محمد عزلي
الشهيد عبد السلام بن
عبد السلام الشنتوف الشهير ب "السوماتي" (1900-1956م)، من مواليد قبيلة
سماتة، جماعة زعرورة، بإقليم العرائش، القبيلة التي اشتهرت في التاريخ المحلي
والوطني بالجهاد ومقاومة الاحتلال الإسباني، إذ تعتبر آخر نقطة سقطت في يد القوات
المحتلة بشمال المملكة وذلك في شهر يوليوز 1927، أي بعد مضي 15 سنة على إبرام عقد
الحماية، و14 شهرا على استسلام الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وذلك بعد الضغط
الرهيب الذي مارسه الطيران العسكري للقوات المحتلة على المنطقة، والذي تم من خلاله
استعمال الغازات السامة، في واحدة من أسوء وأجبن العمليات التي لطخت سجلات التاريخ
العسكري الإسباني بمداد العار، مما أدى في النهاية إلى فرار أبناء القبيلة إلى
المناطق الخاضعة للنفوذ الفرنسي قبل الحصول على وثيقة الأمان التي مكنتهم من
العودة إلى أراضيهم.
وقد كان عبد السلام
الشنتوف أحد هؤلاء المقاومين الأبطال الذين تمتعوا بحظوة ونفوذ معنوي كبير في
قبيلته، وهو ما حدا بالمخزن الخليفي إلى تكليفه بتدبير شؤون السكان في المنطقة منذ
سنة 1928، إلى أن أصبح قائدا سنة 1938، وبسبب تدهور علاقته بالمستعمر إثر رفضه حمل
الزي العسكري الإسباني، تم إعفاؤه من مهامه في 13 من غشت سنة 1941.
أما في مرحلة نشاط
الحركة الوطنية، وفي سياق مواصلة الكفاح من أجل نصرة القضية الوطنية العادلة، ذكر السيد
محمد الشنتوف حفيد الفقيد عبد السلام الشنتوف في شهادته خلال جلسة الاستماع بمقر هيئة
الإنصاف والمصالحة في 15 من مارس سنة 2005، أن جده وعائلته عموما "تأثرت إلى
حد كبير بأفكار حزب الشورى والاستقلال وأطروحاته"، وفي فترة ثورة الملك
والشعب أشار المصدر ذاته إلى "أن أحد أبناء الفقيد كان يدرس بمدينة سبتة حيث
التقى خلال سنتي 1953 و1954 بالمرحوم بلحسن الوزاني الذي كان منفيا هناك، فكان
يزوده بالوثائق والمنشورات".
وفي الرابع من أبريل 1956، توجه جلالة الملك محمد الخامس على رأس وفد مغربي رسمي إلى مدريد للتفاوض في استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وقد مثل إقليم العرائش في هذا الوفد، الفقيه العلامة والقاضي الحاج عبد السلام ازطوط عضو المجلس الخاص للخليفة السلطاني، لتنتهي المفاوضات يوم 7 أبريل 1956 باعتراف إسبانيا الرسمي باستقلال منطقة الشمال المغربي، فقرر بطل التحرير العودة إلى المغرب من بوابة تطوان، وتخصيص مدينة العرائش المجاهدة بأول زيارة رسمية ثلاثة أيام فقط بعد الاستقلال، وذلك يوم الثلاثاء 10 أبريل 1956، مرفوقا بولي عهده الأمير مولاي الحسن وصنوه الأمير مولاي عبد الله، ليستقبلوا استقبال الأبطال من الجماهير الشعبية التي احتفلت بهذا النصر وهذه الزيارة التاريخية، وقد بذل السيد عبد السلام الشنتوف مجهودا كبيرا في سبيل تعبئة السكان لاستقبال جلالة الملك، وهو الأمر الذي نجح فيه بفضل نفوذه المعنوي المؤثر، غير أن هذا الموقف أغضب سلطات الاحتلال التي وضعت اسمه ضمن القائمة السوداء، والتي كانت تدس عملاءها في كل مكان وتحرضهم على خلق البغضاء والفتنة بين صفوف الوطنيين.
مشهد من الاستقبال
الشعبي الكبير لبطل التحرير جلالة الملك محمد الخامس خلال زيارته لمدينة العرائش في 10 من أبريل 1956
وفي اليوم الخامس من
رمضان، 17 من أبريل 1956، وبعد مرور أسبوع واحد فقط على الزيارة الملكية، وفي خضم
أحداث الفوضى و"السيبة" بسبب الفراغ السياسي والإداري والأمني الذي أعقب
إعلان الاستقلال، والذي تتحمل فيه سلطات الاحتلال الإسباني النصيب الأوفر من
المسؤولية، تمت تصفية مجموعة من المواطنين والتنكيل بهم بشكل وحشي ينم عن سادية الإقامة
العامة الإسبانية ممثلة آنذاك في "الدون بوريطا" (Borreta)، وأدواتها
التي استعملتها من خلال بعض الأشخاص -كما ذكر السيد محمد الشنتوف في شهادته-
المعروفين بسوابقهم الإجرامية، أو حتى من بعض المغاربة الذين اعتقدوا أنهم ينتقمون
من عملاء الاستعمار، ضاربين بعرض الحائط تعاليم الشرع الشريف، وناموس الدولة
المغربية العريقة، وأخلاقيات الأعراف المغربية المتزنة على كفتي العدالة والحكمة، وكان
من بين ضحايا هذه الأحداث المروعة، الشهيد عبد السلام بن عبد السلام الشنتوف.
· تفاصيل
الحادث المريع
ذكرت السيدة فاطمة
الشنتوف ابنة الفقيد في لقاء خاص أجرته معها جمعية أرشيف العرائش بتاريخ 29 دجنبر
2020، أن السيد عبد المالك بلفقيه (المسؤول عن حزب الاستقلال في تلك الفترة) أرسل
أكثر من مرة أفرادا من أسرته ليحذروا أسرة السيد عبد السلام الشنتوف من هجوم وشيك
على منزلهم يستهدف قتل رب الأسرة، غير أن المرحوم لم يكترث لهذا التحذير، معتبرا نفسه
بعيدا عن الشبهات ومنزه عنها، ورفض السماح بالكلام عن الفرار، وآثر البقاء في بيته
لرعاية أسرته وتمريض زوجته التي كانت تعاني من داء السرطان، وفي اليوم المشؤوم على
عائلة الشنتوف 17 أبريل 1956م والذي وافق الخامس من رمضان 1375ه،ـ كان الفقيد وهو في
سن السادسة والخمسين، طريح فراش المرض، فاقتحم مجموعة من المسلحين المنزل، بعضهم
يرتدي الزي العسكري، فرَوَّعوا أهل الدار، وفر الكبار والصغار مدعورين نحو منازل
الجيران يرتعدون خوفا، أما الزوجة فخرجت للشارع تصرخ وتستغيث بجمهور متعاطف لكنه
قليل الحيلة.
وعن تفاصيل المشهد يقول
السيد محمد الشنتوف حفيد المرحوم عبد السلام في شهادته المشار إليها آنفا: «كان
المهاجمون مسلحين بالعصي والقطع الحديدية؛ هرب من يوجد في البيت من الأبناء عند
الجيران، في حين أخرج المهاجمون الأب من البيت وهم يضربونه ويجرجرونه؛ كما عمدوا
إلى سرقة عدة أشياء من البيت بما في ذلك طعام الفطور. أخذوا الفقيد إلى مكان مجهول،
ثم علقوه في صباح الغد في ساحة إسبانيا (ساحة التحرير حاليا)، وأخذوا يفرغون عليه
الوقود ويحاولون إضرام النار في جسده. هذا المشهد الذي عاينه الناس وأخبروا أسرة
الفقيد به وبتفاصيله كان من القسوة والفظاعة بحيث إن امرأة إسبانية تبيع الفطائر (التشورو)
مقابل الساحة المذكورة رأت المشهد فأصابتها السكتة القلبية وفارقت الحياة من هول
ما رأت (وقد خصص الكاتب المغربي المرحوم محمد شكري لهذه الواقعة أربع صفحات من
روايته "زمن الاخطاء"). بعد ذلك لفوه في غطاء أسود وأخذوه إلى مكان
مجهول حيث وضعوه إلى جانب أشخاص آخرين من بينهم (...) حيث سيمارس عليه تعذيب وحشي
إلى أن يفارق الحياة».
وبعد انقضاء شهر
رمضان طالبت عائلة المرحوم تسليمهم جثته، فوجدوها كاملة وفي حالة يرثى لها.
· رد الاعتبار
وجبر الضرر
بقيت الجريمة بلا عقاب رغم الشكاية التي تقدمت بها أسرة الفقيد لأن أحدا لم يجرؤ ساعتها على فتح الملف، بينما على المستوى الشعبي قوبل الحادث باستنكار شديد، وقد رصد لذات الغرض السيد عبد السلام الطود عدة صفحات من جريدته، ولأنه لا يضيع حق وراءه مطالب، فقد ظهر الحق ولو بعد نصف قرن من الزمن، وذلك بفضل إصرار عائلة الشهيد على إزهاق الباطل ورد اعتبار السيد عبد السلام بن عبد السلام الشنتوف، وبفضل عمل فريق الأبحاث والتحريات بهيئة الإنصاف والمصالحة، وكذلك بفضل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إذ تبين لهيئة الإنصاف والمصالحة أن القضية تدخل ضمن حالات القتل خارج الشرعية، وتم بذلك الإقرار سنة 2005 رسميا وعلنيا بمسؤولية أجهزة الدولة عن الانتهاكات التي تعرض لها الهالك.
لكن وبعد أن تحول السيد
عبد السلام الشنتوف من مقاوم بطل إلى شهيد مظلوم، وبغض النظر عن أي تعويض مهما
كانت قيمته، يبقى السؤال المهم هو ذاك الذي طرحته السيدة (س.ط) خلال جلسة الاستماع
حول صيغة رد الاعتبار وشكله، وحول من سيكون عليه أن يعتذر للشعب المغربي وباسم من؟
· مصادر ومراجع
-
شهادة عائلة المرحوم عبد السلام الشنتوف (أحداث 1956)،
محضر جلسة الاستماع التي انعقدت بمقر هيئة الإنصاف والمصالحة يوم الثلاثاء 15 مارس
2005.
-
مراسلات من لجنة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في
مجال جبر الأضرار بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى السيدة فاطمة الشنتوف، ملف عدد
3570، قضية عبد السلام الشنتوف.
-
شهادة شفهية للسيدة فاطمة الشنتوف سجلت صوتيا خلال لقاء خاص
من تنظيم جمعية أرشيف العرائش لتوثيق التراث الثقافي والبحث التاريخي بتاريخ 29
دجنبر 2020.
-
المفضل التدلاوي، "أضواء على ذاكرة العرائش"، 2001.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق