طالب للمطالعة ومذاكرة المقررات الدراسية وخاصة أثناء فترة التهييء للامتحانات لما
يوفره الفضاء هناك من الدفء والهدوء يساهم إلى حد ما على التحصيل والتركيز. وعند
انتهاء الموسم الدراسي يتجه بعض أبناء العرائش إلى الغابة لجني ال "بنيا"
البيضوية الشكل حيث تحرق حتى تسود وتنضج نواتها بفعل النار فيتم دقها بشيء صلب
لفرز الحبوب عنها، فتكسر هذه الأخيرة بالأسنان أو بدقها هي الأخرى فتؤكل نواتها
وهي لازالت رطبة بلونها الأبيض؛ أو تترك ثمرتها حتى تيبس فيتم التقاط ما بداخلها
من حبات صلبة فتدخل هذه الأخيرة إلى الفرن فتطبخ وتصبح محمرة أو يتم فرز نواتها
التي تصبح صلبة قابلة للكسر والمضغ أو تستعمل في الحلويات.
وبذلك تعتبر غابة "لاإيبيكا" تراثا طبيعيا
محليا لعب أدوارا بيئية واجتماعية بالغة الأهمية، وذاكرة مشتركة لكل أجيال ساكنة
مدينة العرائش والكثير من زوارها على مدى قرابة قرن من الزمن.
هوامش:
1
- بناء على ما سمعناه ممن عاصر عهد الحماية وما تواترته الروايات في المدينة.
2
- المغرب الأقصى أمين الريحاني النسخة التي أصدرتها مؤسسة هنداوي عام 2018 ص: 260.
3
- مساحة الغابة اليوم لا تتعدى 3 كلم مربع وبذكره 12 كلم مربع قد يقصد الغابات
المحيطة بالعرائش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق