العلج (1) يوحنا فاش البرتغالي
وعملياته البحرية من العرائش
حسب ما يرويه برناردو رودريغيز
مقدمة
نعرض صورة حية من الاحتقان
السياسي والشعبي الذي كان بين المغاربة والإيبريين في القرن 16 الميلادي جراء طرد
المسلمين من الأندلس واحتلال الشواطئ المغربية وردود الفعل المتبادلة بين الطرفين
مما أدى إلى تهديد أمن منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، وهي منقولة من طرف شخص
عاصر هذه الأحداث وهو البرتغالي برناردو رودريكز في حولياته المسماة حوليات أصيلا
التي دون فيها الأحداث التي سمعها وشاهدها وشارك فيها أحيانا مابين سنة 1508 و1538
وهو الذي ولد في أصيلا (2)
وعاش فيها ورحل عنها مرغما. ومن خلال هذا يمكن فهم خلفيات الصراع المغربي الإيبيري
الذي كان وراءه تعصب وتطرف ديني أعمى كاثوليكي لا يرى حقا للطرف الآخر ويبرره دينيا،
فانتهى هذا التعنث في الأخير بمعركة وادي المخازن التي قوضت عرش الإمبراطورية
البرتغالية وكادت أن تعصف بدولة البرتغال عموما، وفي نفس الوقت الدور الذي لعبته
العرائش في هذا الصراع لتلتفت إليها الأنظار بموقعها الإستراتيجي ما بين أوروبا وإفريقيا؛
في حين كانا موقعي سبتة وطنجة الأزليين تحت السيطرة البرتغالية. كما أن هذه الظروف
ساعدت إلى حد ما في اتساع رقعة تحرك القراصنة وظهور الجهاد البحري في المحيط
الأطلسي بعدما كان مقتصرا على البحر الأبيض المتوسط منذ فترة طويلة.
سأعرض هذه العمليات كما ذكرها
برناردو في حولياته كشهادة تاريخية تعرف بشخص العلج يوحنا والعمليات الجريئة التي
قام بها في الساحل الايبيري، دون ذكر انطباعاته منها التي تنم عن تحيز ونبرة غاضبة
على الرجل وتحامله عليه. وما بدا لمحقق الكتاب من اضطراب في الرواية عند ذكر بعض
العمليات لن ندرجه في هذا العرض درأ لكل غموض واستجلاء للحقيقة التاريخية دون
تأويل.
من هو يوحنا فاش؟
ينحذر يوحنا فاش مايو من الساحل
الغربي للبرتغال من تفيرا إحدى مدن هذا الساحل، كان يعمل صيادا فانتقل إلى اسبانيا
قبل أن يرحل إلى أصيلا التي عمل بها صيادا على متن قارب صيد ذي خمسة مجاديف. كان
قليل الحماس وخدمة المصالح البرتغالية ومتهاونا في تنفيذ اوامر القباطنة
البرتغاليين مختلقا الذرائع اصطحب ابنه معه إلى العرائش وأدخله الاسلام فيما امتنع
صبي رافقه عن ذلك (546 و547) فاتخذ من العرائش (3) منطلقا لعملياته، تلقى منها دعما
وتشجيعا واحتراما من طرف قائدها ناصرالعروسي ومن قائد القصر الكبير أحمد العروسي
التي كانت العرائش تابعة له قبل أن يصبح لها قائد خاص بها كما كان من قبل (4) وعلى
يد هذا الأخير اعتنق الإسلام واختار له اسمه الشخصي: أحمد (5). أرعب
وأخاف سكان الساحل البرتغالي الغربي وكبدهم خسائر وغنم الغنائم وأسر العديد من البرتغاليين
(6) حتى ضجت
البرتغال من عملياته وأصبح حديث البرتغاليين، فأعلنت حالة الطوارئ وجيء بالأسطول
البرتغالي ليحمي هذا الساحل؛ ليغير يوحنا فاش ميدان عملياته إلى مراكب أصيلا البرتغالية.
هيأ مجموعة من القطع البحرية كانت تتشكل من مركبين جزائرين وواحدة من بادس وآخر من
تطوان، ومركب اشتراه قائد القصر الكبير بواسطة خادمه سيدي موسى من بادس (7) يحتوي على ستة عشرة مقعد، اعتبر
يوحنا أكبر ربانها للثقة التي حصل عليه من طرف راكبيها، خاصة وهو الذي راكم تجارب
في الميدان البحري عندما كان بحارا يصطاد السمك بساحل أصيلا. (ص:568)
قتل يوحنا برمح اخترق جسمه من طرف البرتغاليين في
إحدى عملياته. وقع خبر مقتله موقع فرح وسرور لدى البرتغاليين وكان إنجازا كبيرا.
(ص:586).
العمليات البحرية ليوحنا فاش (8)
أولى عمليات يوحنا البحرية التي
أشار إليها برناردو رودريكس كانت على البرتغاليين بأصيلا عند رصيف مرساها حيث كانت
ترسو كرافيلا، أسر خلالها رجلين وصبيا وجدهم وملأ مركبه منها بالشمع والتمر والجلود؛
رغم حالة الاستنفار التي أعلنت للتحرك نحو سور المدينة ليعود هو إلى العرائش
غانما. كما يضيف برناردو أن قائد أصيلا البرتغالي الكوند (9) امتنع
عن مطاردته خشية من كمين قد يكون نُصِب لهم. بعد هذه العملية قام بمهاجمة ميناء
سالتيش بعد ما أوهم أنه قادم بمركبه من تفيرا البرتغالية حيث كانت تتردد على هذا
الميناء سفن كثيرة كل يوم ليتسرب بينها فيغنم مركبين ويأسر ستة رجال ثم يعود إلى العرائش.
وقام أيضا بعملية ثالثة بعد مدة قصيرة في حوض قادس وأسر أكثر من ستة رجال من أبناء
منطقته، وقرب تفيرا أسر أكثر من ستة رجال آخرين وعاد إلى العرائش (ص:587 و586).
وبعملياته هذه ازدادت المراقبة في الشاطئين الأندلسي والبرتغالي بتعزيز الأسطول
الموكول له ذلك. أما في الجهة الأخرى بدأ يوحنا فاش يحظى بمكانة واحترام لدى قائد
القصر الكبير والمغاربة فواظبوا على مساعدته ومرافقته. ولما شُدِد عليه الخناق
بالعدوة الإيبيرية اضطر إلى مهاجمة مراكب أصيلا. وفي مرة وصل بقاربين إلى الرأس
الأبيض قرب أصيلا (5,5 كلم) حيث كانت قوارب الصيد فاعلنت حالة الاستنفار في البحر
حيث جاء العديد من البرتغاليين إلى الساحل لإنقاذ المهاجَمين وأرسل الكوند كرافيلا
على متنها أربعين جندي لتطارد مركبي يوحنا واستطاعت اللحاق بأحدهما فيما هرب
مستقليه سباحة إلى البر وعاد يوحنا فاش بمركبه إلى العرائش سالما (ص:585).
وفي يوم من الأيام وبعد عودته من إحدى عملياته
سرعان ما غادر قاعدته البحرية العرائش في الليل يقود ثلاث بطسات (10) متخفيا على ألا يظهر أمام مراقبي
أصيلا؛ ليدخل ظهرا في حوضي قادس وسان لوكار على مصب الوادي الكبير (11)، وقبل طلوع شمس ذلك اليوم، دخل
النهر المذكور وأنزل خمسين فردا من رجاله فأسروا تجارسوق سانت أنجيشوش ومرتاديه
الذين قضَوا ليلتهم به، دون أن يتركوا لهم فرصة الهروب إذ بلغ أسرى هذه العملية
خمسة عشرة شخص من بينهم تاجرين برتغاليين كانا متجهان إلى قادس. كما أن ثلاثين من
رجال يوحنا اعتقلوا المتوجهين إلى محل بيع الفحم ب أرياش كورداش؛ وهو موقع قريب من
النهر يبعد عن هذا الاخير بحوالي خمسة عشرة كلم وعن المصب بإحدى عشرة كلم. ومع
طلوع الشمس غادر النهر والتحق برفاقه المنتظرين له قرب الساحل آسرين عشرين مسيحيا.
وبعد وصول الخبر لسان لوكار، جهز دوق ميدنا سيدونيا غليوطة وكرفيلتين وأرسلهما دون
تحقيق الهدف من ذلك لوصولها متأخرة. وهو ينسحب كاد يوحنا فاش أن يستولي على كرفيلا
بقادس مع سفينة شراعية ساعدهما على الافلات تغير اتجاه الرياح الأمر الذي سمح لهما
بدخول المرسى. وقد مر يوحنا قبالة أصيلا متجها نحو العرائش (ص: 569)
هاجم يوحنا فاش كذلك مدينة فارو
التي عاد منها بغنائم وأسر أكثر من خمسين أسير رغم المواجهة التي تلقاها من طرف
سكان فارو ولولي الذين هموا لاسترجاع ما غنمه يوحنا من الغنائم والأسرى لكنهم
عجزوا رغم كثرة رماتهم ، فاحتمى المهاجمين المغاربة وراء سفينتهم ثم اتجهوا بحرا
إلى أرياش كورداش إحدى مدن الساحل الأندلسي فاستولوا هناك على ثلاث سفن أبقوا
واحدة لصلاحيتها ؛ فيما تركوا الباقي ؛ وهي سفينة كانت لأحد سكان تفيرا كان يجلب
بها القطن والعاج من الرأس الأخضر(12) إلى
قادس ، وعاد يوحنا فاش إلى العرائش بسفينته وطاقمها بغنائم وسبعين من الأسرى(13) استقبل
خلالها بحفاوة من طرف القائد الذي كافأه على إنجازه من عائدات الغنائم بنصيب معتبر
. وفي عملية أخرى سنة 1531 قادها يوحنا فاش؛ كان معززا ببطسة أخرى ذات خمسة عشرة
صفا مجدافيا يرأسها الرايس الكبير كان قد اشترها له قائد العرائش ناصر العروسي
(ص:584) بالإضافة إلى سفينة سلا؛ نحو ساحل الغرب البرتغالي من جديد غنم خلالها عدد
من المراكب وفقد أكثر من 4 مرافقيه وكرافيلتين وأكثر من 25 أسير وقد طاردتاهم
كرافيلتين حتى مدخل ميناء قادس أجبرتاهم على الانسحاب ومروا قبالة أصيلا. وكان قد
سبق هذا الهجوم؛ محاولة استهداف بطسة يوحنا فاش التي كانت وقتها بين مدخل مينائي
أيمونت وليب من طرف الأسطول الحربي البرتغالي الذي كان يحرس الغرب البرتغالي
فقصفها بمدفعيته (ص:584). لكن سفينة العرائش التي أصيبت في مجادفها ابتعدت عن
الاسطول بفعل هدوء الرياح الداخلية فتبعتها سفينة دو كونصالو مرفوقة بالقوارب إلا
أن البطسة العرائشية نظمت هجوما مضادا عليها؛ محاولة من طاقمها اقتحام البطسة
البرتغالية التي كانت أصغر منها.
المصدر:
حوليات أصيلا برناردو رودريغز تعريب الدكتور احمد
بوشرب الطبعة الاولى سنة 2007
الهوامش:
1. رؤساء المراكب الجهادية جلهم كانوا من الأتراك
والعلوج ـ قراصنة المحيط الاطلسي احمد بوشارب مطابع عكاد 1998 ص:7 والعلج هو
المسيحي الذي أسلم ـ حوليات أصيلا [هامش] ص: 148
2.
احتلت
أصيلا من طرف البرتغاليين سنة 1471 وأقاموا بها إلى حدود سنة 1550 م حوليات أصيلا
ص: 274
3.
وصل
بارباروسا سنة 1517 إلى العرائش على رأس 14 سفينة مجدافية للاحتماء بنهرها بعدما
حصل على غنائم ـ حوليات أصيلا ص: 211 كما اتخذها الأتراك والاندلسيين منطلق
عملياتهم البحرية كالرايس محمود والرايس الكبير وقرطان الغرناطي ـ حوليات أصيلا ص:
301-303
4.
ذكر
برناردو قائدين للعرائش قبل ناصر العروسي وهما على التوالي أمين الغرناطي ومن بعده
جاء القائد علي بن شقرون فذكر الاول في الاحداث التي وقعت قبل سنة 1515 م والثاني
ضمن احداث سنة 1515 و1516. حوليات أصيلا ص :182 142 204. وتولى ناصر العروسي مهمة
قائدا للعرائش بعدما انتقل أبوه أحمد العروسي إلى تازة قائدا لها سنة 1529 فيما
تولى ابنه الآخر عبد الواحد قيادة القصر الكبيرـ حوليات أصيلا ص: 469، 550، 551.
5.
أشارإلى
هذا العلج الاخباري البرتغالي دو سوسا ب"أنه صيادا برتغاليا فر من أصيلا
والتحق بالقصر الكبيرحيث أسلم ووضع نفسه في خدمة قائدها الذي كان نفوذه يشمل مدينة
العرائش وقد أرسله القائد المذكور إلى ذلك الميناء ليرأس أسطولا كان في ملكيته ،
كان يعمل به بحارة مغاربة وأتراك وعلوج وسرد الاخباري المذكور ما ألحقه ذلك العلج
من الخسائر بجنوب اسبانيا والبرتغال ..."قراصنة المحيط الأطلسي مرجع سابق ص:
7
6.
أسر أكثر
من 200 من المسيحيين حوليات أصيلا ص: 449
7.
ضواحي
بادس كانت من أشهر المناطق المغربية التي توفر الخشب لصناعة السفن بسبتة في العهد
الموحدي لتواجد بها غابات من شجر الأرز. نصوص جديدة ودراسات في تاريخ الغرب
الاسلامي محمد الشريف كلية الاداب والعلوم الانسانية مجموعة البحث في التاريخ
المغربي والاندلسي ط/1 تطوان ص: 96
8.
عمليات
ذكرها برناردو من جملة أحداث سنتي 1530 و1531
9.
القبطان
دون يوحنا كوتينيو
10.نوع من السفن الجهادية التي كانت تبحر في البحر
الأبيض المتوسط ـ حوليات أصيلا ص: 54 [هامش]
11.ذكر هذه العملية كذلك دو سوسا ـ قراصنة المحيط مرجع
سابق ص: 7
12.أرخبيل من الجزر توجد في المحيط الأطلسي تبعد عن
سواحل السينغال، اكتشفها البرتغاليون سنة 1460 فهي اليوم دولة مستقلة.
13.نفس
العملية ذكرها البرتغالي دو سوسا وقال إن عدد الأسرى بلغ 60 فرد ـ قراصنة المحيط
مرجع سابق ص: 7