أحمد بن خالد الناصري.
"الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، منشورات دار الكتاب، الدار البيضاء. الجزء التاسع. ص [24-26]
"الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، منشورات دار الكتاب، الدار البيضاء. الجزء التاسع. ص [24-26]
قد قدمنَا أَن السُّلْطَان الْمولى عبد
الرَّحْمَن رَحمَه الله قد طَاف فِي آخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
وَألف على ثغور الْمغرب ومراسيه وَأَنه أَرَادَ إحْيَاء سنة الْجِهَاد فِي
الْبَحْر الَّتِي كَانَ أغفلها السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله وَأمر
أَعنِي الْمولى عبد الرَّحْمَن بإنشاء أساطيل تضم إِلَى مَا كَانَ قد بَقِي من
آثَار جده سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَأذن لرؤساء الْبحار من أهل العدوتين سلا
ورباط الْفَتْح أَن يخرجُوا فِي القراصين الجهادية للتطواف بسواحل الْمغرب وَمَا
جاورها فَخرج الرئيسان الْحَاج عبد الرَّحْمَن باركاش والحاج عبد الرَّحْمَن بريطل
فصادفوا بعض مراكب النابريال فاستاقوها غنيمَة إِذْ لم يَجدوا مَعهَا ورقة
الباصبورط الْمَعْهُودَة عِنْدهم وعثروا فِيهَا على شَيْء كثير من الزَّيْت
وَغَيرهَا وَكَانَ بَعْضهَا قد جِيءَ بِهِ إِلَى مرسى العدوتين وَبَعضهَا إِلَى
مرسى العرائش فهجم النابريال على مرسى العرائش بِسِتَّة قراصين يَوْم
الْأَرْبَعَاء الثَّالِث من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف
وَرمى عَلَيْهَا من الكور شَيْئا كثيرا من الضُّحَى إِلَى الاصفرار وَعمد فِي
أثْنَاء ذَلِك إِلَى سَبْعَة قوارب فشحنها بِنَحْوِ خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر
ونزلوا إِلَى الْبر من جِهَة الْموضع الْمَعْرُوف بالمقصرة وتقدموا صُفُوفا قد
انتشب بَعضهم فِي بعض بمخاطيف من حَدِيد لِئَلَّا يَفروا وَمَشوا إِلَى مراكب
السُّلْطَان الَّتِي كَانَت مرساة بداخل الْوَادي وهم يقرعون طنابيرهم ويصفرون
ومراكبهم الَّتِي فِي الْبَحْر ترمي بالضوبلي مَعَ امتداد الْوَادي لتمنع من
يُرِيد العبور إِلَيْهِم فَانْتَهوا إِلَى المراكب وأوقدوا فِيهَا النَّار وقصدوا
بذلك أَخذ ثأرهم فِيمَا انتزع مِنْهُم فَلم يكن إِلَّا كلا وَلَا حَتَّى انثال
عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ من كل جِهَة من أهل السَّاحِل وَغَيرهم وَعبر إِلَيْهِم
أهل العرائش وأحوازها سبحا فِي الْوَادي وعَلى ظهر الْفلك إِلَى أَن خالطوهم
وفتكوا فيهم فتكة بكرا وَكَانَ هُنَالك جملَة من الحصادة يحصدون الزروع فِي الفدن
فَشَهِدُوا الْوَقْعَة وأبلوا بلَاء حسنا حَتَّى كَانُوا يحتزون رُؤُوس النابريال
بمناجلهم وَقد ذكر منويل هَذِه الْوَقْعَة وبسطها وَقَالَ إِن النابريال قتل
مِنْهُم ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ سوى الأسرى وَتركُوا مدفعا وَاحِدًا وشيئا كثيرا
من الْعدة وأفلت الْبَاقِي مِنْهُم إِلَى مراكبهم وذهبوا يلتفتون وَرَاءَهُمْ
وَاعْلَم أَن هَذِه الْوَقْعَة هِيَ الَّتِي
كَانَت سَببا فِي إِعْرَاض السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن عَن الْغَزْو فِي
الْبَحْر والاعتناء بِشَأْنِهِ فَإِنَّهُ رَحمَه الله لما أَرَادَ إحْيَاء هَذِه
السّنة صَادف إبان قيام شَوْكَة الفرنج ووفور عَددهمْ وأدواتهم البحرية وَصَارَ
الْغَزْو فِي الْبَحْر يثير الْخُصُومَة والدفاع والتجادل والنزاع ويهيج الضغن
بَين الدولة الْعلية ودول الْأَجْنَاس الموالية لَهَا حَتَّى كَاد عقد المهادنة
ينفصم وأكد ذَلِك اتِّفَاق اسْتِيلَاء الفرنسيس على ثغر الجزائر وَهُوَ مَا هُوَ
فَوَجَمَ السُّلْطَان رَحمَه الله وأعمل فكره ورويته فَظهر لَهُ التَّوَقُّف عَن
أَمر الْبَحْر رعيا للْمصْلحَة الوقتية ولقلة الْمَنْفَعَة العائدة من غَزْو المراكب
الإسلامية وانضم إِلَى ذَلِك إعلان الدول الْكِبَار من الفرنج مثل النجليز
والفرنسيس بِأَن لَا تكون المراكب إِلَّا لمن يقوم بضبط قوانين الْبَحْر الَّتِي
يَسْتَقِيم بهَا أمره وتحمد مَعهَا الْعَاقِبَة وتدوم بحفظها الْمَوَدَّة على
مُقْتَضى الشُّرُوط وَمن مهمات ذَلِك تَرْتِيب القناصل بالمراسي الَّتِي تُرِيدُ
الدولة دُخُول مراكبها إِلَيْهَا وتجارتها فِيهَا أَي دولة كَانَت وَمن هَذِه
الْمُهِمَّات مَا قد لَا يساعد عَلَيْهِ الشَّرْع أَو الطَّبْع مثل الكرنتينات
وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا فِيهِ هوس كَبِير فَاشْتَدَّ
عزم السُّلْطَان رَحمَه الله على ترك مَا يُفْضِي إِلَى ذَلِك وتأكد لَدَيْهِ
إهماله لتوفر هَذِه الْأَسْبَاب ولعمري أَن تَركه لمصْلحَة كَبِيرَة لمن أمعن
النّظر فِيهَا وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ وَأما فتْنَة النابريال هَذِه
فَإِنَّهَا تفاصلت بِوَاسِطَة النجليز حَيْثُ وَجه باشدوره مَعَ باشدور النابريال
فَقدما على السُّلْطَان رَحمَه الله مكناسة فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ
وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف
صورة المنشور لموقع المعركة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق