السبت، 27 أكتوبر 2018

الباشا علي بن محمد أزطوط

 الباشا علي بن محمد أزطوط العرائشي (سلطته ونفوذه)




   بقلم : عبد الحميد بريري

النص الأول

الحمد لله وحده              وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وصحبه وسلم

محبنا القائد المختار بن عمر اعانك الله وسلام عليك ورحمت الله عن خير مولانا المنصور بالله وبعد فقد وصلنا كتابك مخبرا فيه بوصولك لمصمودة ووجدتَها مروَّعة جلها راحل وليست على الحالة التي كتب لنا الشيخ بها بل ذلك منهم غُوغةً عليه ووقع بينهم فتنة ومات من مات واجتمع ءال زوايا القبيلة واصلحوا ما بينهم وتصالحوا واتفقوا على تولية رجل منهم من بني عاصم واذعنوا لإعطاء الحُرّاك الهدية وهم على سبيل الطاعة وقد كتب لنا بهذا ءال زواياهم وحيث أمرهم كما ذكرتم فحضوهم على تقويم حرّاكهم وتوجيههم إلينا لننظر حزمهم واستعدادهم ثم يشرعوا في فرض هديتهم وقبضها وليشدوا عضدهم الخيل التي وجهنا لهم قبلك على قبضها وإذا قبضوها فليصحبوها بأيديهم وليقدموا إلينا ليتم الله أمرهم بخير إن شاء الله وبوصول كتابنا هذا إليك أقدم إلينا مع الخيل التي توجَّهت معك والله يعينكم والسلام وفي 22 رمضان 1278 .

[الخاتم]         
خديم المقام العالي بالله
الحاج علي بن محمد 
وفقه الله       

النص الثاني

الحمد لله وحده        وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى ءاله
محبنا الشيخ السيد محمد المزوري وفقك الله وسلام علينا و (جزء مبتور) تعالى وبركاته عن خير مولانا أيده الله ونصره وبعد فقد وصلنا كتاب (جزء مبتور) ووصلت الأربعون مثقالا التي وجهتها من قبل هدية ربيع النبوي الشريف الأتي أعانك الله والسلام في 28 صفر الخير عام 1281 .

[الخاتم]         
خديم المقام العالي بالله
الحاج علي بن محمد 
وفقه الله       
      

[الوثيقتان في ملكية السيد عبد اللطيف المزوري وهما عبارة عن رسالتين جوابيتين من الحاج علي بن محمد إلى كل من القائد المختار بن عمر سنة 1278ه، والشيخ مقدم مقدمي الزوايا بالعرائش السيد محمد المزوري سنة 1281ه]

الاسم
ذكر السيد علي بن محمد ازطوط بأسماء مختلفة في نفس الفترة من خلال المصادر والمراجع التاريخية المتاحة، ففي ظهير توقير للشرفاء العسريين بالعرائش والقصر الكبير وآل سريف يرجع إلى سنة 1875ه (في ملك عبد اللطيف المزوري) ذكر بعلي العرائشي وذكر باسم علي بن محمد ازطوط في اللوحة التعريفية بضريح سيدي عبد الكريم باعتباره بانيه، وذكره أيضا الدكتور إدريس شهبون بصفته عامل العرائش تحت اسم علي ازطوط، وتطابقت بعض المصادر بذكره باسم علي بن محمد كتاريخ تطوان بصفته عامل على العرائش وأصيلا سنتي 1876 و 1877 ج/5 ص: 51 ونسخة من عقد البيعة للسلطان مولاي الحسن الأول سنة 1290ه بصفته عامل على منطقة العرائش وتحت إشرافه بيعة أهل العرائش وجيشها وأعيان القصر الكبير وأهل بني جرفط وأهل أصيلا وأهل الساحل [أصل البيعة محفوظ لدى مديرية الوثائق الملكية تحت عدد 370]، كما جاء باسم جامع وشامل وكامل (الفقيه الباشا سيدي الحاج علي أزطوط القموري الحسني العرائشي) في نسخة من عقد نكاح ابنه السعيد بكنزة بنت احمد بن التهامي التالوني، بتاريخ 19 صفر الخير 1319 ه [الوثيقة في ملكية السيدة حنان القموري].


مصطلحات
غوغة : يقصد بها الغوغاة  لغة، هو صوت القوم، ومنها الغوغاء سفلة الناس وتعني كذلك الضجة والضوضاء والصياح. والمعنى في النص هو منعه وثنيه على إبلاغ الحاكم بما وقع خوفا من عقابه.
مصمودة : إحدى القبائل الجبلية والقريبة من مدينة وزان احتفظت باسم مصمودة لأنها القبيلة الأمازيغية التي سكنت المنطقة الساحلية للمحيط الأطلسي وتعتبر غمارة إحدى فروعها وبني حسن فخدة منها وهي التي تستوطن الضفة اليسرى لنهر سبو حاضرتها سيدي سليمان القبائل الثلاث تنتمي إلى القبيلة الأم .  
بنو عاصم : فرقة من مصمودة الحالية.
الحرّاك : نسبة إلى الحركة وهم عناصر جندها والتي هي العملية التي  كان المخزن المغربي يقوم بها لتأديب القبائل. يتكون جيش الحركة من الجيش المخزني ومن العناصر التي تساهم بها قبائل النايبة، فرسان كانوا أم مشاة، وهذا ما يظهر من خلال النص الأول(les tribus arabes de la vallee du lekkous p141 Edward Michaux Bellaire et George Salmon)
الهدية : هي عطاء شكر للسلطان تمنحه المدن والقبائل والزوايا عند كل العيدين وعند ذكرى المولد النبوي وهو ما يفصح عنه صراحة عبارة "هدية ربيع النبوي" وتاريخ تقديمها  28 صفر الخير في النص الثاني (Les tribus arabes de la vallee de lekkous op cit p140)
المثقال :   كان يزن في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان حوالي 5 غرامات من الذهب لينتقل إلى حوالي 29 غرام في عهد الحسن الأول.

ظروف النصين :
تنتمي الفترة التي كتب فيها النصين إلى عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان ، والتي أعقبت هزيمة حرب تطوان (1859/1860) ومن قبلها هزيمة إيسلي مما حدا بالدولة المغربية إلى الإنشغال بالإصلاحات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والإدارية والمالية؛ خاصة النقص المالي في الخزينة بسبب الديون التي ترتبت عن الهزيمتين أمام فرنسا وإسبانيا، اللتان زادتا من أطماعهما في المغرب بسبب انكشاف ضعفه بعدما كان مهاب الجانب منذ معركة وادي المخازن. كما تميزت هذه الفترة بنوع من الاستقلال في اتخاذ القرار على الصعيد الجهوي واتساع رقعة المجال الترابي لهذه الوحدات الإدارية، وكان فيها السلطة لحكام الجهات؛ لتعرف بعد التعديلات في تقليص الرقعة الترابية لهؤلاء الحكام لكي لا يتغولوا أمام السلطة المركزية وذلك في عهد السلطان محمد الرابع وبالفعل هذا ما أدى إلى تقليص الرقعة الجغرافية لجهة العرائش بإلحاق بعض القبائل الجبلية القريبة من طنجة وتطوان إلى هاتين الحاضرتين .( ميشوبلير Michaux Bellaire Quelques tribus des montagnes de habt) والتي كانت من قبل  في عهد السلطان المولى عبد الرحمان تحت حكم الباشا أبي سلهام بن علي أزطوط بما فيها طنجة. [Le GHARB/ MICHAUX BELLAIRE) )] كما كانت سياسة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان تهدف إلى تقوية الجهاز العسكري ودعمه خاصة في الثغور الإستراتيجية كالعرائش [متنوعات محمد حجي  - الجيش المغربي في القرن 19 ملاحظات أولية ذ/ مصطفى الشابي ص : 386 كلية الآداب الرباط] لدرء المخاطر الأجنبية عن المغرب وتعزيز الجبهة الداخلية بفرض هيبة الدولة داخل المناطق النائية؛ وخاصة الجبلية منها  التي كانت دائما تروم إلى نوع من الاستقلال عن السلطة المركزية وفي ظل تزايد الانتقادات الأجنبية، وفق تصور مصلحي، لضعف سلطة الدولة المغربية على كافة ترابها مما يصعب عليها استيفاء الضرائب للقيام بإصلاحات لتحديث الدولة ومن الجهة الرسمية توفير المداخيل الكافية للقيام بدعم القدرات الدفاعية للبلاد أمام الأطماع المتزايدة.

تحليل النصين
النص الأول
 بعد الحمد والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ جواب محمد بن علي بصفته ذي سلطة ونفوذ على المنطقة  التي أرسل إليها  القائد المختار بن عمر بعدما أخبر هذا الأخير بوصوله إلى مصمودة ، ومذكرا بما جاء في رسالته واصفا الحالة التي وجد عليها القبيلة ووصفها ب "المروعة" وقد رحل أغلب سكانها ومات منها من مات وهذا الوصف، يقول المجيب،  يخالف ما أخبر به الشيخ  من قبل، وقد كان تستر الشيخ عن هذا الواقع بعدما منعه وثنيه بالضغط الذي مورس عليه، وهو ما عبر عنه غوغاة أي سلوك من طرف سكان القبيلة حتى لا يصل الخبر إليه. ويضيف علي بن محمد في جوابه هذا عن الإجراءات التي اتخذها أهل زوايا القبيلة بإصلاح ذات البين بينهم فتصالحوا فعلا واتفقوا على جعل رئيس عليهم من بني عاصم، كما وافقوا على إعطاء الهدية لجند الحركة طائعين. وهي النتيجة نفسها التي أخبر بها أهل زوايا مصمودة. وبما أن الوضع قد استقر أمره، أي الأمر موجه للقائد، بتعويض عناصر الجند الذي عبر عنهم بالحرّاك  ثم بعثهم إليه ليرى مدى جديتهم واستعدادهم لتوفير الأمن بالقبيلة مستقبلا. ومن بعد هذا أوجب عليهم في فرض هديتهم واستلامها والاستعانة على ذلك بالخيل التي كان علي بن محمد قد أرسلها إلى حرّاك القبيلة قبل إرسال القائد المذكور، وعند قبض الهدية  أن يأتوا بها إليه ليكمل الله الهدف الذي وجههم إليه إن شاء الله وهو استتباب الأمن؛ كما يأمر علي بن محمد القائد بالعودة إليه مع الخيل التي توجهت معه فور وصول هذا الكتاب داعيا له الله أن يعينه ومسلما عليه . وأرخ لهذا الرسالة بتاريخ 22 رمضان 1278 هجرية موافق سنة. وتحت الرسالة خاتم كتب وسطه خديم المقام العالي بالله علي بن محمد وفقه الله.

النص الثاني
 بعد الحمد والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ جواب علي بن محمد على الشيخ محمد المزوري يخبره فيها بتوصله بهدية ذكرى المولد النبوي التي كان مقدارها 40 مثقالا مع الدعاء له بأن يعينه الله والسلام عليه والرسالة مؤرخة في 28 صفر الخير عام 1281.
وتحت الرسالة خاتم كتب وسطه خادم المقام العالي بالله علي بن محمد وفقه الله


دار الباشا بمدينة العرائش مستندة على جامع الأنوار قبل هدمهما من طرف سلطات الحماية، المبنى كان يحتل وسط ساحة دار المخزن حاليا

سلطة ونفوذ باشا العرائش علي بن محمد أزطوط
علي بن محمد أزطوط  الإدريسي الريفي العرائشي من عائلة أزطوط العرائشية التي كانت لها السلطة والنفوذ في المنطقة الممتدة شمال سبو، منذ عهد السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام إلى عهد السلطان المولى الحسن الاول، وقد كان أشهرهم الفقيه الدبلوماسي والحاكم بوسلهام بن علي أزطوط، الذي لعب دورا مهما في إرجاع العلاقات المغربية الفرنسية إلى سابق عهدها قبل احتلال الجزائر؛ من خلال مفاوضاته الجريئة مع فرنسا ودهائه السياسي لطي صفحة من توتر العلاقات إلى صفحة عاد فيها الهدوء والنظر إلى مستقبل من التفاؤل، كما قام بسياسته الداخلية إلى النفوذ داخل القبائل التي غالبا تكون خارج السلطة المركزية بفعل ثوراتها من حين لآخر؛ مستعملا الحزم والقوة من جهة والعدل بين أفراد القبيلة الواحدة وبين القبائل من جهة ثانية؛ إلى هذه المدرسة انتمى باشا العرائش علي بن محمد أزطوط حيث تشهد الوثيقتان المؤرختان عامي 1278 و1281 هجرية موافق 1861 و 1864م على هذا النفوذ والسلطة على المنطقة التي كان يحكمها وعلى العلاقة الطيبة التي تجمعه مع الزوايا باعتبارها إحدى المؤثرات داخل المجتمع المغربي آنذاك بنفوذها ودورها الاجتماعي .  
تتجلى هذه السلطة والنفوذ من خلال حدثين عرفتهما منطقة العرائش إبان توليته باشا على العرائش من طرف السلطان سيد محمد بن عبد الرحمان، وهما ما يعبر عنه اليوم تنازل السلطة المركزية عن بعض اختصاصاتها للسلطات المحلية عبر نظام اللاتركيز الإداري :
حدث أن وقع اقتتال بين أفراد قبيلة مصمودة بتاريخ 22 رمضان 1278 موافق سنة 1861 أودت بحياة بعض سكان القبيلة ورحل أغلبهم، فجهز الباشا علي بن محمد أزطوط حركة بالخيل لإخماد نار الفتنة بينهم لكن الحركة من الراجح أنها فشلت، فحاول شيخ القبيلة الذي كان يترأسها إخفاء حقيقة الوضع الأمني هناك بضغط ومنع من بعض سكان القبيلة. فلم يلبث الباشا أن أرسل القائد  المختار بن عمر بجيش لاستتباب الأمن وإرجاع الحالة لما كانت عليها من قبل وقبل وصول قائده إلى هناك، وصله كتاب من أهل زوايا مصمودة يخبرونه : أن قاموا بعملية المصالحة بين المتخاصمين وعينوا عليهم رئيسا؛ رجل من بني عاصم إحدى فرقهم ووافقوا على إعطاء الحرّاك العطاء طائعين مستسلمين. وقد أكد هذا الوضع الجديد القائد المختار في رسالة إلى الباشا، هذا الأخير أمره في رسالته الجوابية إليه بأن يحض سكان القبيلة على العطاء للحرّاك مع أمر هؤلاء بالتوجه للباشا لينظر مدى استعدادهم وجديتهم في فرض الأمن مستقبلا في القبيلة. كما أمر الحرّاك بالشروع في قبض الهدية باستعمال الخيل الذي وجهها إليهم قبل وصول القائد. وبعد الانتهاء من عملية أخذ الهدية، أن يأتوا إليه حاملين إياها. ثم طلب من القائد المختار بن عمر كذلك العودة بدوره مع الخيل التي وجهها معه.
هذا على مستوى القبائل وكيف أذعنت مصمودة للباشا واستسلم أهلها، أما الزوايا كمستوى ثاني فسارعوا إلى التدخل للقيام بالمصالحة بين السكان ومكاتبة الباشا فورا قبل وصول القائد المرسول بالجنود لاسترجاع الأمن المفقود، وفي النص الثاني حول هدية الزوايا كيف كان أهل الزوايا؛ مواظبين على إعطاء الهدية للباشا عند حلول شهر ربيع الأول مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ما توثقه الرسالة الجوابية من الباشا علي بن محمد أزطوط؛ مخبرا فيها مقدم مقدمي الزوايا بالعرائش آنذاك وهو محمد المزوري يوم 28 صفر الخير 1281 بالتوصل بالهدية وكان مقدارها أربعين مثقالا (عملة ذهبية).   
يتبين من خلال النصين أنه كانت هناك سلطة فعلية على قبيلة مصمودة وسلطة تراتبية تفصح عنها ذلك التواصل بين شيخ القبيلة الذي لم يتوان على إخبار رئيس السلطة الإدارية بمركز جهة العرائش؛ ولو أنه حاول إخفاء حقيقة الفتنة التي وقعت في القبيلة فالباشا هنا لم يطمئن لتقرير الشيخ؛ إما أن الفتنة لازالت قائمة أو خمدت نارها دون ذكر نتائجها عبر مصادر خاصة أخبر بها الشيء الذي يبرز النفوذ الذي كان يتمتع به الباشا داخل المنطقة. هنا الباشا سيستمر في ممارسة اختصاصاته في تحقيق الأمن، فيرسل القائد المختار بن عمر وهو بلا شك قائد جند لدى الباشا وقبل وصوله إلى مصمودة جاءه مرسول من أهل زوايا القبيلة يخبر فيه أن مصالحة واتفاق بين سكان القبيلة قد وقع، وهذا يبرز كذلك نفوذ الباشا على الزوايا ويزداد تأكيد هذا النفوذ في النص الثاني، وهو الجواب على وصول هدية زوايا العرائش بمناسبة المولد النبوي. كما أن تدخل الباشا في استرجاع الأمن المفقود يؤكد حزم الباشا في ممارسة سلطته على القبيلة ولكن بنوع من المرونة دون البطش واستعمال القوة بعد التي أرسلها إلى هناك، وإنما اكتفى بمطالبته بتعويض الحرّاك وقبض الهدية كحل وسط عوض معاقبة مثيري الفتنة؛ والإبقاء على الاتفاق والمصالحة التي أشرف عليها أصحاب الزوايا؛ وهو في نفس الوقت اعتراف من السلطة المركزية بدور الزوايا الاجتماعي في استتباب الأمن الذي هو الهدف الأسمى للدولة والغرض من السلطة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق